الباحثون عن عمل والمُسرَّحون.. استثمار الطاقات من أجل الغد
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
عباس المسكري
في قلب كل دولة تطمح إلى النهوض، يشكّل الشباب ركيزة التنمية، وعصب المستقبل، ووقود النهضة الاقتصادية والاجتماعية، ومن هنا، تبرز قضية الباحثين عن عمل والمسرّحين من وظائفهم؛ باعتبارها من أبرز التحديات التي تمس نسيج المجتمع واستقراره، ولا سيما في ظل ما يشهده العالم من تحوّلات اقتصادية متسارعة.
لقد تحوّلت هذه القضية من كونها أزمة وظائف إلى قضية تمسّ التوازن المجتمعي، وتمثل ضغطًا مستمرًا على طموحات شريحة واسعة من الشباب، ومما يزيد من تعقيدها غياب الحلول العملية المتكاملة، وتأخر تنفيذ المبادرات بالشكل الذي يوازي حجم التحدي القائم. لذا فإنَّ المرحلة تستدعي حراكًا نوعيًا مختلفًا، يتجاوز الطرح النظري إلى تفعيل أدوات التنفيذ والمتابعة، وبمشاركة الجهات كافةً.
من الأهمية القصوى أن تعمل الجهات الحكومية المختصة على إيجاد بنية تحتية مُتكاملة من خلال تأهيل وتطوير المدن والمناطق الصناعية لتكون بيئة مثالية وجاذبة للاستثمار؛ حيث يتطلب ذلك تحسين شبكات النقل، والموانئ، والطرق، بما يعزز كفاءة الأنشطة اللوجستية ويُسهم في تقليص التكاليف التشغيلية. كما يستدعي الأمر خفض رسوم الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والغاز، وتسهيل إجراءات تخصيص الأراضي الاستثمارية، مع اعتماد إيجارات محفزة داخل المناطق الصناعية، وهذه الإجراءات تمثل مرتكزًا رئيسيًا لتحفيز القطاع الخاص على ضخ مزيد من الاستثمارات، وخلق فرص عمل نوعية ومستدامة.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية تفعيل دور ترويج الاستثمار لتقود عملية استقطاب رؤوس الأموال نحو قطاعات استراتيجية كالصناعة والسياحة والتكنولوجيا، ولتحقيق الأثر المنشود، ينبغي أن ترتبط المحفزات الاستثمارية بفرص توظيف الكفاءات الوطنية، مع تيسير الإجراءات الإدارية، وتقديم الدعم الفني واللوجستي، بما يعكس بيئة أعمال مرنة وواضحة المعالم.
أما في القطاع السياحي، فإن على وزارة التراث والسياحة مسؤولية مضاعفة الجهود في الترويج الخارجي للسلطنة، وتسليط الضوء على المقومات الطبيعية والثقافية التي تزخر بها، من تنوّع جغرافي فريد، وسواحل خلابة، ومواقع أثرية وتاريخية تعكس عمق الحضارة، كما يُنتظر من الوزارة توفير التسهيلات اللازمة لاستقطاب مشاريع سياحية نوعية في مختلف المحافظات، قادرة على استيعاب أعداد من الباحثين عن عمل في وظائف مباشرة وغير مباشرة.
وفي جانب آخر، يأتي دور وزارة العمل بوصفها الجهة المسؤولة عن رسم سياسات سوق العمل، وتوجيهه نحو تحقيق التوازن بين العرض والطلب، ويُنتظر منها إعداد خطة إحلال زمنية واضحة، وتطبيقها على أرض الواقع بعيدًا عن الاكتفاء بالتصريحات أو الخطط المكتوبة، كما ينبغي تعزيز جهودها في المتابعة الميدانية، وتنظيم العلاقة بين الباحثين عن عمل ومؤسسات القطاع الخاص، من خلال ربط فعّال بين المهارات المطلوبة والبرامج التدريبية.
ولا بُد من تبنِّي قرارات جريئة تدفع بعجلة الإحلال، لأن النسب الحالية المُعلنة لا ترقى إلى مستوى التحدي، ولا يمكنها استيعاب العدد المُتزايد من الشباب المؤهل، إلى جانب ذلك، يبقى الدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عنصرًا حاسمًا، لما تمثله من عمق اقتصادي، ودور محوري في استحداث الوظائف وتوسيع القاعدة الإنتاجية.
من جهة أخرى، فإن على الجهات الحكومية المعنية بالتنسيق مع البنك المركزي العُماني، تسهيل الوصول إلى التمويل عبر برامج إقراض مُيسَّرة، وتقديم إعفاءات جمركية وضريبية للمشاريع التي تلتزم بأهداف التوطين وخلق فرص العمل، كما أن توجيه البنوك المحلية لدعم المشاريع الإنتاجية، يمثل أحد مفاتيح التمكين الاقتصادي.
إنَّ ملف الباحثين عن عمل والمُسرَّحين من أعمالهم لا يُمكن أن يبقى حبيس التصريحات أو العبارات المتكررة؛ بل لا بُد أن يُقرأ بواقعية، ويُعالج بمنهجية تُحوّل التحدي إلى فرصة، فهؤلاء الشباب ليسوا أرقامًا في تقارير؛ بل هم طاقات قادرة على البناء، متى ما وُضعت في المكان الصحيح.
والكُرة الآن في ملعب الجهات المعنية كافة، فإمَّا أن يتم استثمار هذه الطاقات لصالح الوطن، أو تُهدر في دوامة الانتظار واللا جدوى. وبين هذا وذاك، يبقى الأمل قائمًا، والعمل هو السبيل الوحيد لترجمة الطموحات إلى واقعٍ ملموس، يستوعب الشباب، ويمنحهم دورهم الطبيعي في مسيرة التنمية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الصين تكشف السر الكيميائي للتخلص من أسراب الجراد المدمرة
لطالما اعتبر الجراد غازيا مدمرا للمحاصيل الزراعية، ويحتاج للقيام بذلك إلى سلاح واحد فقط، وهو إشارة كيميائية تحوله من كائنات فردية مسالمة إلى جيش ضارب متحرك.
الآن، ولأول مرة، تمكن العلماء من فك شفرة هذه "الرسالة" الكيميائية التي تمكن الجراد من "التحدث" مع بعضه البعض بلغة سرية تدفعه إلى الاتحاد في أسراب مدمرة.
وفي دراسة حديثة نُشرت في دورية "نيتشر"، توصل فريق من علماء الحيوان والمهندسين الجزيئيين وخبراء مكافحة الآفات بالأكاديمية الصينية للعلوم، بالتعاون مع باحثين من جامعة بكين، إلى تحديد الإنزيمات والمركبات المسؤولة عن إنتاج مادة "4 في إيه"، وهي الفيرومون التي تحفز الجراد على الانتقال من حالة الانفراد إلى تشكيل أسراب ضخمة.
وللوصول إلى هذه النتائج، قام الباحثون بتعطيل بعض الجينات في أرجل الجراد الخلفية، حيث يُنتج هذا الفيرومون، حتى حددوا الجين المسؤول عن إنزيم يُدعى "4 في بي إم تي1″، الذي يحول بدوره مركبا أوليا يُعرف باسم "4 في بي" إلى المادة الفعالة "4 في إيه".
وفي خطوة أكثر جرأة، اختبر الباحثون مادة تُدعى "4-نيتروفينول"، ووجدوها قادرة على وقف هذا التحول السلوكي في الجراد عند إضافتها إلى غذائه، وهو ما يفتح الباب أمام استخدامها كرذاذ على المحاصيل لمنع تشكل الأسراب.
وتُستخدم "4-نيتروفينول" كمادة وسيطة لصناعة الأصباغ، وتدخل في صناعة بعض المبيدات الحشرية ومثبطات التآكل، لكن رغم فعاليتها في وأد هجوم الجراد فإن لها تأثيرات بيئية ضارة، وهو ما يدفع الفريق الآن للبحث عن بدائل أكثر أمانا، يمكنها تحقيق التأثير نفسه دون المساس بالبيئة.
ووفق الدراسة، فإن هذا الاكتشاف يمثل خطوة مهمة نحو مكافحة الجراد بطريقة ذكية وآمنة، بعيدا عن المبيدات التقليدية التي لطالما ارتبطت بمخاطر بيئية وصحية.
إعلانوالمبيدات هي الطريقة الأكثر استخداما عالميا في مكافحة الجراد، حيث تُرش جوا أو برا على أسرابه أو مناطق تكاثره، ومن أبرز المبيدات المستخدمة "مالاثيون"، و"دلتامثرين"، و"فبرونيل".
وهذه الأداة فعالة وسريعة المفعول، لكن من عيوبها التأثير سلبيا على البيئة (تلويث المياه والتربة)، وقتل الحشرات النافعة أيضا (مثل النحل)، وتسبب مقاومة في الجراد عند تكرار الاستخدام، لذلك تسعى الفرق البحثية إلى وسائل أكثر أمانا لمقاومة هذه الحشرة المهددة للأمن الغذائي.
ويمكن لسرب واحد من الجراد أن يضم 80 مليون جرادة، ويغطي بهذا العدد حوالي كيلومتر مربع، وهذا السرب يمكنه استهلاك ما يعادل غذاء 35 ألف شخص في يوم واحد، ويتغذى الجراد على جميع أنواع النباتات تقريبا، من القمح إلى الذرة، والأرز، والشعير، والخضروات، وحتى الأشجار.