عباس المسكري

 

في قلب كل دولة تطمح إلى النهوض، يشكّل الشباب ركيزة التنمية، وعصب المستقبل، ووقود النهضة الاقتصادية والاجتماعية، ومن هنا، تبرز قضية الباحثين عن عمل والمسرّحين من وظائفهم؛ باعتبارها من أبرز التحديات التي تمس نسيج المجتمع واستقراره، ولا سيما في ظل ما يشهده العالم من تحوّلات اقتصادية متسارعة.

لقد تحوّلت هذه القضية من كونها أزمة وظائف إلى قضية تمسّ التوازن المجتمعي، وتمثل ضغطًا مستمرًا على طموحات شريحة واسعة من الشباب، ومما يزيد من تعقيدها غياب الحلول العملية المتكاملة، وتأخر تنفيذ المبادرات بالشكل الذي يوازي حجم التحدي القائم. لذا فإنَّ المرحلة تستدعي حراكًا نوعيًا مختلفًا، يتجاوز الطرح النظري إلى تفعيل أدوات التنفيذ والمتابعة، وبمشاركة الجهات كافةً.

من الأهمية القصوى أن تعمل الجهات الحكومية المختصة على إيجاد بنية تحتية مُتكاملة من خلال تأهيل وتطوير المدن والمناطق الصناعية لتكون بيئة مثالية وجاذبة للاستثمار؛ حيث يتطلب ذلك تحسين شبكات النقل، والموانئ، والطرق، بما يعزز كفاءة الأنشطة اللوجستية ويُسهم في تقليص التكاليف التشغيلية. كما يستدعي الأمر خفض رسوم الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه والغاز، وتسهيل إجراءات تخصيص الأراضي الاستثمارية، مع اعتماد إيجارات محفزة داخل المناطق الصناعية، وهذه الإجراءات تمثل مرتكزًا رئيسيًا لتحفيز القطاع الخاص على ضخ مزيد من الاستثمارات، وخلق فرص عمل نوعية ومستدامة.

وفي هذا السياق، تبرز أهمية تفعيل دور ترويج الاستثمار لتقود عملية استقطاب رؤوس الأموال نحو قطاعات استراتيجية كالصناعة والسياحة والتكنولوجيا، ولتحقيق الأثر المنشود، ينبغي أن ترتبط المحفزات الاستثمارية بفرص توظيف الكفاءات الوطنية، مع تيسير الإجراءات الإدارية، وتقديم الدعم الفني واللوجستي، بما يعكس بيئة أعمال مرنة وواضحة المعالم.

أما في القطاع السياحي، فإن على وزارة التراث والسياحة مسؤولية مضاعفة الجهود في الترويج الخارجي للسلطنة، وتسليط الضوء على المقومات الطبيعية والثقافية التي تزخر بها، من تنوّع جغرافي فريد، وسواحل خلابة، ومواقع أثرية وتاريخية تعكس عمق الحضارة، كما يُنتظر من الوزارة توفير التسهيلات اللازمة لاستقطاب مشاريع سياحية نوعية في مختلف المحافظات، قادرة على استيعاب أعداد من الباحثين عن عمل في وظائف مباشرة وغير مباشرة.

وفي جانب آخر، يأتي دور وزارة العمل بوصفها الجهة المسؤولة عن رسم سياسات سوق العمل، وتوجيهه نحو تحقيق التوازن بين العرض والطلب، ويُنتظر منها إعداد خطة إحلال زمنية واضحة، وتطبيقها على أرض الواقع بعيدًا عن الاكتفاء بالتصريحات أو الخطط المكتوبة، كما ينبغي تعزيز جهودها في المتابعة الميدانية، وتنظيم العلاقة بين الباحثين عن عمل ومؤسسات القطاع الخاص، من خلال ربط فعّال بين المهارات المطلوبة والبرامج التدريبية.

ولا بُد من تبنِّي قرارات جريئة تدفع بعجلة الإحلال، لأن النسب الحالية المُعلنة لا ترقى إلى مستوى التحدي، ولا يمكنها استيعاب العدد المُتزايد من الشباب المؤهل، إلى جانب ذلك، يبقى الدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عنصرًا حاسمًا، لما تمثله من عمق اقتصادي، ودور محوري في استحداث الوظائف وتوسيع القاعدة الإنتاجية.

من جهة أخرى، فإن على الجهات الحكومية المعنية بالتنسيق مع البنك المركزي العُماني، تسهيل الوصول إلى التمويل عبر برامج إقراض مُيسَّرة، وتقديم إعفاءات جمركية وضريبية للمشاريع التي تلتزم بأهداف التوطين وخلق فرص العمل، كما أن توجيه البنوك المحلية لدعم المشاريع الإنتاجية، يمثل أحد مفاتيح التمكين الاقتصادي.

إنَّ ملف الباحثين عن عمل والمُسرَّحين من أعمالهم لا يُمكن أن يبقى حبيس التصريحات أو العبارات المتكررة؛ بل لا بُد أن يُقرأ بواقعية، ويُعالج بمنهجية تُحوّل التحدي إلى فرصة، فهؤلاء الشباب ليسوا أرقامًا في تقارير؛ بل هم طاقات قادرة على البناء، متى ما وُضعت في المكان الصحيح.

والكُرة الآن في ملعب الجهات المعنية كافة، فإمَّا أن يتم استثمار هذه الطاقات لصالح الوطن، أو تُهدر في دوامة الانتظار واللا جدوى. وبين هذا وذاك، يبقى الأمل قائمًا، والعمل هو السبيل الوحيد لترجمة الطموحات إلى واقعٍ ملموس، يستوعب الشباب، ويمنحهم دورهم الطبيعي في مسيرة التنمية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

دراسة: الحرب على غزة تدفع مزيدًا من البريطانيين لاعتناق الإسلام

كشفت دراسة جديدة صادرة عن معهد تأثير الإيمان في الحياة في بريطانيا أن الصراعات العالمية، وعلى رأسها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أصبحت من أبرز الدوافع وراء ارتفاع معدلات اعتناق الإسلام في المملكة المتحدة خلال العامين الماضيين.

وبحسب الدراسة، التي استطلعت آراء 2774 شخصًا غيروا معتقداتهم الدينية مؤخرًا، فإن 20% ممن اعتنقوا الإسلام حديثًا فعلوا ذلك بدافع مرتبط بالصراعات الدولية، بينما قال 18% إن قرارهم جاء بدوافع تتعلق بالصحة النفسية.

وأكد الباحثون أن نتائجهم تتوافق مع تقارير إعلامية نشرت في أواخر عامي 2023 و2024، والتي تحدثت عن زيادة ملحوظة في حالات اعتناق الإسلام عقب اشتداد الحرب على غزة. وأشار التقرير إلى أن اهتمام البريطانيين بالإسلام في سياق الصراعات التي تمس المجتمعات المسلمة "قد يكون ذا أهمية خاصة" في تفسير هذا التوجه.

كما أوضح الباحثون أن "الأشخاص الذين يعتنقون الإسلام غالبًا ما يقومون بذلك بحثًا عن هدف ومعنى أوسع في حياتهم".

وفي سياق متصل، كشف أحدث تعداد سكاني أجراه مكتب الإحصاءات الوطنية في بريطانيا أن المسيحيين باتوا يمثلون أقل من نصف سكان إنجلترا وويلز لأول مرة في التاريخ، إذ تراجعت نسبتهم إلى 46.2% عام 2021 مقارنة بـ 59.3% في تعداد 2011، وفق صحيفة تليجراف البريطانية.

طباعة شارك بريطانيا الاسلام غزة الحرب علي غزة إنجلترا

مقالات مشابهة

  • بنك القاهرة يطلق حملة «أودع كاش.. الدهب يبقى ببلاش»
  • الملف الاجتماعي في عام 2026
  • «مؤتمر صور الدولي: البعد التاريخي والحضاري» يفتتح أعماله بمشاركة نخبة من الباحثين والخبراء
  • إيبارشية حلوان والمعصرة تنظم ملتقى التوظيف الأول تحت رعاية الأنبا ميخائيل
  • أحمد عبد القادر ميدو: جاهز أفقد حياتي من أجل مصر.. لو هقدم روحي لبلدي يبقى فخر وشرف
  • مفاجأة.. تناول كوب شاي يوميًا يعزز صحة الدماغ
  • سوق الجمعة في أربيل.. وجهة الباحثين عن السلع منخفضة الأسعار (صور)
  • ليبيا تراهن على الطاقة المتجددة لجذب استثمارات بريطانية وفتح باب التصدير إلى أوروبا
  • دراسة: الحرب على غزة تدفع مزيدًا من البريطانيين لاعتناق الإسلام
  • تعاون بين الكهرباء ومؤسسة التمويل الدولية فى مجالات الطاقة المتجددة