صناعة السفن في صور تصارع من أجل البقاء
تاريخ النشر: 26th, April 2025 GMT
صور – على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، تقع مدينة صور جنوبي لبنان، وهي مدينة ذات تاريخ عريق، وقد اكتسبت شهرة واسعة في العصور القديمة على صعيد التجارة البحرية، وخاصة في العصر الفينيقي، إذ اعتُبر بحّارتها من أمهر البحارة في ذلك الوقت، حيث كانت قواربهم تبحر إلى أوروبا والعالم محمّلة بالبضائع.
حتمت هذه التجارة البحرية على الفينيقيين التخصص في صناعة السفن والقوارب، فبنوها بإتقان ولا تزال هذه الصناعة حيّة.
إلياس بربور وإخوته هم آخر من امتهن هذه الصناعة في مدينة صور، فإلى جانب مرفأ الصيادين في المدينة أسّس جدّه عام 1900، ورشة لصناعة السفن والقوارب، وعلّم هذه الحرفة أبناءَه، وبدورهم علّموها أبناءهم على مر السنين، إلا أن هذه الحرفة مهددة اليوم بالإغلاق النهائي بعد هؤلاء الإخوة، إذ لم يورّثوها أحدا بعدهم.
ويقول إلياس وهو الأخ الأكبر لـ (الجزيرة نت)، إنه وإخوته أمهر من احترفها في لبنان، فالجميع يقصدهم من كل لبنان ومن الدول العربية، وقد انتقل شقيقه إلى قبرص وأسس فيها ورشة لصناعة السفن.
ورغم صعوبة وندرة هذه الصناعة في لبنان، إلا أنها مهملة من الدولة حسب إلياس، الذي أكّد أن أحدًا لا يهتم بهذه المهنة التراثيّة المهددة بالزوال، ويشير إلى أن عمله اليوم مقتصرٌ على إجراء تصليحات القوارب والسفن، أما الطلب على سفن وقوارب جديدة فهو قليل جدًّا لأسباب عدة.
والسبب الأول وفق إلياس هو الغلاء الذي طرأ على أسعار المواد الأولية، فأسعار الخشب ارتفعت، وأسعار المسامير الخاصة بالصناعة البحريّة، ومواد الطلاء وغيرها.
إعلانأما السبب الأكبر والأخطر بحسب إلياس فهو الفوضى التي يشهدها مرفأ صور، إذ حلّت المراكب السياحيّة مكان مراكب الصيد بطريقة غير قانونية، فلم يعد بإمكان أي صيّاد أن يحصل أو أحد من أبنائه على مركبٍ جديد، نظرا لضيق المساحة.
ويحق لأحد شراء مركب دون أن يكون له مرسى في المرفأ، ما أدّى إلى توقّف الطلب على المراكب بشكل كبير جدًّا.
ويقول: "كنا نصنع في السنة الواحدة 4 أو 5 مراكب صيد، أما اليوم ومنذ 4 سنوات لم نصنع قاربًا واحدًا، ونعمل حاليًا فقط في مجال صيانة المراكب السياحية ومراكب الصيد القديمة، وهذا هو مصدر رزقنا الوحيد الآن، وللأسف اليوم هذه الصناعة مهدّدة بالزوال، وقد نكون نحن الجيل الأخير الذي يمارسها إذا لم يتحرّك أحد".
بدوره يشير جورج بربور، شقيق إلياس لـ (الجزيرة نت) إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج نظرًا لارتفاع فواتير الكهرباء، ودفعهم تكاليف المحروقات للمولّد الخاص، خاصة مع الانقطاع الكبير لكهرباء الدولة، وهذا ما يرتّب أعباءً إضافية على المصنّع، الذي يعاني أساسًا من جمود في سوق التصنيع.
ويضيف أن هذه المهنة رغم جماليتها إلا أنها مرهقة، فثمة حسابات علميّة دقيقة يجب أن يعتمدها الصانع وإلا سيفشل في عمله، ويشير جورج إلى أن خطورة إغلاق مشغلهم في صور تكمن في أنهم آخر من احترف هذه المهنة، وعليه ستنتهي إلى غير رجعة.
وعن إمكانية تعليمها أشخاصا جددا يقول: "لا يمكن أن يتعلّمها إلا من يعيشها في المشغل منذ الصغر، ونحن منذ سن مبكرة كنا مع والدنا، وتعلّمنا الحرفة منه عن ظهر قلب، وأصبحنا خبراء، لكن يصعب أن يتعلمها الآن، أي شخص لسبب جوهري، وهو تراجع الطلب كثيرا على قوارب الصيد أو السياحة، وعليه لن يتحمّس أحد إلى حرفة مهدّدة بالانقراض".
إعلان مناشدةيشكو إلياس بربور من الإهمال الكبير الذي تتعرّض له هذه الحرفة، ويطالب وزارة الثقافة اللبنانية بصفتها الجهّة المعنية بالمهن التراثية، بالالتفات إلى هذه الحرفة العريقة، ويقول: "لا نريد من وزارة الثقافة المال، بل نريد دعمًا معنويًّا، وإدارة مرفأ صور غير مهتمّة، والصيّادون يرغبون في بناء مراكب جديدة، لكن المشكلة أنه لا توجد مساحة لتستوعب مراكب جديدة، فمرفأ الصيادين إنه الآن مجرد اسم، إذ استولت عليه الزوارق السياحية، وبدأ بعضهم ببيع أو تأجير المراسي التي هي ملك للدولة أساسًا، وهذا مخالف للقانون، إلا أن أحدًا لم يتحرّك، مع علمهم بهذه التجاوزات".
ويضيف: "رسالتي اليوم للدولة وللجهات المعنية، أن حرّروا مرفأ صور من أيدي النافذين الذين يستغلون مراسي الصيادين، هذا المرفق ملك عام، ويجب أن تعود الحقوق لأصحابها، وبعدها يأتي دور وزارة الثقافة التي يجب أن تدعمنا، ويجب أن تتعاون مع وزارة الأشغال العامّة والنقل لحماية هذا التراث البحري الفريد، خاصة أن المرفأ مسجل كمرفأ للصيد، وليس للسياحة".
ولفت نائب رئيس نقابة صيادي الأسماك في صور سامي رزق في حديث لـ (الجزيرة نت) إلى أنه عندما وسعت الدولة المرفأ، كان ذلك لاعتباره مرفأ للصيادين، "لكن المفاجأة أن بين 100 إلى 120 زورقًا سياحيًا استحوذت على المراسي، من النافذين وأصحاب السلطة، وهذا الأمر غير قانوني إطلاقًا".
ويحمّل رزق ما يحصل لرئيس المرفأ الذي تقع على عاتقه مسؤولية معالجة هذه التجاوزات، مؤكّدا أن النقابة بذلت جهودًا كبيرة مع الحكومة السابقة لمعالجة هذا الأمر، إلا أن النتيجة كانت سلبية، والتجاوزات استمرت، ويأمل من وزارة الأشغال العامة والنقل في الحكومة الجديدة أن تزور المرفأ لترى حال الصيادين وتعالج التجاوزات التي تتهدد لقمة عيشهم.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات هذه الصناعة صناعة السفن هذه الحرفة مدینة صور فی صور إلا أن
إقرأ أيضاً:
المتحدث باسم إدارة قناة بنما للجزيرة نت: ندير قناتنا باقتدار ولا نفوذ للصين فيها
بنما سيتي- منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم ثاني مرة في يناير/كانون الثاني الماضي، أصبحت بنما وقناة بنما في صدارة دائرة الأحداث العالمية بعدما عبَّر ترامب عن رغبته بإعادة القناة للسياسة الأميركية في ضوء ما يدّعيه من تغلغل النفوذ الصيني في بنما بما يهدد معه الأمن القومي الأميركي.
وكانت بنما أول محطات الزيارات الخارجية لوزير الخارجية والدفاع الأميركيين وسط ارتفاع حدة وحرارة الشكاوى الأميركية من مخاطر تشغيلية تهدد الملاحة بالقناة الشديدة الأهمية للجيش وللاقتصاد الأميركيين.
ولإلقاء الضوء على كل ما يتعلق بقناة بنما فنيا وتشغيليا، حاورت الجزيرة نت المتحدث الرسمي والمؤرخ في هيئة إدارة قناة بنما، خايمي ترويانو، عند أحد أرصفة مدخل القناة على المحيط الهادي، وهو صاحب كتاب شهير عن القناة بعنوان "100 عام من الفضول حول قناة بنما" الصادر عام 2015 باللغة الإسبانية، وتُرجم إلى العديد من اللغات.
وفي ما يلي نص الحوار:
ما صحة ادعاءات إدارة الرئيس دونالد ترامب عن وجود مشاكل تشغيلية بقناة بنما تؤثر سلبا على التجارة الأميركية؟أنا لست مسؤولا سياسيا كي أرد على ادعاءات الرئيس ترامب، لكن في ما يتعلق بالعملية التشغيلية الفنية للقناة، فلا يوجد أي مشاكل، والعمل يسير كما هو مخطط له بكفاءة كبيرة، وبأيد بنمية خالصة، موضوع قناة بنما يتداول إخباريا بصورة قاصرة لا تعكس واقع القناة ودورها الكبير في الحياة البنمية والمجتمع البنمي.
مياه القناة التي نستخدمها ليس فقط لتسيير السفن العابرة، إنها كذلك لتوفير المياه للسكان هنا في بنما، القناة، وما فيها من بحيرات وسدود وأنهار توفر ماء الشرب لأكثر من 2.5 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان البلاد.
كانت السنوات القليلة الماضية في قناة بنما صعبة نوعا ما بسبب موسم الجفاف أو ما نسميه ظاهرة "النينيو"، وهي دورة هطول الأمطار وما يعقبها من جفاف، بين حين وآخر.
إعلانلدينا إجراءات مختلفة نقوم بها لهذا النوع من التغيرات المناخية، ولذلك ننقل المياه بطرق مختلفة لتوفيرها خلال موسم الجفاف، ولدينا اليوم أحواض "أهوسة" (منشأة ملاحية لنقل السفن وتمريرها) عليها أقفال يمكن معها توفير 60% من المياه، كما أنها يعاد تدويرها وتستخدم من جديد.
ما الدور الأميركي في إدارة القناة وتشغيلها؟
غادرت الولايات المتحدة رسميا بنما في 31 ديسمبر/كانون الثاني 1999، ومنذ أول يناير/كانون الأول 2000، تُدار قناة بنما بأيد بنمية وبعقول وفنيين ومهندسين وبحريين بنميين.
أؤكد لك أن ما يقرب من 8500 شخص يعملون في هيئة القناة هم من البنميين فقط، ويخضعون لفحوص وتدريبات خاصة نظرا لطبيعة عملهم الحساسة في كثير من جوانبها. وجودة التشغيل قبل عام 1999 وبعده هي نفسها، بل يمكنني القول إن جودة عمل قناة بنما قد ارتفعت بعد أن انسحبت واشنطن وتركت القناة للبنميين.
في الواقع، نحقق المزيد من الدخل المادي بجميع أنحاء قناة بنما، لأننا قمنا ببناء أقفال جديدة وأحواض واسعة تستوعب السفن العملاقة ذات السعة الضخمة بنسب تتخطى 5 أضعاف كمية الحاويات القديمة، وهذه التطورات والتحديثات تفيد بنما ماليا من خلال ارتفاع عوائد المرور، وتفيد دول العالم والتجارة الدولية.
ما يمكنني قوله إنه خلال 25 عاما منذ عودة القناة للجمهورية البنمية، كان ذلك أفضل بكثير للتجارة العالمية وكذلك لبلادنا.
حسنا، في الواقع ليس لي أن أجيب عن هذا السؤال، الإجابة تجدها لدى الحكومة. لكن من موقعي هنا، أؤكد عدم وجود شيء كهذا مطلقا، هي قناة بنمية تدار بسواعد وأيد بنمية بنسبة 100%.
تدير شركة صينية تتخذ من هونغ كونغ ميناءين عند مدخل القناة على المحيط الهادي والأطلنطي، لكن هذه الشركة تدير مئات الموانئ في العالم. وبعد تهديدات ترامب، أعتقد أننا بصدد رؤية شركة أميركية تشتري حق إدارة هذه الموانئ من الشركة الصينية، لكن إدارة هذه الموانئ ليس لها أي دور بمرور السفن من قناة بنما، وهي تركز على الأعمال اللوجستية قبل مرور السفن من القناة وبعده.
كما رأيت أنت بنفسك كيف ندير ممر سفينة تجارية مثل التي تمر الآن، نعمل معها بالطريقة نفسها مع السفن العسكرية الأميركية وغير الأميركية منها.
يقوم قبطان بنمي بإدارة مرور كل سفينة عابرة لقناة بنما، ويساعده طاقم فني بنمي يشعلون قمرة السفينة المارة من مدخل القناة حتى خروجها بلا استثناءات، هذا هو نظام إدارة السفن المارة، لا نترك ذلك بيد قبطان أجنبي، نحن الذين ندير ونتحكم بمرور السفن جميعها خلال ساعات العبور العشر.
ولا فرق بهذه الطريقة بين السفن التجارية أو العسكرية، ولا فرق بين السفن الأميركية والسفن غير الأميركية، هذا ما نصت عليه اتفاقية حياد قناة بنما والتي بدورها أعادت لنا السيطرة على القناة.
إعلان هل يسمح بمرور السفن العسكرية غير الأميركية عبر القناة؟نعم، بنما دولة محايدة، وقناة بنما ممر مائي دولي محايد لا نفرض فيه أي قيود على مرور سفن دول محددة، القناة مفتوحة للجميع. بالطبع تمر الكثير من السفن العسكرية الأميركية بين جانبي القناة، لكن في الوقت ذاته يمكن مرور أي سفن عسكرية لأي دولة من قناة بنما من دون أي تمييز أو معاملات خاصة.
من يحمي قناة بنما من أي عدوان أو محاولة تخريب؟بموجب اتفاقية إعادة قناة بنما للشعب البنمي، أصبحت بنما دولة محايدة بلا جيش نظامي، وإن كان هناك قوات أمن حسنة التدريب والتسليح.
نحن نحمي قناة بنما، ونديرها، وهي قناة محايدة لا تمثل تهديدا لأحد ولا يجب أن يستهدفها أحد، وأقول لك إن الشعب البنمي هو الذي يحمي قناته، وإن احتاج لملايين الأشخاص للدفاع عنها سيهبّون لذلك، لما تمثله لنا جميعا من رمز ومصدر للرخاء الاقتصادي والهوية الوطنية.
تدر القناة ما لا يقل عن 7 مليارات دولار سنويا للخزينة البنمية، مع ذلك رأيت تدهورا اقتصاديا وانخفاضا في مستوى المعيشة بمدينة كولن عند مخرج القناة على المحيط الأطلنطي، كيف تفسر ذلك؟حسنا، القناة لها إدارة خاصة بها، ونحن في الواقع نبلغ الحكومة البنمية بجميع الإيرادات التي نحققها كل عام. لذا، فإن الحكومة البنمية تتحمل مسؤولية استخدام الأموال في مشاريع تنموية مختلفة، لكن الأمر متروك للحكومة للقيام بهذا النوع من المشاريع، واختيار أماكن القيام بها، لذلك ليس من شأني أو مهامي أن أعلق على انتشار الفقر في مدن مرتبطة وملتصقة بالقناة مثل كولن.
في المتوسط يحصل العاملون هنا على أجور وامتيازات مجزية، ولا أعرف متوسط الأجور، لكن العمل في إدارة قناة بنما يمنح العاملين بها مكانة اجتماعية مرموقة وسط المجتمع البنمي نظرا لأهمية القناة للدولة البنمية.
كما يتم التعيين بعملية شفافة علنية ومسابقات مفتوحة منعا للرشاوى والتلاعب، ويعتمد الأمر ليس فقط على ما يقدمه المتقدم للوظيفة والخبرة التي لديه حتى يتمكن من الحصول على وظائف عليا، ولدينا أجور مختلفة هنا في القناة.
هل هناك أي تعاون أو تنسيق بينكم هنا في قناة بنما وبين قناة السويس المصرية؟تلعب القناتان دورا رئيسيا في حركة التجارة العالمية، قناة بنما بين المحيطين الهادي والأطلنطي، وقناة السويس بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط. لكن في الواقع لا يوجد تنسيق بيننا، حيث إننا نعمل بطرق مختلفة، السويس لا تعرف ما نعرفه من اختلاف مستوى ارتفاع البحرين، ومن ثم لا تلجأ إلى الأهوسة والأحواض كما الحال في قناة بنما، ومع ذلك وفي مناسبات مختلفة نتبادل بعض الخبرات والأفكار.
ما أهم التحديات أمام خطط تطوير قناة بنما المستقبلية؟بعد عمليات التوسع وشق ممرات أوسع تسمح باستيعاب السفن الضخمة، أصبحت الطبيعة والتغيرات المناخية هي همنا الأول، لدينا مطر على الأقل من 8 إلى 9 أشهر كل عام، لذلك تعمل القناة مع الطبيعة، لهذا السبب ترى في جميع أنحاء قناة بنما وحولها غابات كثيفة تصنعها الأمطار، نحن بحاجة إلى حماية كل هذه الأرض حتى تتمكن من الاستمرار في هطول الأمطار.
لكن بالطبع، يعد الاحتباس الحراري مشكلة أخرى لدينا، نظرا لحقيقة أن مواسم الجفاف هذه أطول مما كانت عليه من قبل، الآن موسم الجفاف هنا في بنما وتظهر بوضوح تأثيرات ظاهرة النينيو.
كانت الظاهرة موجودة منذ افتتاح القناة، لكنها الآن أكثر وضوحا مما كانت عليه من قبل، لذلك أعتقد أن أحد اهتماماتنا الرئيسية في الوقت الحالي هو العمل لمواجهة التغيرات المناخية التي تؤثر بصورة مباشرة علينا وعلى القناة.