بينما يعيد العالم ترتيب أوراقه في ملف الطاقة، وتزداد التحديات على الدول المصدرة والمستوردة على السواء، تلوح في الأفق إشارات جديدة على استئناف مصر تصدير الغاز الطبيعي، بعد توقف شبه كامل دام قرابة عام. في خطوة لم تكن متوقعة، بدأت تدفقات الغاز بالعودة إلى محطتي دمياط وإدكو، ما قد يمهد الطريق لتصدير أول شحنة من مصنع إدكو خلال الأسابيع المقبلة.

ورغم أن هذه الخطوة لا تزال محاطة بكثير من الغموض، فإنها تمثل بارقة أمل في مشهد اقتصادي ضاغط، وسط ارتفاع الطلب المحلي وانخفاض إنتاج الحقول القديمة.

فجوة بين الإنتاج والاستهلاك

تشير البيانات الرسمية إلى أن إنتاج الغاز في مصر سجل أدنى مستوى له منذ عام 2016، حيث بلغ 49.4 مليار متر مكعب في عام 2024، بعدما وصل إلى ذروته عند 70 مليار متر مكعب في 2021. هذا التراجع الحاد في الإنتاج تزامن مع ارتفاع طفيف في الاستهلاك المحلي بنسبة 1.1% ليصل إلى 62.5 مليار متر مكعب، ما أجبر الدولة على تعويض الفجوة المتزايدة من خلال زيادة الواردات بنسبة 70% لتصل إلى 14.6 مليار متر مكعب من الغاز الجاف والمسال.

هذا الاعتماد على الاستيراد فرض على الحكومة اتخاذ قرارات صعبة، أبرزها وقف تصدير الغاز منذ أبريل 2024، مع استثناء كميات محدودة لم تتجاوز 854 مليون متر مكعب، بهدف تأمين احتياجات السوق المحلي خاصة خلال فصل الصيف، الذي يشهد ارتفاعًا حادًا في استهلاك الكهرباء.

بوادر انتعاش تدريجي

رغم هذه الضغوط، حققت الحكومة المصرية بعض التقدم على صعيد إنتاج النفط والغاز. فخلال الأشهر الأولى من العام المالي الجاري، تم رفع معدلات الإنتاج بشكل ساعد في تقليص فاتورة الواردات البترولية بمقدار 1.5 مليار دولار كل ثلاثة أشهر، منذ يناير 2025.

كما أعرب رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن أمله في العودة الكاملة للتصدير بحلول عام 2027، مؤكدًا في تصريحات صحفية أن الحكومة تضع في أولوياتها تأمين احتياجات السوق المحلي، مع الحفاظ على موقع مصر كمحور طاقوي حيوي في منطقة شرق المتوسط.


تدفق النقد الأجنبي وتحسين الميزان التجاري

أوضح الدكتور هاني الشامي، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة المستقبل، أن استئناف تصدير الغاز الطبيعي يُعد خطوة محورية نحو تدفق عملة صعبة إلى خزينة الدولة، وهو ما يُعد أمرًا حيويًا في ظل الضغوط الاقتصادية التي يمر بها العالم. وأكد أن هذا الاستئناف لا ينعكس فقط على الوفرة المالية، بل يلعب دورًا مباشرًا في تحسين ميزان المدفوعات وزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي، ما يساهم بدوره في تعزيز استقرار الجنيه المصري.

وأضاف الشامي أن زيادة الصادرات، لا سيما في قطاع استراتيجي مثل الطاقة، من شأنها تقليص عجز الميزان التجاري، كما أنها تبعث برسائل طمأنة إلى الأسواق العالمية بشأن استقرار الاقتصاد المصري وفاعلية إدارته لموارده.
 

إشارة إيجابية للمستثمرين وثقة دولية متزايدة

العودة إلى تصدير الغاز الطبيعي بعد فترة توقف تمثل، بحسب الشامي، إشارة إيجابية للمستثمرين الأجانب، تؤكد أن القطاع بدأ في التعافي ويتمتع بالاستقرار اللازم لجذب رؤوس أموال جديدة. ويرى أن ذلك يعكس تحسنًا في البنية التحتية والإنتاج المحلي، وهو ما يعني وجود فائض يمكن تصديره، ويُعد هذا مؤشرًا على كفاءة إدارة قطاع الطاقة.

كما لفت إلى أن الاستقرار في التصدير يعكس قدرة الدولة على التكيف مع التغيرات الدولية، ويمنح مصر مزيدًا من التأثير السياسي والاقتصادي، خاصة في منطقة شرق المتوسط التي تشهد سباقًا محمومًا للسيطرة على مصادر الطاقة وتصديرها.
 

تعزيز الدور الإقليمي لمصر في سوق الطاقة

يرى الدكتور الشامي أن هذه الخطوة تضع مصر على طريق تعزيز مكانتها كمركز إقليمي لتصدير الغاز، مما يمنحها وزنًا متزايدًا في الملفات الإقليمية والدولية المرتبطة بالطاقة. فاستئناف التصدير لا يعد إنجازًا اقتصاديًا فقط، بل يحمل في طياته أبعادًا استراتيجية وسياسية تُعزز من مكانة الدولة إقليميًا.
 
ما تشهده مصر اليوم في ملف تصدير الغاز ليس مجرد تطور اقتصادي، بل هو قصة نجاح في مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص. من تحسين البنية التحتية إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية، ومن دعم استقرار العملة إلى تعزيز النفوذ السياسي، تسير مصر بخطى ثابتة نحو إعادة تشكيل دورها في مشهد الطاقة العالمي.

طباعة شارك الطاقة الغاز الغاز الطبيعي الإنتاج والاستهلاك الحكومة المصرية مصر

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الطاقة الغاز الغاز الطبيعي الإنتاج والاستهلاك الحكومة المصرية مصر ملیار متر مکعب الغاز الطبیعی تصدیر الغاز

إقرأ أيضاً:

عثمان غازي: مسار تركيا نحو الاكتفاء الذاتي في الطاقة

أعلنت وزارة الطاقة والموارد الطبيعية في تركيا أن منصة الإنتاج العائمة “عثمان غازي”، أول منشأة من نوعها في البلاد، تستعد لبدء مهامها في البحر الأسود بهدف مضاعفة إنتاج الغاز الطبيعي، في خطوة وُصفت بأنها تمثل “بداية عصر جديد في استقلال الطاقة”.

اقرأ أيضا

أمينة أردوغان تعيد الزبادي إلى أصوله!

الأربعاء 28 مايو 2025

المنصة، التي كشف الرئيس رجب طيب أردوغان عن اسمها، ستعبر مضيق البوسفور في 29 مايو الجاري، تزامنًا مع الذكرى الـ572 لفتح إسطنبول، في مسيرة بحرية تنطلق من قصر دولما بهجه، بحضور أردوغان ووزير الطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار. ومن المتوقع أن يستغرق عبورها نحو 11 ساعة، بمرافقة قاطرات تابعة للمديرية العامة للسلامة الساحلية.

وقالت الوزارة، في منشور عبر منصة “X”:
“اسم العصر الجديد: عثمان غازي، المسار: البحر الأسود، الهدف: تركيا المستقلة تمامًا! المنصة العائمة الأولى في البلاد ستضاعف إنتاج الغاز الطبيعي في البحر الأسود”.

وتُعد “عثمان غازي” واحدة من أكبر المنشآت العائمة في المنطقة، إذ يبلغ طولها 298.5 مترًا، وعرضها 56 مترًا، وعمقها 29.5 مترًا، فيما تصل سعتها الاستيعابية إلى 140 فردًا. وتتمتع المنصة بقدرة معالجة قصوى تبلغ 10.5 ملايين متر مكعب من الغاز يوميًا، وبطاقة نقل تصل إلى 10 ملايين متر مكعب.

وسيمتد خط أنابيب بطول 161 كيلومترًا من المنصة إلى الساحل، حيث سيتم نقل الغاز المعالج مباشرة إلى الشبكة الوطنية، مما يرفع مستوى الاعتماد المحلي على الموارد الوطنية.

مقالات مشابهة

  • الوكيل: شراكة قوية بين الحكومة والقطاع الخاص.. والقطاع الخاص يساهم بأكثر من 80% في الاقتصاد المصري
  • مستقبل وطن: توطين صناعة الحرير خطوة استراتيجية تعزز الاقتصاد المحلي
  • وزير الاقتصاد السوري: ننتظر استثمارات بقيمة 100 مليار دولار
  • الخرابشة: نستخرج 55 مليون متر مكعب من الغاز ونعمل على حفر 145 بئرا مع حلول 2030
  • رئيس الوزراء يكشف موعد عودة مصر لتصدير الغاز الطبيعي من جديد ومنع الاستيراد
  • رئيس الوزراء يزف بشرى للمواطنين بشأن إنتاج الغاز المحلي
  • حراك نيابي لتعديل قانون الإعفاء من الأموال العامة بما يعزز العدالة المالية ويحفز الاقتصاد
  • عثمان غازي: مسار تركيا نحو الاكتفاء الذاتي في الطاقة
  • سونيا الحبال: السبوع طقس فرعوني يعزز طاقات الحماية للمولود الجديد
  • برلماني: مصر تمتلك أدوات قوية لمواجهة التحديات الإقليمية