عربي21:
2025-06-27@00:09:32 GMT

الاستشراق والمثلث الحضاري

تاريخ النشر: 11th, May 2025 GMT

تابعتُ بشغف بعضا من فعاليات المؤتمر الدولي الأول للاستشراق: "الاستشراق الجديد، نحو تواصل حضاري متوازن"، والذي نظمته عدة جهات حكومية قطرية، من بينها وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي"، خلال يومي 26 و27 نيسان/ أبريل الماضي. وأسعدني تنوع الحضور خاصة الأكاديميين من أنحاء العالم؛ وأيضا الانفتاح على طرف من المؤسسات الغربية المعنية بالأمر مثل "جامعة ليدن" الهولندية، وأيضا كان مما يبهج الوعدُ الواضح بعقد الدوحة المؤتمر سنويا مع تناول محاور أخرى؛ فإننا بهذا كمسلمين طالما دار علم الاستشراق حولنا وحان لنا أن نعتني بهذا العلم؛ ونحاول بذل ما نستطيع حوله، مخالفين بهذا النمط المعتاد عن هذا العلم من الاهتمام الغربي له، ومنه المؤتمرات التي اعتاد الغرب عقدها في عواصمه منذ عام 1873م في باريس.



ونرى هذا ضلع المثلث الرئيس الأول الذي نراه مكونا لتقدمنا في هذا المجال، أما الثاني فهو صدق عزيمتنا في سبر أغوار نظرة الغرب نحونا -أيا ما كانت- وهو ما نراه يستلزم نهضة في الجانب الآخر الواجب من النهر ألا وهو "الاستغراب"، أو دراسة الغرب دراسة تتناسب مع رغبتنا في معرفة أسرار تقدمه، ثم قدرتنا على مجاراته حتى في محاولته الإلمام بأحوالنا؛ وذلك حرصا على أن تجري أسفله مياه كثيرة في صالحنا. ويبقى الضلع الثالث الذي نراه لا يقل أهمية عن سابقيه بل لعله يفوقهما.

فغني عن التفصيل أن موقع الشرق الجغرافي يتضافر مع تاريخه وحضارته العربية الإسلامية التي سادت العالم؛ وإن لم تخل من المظالم -بدرجات- إلا أنها كانت خير حافظ وأكثر رحمة بالعالم كله، ومن هذا عدم بخل هذه الحضارة بما وصلت إليه من معارف، بل أتاحته للغرب، فتشرّبه ونبَغَ، وبنى حضارة عظمى على أسسها، وإن كان يحاذر "الدوران الحضاري" وعودة السيادة لموضع شروق الشمس لدينا حتى اليوم.

وإن كنا نقر بأن هذا ليس الغرض الغربي الوحيد من الاستشراق، إلا أننا لا ننكره في المقابل، ونقر برغبته التي ما تزال متقدة بمعرفة كنهنا، وبماذا نختلف عنه، وهل نظل نراوح أماكننا أم نفارقها. وفي هذا السياق نتقبل عقد نحو35 مؤتمرا عن الاستشراق منذ عام 1873م حتى 1997م؛ وعلى مدار جميع هذه المؤتمرات لم تستقبل عاصمة عربية فعاليات أحدها سوى الجزائر في النسخة الـ14 منه، وكانت هذ أول مرة تعقد خارج أوروبا، وغني عن البيان أنها كانت تحت الاحتلال وقتها؛ فلم يكن الأشقاء هناك يملكون القرار بعقده فضلا عن الاستفادة منه، أما المرة الثانية التي يعقد في بلد مسلم وإن كان غير عربي فهي في النسخة الـ22، حيث عقد في إسطنبول التركية عام 1951م. وفي جميع الأحوال نشطت الجمعيات الاستشراقية بين أمريكية وفرنسية وبريطانية وما تزال.

يُحمد للدوحة الاهتمام بهذا التوجه الذي يجب أن تتبعه معاهد عربية وإسلامية تدرس كيف يرانا الغرب أو "الآخر" بلغة بعض مفكريه التبادلية، فنحن لديه "آخر"، وهم يظنون أننا لديهم "آخر"؛ نعم نحن بحاجة لنفي خطاب المتطرفين الغربيين والداعين للقضاء على معارضي استمرار الحضارة الغربية -وهذه النزعة الشعوبية غير خافتة سياسيا- وما نعانيه كعرب ومسلمين خاصة كأقليات، واستمرار احتلال فلسطين العزيزة رغم انتهاء الاحتلال المباشر من العالم كله، فضلا عن تولي رئاسة أمريكا "دونالد ترامب" للدورة الثانية، ولكننا في جوهرنا وحقيقة ديننا دعاة سلام وعدل للعالم، وهو أمر يعرفه الغرب، وتثبته الدوحة منذ نسخة مؤتمر الاستشراق، ويبقى أن نبادر بدراسة الغرب دراسة علمية على أسس منهجية وافية لنعرف فيم وكيف تفوق علينا، كما فعل معنا في أوج تأخرنا، وقبل أن ندري كنه موقعنا الحضاري قرب نهاية القرن دراسات العشرين.

توقف المذيع الغربي في إحدى فقرات حفل ختام مؤتمر الدوحة للاستشراق سائلا رئيس الجامعة الأمريكية في القاهرة ورئيس إحدى فروع الجامعات الغربية في الدوحة وهما مصريايا متسائلا عن اللغة التي يجب أن يتحدث بها؛ أهي العربية، ثم مضى بلغة التكنولوجيا، أو كما قال في لفظة تبدو عابرة جرت على لسانه ثم مضى بالإنجليزية متسائلا: هل أنتم -حقا- مستعدون لمعرفة وجهة النظر الغربية عنكم أو ما يراه الأشرار عن الأخيار؟ فيما بدأ الأول بالدفاع عن "وجهة النظر الغربية" وأنها ليست كذلك، وتجاوز الثاني لمجهودات الراحل إدوارد سعيد في الاستشراف، وعلق السؤال بالذهن: متى يكتمل المثلث؟!

إننا مطالبون عالميا بملاحقة دراسات الغرب عنا (الاستشراق)، ومطالبون بنفس النهج والقدر -ثانيا- على الأقل بألا نكون مدافعين على طول الخط، أي أن نبرع في علم "الاستغراب"؛ وهذا ضلع المثلث الثاني الذي لا يتأتى أبدا في ظل غياب الضلع الأول، أما الثالث فهو تقدمنا حضاريا لنبرع في الدارسات، ونملك ما يجعل العالم يحترمنا عبره، وهو ما يستحق مواجهات تحديات موقفنا الحالي الحضاري، ويدعو لتماسك العالم العربي الإسلامي أولا، وهو ما يفوق موقف الدوحة الحالي، وإن تمنينا أن تساهم فيه كما نجحت في تنظيم مؤتمر الاستشراق!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء المؤتمر الاستشراق الغربية الحضارة مؤتمر الغرب مسلمين حضارة استشراق قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

كيان الأعمال القذرة

 

تعاطف الغرب مع كيان الاحتلال، لأنه يمثل الأداة الأساسية التي يعتمدون عليها في تدمير الأمة العربية والإسلامية، وهو أمر لا يخفيه الغرب، لكن تخفيه الزعامات والأنظمة العربية لمساعدة الغرب على إنجاح مخططاته الإجرامية في استباحة الأمة إلى ما لا نهاية.

أمريكا لا تخفي دعمها لهذا الكيان المجرم، فدعمها له بلا حدود في كل جرائمه حتى وإن حاول البعض إنكار جرائمه في بعض المواقف إرضاء للرأي العام؛ المستشار الألماني (ميرتس) اعترف أخيراً أن إسرائيل تقوم بالأعمال القذرة نيابة عن الغرب ومع ذلك فقد تحامل على النظام الإيراني واتهمه بالإرهاب.

سياسة الغرب عامة تقوم على المصالح واستخدام الإيديولوجيات الدينية من أجل حماية كياناته من الانحدار إلى مستنقعات الحروب الأثنية والطائفية التي عانى منها سابقا وفي ذات الوقت يعمل على استنساخ مصادرها في الأمة العربية والإسلامية من خلال الخونة والعملاء الذين جندهم لهذه المهمة القذرة.

يشيد بالإجرام الصهيوني ويدافع عنه ويحارب روسيا ويشجب جرائمها في أوكرانيا، فما هو مسموح للإجرام الصهيوني الصليبي في الوطن العربي وخاصة في فلسطين وغزة، مُحرم على روسيا في أوكرانيا.

المقاومة الأوكرانية للغزو الروسي حق مشروع وتستوجب كل الدعم في نظرهم لكن المقاومة الفلسطينية إرهاب يجب القضاء عليها؛ من حق إسرائيل الاعتداء على من تريد، لكن ليس من حق المعتدى عليه (إيران) أن ترد عليها -كما صرح (ستارمر) رئيس وزراء بريطانيا- ومن حق إسرائيل أن ترتكب جميع الأعمال القذرة، لكن ليس من حق إيران الرد عليها، كما صرح (المستشار الألماني).

المبرارات التي يقولها (ميرتس) بسعي إيران لامتلاك السلاح النووي عذر كاذب، نفاه مدير عام الوكالة الذرية الدولية-رافييل غروسي بقوله (ليس لدينا دليل على جهود ممنهجة لصنع سلاح نووي إيراني)؛ الأسلحة الذرية حكر على النادي المسيحي والتحالف الصهيوني الصليبي، وكما دمر العراق بمزاعم كاذبة لم يتبق سوى إيران وبعدها باكستان؛ وأما الإجرام الصهيوني فمسموح له أن يمتلك كل الأسلحة المحرمة وغيرها ومصانع الغرب هي مصانعه.

التحالف الصهيوني الصليبي أوجد الكيان المحتل ومكنه من الاستيلاء على فلسطين وصهاينة العرب والغرب يعتبرونه كرأس حربة متقدمة لتدمير الأمتين العربية والإسلامية ومعهم جيوش من الخونة والعملاء تمت زراعتهم في معظم الأنظمة وسلمت لهم مقاليد السلطة والحكم لحماية الإجرام الصهيوني والحفاظ عليه وتجذير التخلف والانحطاط والفرقة والشتات.

قد يظن البعض أن دعم ألمانيا والغرب عموما- لليهود بسبب ما قيل إنها (الهلوكست) والتي يشير إليها البعض على أنها حُجة لإمداد اليهود بالمال من خلال التعويضات وأيضاً لإيجاد مبرر لإرسالهم إلى فلسطين للقيام بالمهام القذرة نيابة عن الغرب؛ وتطويرا للحروب الصليبية الإجرامية، لكن في إطار مدمج، يجمع تحالف الصهيونية واليهودية معا حتى يحظى بالدعم والتأييد من اليهود والنصارى معا ويحقق ما عجزت عنه تلك الحملات الإجرامية والتي فتكت باليهود والنصارى العرب الذين لم يتعاونوا معهم وأبادت المسلمين من خلال ارتكاب المجازر التي تتماثل مع ما يمارسه الإجرام الصهيوني اليوم على الدول العربية والإسلامية وخاصة في فلسطين.

أمريكا اليوم تقود العالم وتدافع عن الإجرام الصهيوني، تدافع عن أبشع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتهجير القسري وجرائم الإبادة للمدنيين العُزّل، وكل الأنظمة المتصهينة (الغربية والعربية) أيضاً، ويقولون إن ذلك دفاع شرعي يتناوبون الأدوار فيما بينهم ويمدون الاحتلال بكل ما يحتاجه ولو كان مخالفا للقيم والمبادئ والقوانين والأعراف الدولية والإنسانية، فحماية مصالح الإجرام في استمرار هيمنته ونفوذه والاستيلاء على ثروات ومقدرات الأمم والشعوب يستوجب ذلك.

قد يتساءل البعض: لماذا يحظى هذا الكيان الإجرامي بملء هذا الدعم؟ الجواب واضح أن الغرب أوكل له القيام بالأعمال القذرة نيابة عنه والتي لا يستطيع تنفيذها أو التي قد تؤثر على ما يدعيه أنه يمثل قيم الحرية والعدالة والإنسانية وحقوق الإنسان.

في الحروب التي شنها الغرب أو الشرق على الأمم الأخرى، مورست فيها كل الأساليب القذرة ولكن العجب والغرابة أن ساسة صهاينة (الغرب والعرب) يدعمونها ويؤصلون لها دينا وعقيدة وسلوكا وأخلاقا ضد الآخرين.

فمثلا ألمانيا في الحرب العالمية الثانية استولى الحلفاء عليها ودمروها ثم اعتبروا نساءها غنائم حرب واغتصبوا أكثر من مليوني امرأة، ماتت منهن مائتا ألف بسبب الاغتصاب المتكرر من قبل جنود روسيا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا، معظم العرب والمسلمين كانوا يساندون ألمانيا ويؤيدونها.

أمريكا قتلت أكثر من مائتي الف ياباني بالقنابل الذرية وهناك اكثر من مليون مشوّه؛ وفي عدوانها على فيتنام وبحسب التحقيق الذي أجراه الكونجرس، فقد تم قتل ما لا يقل عن مليون وخمسمائة ألف مدني وتم تدمير مدن وقرى بكاملها؛ وقدم الجزائر في حرب التحرير فقط مليوناً وخمسمائة ألف شهيد؛ وتم ارتكاب جرائم الاغتصاب أثناء احتلال أمريكا وحلفائها للعراق، بعد تسويق المزاعم الكاذبة بامتلاكه أسلحة دمار شامل .وفي إسقاط برجي نيويورك واحتلال أفغانستان وتدميرها الغاز كثيرة لم يستطع مؤلف كتاب الخدعة الكبرى (تيري ميسان) فك رموزها ولكنه أثبت أن المخابرات الأمريكية والصهيونية نفذت الهجوم كأساس لفرض نظام عالمي جديد تهيمن فيه أمريكا كقطب أوحد، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي؛ وتأمين سيطرتها ونفوذها واستكمال الاستيلاء على بقية أقطار الأمتين العربية والإسلامية .

تم اختيار الإسلام كدين والمسلمين ساحة للصراع لإحراز نصر سهل لا كلفة فيه، لكن العائدات كثيرة لا حصر لها؛ الإجرام والأعمال القذرة يقوم بها المجرمون شرقا وغربا ومن كل الأديان والملل والإسلام هو المتهم والمطلوب القضاء عليه فكرا وسلوكا، عقيدة وشريعة، سواء بواسطة اليهود الذين لديهم الاستعداد والرغبة والقابلية للقيام بكل الأعمال القذرة أو بواسطة غيرهم، فكل من سيقوم بالأعمال القذرة يحظى بالدعم المادي والمعنوي.

كشفت الأحداث والمآسي أنه لا فرق بين شركاء التحالف الصهيوني الصليبي وأن إسرائيل هي الوجه الأشد قذارة وإجراما لتدمير كل مشاريع النهوض والتكامل العربي والإسلامي، وهو ما تحدث به –جورج بوش 2005م (إن تركنا المسلمين يسيطرون على دولة واحدة فسيستقطبون جموع المسلمين مما سيترتب عليه الإطاحة بجميع الأنظمة التابعة لنا في المنطقة وسيتبع ذلك إقامة إمبراطوريه إسلامية أصولية من إندونيسيا إلى إسبانيا).

الإجرام الصهيوني ارتكب أبشع جرائم الإبادة في غزة ولبنان واليمن وسوريا والعراق وليبيا وغيرها والآن يسعى لتدمير إيران؛ دمر المستشفيات ومراكز اللجوء الإنساني وأباد الأطفال والنساء وأراد الآن صرف الأنظار عنها، ولأن الرد الإيراني اقترب من مستشفى مجاور للمراكز المستهدفة في الأراضي المحتلة، صاحت حكومة الإجرام الصهيونية واستنكرت وادعت كذبا أن إيران تستهدف المرضى والأطفال في المستشفيات.

كيف استطاع هؤلاء المجرمون والكيان الإجرامي أن يقتنعوا أنهم ضحية وقد دمروا مستشفيات غزة بكاملها وقتلوا الأطفال بأسلحة القناصة والصواريخ، وكيف يستجدون دعم من كلفهم بالمهمات القذرة؛ ومع ذلك فقد استجاب لهم المجرمون وذهبوا لتأييدهم ودعمهم في استكمال جرائم الإبادة والتهجير القسري وجرائم الحرب التي ستظل وصمة عار في سجل التاريخ والإنسانية، وصدق الله العظيم القائل ((ودّوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، قد بيّنا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)) آل عمران-118

مقالات مشابهة

  • «تنشيط السياحة» بـ الإسكندرية: المدينة تزخر بالآثار التي تثبت تاريخها الحضاري العريق
  • الكرملين: ينبغي تذكير الولايات المتحدة بأنها الدولة الوحيدة التي استخدمت الأسلحة النووية
  • كتاب يعاين صورة المتنبي في مرآة الاستشراق وضع القراءة
  • قيمة المكافأة التي حصل عليها الترجي التونسي من مشاركته في مونديال الأندية
  • دروس وعبر
  • البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخوارزميات
  • كيان الأعمال القذرة
  • الغرب بين الدبلوماسية والتردد.. لماذا يخشى مواجهة جذور الأزمة في الشرق الأوسط؟
  • ملتقى الأزهر يناقش «الهجرة والتحول الحضاري» في إطار معالجاته لقضايا العصر
  • في التقييم.. جبهة المقاومة منذ طوفان الأقصى