إسرائيل واستراتيجيتها المحفوفة بالمخاطر في سوريا
تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT
بعد أشهُـر من العنف الطائفي، وعمليات الخطف، والاشتباكات عبر الحدود، من المؤكد أن آخر ما تحتاج إليه الحكومة الوليدة في سوريا هو جارة تؤجج التوترات. لكن هذا هو ما تفعله إسرائيل، حيث تقيم القواعد العسكرية في «المنطقة العازلة» المنزوعة السلاح بين البلدين، وتهاجم مواقع عسكرية، وتقتل مسؤولين أمنيين ــ وكل هذا جزء من استراتيجية مستهلكة لدعم جماعات الأقلية ضد الأغلبية السنية في العالم العربي.
إلى جانب لبنان المجاور، تضم سوريا التركيبة السكانية الأكثر تنوعا في الشرق الأوسط. ففي حين يشكل العرب السُـنّـة هناك 65% من السكان، فإن أغلبيتهم أقل كثيرا مما هي عليه في مصر على سبيل المثال (حوالي 90%). تضم النسبة المتبقية من سكان سوريا (35%) مذاهب إسلامية مختلفة، إلى جانب الأكراد السُـنّـة والمسيحيين.
وقد تبين أن إدارة هذا التنوع تشكل تحديا لهيئة تحرير الشام، التي وصلت إلى السلطة بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشّار الأسد في ديسمبر. فكوادرها مشتقة من تنظيم القاعدة، الذي يؤمن بأن العرب السَنّة ينبغي لهم أن يملكوا كل الحقوق ــ ويمسكوا بجميع مقاليد السلطة ــ في العالم الإسلامي. وبرغم أن قيادة هيئة تحرير الشام خففت من حماستها الدينية، فإن بعض جنودها لم يفعلوا.
في مارس، أسفرت اشتباكات بين هيئة تحرير الشام والطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، وهي فرع شيعي يمثل نحو 12% من سكان سوريا، عن مقتل أكثر من 1000 شخص. وتسببت أعمال العنف هذه في قضّ مضاجع المسيحيين، الذين دعموا إلى حد كبير الحكومة التي أطيح بها. من ناحية أخرى، اشتبكت جماعات موالية لتركيا مع قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها أكراد في الشمال الشرقي.
إلا أن التوترات مع الدروز، وهي جماعة أخرى مخالفة للإجماع، هي التي تثبت كونها الأكثر إزعاجا للحكومة السورية الفتية. فبعد انتشار تسجيل صوتي زائف منسوب لزعيم درزي يسب النبي محمد على وسائط التواصل الاجتماعي، هاجم مسلحون ملثمون ضاحية جرمانا في دمشق. وبعد أن استقطب الـعِـراك مسؤولين أمنيين من هيئة تحرير الشام، أعلنت إسرائيل أنها ستحمي الطائفة الصغيرة. ومنذ ذلك الحين، استهدفت إسرائيل عناصر من قوات الأمن السورية التي اشتبكت مع الدروز وشنت غارات جوية بالقرب من القصر الرئاسي.
الواقع أن مكائد إسرائيل في سوريا ليست بالأمر الجديد. ففي غضون أشهُـر من ولادة إسرائيل، فكّر مسؤولون كبار في وزارة الخارجية الإسرائيلية في رعاية انقلاب هناك، في محاولة لتعزيز موقفهم في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948.
في عموم الأمر، استخدمت إسرائيل في كثير من الأحيان دعم الأقليات لتقويض السلطة السُـنّـية. في لبنان، كان المسيحيون يمثلون الأقلية. في عام 1955، طرح رئيس أركان الجيش موشيه ديان فكرة إقناع ضابط عسكري مسيحي «بإعلان نفسه منقذا للسكان الموارنة (المسيحيين)»، قبل غزو لبنان للمساعدة في تنصيب نظام مسيحي يتحالف مع إسرائيل.
وفي سبعينيات القرن العشرين، دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن ــ مدعيا أن من «واجب» إسرائيل منع منظمة التحرير الفلسطينية من ارتكاب «إبادة جماعية» ضد المسيحيين ــ ضابط صف مسيحيا لبنانيا منشقا، على أمل إنشاء منطقة عازلة على طول حدود لبنان الجنوبية، حيث تستطيع إسرائيل أن تمارس بعض السيطرة. وفي عام 1982، اجتاحت إسرائيل لبنان وطردت منظمة التحرير الفلسطينية، ونصبت رئيسا مسيحيا هو بشير الجميل، الذي سرعان ما اغتاله أحد أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي.
استلزمت جهود إسرائيل لتقويض الأنظمة السنية إقامة شراكات مع دول شيعية. فابتداء من ستينيات القرن الماضي، عملت إسرائيل مع شاه إيران لدعم أكراد العراق المحاصرين في قتالهم ضد الحكومة المركزية. وكان التمرد الناجم عن ذلك مدمرا إلى الحد الذي جعل نائب الرئيس العراقي آنذاك صدّام حسين يتنازل عن الممر المائي شط العرب لإيران، مقابل تعهدها بالتوقف عن دعم الأكراد.
في ضوء هذا التاريخ، ليس من المستغرب أن يسعى قادة إسرائيل الآن إلى اقتطاع جيب درزي على الحدود السورية، وبالتالي خلق حاجز بين إسرائيل والسُـنّـة. ولم يكن من المستغرب أن تحدد إسرائيل شخصيات درزية طموحة وحريصة على تحدي الحكومة المركزية وحتى قيادات طائفتهم التقليدية. يحظى هذا الجهد بدعم واسع بين السياسيين الإسرائيليين، من رئيس الوزراء إلى زعيم المعارضة. فهم يرون إن سوريا الممزقة التي تحاول يائسة إخماد حرائق إقليمية وطائفية ستفتقر إلى الموارد والقدرة على تهديد إسرائيل.
لكن هذه الرؤية قصيرة النظر. ففي نهاية المطاف، قد تؤدي الاضطرابات والانقسامات إلى إسقاط حكومة هيئة تحرير الشام، وقد لا يعجب إسرائيل ما سيحل محلها. وقد يقتنع الأتراك الذين يساندون هيئة تحرير الشام ويدعمون الفصائل على الحدود السورية الشمالية بنشر قواتهم في عمق البلاد. وقد يستغل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام العائد من جديد فوضى سقوط هيئة تحرير الشام لتوسيع نفوذه، تماما كما فعل عندما اندلعت الحرب الأهلية السورية في عام 2011. بعد اغتيال الجميّل في عام 1982، حَـلّ حزب الله محل حكومته في جنوب لبنان. وبحلول العام 2000، كان حزب الله نجح في طرد إسرائيل من الأراضي اللبنانية، وفي العام 2006 شنّ حربا مدمرة انتهت إلى طريق مسدود.
بعد انهيار حكم آل الأسد، نالت إسرائيل ما يشبه التفوق في الشرق الأوسط. وزعزعة استقرار حكومة وليدة لا ترغب في الاشتباك مع جارة أقوى لن يفعل شيئا لتعزيز هذا الموقف. بل على العكس من ذلك، تهدد السياسة القائمة على الغطرسة الـمُـرتَـدّة على الذات بتمهيد الطريق لظهور تهديد جديد مهول.
باراك بارفي باحث متخصص في شؤون العالم العربي والإسلامي، عمل سابقا زميلا باحثا في مؤسسة «نيو أمريكا» وزميلا زائرا في معهد بروكينغز. تتركز اهتماماته البحثية على قضايا الشرق الأوسط، بما في ذلك الجماعات الإسلامية، والتحولات السياسية في العالم العربي، والصراعات الإقليمية.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هیئة تحریر الشام فی سوریا الس ـن فی عام
إقرأ أيضاً:
من السلاح إلى السياسة | تعرف على الحركات التي حلّت نفسها قبل العمال الكردستاني
لطالما شكلت الحركات المسلحة أحد مشاهد التاريخ السياسي الحديث، حيث خاضت صراعات، وحروبا وتمردات باسم الاستقلال، أو العدالة، أو الهوية، لكن بعضها رغم أنه ولد من رحم القمع، تحول إلى ممارسة السياسة ووضع البندقية لصالح صناديق الاقتراع.
وليس حزب العمال الكردستاني أول من قرر وضع السلاح بعد سنوات طويلة من الكفاح المسلح.
وقُتل أكثر من 40 ألف شخص منذ أن بدأ الحزب تمرده المسلح عام 1984 بهدف إقامة دولة مستقلة للأكراد.
وظهرت الحركات المسلحة في شتى أنحاء العالم، من غابات كولومبيا إلى جبال مندناو في الفلبين، ومن شوارع القاهرة إلى حارات بيروت.
منظمة إيتا - إسبانيا
تأسست "منظمة وطن الباسك والحرية" المعروفة باسم "إيتا" في 1959، على شكل مجموعة انفصالية باسكية تطالب بدولة مستقلة.
Embed from Getty Images
المرحلة المسلحة: نفذت عمليات اغتيال، وتفجيرات، وخطف من الستينيات إلى 2011، واستهدفت القوات الأمنية والسياسيين.
الانتقال إلى السياسة: أعلنت وقفًا دائمًا للأعمال المسلحة في 2011، ونزعت السلاح بالكامل في 2017 تحت إشراف دولي، وحلت نفسها رسميًا في 2018، وانضم أنصار إيتا إلى الأحزاب التي تعمل ضمن النظام السياسي الإسباني وتدعو إلى استقلال إقليم الباسك بوسائل سلمية.
رمح الأمة – جنوب أفريقيا
تأسس أمخونتو وي سيزنوي أو ما يطلق عليه "رمح الأمة" جناحا عسكريا للمؤتمر الوطني الأفريقي عام 1961 على يد نيلسون مانديلا لمقاومة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
Embed from Getty Images
العمل المسلح: بعد مجزرة شاربفيل على يد الشرطة في 1960 وحظر المؤتمر الوطني الأفريقي، تحولت أمخونتو وي سيزنوي إلى المقاومة المسلحة، واستهدفت المرافق الحكومية مثل المحطات الكهربائية، والسكك الحديدية ومنازل المسؤولين.
الانتقال إلى السياسة: علّق الجناح العسكري عملياته في 1990 خلال مفاوضات السلام ثم أعلن حلّه رسميًا في 1993 واندمجت القيادة في السياسة وفاز مانديلا في أول انتخابات متعددة عام 1994 وأصبح رئيسا للبلاد، واندمج بعض مقاتلي الجناح العسكري في القوات المسلحة.
القوات المسلحة الثورية - كولومبيا
تأسست القوات المسلحة الثورية الكولومبية في 1964، وكانت مجموعة ماركسية-لينينية تطالب بالإصلاح والعدالة الاجتماعية.
Embed from Getty Images
المرحلة المسلحة: خاضت تمردًا استمر 50 عامًا، بما في ذلك الخطف، والهجمات على الأهداف العسكرية والمدنية، وصلت ذروتها في التسعينيات.
الانتقال إلى السياسة: بعد اتفاق السلام 2016، نزعت السلاح، وفككت نفسها وتحولت إلى حزب "القوة البديلة الثورية المشتركة" وشاركت في الانتخابات رغم أن بعض الفصائل المنشقة عنها رفضت الاتفاق.
الجيش الجمهوري الإيرلندي - إيرلندا
تأسس الجيش الجمهوري الآيرلندي في 1969، سعى لإنهاء الحكم البريطاني في إيرلندا الشمالية وتوحيد إيرلندا.
Embed from Getty Images
المرحلة المسلحة: خاض حملة مسلحة استمرت 30 عامًا ضد القوات البريطانية والمجموعات الموالية لها باستخدام أساليب العصابات والتفجيرات.
الانتقال إلى السياسة: بعد اتفاق الجمعة العظيمة 1998، نزع الجيش الجمهوري الآيرلندي أسلحته، وأصبح جناحه السياسي "شين فين"، حزبا رئيسيًا في إيرلندا الشمالية والجمهورية، يشارك في الحكومة والانتخابات.
جيش لبنان الجنوبي - لبنان
تأسس جيش لبنان الجنوبي على شكل ميليشيا مسيحية تابعة للاحتلال الإسرائيلي في عام 1977 خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وكان يسيطر على جنوب لبنان.
Embed from Getty Images
المرحلة المسلحة: قاتل إلى جانب القوات الإسرائيلية خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان (1982–2000)، واشتهر بانتهاكات حقوق الإنسان مثل سجن الخيام.
انتهاء العمل المسلح: لم يتحول جيش لبنان الجنوبي إلى كيان سياسي. لكنه انهار في أيار/ مايو 2000 بعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من لبنان، وفر أعضاؤه إلى إسرائيل ومن بقي منهم في لبنان أحيل إلى المحاكم.
الجماعة الإسلامية - مصر
تأسست في السبعينيات، وكانت معروفة بهجماتها العنيفة، واستهدافها مراكز الشرطة، والسياح، وينسب لها الكثير من الأعمال المسلحة التي طالت مسؤولين.
Embed from Getty Images
المرحلة المسلحة: شاركت الجماعة في عملية اغتيال السادات 1981، ولها عدد من الهجمات على المقرات الأمنية ومراكز الشرطة.
الانتقال إلى السياسة: في أواخر التسعينيات، بدأ قادة سجناء مثل كرم زهدي مبادرة "اللاعنف" عام 1997، وأعلنت لاحقا التخلي عن العنف وحل الجناح العسكري، وبعد الثورة المصرية 2011، أسست الجماعة حزب البناء والتنمية لكن تم حله ومصادرة أمواله في 2020 بعد اتهامه بمخالفة مبادئ العمل الحزبي.
جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني - السلفادور
تأسست جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني في أواخر السبعينيات كتحالف يساري يضم عناصر طلابية وعمالية في السلفادور. سُميت على اسم الثوري أوغستين فارابوندو مارتي، وهدفت إلى مواجهة الحكومة اليمينية التي دعمتها الولايات المتحدة.
Embed from Getty Images
المرحلة المسلحة: خاضت الجبهة حربًا ضد الحكومة اليمينية بدءا من عام 1979 مستخدمة تكتيكات العصابات والمواجهات المباشرة، واستهدفت القوات الحكومية، والمرافق الاقتصادية، والبنية التحتية وتعرضت لرد قمعي شديد من الجيش وفرق الموت المدعومة حكوميًا.
الانتقال إلى السياسة: في 1992، وقّعت الجبهة والحكومة السلفادورية معاهدة تشابولتيبيك للسلام، التي أنهت الحرب الأهلية. ونصت الاتفاقية على تفكيك التكوين العسكري للجبهة، ونزع سلاحها، والاعتراف بها كحزب سياسي قانوني وتحولت بالكامل إلى حزب سياسي يساري يحمل الاسم نفسه فاز بالانتخابات الرئاسية لاحقا.
الحركة الشعبية لتحرير السودان- السودان
تأسست الحركة الشعبية لتحرير السودان في 1983 بقيادة جون غارانغ، وكافحت من أجل سودان "ديمقراطي علماني"، مع التركيز على جنوب السودان.
Embed from Getty Images
المرحلة المسلحة: خاضت الحرب الأهلية الثانية (1983–2005) ضد الحكومة، وسيطرت على أجزاء من جنوب السودان، بما في ذلك ولاية النيل الأعلى وبحر الغزال.
الانتقال إلى السياسة: بعد اتفاق السلام الشامل 2005، أصبحت الحركة جزءًا من حكومة السودان، وتولى غارانغ منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة جنوب السودان ومع استقلال جنوب السودان في 2011، أصبحت الحركة هي الحزب الحاكم هناك.
جبهة مورو الإسلامية - الفلبين
تأسست جبهة مورو الإسلامية في 1984 بعد الانفصال عن جبهة التحرير الوطنية، وطالبت بالاستقلال أو الحكم الذاتي للمسلمين في مندناو.
Embed from Getty Images
المرحلة المسلحة: خاضت تمردًا مسلحا ضد الحكومة الفلبينية وصلت ذروتها في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
الانتقال إلى السياسة: في 2012، وقّعت الحركة اتفاق سلام تاريخي مع الحكومة الفلبينية، مما أدى إلى نزع السلاح وتفكيكها وأصبحت كيانا سياسيا باسم حزب العدالة المتحدة في بانغسامورو، وإنشاء منطقة بانغسامورو ذاتية الحكم.