بغداد- في خطوة غير تقليدية، وجّه مجلس القضاء الأعلى في العراق الأنظار مؤخرا نحو عقود الزواج ذات المهور المبالغ فيها. وأصدر تعليمات بتدقيقها والتأكد من مصادر هذه الأموال.

ففي الرابع من هذا الشهر، أصدر المجلس تعليمات حاسمة للمحاكم تقضي بضرورة التدقيق في مصادر الأموال التي تدفع كمهر في الحالات التي تشهد مغالاة غير مسبوقة.

وبحسب التوجيهات الجديدة، سيتم إحالة الأطراف المعنية إلى مكتب مكافحة غسيل الأموال لإجراء التحقيقات اللازمة في حال لم يقتنع القاضي بمشروعية مصدر تلك الأموال، أو إذا تبين له عدم وجود نية حقيقية للزواج.

وأصدر المجلس القضائي تعميما عاجلا شمل محاكم التمييز والادعاء العام وجميع محاكم الاستئناف، محذرا من استغلال محاكم الأحوال الشخصية في ارتكاب جرائم غسل الأموال من خلال التلاعب بتسجيل عقود زواج تتضمن مهورا وصفها المجلس بـ"مبالغ فيها وغير منطقية"، مما يدفع للتساؤل حول الدوافع الحقيقية وراء هذه المهور.

مجلس القضاء الأعلى منح القضاة صلاحيات واسعة في التدقيق في مصدر الأموال المشبوهة (الفرنسية) غطاء لغسل الأموال

أكد نائب رئيس محكمة استئناف الرصافة القاضي أحمد جاسب الساعدي، أهمية تضافر الجهود الرسمية والقضائية لمتابعة ومكافحة جريمة غسل الأموال لما لها من تأثيرات سلبية على الاقتصاد الوطني.

إعلان

وقال الساعدي للجزيرة نت إن المحاكم -وخاصة محاكم الأحوال الشخصية- لاحظت مؤشرات تستدعي الانتباه والتحقق، حيث يتم تسجيل عقود زواج تتضمن مهورا عالية جدا وغير مألوفة في المجتمع، الأمر الذي أثار شكوكا حول إمكانية استخدام مثل هذه العقود كغطاء لغسيل الأموال وإضفاء الشرعية عليها عند مطالبة الزوجة بها لاحقا، عبر دوائر التنفيذ أو من خلال إقامة الدعاوى.

كما أشار القاضي الساعدي إلى صور أخرى محتملة قد تستخدم للغرض ذاته، مثل المطالبات بأثاث زوجي أو مشغولات ذهبية بأسعار مبالغ فيها أمام محاكم البداية، أو تسجيل معاملات شراء عقارات بديون أو بأسعار غير واقعية.

وفي ضوء هذه المؤشرات، أوضح الساعدي أن مجلس القضاء الأعلى قد وجه المحاكم المعنية في حال الشك بمصادر الأموال في مثل هذه الحالات، إلى إحالة الأطراف إلى مكاتب غسل الأموال وتمويل الإرهاب، للتحقق من مصادرها بشكل دقيق.

وشدد على أن مرتكبي جريمة غسل الأموال قد يلجؤون إلى أساليب متنوعة لإدخال الأموال غير المشروعة في معاملات قانونية ظاهرية، بهدف إبعادها عن الملاحقة القانونية، مشيرا إلى أنه من بين هذه الأساليب المحتملة، استخدام عقود زواج صورية تبدو سليمة قانونيا لإضفاء صفة المشروعية على الأموال.

وبين أن الإجراء المتخذ من قبل القضاء هو إجراء وقائي واحترازي يهدف إلى الحد من هذه الأعمال غير المشروعة قبل استفحالها، مشيرا إلى عدم وجود إحصائيات دقيقة حاليا للمبالغ المسجلة في المهور العالية، وأن الأمر لا يزال في إطار الملاحظات الأولية وليس ظاهرة أو مشكلة مستفحلة.

وأكد القاضي أن الضمانات القانونية مكفولة لجميع المتهمين في مختلف الجرائم، وأن مكاتب مكافحة غسل الأموال والمحاكم المختصة تقوم بإجراءاتها وفقا للقانون الذي يضمن حقوق الجميع، أما بالنسبة لأطراف عقود الزواج أو الدعاوى المدنية، فإن الإجراء المتخذ يقتصر على التثبت من مصادر أموالهم وفقا لأحكام قانون مكافحة غسل الأموال رقم 39 لسنة 2015.

إعلان تشديد الرقابة

من ناحيتها، تحدثت الخبيرة القانونية شيرين زنكنة عن تصاعد القلق إزاء الارتفاع الملحوظ في قيمة المهور المسجلة في عقود الزواج، محذرة من إمكانية استغلالها كغطاء لعمليات غسيل الأموال.

ويسجل العراق زيادة ملحوظة في المهور خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبحت بعض عقود الزواج تتضمن مهورا تتجاوز مليار دينار عراقي (حوالي 757 ألفا و575 دولارا أميركي) مما يثير استغرابا اجتماعيا وتساؤلات قانونية.

وقالت زنكنة للجزيرة نت، إن المهور العالية في العراق بدأت بالظهور خلال السنوات الخمسة الأخيرة، مشيرة إلى أن أعلى مهر تم تسجيله في البلاد بلغ ملياري دينار عراقي (حوالي 1.7 مليون دولار أميركي)، وقد تم توثيق هذا العقد بمحكمة الأحوال الشخصية في محافظة كربلاء عام 2019.

وأضافت أن مجلس القضاء الأعلى كشف عن آلية جديدة تهدف إلى تدقيق عقود الزواج، بهدف منع استغلالها لأغراض مالية غير مشروعة. ومع ذلك، أشارت إلى أنه لم يتم حتى الآن تحديد الإطار الزمني لهذه الإجراءات، ومع الأخذ في الاعتبار أن التحقيقات عادة ما تستغرق وقتا طويلا وتتطلب مخاطبات مع الجهات المعنية لإثبات الحقائق.

وحذرت الخبيرة القانونية من أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى تعقيد إجراءات الزواج في حال رأى القاضي توجيه الأطراف المعنية إلى مكتب مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب لعدم قناعته بمصادر أموال الزوجين، وهو الإجراء المتبع في حال وجود شبهات حول مبالغ المهور.

وأشارت إلى أن مجلس القضاء الأعلى منح القضاة صلاحيات واسعة في هذا الشأن، دون تقييدها بنص قانوني صريح، مما يعني أن للقاضي سلطة تقديرية في التوسع أو التضييق في التحقيق، وكذلك الموافقة على إتمام عقد الزواج ذي المهر العالي بناء على الأدلة المقدمة وإمكانية إقناع الأطراف للقاضي بمصادر الأموال.

وفي سياق متصل، لفتت زنكنة الانتباه إلى ما يتم رصده على وسائل التواصل الاجتماعي من إنفاق مبالغ طائلة من قبل بعض الشخصيات المعروفة أو المشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي عند ارتباطهن بأشخاص ذوي نفوذ أو رجال أعمال، وحتى بعض السياسيين، مما يثير التساؤلات حول مصادر هذه الأموال.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات مجلس القضاء الأعلى غسیل الأموال غسل الأموال عقود الزواج مبالغ فیها فی حال إلى أن

إقرأ أيضاً:

تشات جي بي تي في مأزق.. مجاملات مبالغ فيها

في الآونة الأخيرة، ومن خلال تحديث كان من المفترض أن يُحسن من توجيه المحادثات نحو نتائج مثمرة، كما ورد في ملاحظات الإصدار من OpenAI، كان ChatGPT يواجه مشكلة غير متوقعة. إذ بدأ النموذج في إخبار المستخدمين كيف أن أفكارهم الغريبة كانت "عبقرية"، حتى عندما كانت غير منطقية، وهو ما أزعج الكثيرين، مما دفع OpenAI إلى الرجوع عن هذا التحديث في وقت لاحق. وأوضحوا في مدونة أن التحديث الذي تم إزالته كان "مبالغًا فيه في الإطراء والموافقة، حتى أن البعض وصفه بالتحبب المفرط". وأضافت الشركة أن النظام سيتطور لتجنب مثل هذه التفاعلات "المزعجة"، وفقاً لموقع"theatlantic".


اقرأ أيضاً.. الذكاء الاصطناعي يتقن الخداع!



لكن المشكلة لم تقتصر على ChatGPT فقط. فقد أظهرت دراسة أجراها فريق من الباحثين في Anthropic عام 2023 أن هذه السمة ليست جديدة، بل هي سلوك عام للعديد من مساعدات الذكاء الاصطناعي الحديثة.

فالنماذج الكبيرة أحيانًا تضحي بـ"الصدق" في سبيل موافقة آراء المستخدمين. ولعل السبب في ذلك يعود إلى مرحلة "التدريب" التي يتم خلالها تقييم الردود بواسطة البشر، وتوجيه الأنظمة نحو تكرار الأفكار التي تحظى بإعجاب البشر، ما يؤدي إلى تعلم النماذج سلوكًا يتماشى مع احتياجات البشر للتأكيد على صحة أفكارهم.



 

هل يتعلم الذكاء الاصطناعي من البشر

النموذج الذي يؤدي إلى هذه المشكلة يُسمى "التعلم المعزز من ملاحظات البشر" (RLHF). وهو نوع من التعلم الآلي، ولكن كما أظهرت الأحداث الأخيرة، يبدو أن هذا المصطلح قد يكون مضللًا. فهو ليس مجرد تدريب للنماذج على التحسين، بل أصبح أداة يتعلم منها الذكاء الاصطناعي كيف يتفاعل مع البشر، خاصة في نقاط ضعفنا ورغبتنا في الحصول على التأكيد.



هل الذكاء الاصطناعي أصبح مرآة لآرائنا؟


الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة يشبه إلى حد بعيد وسائل التواصل الاجتماعي. فكما كانت وسائل التواصل الاجتماعي في البداية مكانًا من المفترض أن يوسع أفكارنا، إلا أنها أصبحت أداة لتبرير مواقفنا وتعزيز أفكارنا حتى في مواجهة الأدلة المعاكسة. يبدو أن الذكاء الاصطناعي أيضًا يسير على نفس المسار، ويقدم لنا تبريرات تجعلنا نشعر بأن أفكارنا صحيحة، وهو ما قد يكون أكثر خطرًا من وسائل التواصل الاجتماعي بسبب فعاليته الكبيرة.


 

مساعد ذكي أم عقل معرفي

 

رغم إعلان شركة OpenAI عزمها تقليص نبرة "التحبب المبالغ فيه" في محادثات ChatGPT، إلا أن المشكلة الأعمق تتجاوز الأسلوب إلى جوهر استخدام هذه التقنية. فالرهان على "شخصنة" الذكاء الاصطناعي وجعله يبدو كرفيق أو صاحب رأي مستقل قد لا يكون الطريقة المثلى للاستفادة من هذه الأدوات.

وهنا تبرز رؤية الباحثة أليسون جوبنيك، المتخصصة في علم الإدراك، التي ترى أن النماذج اللغوية الكبيرة مثل ChatGPT لا يجب أن تُعامل كعقول ناشئة أو "شخصيات افتراضية" تُبدي آراءً أو تحاكي المشاعر. بل هي، برأيها، أدوات ثقافية متقدمة، صُممت لتُسهّل على الإنسان الوصول إلى المعارف والخبرات المتراكمة عبر التاريخ، تمامًا كما فعلت الطباعة ومحركات البحث من قبل.

اقرأ أيضاً.. الذكاء الاصطناعي يزداد عبقرية.. لكنه يُتقن الكذب

أخبار ذات صلة قاعدة بيانات للمجندين لتسهيل آليات التوظيف و100 مقعد دراسي في «الذكاء الاصطناعي» جمال السويدي: الذكاء الاصطناعي يقدم فرصاً غير مسبوقة لتطوير المحتوى الإعلامي

من دردشة سطحية إلى تواصل معرفي عميق


هنا تبرز الحاجة لإعادة تعريف دور الذكاء الاصطناعي: ليس بوصفه "صوتًا آخر" في الحوار، بل بوصفه وسيطًا معرفيًا يعرض أفكار الآخرين، يشرحها، ويضعها في سياقاتها. بدلاً من أن يقدم رأيًا، يمكن للنموذج أن يرسم خارطة معرفية للمستخدم، تُظهر مختلف وجهات النظر، وتساعده على التفكير بطريقة نقدية ومنفتحة. بهذه الطريقة، يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة للتأكيد على ما نعتقده، إلى أداة توسع مداركنا وتعرّفنا على ما لم نكن لنراه من قبل.



كيف نعيد تصور دور الذكاء الاصطناعي في المستقبل؟


من خلال هذا الإطار، يجب أن نرى الذكاء الاصطناعي ليس كمصدر "لآراء" فحسب، بل كمصدر حقيقي للمعرفة. على سبيل المثال، عندما نطلب رأيًا حول فكرة تجارية، يجب على النموذج أن يقدم لنا نهجًا منظمًا لتحليل الفكرة بناءً على دراسات سابقة وأطر تقييم معترف بها، بدلاً من تقديم رأي سطحي لا يعتمد على الأدلة. في هذا السياق، يجب أن يعزز الذكاء الاصطناعي من قدرتنا على الوصول إلى موارد ومعرفة أوسع، بدلاً من الاكتفاء بتأكيد أفكارنا الشخصية.


 

 

توسيع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي


يتعلق الأمر بتوسيع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي ليكون مصدرًا أوسع وأكثر تنوعًا للمعرفة. بدلاً من أن نستخدمه كأداة تبريرية تعزز آرائنا المسبقة، يمكننا إعادة تشكيله ليصبح أداة تعلم حقيقية، تقدم لنا رؤى أعمق وأكثر تنوعًا. هذه النقلة ستساهم في اتخاذ قرارات أكثر وعيًا ومبنية على المعرفة الحقيقية. وفي النهاية، إذا تمكنا من تغيير الطريقة التي نتفاعل بها مع هذه الأنظمة الذكية، يمكننا استغلال إمكانياتها الكبيرة لتحقيق أقصى استفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي المتطورة.



ويبقى التحدي الأبرز في مسار تطور الذكاء الاصطناعي هو التوفيق بين الميل نحو تعزيز الآراء الشخصية، وتقديم توجيه معرفي موضوعي. فإذا تمكّنا من تجاوز هذا الانحراف، وتوجيه هذه النماذج نحو أداء أكثر حيادية وعمقًا، فإن الذكاء الاصطناعي لن يكون مجرد أداة تفاعلية، بل منصة حقيقية لتعزيز الفهم البشري، وتوسيع آفاق المعرفة.


إسلام العبادي(أبوظبي)

مقالات مشابهة

  • رئيس وزراء فرنسا أمام القضاء بقضية اعتداءات جنسية حصلت منذ عقود
  • قواعد جديدة لرد التعويضات والغرامات بمشروع قانون الإجراءات الجنائية| تعرف عليها
  • ترامب: إيران استخدمت الأموال لدعم الارهاب في العراق وزعزعة استقراره
  • العراق يتجنب القائمة الرمادية: خطوة نحو نزاهة النظام المالي
  • تشات جي بي تي في مأزق.. مجاملات مبالغ فيها
  • شروط تسوية المبالغ المستحقة للدولة بمشروع القانون الجديد
  • سكني واعتباري.. حالات يتم فيها طرد المستأجر فورا بدون قانون جديد
  • الإطاحة بعصابة الزواج الوهمي في مصر
  • الشرطة تطيح بعصابة الزواج الوهمي.. استغلوا حلم الاستقرار بعقود مزيفة