الذكاء الاصطناعي يكشف مستقبلا مناخيا أكثر قسوة في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 18th, May 2025 GMT
في عالم يزداد احترارا، تبدو منطقة الشرق الأوسط أكثر عرضة من غيرها لتداعيات المناخ. من الجفاف الطويل إلى الفيضانات المفاجئة، ومن التصحر الزاحف إلى تقلبات درجات الحرارة، تمثل التغيرات المناخية تحديا معقدا يهدد الموارد والاقتصادات وحتى الاستقرار السياسي.
وسط هذا المشهد، يبرز نموذج جديد للتنبؤ المناخي، يعتمد على الذكاء الاصطناعي، كأداة واعدة لإعادة فهم المستقبل المناخي في الإقليم.
في دراسة نشرت يوم 8 مايو/أيار في مجلة "إن بي جاي كلايمت آند أتموسفيريك ساينس"، طور فريق بحثي نموذجا يعرف باسم "ستاكينج إي إم إل"، يمزج بين تقنيات تعلم آلي متعددة ويظهر قدرة غير مسبوقة على التنبؤ بدقة بدرجات الحرارة وهطول الأمطار في الشرق الأوسط، حتى نهاية القرن الحالي.
يوضح المؤلف الرئيسي للدراسة "يونس خسروي"، الباحث في علم المعلومات الجغرافية في المعهد الوطني للبحث في كيبك، كندا، إن النموذج المقترح يعتمد على دمج 5 خوارزميات تعلم آلي مع 3 "نماذج ميتا" تقوم بتحليل مخرجات الخوارزميات وتجميعها للحصول على التنبؤ النهائي.
ويضيف في تصريحات لـ"الجزيرة نت": "هذه التقنية المعروفة باسم التعلم الجماعي تتيح تقليص نسبة الخطأ وزيادة الدقة".
ويضيف "خسروي" أن الفريق صمم هذا النموذج كي يتعامل مع بيئة مناخية معقدة كبيئة الشرق الأوسط، حيث تمتزج التلال والسهول والصحارى والبحار، مما يصعّب دقة التنبؤ باستخدام نماذج تقليدية، لافتا إلى أنه باستخدام تقنيات التعلم الآلي، أصبحنا قادرين على رؤية أنماط مناخية لا تلتقطها النماذج الكلاسيكية.
إعلانتعتمد النماذج المناخية التقليدية، مثل نماذج الغلاف الجوي العام، على معادلات فيزيائية تحاكي تفاعلات معقدة بين المحيط والغلاف الجوي، لكنها غالبا ما تعاني من ضعف الدقة في التنبؤ على المستوى المحلي، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى شبكات مراقبة مناخية كثيفة.
وعلى النقيض من ذلك، يستند نموذج "ستاكينج إي إم إل" إلى تحليل البيانات المتاحة واستنباط الأنماط منها، دون الحاجة إلى معرفة مسبقة بقوانين الفيزياء، ويتميز بقدرته على التكيف مع البيانات غير المكتملة أو المناطق التي يصعب رصدها ميدانيًا، مثل المناطق الصحراوية أو الجبلية.
"لا نقلل من أهمية النماذج الفيزيائية، لكننا نكملها بأسلوب جديد يجعل التوقعات أكثر واقعية على أرض الواقع"، يشرح المؤلف الرئيسي للدراسة، ويضيف: "باختصار: الذكاء الاصطناعي لا يستبدل العلماء، بل يمنحهم رؤية أعمق".
نتائج دقيقة وتحذيرات ساخنةعند تطبيق النموذج الجديد على بيانات "سي إم آي بي 6″، وهي قاعدة بيانات عالمية شاملة للتنبؤ المناخي، حقق دقة تنبؤية غير مسبوقة في توقع درجات الحرارة القصوى وفي توقع هطول الأمطار، وفقا للمؤلفين.
وتحت سيناريو الانبعاثات المرتفعة، كشف النموذج عن صورة مثيرة للقلق، فموجات الحر تتجاوز 45 درجة مئوية في جنوب الجزيرة العربية وجنوب إيران، كما كانت هناك زيادة غير متوقعة في كميات الأمطار شمالا، مما قد يؤدي إلى فيضانات.
"لم نعد نتحدث عن تحذيرات عامة، بل عن خرائط دقيقة توضح أي المناطق ستعاني أكثر، ومتى"، كما أوضح "خسروي".
ويقول "محمد توفيق"، أستاذ المناخ التطبيقي بجامعة سوهاج (لم يشارك في الدراسة) "هذه الدراسة تمثل خطوة متقدمة في ربط الذكاء الاصطناعي بمشكلات واقعية في أكثر مناطق العالم هشاشة مناخيا. النموذج المقترح لا يكتفي بتحسين الدقة التنبؤية، بل يفتح الباب أمام استخدامات عملية مباشرة، مثل إدارة المياه وتخطيط المدن".
إعلانويضيف "توفيق" في تصريحات لـ"الجزيرة نت" أن ما يثير الاهتمام حقا هو أن النموذج يعمل بكفاءة حتى في المناطق التي تعاني من نقص البيانات، وهذه ميزة إستراتيجية لدول مثل اليمن أو السودان. لكن يبقى التحدي في مدى استعداد صناع القرار للاستفادة الفعلية من هذه الأداة، وتحويل التنبؤات إلى سياسات قابلة للتنفيذ.
تنبؤات المناخ ليست فقط مسألة علمية، بل لها تبعات مباشرة على الاقتصاد، حسب أستاذ المناخ التطبيقي الذي يلفت إلى أن الزراعة، التي تمثل شريان الحياة في بلدان مثل العراق وسوريا والسودان، مضيفا أن "تغير توقيت الأمطار يعني اضطراب مواسم الزراعة، والجفاف المتكرر يهدد الأمن الغذائي".
ويوضح توفيق "في الخليج، ترتفع كلفة التبريد والطاقة نتيجة درجات الحرارة القياسية، مما يزيد الضغوط على الميزانيات العامة. كما تؤثر الفيضانات المرتبطة بالأمطار غير المنتظمة على البنية التحتية الهشة في بلدان مثل اليمن ولبنان".
من جانبه، يحذر "خسروي" من أنه في بعض الحالات، ستكون التغيرات المناخية مكلفة أكثر من أي أزمة اقتصادية تقليدية، ولهذا السبب يشدد على الحاجة إلى إدماج النماذج المناخية في كل خطة اقتصادية أو إستراتيجية تنموية.
ما الذي يجب فعله الآن؟يوصي الباحثون بالاعتماد على النموذج الجديد كأداة إستراتيجية لدعم اتخاذ القرار في مجالات متعددة، أبرزها تخطيط استخدام الأراضي وتوزيع الزراعات الموسمية وفقا لتوقعات المناخ، وتحسين إدارة الموارد المائية بين القطاعات الزراعية والصناعية والحضرية، إضافة إلى تصميم شبكات الكهرباء والطاقة المتجددة بما يتناسب مع الارتفاع المتوقع في درجات الحرارة.
كما يؤكدون على أهمية ربط النموذج بأنظمة الإنذار المبكر لمواجهة مخاطر الفيضانات أو موجات الجفاف قبل وقوعها. ويشدد الفريق البحثي على ضرورة إتاحة النموذج كمورد مفتوح المصدر، قابل للتكييف والتدريب محليًا بما يتوافق مع ظروف واحتياجات كل دولة أو منطقة.
إعلانويوضح خسروي "نريد لهذا النموذج أن يخرج من المختبرات إلى الوزارات والمزارع والمجالس البلدية" ويضيف: "كلما كان القرار مبنيًا على العلم، كانت المجتمعات أكثر قدرة على الصمود".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی درجات الحرارة الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
ترامب يغير الشرق الأوسط وليس نتنياهو
تظهر قيمة تحليل أو مقال رأي عندما يتمكن الكاتب من أن ينفع نفسه أولًا وينفع القارئ ثانيا في تبديد الضباب الكثيف الذي تطلقه أوهام أو حملات إعلامية تحتوي على نصف الحقيقة وتستهدف منع الجمهور من أن يفهم حدثا سياسيا على حقيقته.
ينطبق هذا على زيارة ترامب للمنطقة واختياره للدول الثلاث الأغنى فيها وهم السعودية وقطر والإمارات ليزورها ويحصل منها بتعبيره هو على أربعة تريليونات دولار.
من أولى هذه الأوهام أو أنصاف الحقائق هو الادعاء بأن رحلة ترامب كانت مجرد رحلة تجارية وإجراء الصفقات لرئيس يأتي من عالم البيزنس ولم تتضمن تغيرات جيو-استراتيجية كارثية على المنطقة. وثانيها: إن دول الخليج التي زارها ترامب قدمت تريليونات الدولارات مجانا.. تماما كما كانت تقدم عواصم العالم جزية لإمبراطور روما ولم تحصل في مقابلها -من وجهة نظر نخبتها الحاكمة- على مكاسب مهمة.ثالثها: هذه الأوهام إن ما حدث في الجولة كان تعبيرا عن شرخ في العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية وأن واشنطن باتت تنظر لإسرائيل كعبء وليس كشريك استراتيجي وأنها استبدلت بها أطرافا عربية وإقليمية.
رابعها: وأكثرها مرارة في الحلق ووجعا في القلب هي ما بشر به إعلام عربي قبيل زيارة ترامب من أنه سيقدم حلًا شاملًا للصراع العربي-الإسرائيلي وليس فقط إنهاء الحرب في غزة وإنهاء حصار التجويع ثم أصابت هذه الحملة الخرس المفاجئ عندما أعاد ترامب «اللامعقول» السياسي متحدثا في عقر دار العرب وفي وقت توقيع عقود تريليونات الدولارات من هؤلاء العرب! عن تملك أمريكي لقطاع غزة وتحويله «منطقة حرية»!!
إقامة الحلف السني العربي-التركي مع إسرائيل ضد إيران: هذا في الرد على نصف الحقيقة الأول فليس صحيحًا أن كل ما حققه ترامب هو تجاري فحسب متضمنا بتعبيرات عقد أكبر صفقات في التاريخ. فلقد حقق ترامب في جبهة السياسة أكبر مما حققه في جبهة التجارة. أنجز ترامب ما فشل فيه في ولايته الأولى من إقامة التحالف الاستراتيجي السني «العربي-التركي» مع إسرائيل تحت القيادة الأمريكية وهو المخطط له أن يواجه الخطر الإيراني ويقلّص النفوذ الصيني في هذه المنطقة الحيوية.
صحيح أن هذا التحالف موجود «عمليا» من خلال صيغتين: الأولى دمج إسرائيل في مقر وخطط القيادة المركزية الأمريكية في البحرين التي تنسق بينها وبين الدول العربية الحليفة لواشنطن وكذلك من خلال منظمة «النقب» التي أثبتت وجودها العملي بمساعدة أطراف عربية لإسرائيل في التصدي للهجمات الإيرانية والحوثية، إلا أن الأمر بات بعد جولة ترامب أكثر أهمية وأوسع نطاقا.
بلقائه الرئيس السوري أحمد الشرع ورفع العقوبات انضمت سوريا إلى المعسكر الأمريكي وانتقلت مع إسرائيل إلى مرحلة انتقالية مشابهة لمرحلة مصر السادات بين (١٩٧٥ و١٩٧٧) ستقودها -كما قادت القاهرة- تلقائيًا إلى مرحلة الصلح والتطبيع. هذا الانقلاب الجيو-استراتيجي هو انتصار لتركيا صاحبة النفوذ السياسي الأعظم على دمشق منذ ٨ ديسمبر ويوقف التنافس القائم بينها في سوريا مع إسرائيل ويوجهه أكثر نحو تعاون وتقسيم نفوذ. ثم فمن وجهة نظر التحليل السياسي يصبح التحالف الإقليمي التابع لواشنطن المعادي لإيران تحالفا سنيًا-إسرائيليًا يشمل العرب وتركيا عضو الناتو وليس تحالفا عربيًا-إسرائيليًا فحسب. واقعية ترامب لم تجعل الإعلان «غير الرسمي» بالطبع عن قيام هذا التحالف مشروطا كما في السابق بانضمام أطراف فيه إلى اتفاقات التطبيع الإبراهيمي تاركا هذه المهمة لعامل الوقت. ما فعله ترامب في جولته من ضم سوريا وتركيا عمليًا للتحالف الإقليمي الذي سعت واشنطن إليه هو زلزال تكتوني هائل.حققت الدول التي جرت فيها الزيارة مكاسب ولو نسبية حتى لو كانت في نظر البعض مؤقتة، فدول الخليج اتفقت على تباينات مواقفها أن هجومًا عسكريًا إسرائيليًا أو أمريكيًا على إيران في هذه المرحلة سيؤدي إلى تفجير المنطقة بحرب قد تستمر لسنوات كحرب الخليج الأولى. حرب قد تدمر فيها منشآت النفط في كامل المنطقة وتغلق مضائق حيوية مثل هرمز وتعرض الوحدة الوطنية في بعض البلدان لهزات وتتعثر خطط التنمية الطموحة بالمنطقة. وكانت رسالتها واضحة قبل ربما أكثر من شهرين لترامب: الحصول على هذه التريليونات الهائلة مشروط بمنع خطة أعدها نتنياهو لضرب إيران ودفع ترامب عن خيار الحرب لخيار التفاوض مع طهران. في جولته ولكي يثبت أنه حقق هذا المكسب أو المقابل لدول الخليج تحدث صراحة عن أن إيران وأمريكا توصلتا إلى مشروع اتفاق. تقدير متفائل أكده الجنرال شمخاني من طهران عندما أكد أن إيران مستعدة للتخلي عن عمليات التخصيب العالية التي تجعلها قريبة من السلاح النووي وهو صلب موقف ترامب التفاوضي الذي بات يطالب بعدم امتلاك طهران لسلاح نووي وليس تفكيك برنامجها النووي كله.مكسب ثاني حققته بعض دول الخليج على الأقل، من وجهة نظر ترامب، ألا وهو عدم تردده في الإفصاح بأنه لا يعطي الدول العربية التي تعاني من ضائقة اقتصادية مهما كانت أهميتها الجيو-استراتيجية الوزن الذي يعطيه للدول الغنية.. وإنه ينقل عصا القيادة العربية في التصور الاستراتيجي الأمريكي إلى السعودية.
ليس صحيحًا أيضًا أن استبعاد إسرائيل من هذه الجولة أو لقائه الشرع ورفع العقوبات وتوسيع الحلف المناوئ لإيران ليشمل تركيا كان شرخًا في علاقات واشنطن-تل أبيب. قد يكون موجهًا لنتنياهو كشخص تجاسر على تخطي ترامب في الادعاء بأنه هو القائد الذي سيغير خرائط الشرق الأوسط ولكنه ليس موجهًا ضد إسرائيل. التوصيف الصحيح لإنجاز ترامب بضم سوريا لمعسكر واشنطن وتعهد الشرع له بعدم العداء مع إسرائيل يصب في صالحها ويحقق لإسرائيل ما يعجز قصر نظر نتنياهو وخضوعه لابتزاز ائتلافه الحكومي المتطرف عن استثماره. نصر تاريخي حققه ترامب كانت تحلم به وتسعى إليه إسرائيل منذ منتصف الخمسينيات عبر التحالفات مع تركيا والعراق وباكستان آنذاك في مشروعات حلف بغداد والحلف الإسلامي لكنها أخفقت فيه بسبب قوة مصر الناصرية آنذاك ومع غياب هذا الدور المحوري للقاهرة الآن فإن ترامب يحقق لإسرائيل ودون أن تقدم تنازلًا واحدا في احتلالها للأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية.
الوهم الرابع الذي يحقق تفكيكه فهما أفضل لزيارة ترامب ومكاسب واشنطن وتل أبيب الجيو-استراتيجية منها هو المكانة الهامشية التي احتلتها فلسطين في جولته. ترامب الذي ضغط على نتنياهو ليقبل وصاغرا خيار المفاوضات مع إيران بدلا من الحرب كان بوسعه ومقدوره ممارسة الضغط نفسه عليه في مفاوضات ويتكوف بالدوحة لكي يقبل بإنهاء الحرب ودخول المساعدات. لكنه امتنع عن ذلك أولًا: لأن ترامب كرجل أعمال فهم جيدًا أن القضية الفلسطينية ليست أولوية لدى العرب وأنها ليست شرطًا لإتمام الصفقات المربحة. وثانيًا: وهذا هو الأهم لأن العرف غير المعلن للعلاقة منذ هاري ترومان هي طاعة إسرائيلية لواشنطن في الشؤون الدولية والإقليمية مقابل إطلاق العنان لإسرائيل في القضية الفلسطينية. ثالثًا: لأن ترامب متفق كلية مع أهداف ترامب في فلسطين وهي إزالة المقاومة المسلحة ورمزها الحالي حماس من غزة ومن الوجود إن أمكن. لهذا في الوقت الذي كانت تنهال فيه مئات المليارات العربية على ترامب في أيام زيارته الأربعة للمنطقة كانت تنهال مئات القنابل الأمريكية على غزة في المجزرة الأسوأ منذ شهور.
حسين عبدالغني إعلامي وكاتب