عربي21:
2025-06-01@16:22:13 GMT

أين اختفت المحكمة الجنائية الدولية؟

تاريخ النشر: 30th, May 2025 GMT

لا تغرنك كثرة حديث المسؤولين الدوليين عن المأساة الإنسانية في غزة، وضرورة وقف النزيف وإيصال المساعدات الإنسانية بأقصى سرعة، دون عوائق، فحقيقة الأمور مختلفة. يعطوننا كلاما ناعما، ويصفون التطورات بشيء من الدقة والتفاصيل، لكنهم يتغافلون عن ذكر مسألتين أساسيتين: إدانة هذه الجرائم الشنيعة من جهة، وتصنيفها كجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية من جهة أخرى.



عندما وقعت حادثة قتل الدبلوماسيين الإسرائيليين في واشنطن العاصمة، لم يبق مسؤول أممي أو دولي إلا وأصدر بيانا شديد اللهجة يدينه، بأقسى العبارات، ويربط الحادث فورا بمعاداة السامية، وليس بما يجري في غزة، علما أن المنفذ المتهم إلياس رودريغز لم يشر في صرخاته إلى قضية السامية، ولم يصرخ الموت لليهود، بل أفصح عن غضبه لما يجري في فلسطين وحرية فلسطين.

ترك كل ذلك وتم تسليط الضوء على معاداة السامية سواء في بيان الأمين العام أنطونيو غوتيريش، أو بيان ميغيل أنخيل موراتينوس، الممثل السامي للأمم المتحدة لحوار الحضارات، والمبعوث الخاص للإسلاموفوبيا، وبيان فرجينيا غامبا، ممثلة الأمين العام للأطفال والصراعات المسلحة، ومستشارة الأمم المتحدة بالإنابة لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي خرجت عن إطار ولايتها في الموضوعين، وأصدرت بيانا شديدا لإدانة الجريمة وربطها باتفاقية منع جريمة الإبادة، بل ذكرت أسماء الضحيتين في بيانها.

لكن أصوات هؤلاء المسؤولين لم نسمعها عندما ارتكبت القوات الإسرائيلية جريمة بشعة استهدفت الطبيبة آلاء النجار، وقتلت تسعة من أطفالها وأصابت زوجها وطفلها الوحيد الذي بقي على قيد الحياة، هل هناك أبشع من هذه الجريمة، التي تقع في صلب مهام فرجينا غامبا، بالإضافة إلى كاثرين راسل المديرة التنفيذية لليونسيف، ناهيك من مسؤولية الأمين العام التي يجب أن تشمل كل القضايا. هذا هو الوضع الذي نتابعه يوميا، والمتعلق بمواقف المسؤولين الدوليين ونفاقهم ومعاييرهم المزدوجة وخيانة ولايتهم، ولكني سأركز في هذا المقال على غياب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وقضاتها ودوائرها.

المحكمة الجنائية الدولية غياب أم تغييب؟
لم نسمع صوت كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية منذ نحو تسعة شهور. آخر مرة سمعنا منه عندما طلب من قضاة الدائرة التمهيدية في المحكمة يوم 24 أغسطس 2024 عدم تأجيل إصدار مذكرات الاعتقال، التي أشار إليها يوم 20 مايو، وتضمنت إصدار مذكرات اعتقال اثنين من القيادات الإسرائيلية: رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، وثلاثة قياديين فلسطينيين من حركة حماس، يحيى السنوار ومحمد ضيف وإسماعيل هنية. وكان إسماعيل هنية قد اغتيل على يد إسرائيل وهو في طهران يوم 31 يوليو 2024.

ثم تم الإعلان عن مقتل يحيى السنوار يوم 16 أكتوبر 2024 ثم أعلن خلال هدنة 19 يناير 2025 عن مقتل محمد الضيف. أي أن عجلة المحكمة توقفت تماما عند إصدار مذكرتي اعتقال ضد رئيس الوزراء ووزير الحرب الإسرائيليين.

وهذا يعني بكل بساطة أن مسلسل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية توقف عند ما وقع قبل 20 مايو 2024 وأن أحدا من الإسرائيليين لم يرتكب بعدها أي جريمة من اختصاص المحكمة، ولا حرض على القتل ولا استخدم أسلحة محرمة ولا استهدف المنشآت الحيوية المدنية، ولا قتل المسعفين الصحيين والعاملين في المجال الإنساني، ولا الصحافيين ولا الموظفين الدوليين، ولا الأطفال وهم في بيوتهم أو في دور الإيواء. وهذا ما نبهنا له مرارا وتكرارا حول انحياز كريم خان لرواية المجرم لا الضحية، منذ أن توجه إلى إسرائيل بناء على دعوة من المجتمع المدني، وليس من الحكومة، وقضى ثلاثة أيام وزار منطقة غلاف غزة ومكان الحفل الموسيقى والتقى بأهالي الأسرى وأصدر بيانات تعاطف لا مثيل لها، مؤكدا أنه سيتابع تلك الجرائم.

بدأ صمت كريم خان المطبق عندما قامت موظفة في المحكمة في أكتوبر 2024 باتهامه بالتحرش بها. وقبل خان فكرة التحقيق معه في هذه التهمة التي نفاها جملة وتفصيلا. وبدل أن يركز المدعي العام والمحكمة على ما يجري في غزة من مجازر ترى بالعين يوميا، تم حرف الأنظار إلى قضة التحرش والتحقيق، ما اضطر خان أن يعلن يوم 16 مايو 2025 التنحي مؤقتا عن مهامه، بانتظار نتائج التحقيق، التي تعقدت أكثر. وقد كلف خان القاضيين مامي مندياي نيانغ ونزهات شميم خان قيادة مكتبه خلال هذه الفترة.
قضية مجرمي الحرب الإسرائيليين، الذين يعدون بالآلاف لن يمثل أحد منهم أمام القضاء الدولي،
هذا الصمت تبعه شيء من الخوف والحذر بعد قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإصدار أمر تنفيذي يوم 6 فبراير 2025 بفرض عقوبات على المحكمة وأصولها وموظفيها وقضاتها وسحب الحصانة عنها. بعد إصدار المذكرتين اليتيمتين باعتقال رئيس الوزراء ووزير الدفاع، واللتين تعودان إلى 20 مايو 2024 غابت المحكمة لسنة كاملة. ومن المفروض، حسب ولاية المحكمة أن تتابع كل ما يرتكب من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وجريمة الإبادة الجماعية وجريمة العدوان.

فكيف يمكن للمدعي العام وقضاة المحكمة والدائرة التمهيدية أن تتغافل عن الجرائم الكبرى التي تنتهكها إسرائيل ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

– جريمة التجويع المتعمد لنحو مليوني إنسان، ومنع دخول الغذاء والماء والدواء والمحروقات – جريمة حرب
– التهجير القسري لكل سكان غزة مرة وراء مرة ـ جريمة حرب
– قصف المدارس ودور الإيواء والمخيمات التي تأوي مئات الآلاف من المدنيين- جريمة ضد الإنسانية
– استهداف الصحافيين حيث زاد عدد الذين قتلوا عن 220 صحافيا ـ جريمة حرب
– استخدام العنف الجنسي والتعذيب ـ جريمة ضد الإنسانية
– خطف واعتقال آلاف المواطنين وحجزهم في ظروف غير إنسانية دون توجيه تهم أو محاكمة – جريمة ضد الإنسانية
– استهداف عمال الإغاثة والمسعفين الطبيين وسيارات الإسعاف ودفنهم في قبور جماعية – جريمة حرب
– استهداف المستشفيات والعيادات وآبار المياه والمخابز والمولدات – جرائم ضد الإنسانية
– مقتل اكثر من 54 ألف مواطن من بينهم نحو 28 ألف امرأة وفتاة ونحو 16500 طفل (عدا عن المدفونين تحت الركام) وجرح نحو 120 ألف إنسان من مجموع سكان بحدود مليونين ـ جريمة إبادة (قيد البحث في محكمة العدل الدولية).

والسؤال من ارتكب هذه الجرائم؟ هل ارتكبها شخصان فقط؟ أم أن رئاسة الأركان وقادة الألوية والكتائب والفصائل والشاباك والموساد وقادة وضباط الأجهزة الأخرى؟ وبما أن اختصاص المحكمة الأفراد وليس الدول فأين قائمة الأشخاص الذين مارسوا هذه الجرائم؟ لماذا اختبأ قضاة المحكمة؟
قلة من الناس تابعوا موضوع التحرك الإسرائيلي ضد المحكمة، وضد مذكرات الاعتقال التي صدرت يوم 21 نوفمبر 2024. إسرائيل رفضت الاتهامات واعتبرت المحكمة ليست ذات اختصاص، بحجة أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة، متجاهلة اعتراف المحكمة بفلسطين كدولة وقبولها عضوا كامل العضوية منذ نهاية 2014.

وقامت إسرائيل بتقديم طلب رسمي للمحكمة بتاريخ 9 مايو 2025 يطالب بسحب مذكرتي الاعتقال، ووقف أي تحقيقات تجري في هذا المجال، مدعية أنها هي التي تقوم بالتحقيقات ويجب احترام مبدأ التكامل، أي أن البلد المعني، إذا قام بالتحقيقات المناسبة يتوقف دور المحكمة.

من ناحية رسمية قبلت المحكمة الطلب. لكن قضاة المحكمة صاغوا ردا على الطلب الإسرائيلي يرفضون وقف التحقيقات.

أكاد أجزم أن قضية مجرمي الحرب الإسرائيليين، الذين يعدون بالآلاف لن يمثل أحد منهم أمام القضاء الدولي، وسيتم تجاهل القضية وطيها في ملفات النسيان، كما حدث في تحقيقات سابقة في مجازر بيت حانون 2007 وتقرير ديزموند توتو، ومجازر 2008-2009 وتقرير غولدستون، ومجازر 2014 وتقرير وليام شاباس، وتقرير جرائم مسيرات العودة 2018-2019 وتقرير مجلس حقوق الإنسان. هذه الشكوك مبينة على قاعدتين أساسيتين: قوة ضغط اللوبي الصهيوأمريكي من جهة، ورخاوة وتخاذل الموقف الرسمي الفلسطيني.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة الجنائية الدولية جرائم الحرب غزة الاحتلال الجنائية الدولية جرائم الحرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جرائم ضد الإنسانیة الجنائیة الدولیة جریمة حرب ـ جریمة

إقرأ أيضاً:

رئيس خلية الإعلام الأمني في العراق: بغداد من أقل العواصم على مستوى المنطقة في الجرائم الجنائية.

أكد اللواء دكتور سعد معن، رئيس خلية الإعلام الأمني في العراق، أن العراق، أن الصورة الذهنية والأمنية عن العراق خاطئة، خاصة بعد وجود مشاكل في نقل الصورة الحقيقية، خاصة أن ما يتم تداوله عن العراق بأن الدولة تواجه أزمات وعمليات إرهابية وتفجيرات. 

التليفزيون العراقي يحتفل بـ 60 عاما على تأسيسهمدير قناة العراقية الإخبارية: العراق يستلهم من مصر معركة البناء

قال سعد معن، خلال لقاء له لبرنامج "نظرة"، عبر فضائية "صدى البلد"، تقديم الإعلامي "حمدي رزق"، أنه تواصلنا مع المنظمات الدولية، حتى يتم رؤية الوضع الأمني في العراق خلال الفترة الحالية، مؤكدا أن بغداد من أقل العواصم على مستوى المنطقة في الجرائم الجنائية.

وتابع  رئيس خلية الإعلام الأمني في العراق، أن بغداد صُنفت ضمن أخطر 5 بلدان في العالم، أما اليوم فقد أصبحنا خارج هذا التصنيف تقريبًا، إذ تشير الإحصاءات إلى أن بغداد أصبحت من بين العواصم الأقل من حيث معدلات الجريمة مقارنةً بعدد السكان والمساحة.

 العديد من دول المنطقة

 وأشار سعد معن إلى أن التهديد الإرهابي لم يعد الأول في العراق، بل تراجع إلى المرتبة السادسة أو السابعة، في حين أصبحت المخدرات هي التهديد الأمني الأول في البلاد، مشيرًا إلى أن العراق، مثل العديد من دول المنطقة، يواجه تحديات متزايدة في هذا المجال.

طباعة شارك سعد معن الإعلام الأمني العراق عمليات إرهابية تفجيرات

مقالات مشابهة

  • 4.2 تريليون دولار القيمة السوقية لأسواق المال الخليجية بنهاية 2024
  • 58.3 مليون ريال إيرادات "عمران في 2024
  • “إنجاز كبير للحكومة”.. مواطنون في دمشق يعبرون عن رأيهم بمذكرة التفاهم التي وقعتها وزارة الطاقة مع مجموعة UCC الدولية
  • كيف نظم قانون الإجراءات الجنائية الجديد ضوابط رد الاعتبار للمحكوم عليه؟
  • سلطنة عُمان تحقق تقدما ملحوظا في عدد من المؤشرات الدولية عام 2024
  • المندوب الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة تجتمع مع وكيل الأمين العام وكبير منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية
  • العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!
  • سانا تستطلع آراء عدد من الصناعيين المشاركين في معرض بيلدكس حول أهمية مذكرة التفاهم التي وقعتها وزارة الطاقة مع مجموعة UCC الدولية
  • رئيس خلية الإعلام الأمني في العراق: بغداد من أقل العواصم على مستوى المنطقة في الجرائم الجنائية.