نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفيين جوناثان سوان٬ وماغي هابرمان٬ ومارك مازيتي٬ ورونين بيرغمان٬ قالوا فيه إن وكالات التجسس الأمريكية، التي تراقب الأنشطة العسكرية الإسرائيلية والمناقشات بين القيادة السياسية في البلاد، توصلت بحلول نهاية الشهر الماضي إلى نتيجة صادمة: رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يخطط لهجوم وشيك على البرنامج النووي الإيراني، بمشاركة الولايات المتحدة أو بدونها.



وأمضى نتنياهو أكثر من عقد من الزمن يُحذر من ضرورة شن هجوم عسكري كاسح قبل أن تصل إيران إلى النقطة التي يمكنها فيها صنع سلاح نووي بسرعة. ومع ذلك، كان يتراجع دائما بعد أن أخبره العديد من الرؤساء الأمريكيين، خوفا من عواقب اندلاع حرب أخرى في الشرق الأوسط، بأن الولايات المتحدة لن تُساعد في شن هجوم.

لكن هذه المرة، كان تقييم الاستخبارات الأمريكية أن  نتنياهو لم يكن يُعدّ لضربة محدودة على المنشآت النووية فحسب، بل لهجوم أوسع نطاقا قد يُعرّض النظام الإيراني نفسه للخطر - وأنه مستعد لشنّها بمفرده.

ووضعت المعلومات الاستخباراتية الرئيس ترامب أمام خيارات صعبة٬ فقد استثمر في جهد دبلوماسي لإقناع إيران بالتخلي عن طموحاتها النووية، وقد أَحبط بالفعل محاولة من  نتنياهو، في نيسان/ أبريل الماضي، لإقناعه بأن الوقت قد حان لشنّ هجوم عسكري على إيران. 

وخلال مكالمة هاتفية متوترة في أواخر أيار/ مايو الماضي، حذّر  ترامب الزعيم الإسرائيلي مجددا من هجوم أحادي الجانب من شأنه أن يُعيق الجهود الدبلوماسية.

ولكن خلال الأسابيع القليلة الماضية، أصبح من الواضح بشكل متزايد لمسؤولي إدارة ترامب أنهم قد لا يتمكنون من إيقاف  نتنياهو هذه المرة، وذلك وفقا لمقابلات مع سياسيين رئيسيين في مداولات الإدارة حول كيفية الرد، ومع آخرين مُطّلعين على تفكيرهم. وفي الوقت نفسه، بدأ صبر ترامب ينفد من إيران بسبب بطء وتيرة المفاوضات، وبدأ يستنتج أن المحادثات قد لا تُسفر عن شيء.

وعلى عكس الادعاءات الإسرائيلية، لم يكن كبار مسؤولي الإدارة على علم بأي معلومات استخباراتية جديدة تُظهر أن الإيرانيين كانوا يسارعون إلى بناء قنبلة نووية.

وقد كان هناك خياران لدى الإدارة الأمريكية٬ إما الجلوس دون فعل أي شيء، ثم اتخاذ القرارات بشأن الخطوات التالية بمجرد أن يتضح مدى ضعف إيران بسبب الهجوم. 

وفي الطرف الآخر، كان هناك خيار الانضمام إلى الاحتلال الإسرائيلي في الهجوم العسكري، ربما إلى حد فرض تغيير النظام في إيران.

واختار ترامب مسارا وسطا، حيث عرض على الاحتلال الإسرائيلي دعما لم يُكشف عنه بعد من مجتمع الاستخبارات الأمريكي لتنفيذ هجومها، ثم زاد الضغط على طهران لتقديم تنازلات فورية على طاولة المفاوضات أو مواجهة هجوم عسكري مستمر.


وبعد خمسة أيام من شن الاحتلال الإسرائيلي هجومها، لا يزال موقف  ترامب متذبذبا. في البداية، نأت الإدارة بنفسها عن الضربات، ثم ازداد دعمها العلني لها مع اتضاح النجاح العسكري الأولي لإسرائيل.

والآن، يفكر ترامب بجدية في إرسال طائرات أمريكية للمساعدة في إعادة تزويد الطائرات المقاتلة الإسرائيلية بالوقود، ومحاولة تدمير الموقع النووي الإيراني تحت الأرض في فوردو بقنابل تزن 30 ألف رطل.

ويشترك ترامب ونتنياهو في هدف مشترك٬ وهو منع إيران من الحصول على قنبلة نووية٬ لكنهما حذران من دوافع بعضهما البعض. يتحدثان كثيرا في العلن عن روابطهما السياسية والشخصية القوية، ومع ذلك، لطالما شاب العلاقة انعدام الثقة.

تُظهر المقابلات التي أُجريت مع عشرين مسؤولا في الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي ومنطقة الخليج كيف تردد  ترامب لأشهر حول كيفية احتواء اندفاعات  نتنياهو وما إذا كان يجب احتواؤها، وهو يواجه أول أزمة في السياسة الخارجية في ولايته الثانية. وقد كان هذا موقفا واجهه مع دائرة من المستشارين عديمي الخبرة نسبيا، والذين تم اختيارهم بعناية للولاء٬  بحسب الصحيفة.

وفي هذا العام، أخبر حليفا سياسيا أن  نتنياهو كان يحاول جره إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط - وهي نوع الحرب التي وعد خلال حملته الرئاسية العام الماضي بأنه سيبقي أمريكا بعيدة عنها.

لكنه توصل أيضا إلى الاعتقاد بأن الإيرانيين كانوا يتلاعبون به في المفاوضات الدبلوماسية، تماما كما فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما سعى  ترامب إلى وقف إطلاق النار واتفاق سلام في أوكرانيا.

وعندما اختار الاحتلال الإسرائيلي الحرب، انتقل  ترامب من التشكك في ارتباطه الوثيق بنتنياهو إلى التحرك ببطء نحو الانضمام إليه في تصعيد الصراع بشكل كبير، حتى أنه خالف رأي مديرة استخباراتية الوطنية، تولسي غبارد، بعدم وجود تهديد نووي وشيك من إيران.

وداخل حزب ترامب هناك انقسامات بين أولئك الذين يميلون للدفاع التلقائي عن الاحتلال الإسرائيلي، أقرب حليف لأمريكا في المنطقة، والعازمون على منع الولايات المتحدة من التورط أكثر في دوامة العنف في الشرق الأوسط.

عندما التقى  ترامب بكبار مستشاريه في منتجع كامب ديفيد الرئاسي في وقت متأخر من 8 حزيران/ يونيو الجاري، لمراجعة الوضع المتطور بسرعة، قدم مدير وكالة المخابرات المركزية، جون راتكليف، تقييما صريحا.


في اليوم التالي لاجتماع كامب ديفيد، في 9 حزيران/ يونيو الجاري، اتصل  ترامب هاتفيا بنتنياهو. وكان الزعيم الإسرائيلي واضحا تماما: المهمة جاهزة.

وعرض  نتنياهو نواياه على مستوى عال، وفقا لثلاثة أشخاص مطلعين على المكالمة٬ وأوضح أن للاحتلال الإسرائيلي قوات برية داخل إيران.

أُعجب  ترامب ببراعة التخطيط العسكري الإسرائيلي٬ ولم يُقدم أي التزامات، ولكن بعد انتهاء المكالمة، قال لمستشاريه: "أعتقد أننا قد نضطر إلى مساعدته".

وعلى عكس بعض أعضاء الجناح المناهض للتدخل في حزبه، لم يكن  ترامب قط مقتنعا بأن أمريكا قادرة على التعايش مع إيران واحتوائها بقنبلة نووية. بل إنه شارك  نتنياهو رأيه بأن إيران تُشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل. وقال لمساعديه إن  نتنياهو سيفعل ما يلزم لحماية بلاده.

بدأ الاحتلال الإسرائيلي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي٬ التحضير لهجوم على إيران، بعد القضاء على حزب الله، وكيل إيران، وانهيار نظام الأسد في سوريا، مما فتح المجال الجوي لحملة قصف.

وقام  نتنياهو بأول زيارة له في ولاية ترامب الثانية إلى البيت الأبيض في 4 شباط/ فبراير الماضي. قدّم جهاز اتصال مطلي بالذهب لترامب وجهاز اتصال مطلي بالفضة لفانس - وهما من نفس نوع الأجهزة التي فخخها الإسرائيليون سرا بالمتفجرات وباعوها لحزب الله. (أخبر  ترامب لاحقا أحد حلفائه أنه منزعج من الهدية).

وقال الإسرائيليون لترامب: إذا أردتَ نجاح الدبلوماسية، فعليك الاستعداد لضربة، كي يكون هناك قوة حقيقية وراء المفاوضات٬ وأخبر  نتنياهو  ترامب أن الإيرانيين سيتمكنون من إعادة بناء دفاعاتهم الجوية التي دُمرت خلال هجوم إسرائيلي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مما زاد من إلحاح الأمر.

بعد انتخابه في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عيّن  ترامب صديقا مقربا، وهو ستيف ويتكوف، مبعوثا له إلى الشرق الأوسط، وكلّفه بمحاولة التوصل إلى اتفاق مع إيران.

لكن داخل الإدارة الأمريكية، ورغم الضجة الكبيرة حول الخلافات بين "صقور إيران" و"الحمائم"، كانت الانقسامات الأيديولوجية أقل أهمية بكثير مما كانت عليه في ولاية  ترامب الأولى، عندما كان مسؤولون مثل وزير الدفاع جيم ماتيس٬ ووزير الخارجية ريكس تيلرسون٬ ينظرون إلى الرئيس على أنه متهور ويحتاج إلى كبح جماح اندفاعاته.

ولكن هذه المرة، لم يلعب أي من كبار أعضاء فريق  ترامب أي دور مماثل٬ دعم الفريق الجديد عموما غرائز ترامب وعمل على تنفيذها.

وحذّر فانس مرارا من احتمال تورّط الولايات المتحدة في حرب تغيير النظام، لكن حتى أعضاء الفريق الذين أيّدوا تاريخيا موقفا أكثر حزما ضد إيران ساندوا دبلوماسية ويتكوف.

وعلى صعيد الاستخبارات، قدّم  راتكليف معلومات دون أن يُدلي بدلوه في أي من الجانبين. وبينما كان الجميع يعلم أن غابارد مناهضة للتدخل، إلا أنها نادرا ما فرضت هذا الرأي على الرئيس.

وحتى مع سعي  ترامب للتوصل إلى حل دبلوماسي، بدا مقتنعا بما قاله له الإسرائيليون: إن وجود خيارات عسكرية موثوقة سيمنحه موقفا أقوى في المفاوضات مع إيران.


كانت خيارات تدمير المواقع النووية الإيرانية موجودة بالفعل داخل البنتاغون، ولكن بعد توليه منصبه في كانون الثاني/ يناير الماضي، فوض الرئيس القيادة المركزية الأمريكية بالتنسيق مع الإسرائيليين بشأن تحسينها وتطويرها.

وقام نتنياهو بزيارة سريعة لترامب في البيت الأبيض في نيسان/ أبريل الماضي. ومن بين طلباته الأخرى، طلب القنبلة الأمريكية الخارقة للتحصينات لتدمير الموقع النووي تحت الأرض في فوردو.

لم يقتنع  ترامب الذي كان عازما آنذاك على إعطاء الدبلوماسية فرصة، وفي الأيام التي تلت الاجتماع، بذل فريقه ضغطا شاملا لمنع الإسرائيليين من شن ضربات استباقية ضد إيران. وكانت رسالة فريق  ترامب صريحة: لا يمكنكم القيام بهذا بمفردكم٬ هناك الكثير من التداعيات بالنسبة لنا. كانت هذه محادثات متوترة، لكن مستشاري  ترامب اعتقدوا أن الإسرائيليين قد استوعبوا رسالتهم.

لكن التخطيط في داخل الاحتلال الإسرائيلي مضى قدما. وسرعان ما جمعت وكالات الاستخبارات الأمريكية معلومات كافية لعرضها على  ترامب. لفتت الإحاطات انتباه الرئيس، وأصبحت خلفية للمكالمة الهاتفية المتوترة في أواخر أيار/ مايو الماضي، والتي عبّر خلالها  ترامب عن استيائه من  نتنياهو.

وحوّل فانس اهتمامه نحو محاولة إبعاد أمريكا عن الصراع قدر الإمكان إلى ما هو أبعد من تبادل المعلومات الاستخباراتية. وعمل بشكل وثيق مع الدائرة الداخلية لترامب، بما في ذلك روبيو٬ وهيغسيث٬ وسوزي وايلز، رئيسة موظفي البيت الأبيض، لوضع خطط طوارئ لحماية الموظفين الأمريكيين في المنطقة.

ومع حلول شهر أيار/مايو الماضي، أخبر  ويتكوف زملاءه أن الولايات المتحدة وإيران على وشك التوصل إلى اتفاق. لكن في 4 حزيران/ يونيو الجاري، رفض  خامنئي الاقتراح الأمريكي. وقال مستشارون إن  ترامب بدأ يشعر وكأن الإيرانيين غير جادين بشأن التوصل إلى اتفاق.

وفي اليوم نفسه، التقى ليفين، المذيع المحافظ، بترامب وعدد من مستشاريه في غرفة الطعام المجاورة للمكتب البيضاوي. وكان له دور مؤثر في عرض وجهة نظر معادية لإيران على الرئيس. وقال مستشارون إن المحادثة مع  ليفين تركت انطباعا إيجابيا لدى الرئيس.

وفي 11 حزيران/ يونيو الجاري٬ لم يكن هناك أيّ مؤشر على أيّ اختراق تفاوضي، وبحلول ذلك الوقت، كانت الدائرة المُقربة من  ترامب على علم بأن الهجوم سيبدأ في اليوم التالي.

وشكّك  ترامب في بعض المحادثات الخاصة، في حكمة القرار الإسرائيلي بالهجوم. وقال لأحد مُساعديه: "لا أعرف شيئا عن بيبي"، مُضيفا أنه حذّره من الضربات.


انضم  ترامب إلى فريقه للأمن القومي في غرفة العمليات بالبيت الأبيض مساء الخميس الماضي مع بدء الموجة الأولى من الضربات، ولا يزال يُبقي خياراته مفتوحة.

لم يصدر أول بيان رسمي من الإدارة الأمريكية بعد الضربات عن  ترامب، بل عن  روبيو، الذي نأى بالولايات المتحدة عن الحملة الإسرائيلية، ولم يشر إلى دعم حليف، رغم أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية كانت تقدم الدعم بالفعل.

ولكن مع حلول الليل، وشن الإسرائيليين لسلسلة مذهلة من الضربات الدقيقة ضد قادة عسكريين إيرانيين ومواقع استراتيجية، بدأ  ترامب يغير رأيه بشأن موقفه العلني.

عندما استيقظ صباح الجمعة الماضية، كانت قناته التلفزيونية المفضلة، فوكس نيوز، تبث صورا شاملة لما كانت تصوره على أنه عبقرية عسكرية إسرائيلية٬ ولم يستطع  ترامب مقاومة ادعاء بعض الفضل لنفسه.

وفي مكالمات هاتفية مع الصحفيين، بدأ  ترامب يلمح إلى أنه لعب دورا أكبر خلف الكواليس في الحرب مما يدركه الناس. وفي سره، أخبر بعض المقربين منه أنه يميل الآن نحو تصعيد أكثر جدية٬ والموافقة على طلب إسرائيل السابق بأن تُلقي الولايات المتحدة قنابل قوية خارقة للتحصينات لتدمير منشأة فوردو النووية الإيرانية.

وحتى الاثنين الماضي، ألمح  ترامب إلى إمكانية لقاء ويتكوف، أو حتى  فانس، بمسؤولين إيرانيين سعيا للتوصل إلى اتفاق تفاوضي. لكن مع مغادرة ترامب المفاجئة لقمة مجموعة السبع في كندا عائدا مسرعا إلى واشنطن، لم تكن هناك مؤشرات تُذكر على إمكانية إنهاء الصراع سريعا عبر الدبلوماسية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية نتنياهو النووي الإيراني الاستخبارات ترامب إيران نتنياهو نووي الاستخبارات ترامب صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی الولایات المتحدة أن الإیرانیین یونیو الجاری الشرق الأوسط إلى اتفاق لم یکن

إقرأ أيضاً:

هل يمكن لسياسة الخليج تجاه إيران أن تصمد في وجه الحرب؟

تناول مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" للمستشارة الأولى ومديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، منى يعقوبيان، الأحداث في الشرق الأوسط مع تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل.

وتحدثت الكاتبة عن اختلاف الرؤى بين الاحتلال والدول الخليجية حول دور إيران في المنطقة مبينة أن على واشنطن أن تختار إحداها.

وهذا نص المقال:
لدى إسرائيل والخليج رؤى متضاربة لدور إيران في المنطقة، والآن على واشنطن أن تختار إحداها، وفي الوقت الذي تناقش فيه واشنطن دورها في الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران، سيُجبر صانعو السياسات الأمريكيون على الاختيار بين رؤيتين متنافستين للشرق الأوسط.

في السنوات الأخيرة، سعت الدول العربية بشكل متزايد إلى دمج إيران في المنطقة بدلا من مواجهتها.

في المقابل، تعتقد إسرائيل أنها لا تستطيع قبول إيران متكاملة إقليميا. مع وضع هذه الأهداف المتنافسة في الاعتبار، يأمل حلفاء أمريكا في الخليج أن تساعد واشنطن في تهدئة الصراع، بينما تأمل إسرائيل أن تنضم واشنطن إلى حربها ضد النظام الإسلامي.

قبل وقت طويل من هجوم إسرائيل غير المسبوق على إيران في 13 حزيران/ يونيو، كان السعي نحو التكامل الإقليمي جاريا بالفعل. من الصعب تحديد تاريخ دقيق لبدء هذه الرحلة. ومع ذلك، يبرز حدث بالغ الأهمية: هجوم 14 أيلول/ سبتمبر 2019 على منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص.

وقد أدى الهجوم، الذي أعلنت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران مسؤوليتها عنه، إلى تعطيل حوالي 50% من إنتاج النفط السعودي.

والأهم من ذلك، أن عدم رد الولايات المتحدة على الضربة كان بمثابة لحظة فاصلة للخليج. فقد اعتقد الكثيرون أنهم كانوا في مرمى نيران صراع أمريكي إيراني متصاعد، لكنهم لم يستطيعوا الاعتماد على الولايات المتحدة لحمايتهم في حالة وقوع هجوم إيراني كبير.

وقد دفع هذا الاعتقاد عملية أدت إلى إعادة العلاقات بين السعودية وإيران في 10 آذار/ مارس 2023. وتقدمت العلاقات الدافئة ببطء، لكنها استمرت حتى بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وعلى الرغم من المخاوف بشأن دعم إيران لوكلائها الإقليميين.

في الواقع، بدا أن التقارب الخليجي مع إيران قد تسارع مع تفاقم التوترات بين إسرائيل وإيران.

بعد شهر واحد فقط من أول مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل، حضر وزير الخارجية السعودي - إلى جانب أمير قطر ووزير الخارجية الإماراتي وغيرهما من كبار الشخصيات العربية - جنازة الرئيس الإيراني الذي توفي في حادث تحطم مروحية.

ثم زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي السعودية في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، في أعقاب الهجوم الإيراني المباشر الثاني على إسرائيل في وقت سابق من ذلك الشهر. وفي تشرن الأول/ أكتوبر أيضا، أجرت السعودية وإيران أول مناورات بحرية مشتركة بينهما على الإطلاق.



حتى البحرين - على الرغم من توتراتها الطويلة الأمد مع إيران - تحركت لاستعادة العلاقات. ومؤخرا، زار وزير الدفاع السعودي طهران في نيسان/ أبريل. تشير المناقشات التي جرت الشهر الماضي مع استراتيجيين خليجيين إلى أن المحادثات ركزت على عزل المحادثات النووية الأمريكية الإيرانية الجارية عن الجهود المتوقعة من جانب إسرائيل لعرقلة المفاوضات.

وعلى نطاق أوسع، أعطى سعي الخليج نحو نظام جديد في المنطقة الأولوية لخفض التصعيد والنمو والتنويع في الداخل مع بناء علاقات اقتصادية أعمق في جميع أنحاء المنطقة والعالم. إن إخماد الصراع المحتمل مع إيران وتعميق المشاركة الإيرانية - إن لم يكن التكامل - هما جوهر هذه الرؤية الخليجية. ومع وضع هذه الأهداف في الاعتبار، رأى قادة الخليج أن ثلاث سنوات من التقارب مع إيران أثمرت فوائد أكبر من 30 عاما من العزلة.

وكان تجديد الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران عنصرا حاسما في هذا النهج. قبل هجمات الأسبوع الماضي، ركز المتحاورون الخليجيون على ضمان نجاح المفاوضات. في عُمان الشهر الماضي، أشار محللون إلى أن إيران قد تقترح أجندة طموحة كجزء من صفقة ناجحة تتضمن اتفاقيات اقتصادية رئيسية وفرص استثمارية للولايات المتحدة. وعززت زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى المنطقة التفاؤل بإمكانية التوصل إلى صفقة تبشر بعهد جديد للمنطقة.

كانت هذه الآمال والحسابات وراء انتقادات الخليج اللاذعة لإسرائيل في أعقاب هجمات 13 حزيران/ يونيو. والجدير بالذكر أن السعودية أصدرت إدانة لاذعة بشكل خاص، مشيرة إلى هجوم إسرائيل "الشنيع" على "جمهورية إيران الإسلامية الشقيقة".

كما أدانت قطر والإمارات وعُمان، من بين دول أخرى، تصرفات إسرائيل. وتتناقض هذه التنديدات بشكل صارخ مع المواجهة السابقة مع إيران، عندما كانت دول الخليج من بين الأكثر صراحة في حث الولايات المتحدة على "قطع رأس الأفعى" وتدمير المنشآت النووية الإيرانية.

في الوقت نفسه، تخشى دول الخليج من الوقوع في مرمى نيران صراع متسع بين إسرائيل وإيران. وتتزايد المخاوف من أن تُسفر الهجمات على البنية التحتية للطاقة الإيرانية عن عواقب وخيمة على المنطقة، بل قد تُهدد مياه الخليج في حال تسببت في تسربات نفطية.

كما يُخشى من انخراط الولايات المتحدة في الصراع، مما قد يدفع إيران إلى ضرب أهداف أمريكية في الخليج. في الوقت الحالي، تتجنب إيران استهداف أهداف في الخليج حفاظا على علاقاتها المتنامية مع المنطقة، لكن هذا الوضع قد يتغير.

ونتيجة لذلك، يُطالب الخليج بإلحاح بحل دبلوماسي. وانطلاقا من ضرورات نموها الاقتصادي، ستسعى الجهات المعنية في الخليج إلى منع امتداد الصراع، وستبحث عن سبل للمضي قدما في نظامها المُفضل. وفي المستقبل، سيسعى الوسطاء التقليديون، مثل عُمان - وربما السعودية الآن - إلى تطوير سُبل مُبتكرة للخروج من الصراع، مع استغلال علاقات الإمارات الهادئة مع إسرائيل كقناة خلفية. وستتكثف هذه الجهود مع تفاقم حدة الصراع.

لقد أدت الحرب الحالية إلى تفاقم التوتر بين رؤية الخليج للمنطقة ورؤية إسرائيل. من وجهة نظر إسرائيل، يُعزز الجيش الإسرائيلي نجاحاته في سحق حزب الله، وتسهيل انهيار نظام الأسد في سوريا، وفتح الطريق أمام عهد جديد في كل من لبنان وسوريا.

من هذا المنظور، يُعد هجوم إسرائيل على إيران الخطوة التالية في هذا التطور، الهادف إلى ضمان عدم وجود مكان للجمهورية الإسلامية في هذا الشرق الأوسط. في الواقع، أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو احتمال تغيير النظام في إيران نتيجة للعمل العسكري الإسرائيلي.

يرى آخرون في العالم العربي أن استخدام إسرائيل للقوة يُقوّض سيادة القانون، واعتمادها على القوة العسكرية لا يترك مجالا يُذكر لمنطقة أكثر تكاملا اقتصاديا تعتمد على الاستقرار. وهكذا، أصبحت إسرائيل، وليس إيران، "المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة".

من هذا المنظور، تُعدّ التدخلات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان وسوريا واليمن وإيران أمثلة على موقفها العدواني والمزعزع للاستقرار. علاوة على ذلك، سعت إسرائيل، باغتيالها علي شمخاني، أحد كبار مساعدي المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، والذي كان له دور محوري في تقارب إيران مع السعودية، إلى عرقلة اندماج إيران في المنطقة.

في نهاية المطاف، يعتمد مستقبل النظام في الشرق الأوسط على ما إذا كان القتال الدائر اليوم سيتعمق أم سينحسر. فهل سنرى إسرائيل منتصرة تهزم إيران وتُعيد التوازن الإقليمي؟ أم ستصمد الجمهورية الإسلامية بينما يواصل الخليج سعيه نحو التكامل؟



لكل مسار فوائد ومخاطر واضحة تستلزم مستويات مختلفة من التدخل الأمريكي. من المؤكد أن حرمان إيران من طموحاتها النووية سيحقق هدفا طويل الأمد للأمن القومي الأمريكي. ومع ذلك، فإن التفكيك الكامل للقدرات النووية الإيرانية سيتطلب تدخلا أمريكيا كبيرا فيما قد يصبح حربا جديدة لا تنتهي.

كما أن تغيير النظام في إيران سيتطلب تدخلا كبيرا بنهاية غير مؤكدة. إن اختيار مسار دبلوماسي من شأنه أن يجنّب الولايات المتحدة التورط العسكري ويخفف من حدة صراع يزعزع استقرار المنطقة. قد يُبشّر ذلك بعهد جديد من الاستقرار والازدهار، لكنه يتطلب قبول اندماج إيران في المنطقة. حتى مع نجاح المفاوضات، قد تبقى مسألة طموحات إيران النووية دون حل، مما يزيد من مخاطر هذا الاندماج.

حتى الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، استطاعت واشنطن تجنب الاختيار النهائي بين أهداف حلفائها المتضاربة. الآن، سيتعين عليها اتخاذ القرار.

مقالات مشابهة

  • نتنياهو: الولايات المتحدة تساعد إسرائيل بشكل كبير في الصراع مع إيران
  • ثلاثة أسباب تمنع الاحتلال الإسرائيلي من تدمير برنامج إيران النووي
  • هل يمكن لسياسة الخليج تجاه إيران أن تصمد في وجه الحرب؟
  • فوكس نيوز .. نتنياهو حصل على موافقة ترامب الضمنية قبل الهجوم على إيران
  • انقسام في الإدارة الأمريكية حول ضرب المنشآت النووية.. ترامب يطالب إيران بـ«الاستسلام غير المشروط»
  • الغارديان: حرب نتنياهو ضد إيران متهورة وخطيرة علينا جميعا
  • أحمد موسى: الاحتلال الإسرائيلي أعلن تدمير 40% من قدرات إيران العسكرية
  • نتنياهو يدعو لاغتيا.ل المرشد الإيراني ويروج الأكاذيب عن العلاقات الإيرانية الأمريكية
  • نتنياهو لـ شبكة ABC الأمريكية: لا نستبعد اغتيال خامنئي