تشهد العاصمة طرابلس موجة غضب شعبي متزايدة تجاه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في ظل شعور واسع بين المواطنين بأن البعثة لم تعد جزءًا من الحل، بل تحوّلت إلى عبء على العملية السياسية، وسط مطالبات بإعادة تقييم دورها أو حتى إنهائه بالكامل.

ورصد موقع ليبيان إكسبرس خلال جولة ميدانية آراء عدد من المواطنين الذين عبّروا عن استيائهم مما وصفوه بـ”غياب البعثة عن الشارع الليبي”، معتبرين أن وجودها لم يُسهم في تحسين الأوضاع السياسية أو الاقتصادية، ولم ينعكس بأي نتائج ملموسة على حياة الناس اليومية.

وتزامن هذا التذمر الشعبي مع احتجاجات نُظّمت أمام مقر البعثة الأممية في طرابلس، رفع خلالها المتظاهرون شعارات غاضبة تندد بما اعتبروه استمرارًا لتدهور الأوضاع في البلاد، مطالبين بسحب البعثة، ومتهمين إياها بالعجز عن تقديم حلول حقيقية.

وقال المواطن رمضان خالد إن البعثة فقدت مصداقيتها، ولم تعد طرفًا محايدًا في أي تسوية سياسية، بل أصبحت ـ حسب تعبيره ـ أحد أطراف الأزمة. ودعا إلى طردها من البلاد، نظرًا لما وصفه بـ”عدم الجدية في التعامل مع الملف الليبي”.

أما السيدة فوزية بن علي، فأكدت أن دور البعثة يقتصر على الاجتماعات الشكلية والتنقلات الدولية، دون أي نتائج عملية على أرض الواقع. في حين رأى الباحث الدكتور إبراهيم محمد أن البعثة تعيد طرح نفس الأفكار القديمة التي سبق أن طُرحت في السنوات الماضية، دون تحديد إطار زمني أو آليات واضحة للتنفيذ، مما يفقد تحركاتها المصداقية.

واتّهم عدد من المواطنين البعثة بتبنّي أجندات خارجية لا تعبّر عن تطلعات الليبيين، بل تخدم مصالح دولية بعيدة عن الواقع المحلي.

وكانت البعثة قد أعلنت، في 4 فبراير 2024، عن تشكيل لجنة استشارية مكوّنة من عشرين خبيرًا ليبيًا، ضمن مساعيها لإحياء المسار السياسي، وذلك في إطار مبادرتها متعددة المسارات التي عرضتها على مجلس الأمن الدولي خلال جلسته في 16 ديسمبر 2023.

وفي 20 مايو 2024، كشفت البعثة عن نتائج عمل اللجنة، مشيرة إلى أنها تمثّل “مشورة ليبية” يمكن الاستفادة منها في المراحل القادمة من العملية السياسية، بهدف تحقيق توافق شامل، وتوحيد مؤسسات الدولة، والمضيّ نحو إجراء الانتخابات.

وتأتي هذه التطورات في ظل أزمة سياسية خانقة، تتمثل في وجود حكومتين متنافستين على الشرعية: الأولى يرأسها أسامة حماد، وتتمركز في بنغازي، وقد كُلّفت من قبل مجلس النواب في مطلع عام 2022، وتدير مناطق الشرق ومعظم الجنوب، أما الثانية، فهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وتتمركز في طرابلس، وتدير مناطق الغرب الليبي.

ورغم استمرار مساعي البعثة لتيسير العملية السياسية، تبقى الثقة الشعبية بها في أدنى مستوياتها، وسط تصاعد مشاعر الإحباط والقلق من أن تتحول التحركات الأممية إلى مبادرات شكلية لا تغيّر من الواقع شيئًا.

يُشار إلى أن هذه ليسا المرة الأولى التي تتعرض فيها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لانتقادات شعبية، لكنها تأتي هذه المرة في سياق بالغ التعقيد، حيث تراكم الإحباط لدى المواطنين من جولات حوارية مطوّلة لم تُفضِ إلى نتائج ملموسة، وسط استمرار الانقسام السياسي والمؤسساتي وغياب أفق واضح للحل.

وما يعكسه هذا الحراك الشعبي المتصاعد ليس مجرد اعتراض على أداء بعثة أممية، بل هو مؤشر خطير على اتساع الفجوة بين الشارع الليبي والمؤسسات الدولية، وتآكل الثقة في جدوى المبادرات المطروحة. وإذا كانت البعثة تسعى فعلاً للعب دور فعّال، فإن أولى خطواتها يجب أن تكون في الاستماع الحقيقي لصوت الليبيين، وتقديم خارطة طريق واضحة ذات أطر زمنية واقعية.

إن إطالة أمد الوضع الراهن لا تُبقي ليبيا فقط في حالة جمود، بل تهدد بفقدان ما تبقى من أمل شعبي في أي مسار سلمي.

آخر تحديث: 29 يونيو 2025 - 13:05

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: احتجاجات الأمم المتحدة البعثة الأممية تيته طرابلس مظاهرات هانا تيته

إقرأ أيضاً:

سويكر: خارطة الطريق الأممية الجديدة في مهب الريح

قال عضو مجلس النواب، سليمان سويكر، إن إحاطة البعثة الأممية أمام مجلس الأمن، لم تكن مجرد تقرير فني بل كانت إعلاناً سياسياً يهدد بتقويض ما تبقى من دورها التيسيري.

وقال سويكر، تصريحات لموقع “عربي 21″ الممول من قطر، إن دعوة البعثة لإجراء انتخابات فورية تعكس في ظاهرها رغبة في تجاوز الانسداد السياسي.
وأكد أن الدعوة في جوهرها تجاهلت السياق الفعلي للانقسام المؤسساتي، وواقع الانفصال الجغرافي والسياسي بين طرابلس وبنغازي.
ولفت إلى أن المطالبة بانتخابات بلا قاعدة دستورية موحدة ولا اتفاق حول السلطة التنفيذية، يبدو أشبه بضغط سياسي.
وتابع:” هذا الضغط هدفه إعادة تشكيل موازين القوة أكثر من كونه حلا عمليا، وهذا التصعيد يعقّد أي فرص لاستئناف المسار الأممي”.
ونوه بأن ما يُعرف بـ”خارطة الطريق الأممية الجديدة” باتت في مهب الريح ما لم تُراجع البعثة خطابها وتعيد التموضع كوسيط لا كطرف سياسي.
وأشار إلى أن استمرار نهج المواجهة سيزيد من عزلة البعثة، وربما يدفع أطرافاً ليبية، خاصة في الشرق، للبحث عن مسارات بديلة عبر حوارات داخلية أو تحالفات إقليمية.

مقالات مشابهة

  • الشبلي: الشعب الليبي لم يعُد يحتمل العبث السياسي الذي طال أمده
  • هيبة: طرد البعثة الأممية سيقوض الأمن ويشعل الحرب في ليبيا  
  • محلل سياسي: البعثة الأممية تحولت من وسيط إلى معرقل يغرد خارج السرب
  • المزوغي: على البعثة الأممية دعم المسار الليبي لتشكيل حكومة جديدة
  • ليبيا.. البعثة الأممية تؤكد التزامها بالتواصل مع الليبيين
  • تكتل قبلي غرب ليبيا يعلن النفير ضد التواجد الأجنبي ويطالب بطرد البعثة الأممية
  • «المبشر»: على الليبيين لوم أنفسهم قبل البعثة الأممية
  • ارحمونا.. الشعب الليبي ملّ!
  • سويكر: خارطة الطريق الأممية الجديدة في مهب الريح