الجزيرة:
2025-07-26@23:28:36 GMT

من يُشعل الفتنة بين العرب والأتراك؟

تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT

من يُشعل الفتنة بين العرب والأتراك؟

كان والدي تركيًّا نزح من القوقاز إلى شرق تركيا، أما والدتي فهي ابنة إحدى القبائل الكردية التي تقطن تلك الأنحاء. وُلدتُ إذًا من زواج تركي بكردية.

ولو ذهبت إلى جنوب تركيا، لرأيتَ آلاف الأشخاص الذين وُلدوا من زواج العرب والأتراك. وفي شمالها، ستجد الزواج بين الأتراك والجورجيين أو اللاز، وفي غربها بين الأتراك والبوشناق أو الألبان، ثم ترى وجوهًا شتى تتنوع ملامحها دلالة على تلك المصاهرات.

قصصٌ كهذه تُروى في العراق، وإيران، وسوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين، ومصر. هذه الأرض، أرض الشعوب التي اختلطت دماؤها وأنسابها عبر التاريخ. وفي كل مرة تُدرس فيها خريطتنا الجينية، تظهر آثار عشرات الأجناس والأعراق.

أسماء أطفالنا مشتركة. الكرد والترك والفرس والعرب يطلقون أسماء بعضهم على أبنائهم. فاسم ابني تركي، واسم إحدى بناتي فارسي، والأخرى اسمها عربيّ.

وأغانينا مشتركة أيضًا. في تركيا كثير من الفنانين الذين يؤدون أغاني فيروز وأم كلثوم وشِفان برور (مغنٍ كردي). ولا أظن أن كرديًا أو عربيًا لا يعرف أغاني إبراهيم تاتليسس.

ما أريد قوله هو أن هذه الجغرافيا تمثل نقطة التقاء لشعوب تمازجت فيما بينها كتمازج اللحم بالعظم. وما حدث على الأرجح إنما بدأ في المئة والخمسين سنة الأخيرة.

فمنذ أن طمعت الدول البعيدة بأرضنا، ونحن لا نعرف للطمأنينة طريقًا. غيّروا كتب التاريخ، وأدخلوا فيها إساءات لشعوب كنا يومًا ما أقرباء لها، ثم علّمونا ذلك وورّثناه لأطفالنا.

أكثر تلك المعلومات إنما دخلت إلى أذهاننا بفعل الألاعيب القذرة للدول الإمبريالية. نجحوا في زرع الفتنة بين العرب والأتراك، وبين الأتراك والأكراد، حتى صار كل منا عدوًا للآخر. صار الكل يتحدث عن عظمة عرقه، ويفرض تفوقه على غيره. يا لها من حكاية حزينة ومخجلة!

لكن ما هو أشد حزنًا من ذلك، أننا جميعًا نؤمن بدين نبيٍّ قال: "لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود…"، ونفتخر بالانتماء إلى أمته. فماذا عساه يقول لنا النبي محمد ﷺ لو جلسنا أمامه وأخذنا نحدثه عن عظمة أعراقنا وتفوقها؟

إعلان

جميعنا -من حيث المبدأ- نؤمن بمفهوم "الأمة"، ولا أحسب أن أحدًا يعارض ما كتبته هنا. بل إنني رأيت العرب والكرد والفرس في البلدان التي زرتها، يؤيدون هذه الأفكار بحرارة، ويكثرون من قراءة الآيات والأحاديث عن أخوّة المسلمين.

ثم ماذا يحصل؟ يتهم كلٌّ منا الآخر بأنه هو من أفسد هذه الأخوّة، وكأن أحدًا لا يرى في نفسه خطأ. إن كان الأمر كذلك، فلماذا لا نستطيع بناء تحالفات؟

أغلب المسلمين اليوم باتوا يظنون أن وحدة الأمة والعيش المشترك وأخوة الإسلام لم تعد سوى ضرب من الرومانسية. فيغلقون على أنفسهم الأبواب، ويرسمون الحدود بقلم غليظ، ويباشرون تمجيد الدول القومية.

بلغ بنا التطرف القومي حدًّا غريبًا، حتى صرنا نرى كل قومية تتنازع فيما بينها لتحديد من هو "أصْل العرب"، ومن هو "أصدق الكرد"، ومن هو "الأتقى بين الأتراك". وهكذا، يأكل التعصب العرقي نفسه في النهاية.

نحن في تركيا هذه الأيام نناقش هذا الموضوع كثيرًا، لأن الرئيس رجب طيب أردوغان ألقى مؤخرًا خطابًا مهمًّا عن تحالف العرب والأتراك والأكراد، قال فيه:

"حين يتحالف الأتراك والأكراد والعرب، تهب نسمات عليلة من بحر الصين إلى الأدرياتيكي تحت وقع سنابك خيولهم. التركي والكردي والعربي، إذا اجتمعوا، وتوحدوا، وتآلفوا، واحتضن بعضهم بعضًا، فها هنا يكون العربي، ويكون الكردي، ويكون التركي.

أما حين يتفرقون، ويختصمون، ويتباعدون، فالهزيمة والخيبة والحزن بانتظارهم. دمرت جيوش المغول أراضي المسلمين، لأن العربي والكردي والتركي كانوا متفرقين. هاجم الصليبيون ديار الإسلام، لأن هؤلاء الأقوام تقطعت أواصرهم. خسرنا الحرب العالمية الأولى، وقُسمت بلادنا، وارتفعت الجدران بيننا. ضاعت القدس لأن الفُرقة كانت سائدة".

لا أعلم إن كان هناك زعيم في البلاد الإسلامية اليوم يتحدث عن وحدة الشعوب بهذا الوضوح، حتى لو كان كلامه يحمل طابعًا خطابيًّا.

ومع ذلك، رفضت بعض الجهات في تركيا ما قاله أردوغان وانتقدته، وعلّة معظم من انتقده أنهم تلقّوا تعليمهم على يد من اعتنق القراءة الغربية للتاريخ، فصاروا يرددون: "العرب طعنونا في الظهر، والأكراد سعوا لتقسيمنا".

وأجزم لو أن زعيمًا عربيًّا دعا إلى تحالف مع الأتراك والأكراد، لوجد من بني قومه من يستلّ من المراجع الغربية ذاتها تلك المقولة الشهيرة: "الأتراك هم من أبقى العرب متخلفين وسعى إلى صهرهم".

لدينا قوالب مسبقة وأحكام جاهزة، ولدينا كذلك أخطاء جسيمة في قراءة التاريخ. وفوق ذلك، هناك مصالح شخصية، وخرائط طريق، ومواقف أنانية لدى الساسة الذين يرفضون أي وحدة بين الشعوب.

إن بدأنا بالإجابة عن سؤال: "لماذا لا نستطيع بناء تحالفات؟" من باب نقد الذات، أمكننا حلّ القضية. أما لو بقينا نتلو فصول التاريخ القديم، ونعدد أخطاء الآخرين، ونعلي من شأن أنفسنا، فلن يبقى سوى الفرقة. نقد الذات هو ما يمكنه أن يجمعنا، وهو السبيل إلى الخروج من الشتات.

لكنني أرى الآن أن القومية المتصاعدة جعلتنا نحن أتباع النبي الكريم ﷺ نقضي أيامنا في التسابق لإثبات تفوق الأبيض على الأسود. أما العقلاء، فمؤثرون للسكوت، يراقبون بصمت.

إعلان

وعندها، يصبح الميدان فسيحًا للمتطرفين، والشعوبيين، ومن يسيرون على حواف الجنون.

ينبغي أن نتكلم، وأن ندافع عن الرأي السديد بشجاعة. يجب أن يقول المفكرون العرب جهرًا: "لا فضل لعربي على تركي"، وأن يقول المفكرون الأتراك: "لا فضل لتركي على كردي"، أن يكتبوا، ويتحدثوا، ويظهروا أنفسهم. عندها فقط، سنشهد قيام تحالفات حقيقية في منطقتنا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات العرب والأتراک بین الأتراک

إقرأ أيضاً:

مراسل الجزيرة على متن السفينة حنظلة: لم يبقَ إلا القليل

"لم يبقَ إلا القليل" يردد النشطاء على متن سفينة حنظلة وهم يتتبعون خط سير السفينة حنظلة.

"ما أقرب غزة" يقول أنطونيو الإيطالي، فيرد عليه سانتياغو من إسبانيا: بل ما أبعدها، فبيننا وبينها بحرية وسلاح وجنود.

أما القبطان فيقول لنا في الاجتماع الصباحي: بقي 150 ميلا بحريا، وهذا يعني أننا قريبون جدا من المنطقة التي احتُجزت فيها السفينة مادلين.

ومعنى ذلك كله أننا سنعرف مصير السفينة خلال أقل من 20 ساعة، هل يسمح لها بالوصول أم يكون مصيرها مثل مصير عشرات قبلها في قبضة الجيش الإسرائيلي.

يفترض في من ينتظر مصيره أن يقلق.

لكن لا ألمح أي قلق على متن السفينة.

جايكوب بيرغر يواصل هوايته المفضلة، الحديث إلى مئات الآلاف من متابعيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يحكي لهم قصص السفينة، وحنظلة وفلسطين ويغني أحيانا لهم. فهو مغني راب وممثل ولديه هوايات أخرى في أوقات الفراغ.

جايكوب يهودي أميركي من نيويورك يفضل تسميته بجاكوب الفلسطيني. لديه حب استثنائي لفلسطين، أسأله: كيف حدث التحول الكبير في حياتك يا جاكوب؟

يجيب: لم يحدث أي تحول، منذ البداية كنت مؤمنا بقيم العدالة، ويكفي ذلك كي تدافع عن فلسطين.

أما سيرجيو أو سيرخيو، فقصة أخرى.

هذا الرجل الإسباني من بلاد الباسك مهندس ميكانيكي مختص بالسفن، سافر على متن سفينة حنظلة قبل 40 يوما، وعندما رحل رفع دعوى ضد نتنياهو. وهو الآن هو عائد على متن حنظلة.

أسأله: ألا تخشى أن يضطهدوك يا سيريجيو؟ يجيبني بضحكته المجلجلة التي تسعد كل من على متن السفينة: نعم قليلا، لكن لا أفكر في الأمر.

هناك أيضا بوب، وبوب هذا له قصة تستحق أن تُروى.

فهو يهودي أميركي ويحمل الجواز الإسرائيلي، مهدد بتهمة الخيانة، ورغم ذلك يواصل نشاطه من أجل فلسطين.

على امتداد أيام السفينة السبعة يلبس القميص نفسه، وعليه كتب "ليس باسمي"، الرسالة واضحة لا تكاد تحتاج إلى تأويل رغم ذلك أطلب رأيه، وهذا جوابه:

إعلان

"اليوم تتم حرب الإبادة باسم اليهودية، وبدعم أميركي، وأنا يهودي وأميركي. أريد أن أقول لهم ليس باسمي".

انتظار وأمل

على ظهر السفينة انتظار وأمل.

كل شيء سيتبين خلال الساعات المقبلة، هل تصل السفينة إلى وجهتها أم يُحال بينها وبين ما تبغي؟

لا ضير، تقول كلوي أو شمس كما تحب أن نناديها أحيانا.

هي شابة في الثلاثين من عمرها، فرنسية أيرلندية. بدأت العمل في الأمانة العامة للأمم المتحدة قبل سنوات. قبيل أيام أرسلت رسالة لرئيستها "شكرا لكم على كل شيء، سأستقيل وألتحق بحنظلة".

وكذلك كان.

في استقالتها ما يشبه الصرخة في وجه نظام عاجز.

تقول لي "في الأمم المتحدة لدينا التقارير والمعطيات والمعلومات الموثقة. لكنه نظام عاجز عن فعل شيء. ببساطة لا أرغب في البقاء في نظام مثل هذا بصمْته وعجزه الفاضح، أريد أن أفعل شيئا ملموسا لذلك شاركت في حنظلة".

على متن السفينة 21 شخصا من 10 جنسيات مختلفة، كلهم يحملون جوازات أجنبية باستثنائي وحاتم من تونس الذي فعل كل شيء من أجل الالتحاق بهذه الرحلة.

ماذا سيفعلون بنا؟

الجميع يدرك مصاعب الرحلة ومخاطرها.

لكن ماذا يساوي ذلك أمام ما يواجهه أطفال غزة؟ تقول لنا جوستين الممرضة الفرنسية التي تحرص على تقديم الدواء، خاصة حبوب منع دوار البحر للمشاركين.

على ظهر السفينة شخصية محورية، لا يكاد يُسمَع صوتها.. والجميع يتساءل: ماذا كنا سنفعل بدونها؟

الجدة فيديكس من النرويج، في الخامسة والسبعين من عمرها ركبت البحر.

أتساءل كم تحتاج من العزم ومن الشجاعة كي تفعل هذا في سنها؟

فيدتكس والجميع يناديها بالجدة، تقضي معظم وقتها في المطبخ.

وهو أسوأ مكان يمكن أن يقضي فيه المرء وقته على متن هذه السفينة. مكان ضيق وحار وعندما توجد فيه يتضاعف إحساسك بتمايل المركب بسبب موقعه، لكن الجدة فيديكس تقضي جُل وقتها هناك.

لا تبدي فيديكس أي خوف أو توجس.

خلال التدريبات التي يجريها الفريق تم تحديد أماكن وجود كل شخص في حال تعرض السفينة للهجوم، كان موقعي جانبها تماما. قالت لي: ابق بجانبي سأحميك، وأنا أصدقها.

عند الحديث عن التدريب فهو يندرج ضمن ما يُسمى بالمقاومة السلمية، فهذه سفينة مدنية ومن عليها نشطاء وسياسيون وصحافيّون مسالمون. ولا أحد منهم يمثل تهديدا لأي أحد، كما تذكر بشكل مستمر هويدا عراف التي تخوض البحر للمرة الثامنة ضمن سفن أسطول الحرية.

يقوم التدريب على سرعة الاستجابة بارتداء سترات النجاة تحسبا لاحتمال انقلابها في البحر، واتخاذ كل شخص موقعه.

والأهم أنه يشجع على السكينة والهدوء في مواجهة لحظات التوتر استنادا للقيم التي من أجلها خرج هؤلاء النشطاء.

لا يخلو الأمر من صعوبات، في اليوم السابع بدأت السفينة تعاني من شح المياه.

أصبحنا نعتمد على البحر كليا في غير الشرب، منذ اليوم الأول قيل لنا تعاملوا مع الماء كأغلى ما عندكم.

لحسن الحظ بقي ما يكفي من ماء الشرب لبضعة أيام آخر، وحينها سنكون قد وصلنا إلى غزة أو دخلنا السجن.

مقالات مشابهة

  • بالفيديو : مقاطع فيديو توثق اعتداء مجموعة من الأتراك على عائلة سعودية في منطقة إيدر السياحية شمال تركيا
  • عرب الجزيرة وفيلق كردفان!
  • قبلان: نحتاج إلى الوحدة والتنبه من الفتنة
  • مراسل الجزيرة على متن السفينة حنظلة: لم يبقَ إلا القليل
  • كابوس الصباح يطارد الأتراك.. شابة تتعرض لهجوم والسكان يطلقون نداء استغاثة!
  • استطلاع جديد يكشف توقعات الأتراك حول التضخم وأسعار المعيشة
  • استقرار تركيا يبدأ من سوريا.. والعد التنازلي لمهمة الجنود الأتراك في دمشق قد بدأ
  • الجزيرة ترصد يوميات الناشطين على متن السفينة حنظلة المتجهة نحو غزة
  • شيخ عقل الدروز بلبنان: ندعو للتحقيق بأحداث السويداء ونرفض الفتنة
  • الناصريون المرابطون: ثورة 23 يوليو مكرّسة في وجدان العرب.. والمتأسلمون سبب الفتنة التي تشهدها الأمة