لجريدة عمان:
2025-07-26@23:34:54 GMT

الانفتاح السياحي وآثاره السلبية على المجتمع

تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT

تشهد سلطنة عمان توجها متناميا نحو تطوير القطاع السياحي كإحدى ركائز التنويع الاقتصادي، في إطار «رؤية عمان 2040». وقد ركزت الخطط التنموية على تعزيز البنية السياحية، والترويج لسلطنة عمان في الخارج كمقصد سياحي يجمع بين تنوع التضاريس، والتراث العريق، والاستقرار السياسي. وإن كانت السياحة لها من الفوائد الاقتصادية الكبيرة فقد بلغت مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي بنهاية (2024) ما يصل إلى (2.

7) مليار ريال عماني. ولكن فإن الانفتاح في القطاع السياحي من الممكن أن يكون له آثار سلبية قد تؤثر على النسيج الاجتماعي للمجتمع العماني الذي يستمد عاداته من القيم الإسلامية.

السياحة كلمة تحمل معاني سامية هدفها التعايش والتقارب الإنساني بين الشعوب، هذه الشعوب تختلف في ثقافاتها وعاداتها وتاريخها وبالتالي، لم تكن السياحة - يوما ما - الانتقال من بلد إلى بلد من أجل الإفساد في الأرض ومن أجل مخالفة الآداب العامة. ولكن قد يكون تسابق الدول في الترويج السياحي - دون قيود أو ضوابط - جعل بعض السائحين يتولد لديهم شعور بأن يفعلوا ما يروق لهم وبأن مجال الحرية مفتوح على مصراعيه حتى وإن تم كسب المال من الأفعال غير الأخلاقية والتي وصلت في ممارسة أعمال منافية للآداب العامة ليس في الشقق والفنادق وإنما في مقاه بها غرف خاصة. إن تلك الممارسات - في حال عدم ضبطها - تؤدي إلى بث الأمراض والسموم بين أفراد المجتمع. وبالتالي، ينبغي توسيع نطاق تطبيق القانون ليشمل ليس المخالفين لشروط الإقامة ولكن لمن يمهد لهم الطريق وأيضا للمنشآت والشقق والمقاهي التي تُسهم في نشر تلك الممارسات والتي تخرج عن طبيعة النشاط التجاري الممنوح لها.

وإن كانت هناك دول كثيرة ومنها الدول العربية فتحت مصراعيها للسياحة دون قيود وأصبحت شوارعها تعج بالسياح الذين يتوافدون عليها من كل حدب وصوب، ولكن لعمري فإن هكذا توجها أصبح محفوفا بالمخاطر وتصبح السياحة مصدر قلق بتلك الدول، من حيث التأثيرات السلبية على عادات المجتمع وتقاليده من انتشار اللباس غير اللائق وانتشار الملاهي الليلية التي يكثر فيها الصخب والطرب. ولا أحد يدعو للانغلاق عن الدول والمجتمعات ولكن أيضا لا أحد يرغب أن يرى أولئك السياح ينتشرون شرقا وغربا في البلاد حيث لم تكتف تلك الفئات بممارسة تلك الأفعال في محافظة مسقط بل أصبحت تتجول في الولايات والمحافظات الأخرى لإيقاع الشباب وجرهم في علاقات غير شرعية. عليه فإن تلك الفئات - وإن قلة - من السائحات قمن بتغيير الهدف السامي من المقاصد السياحية في التعرف على ثقافات الدول وشعوبها وأثرها الحضاري والإنساني، إلى سياحة الاستغلال غير القانوني في استخدام التأشيرات السياحية في جوانب غير مشروعة.

ولا يوجد شك بأن الجهات المختصة تقوم بواجبها في متابعة نظام التأشيرات السياحية وبتطبيق القانون والأنظمة على الذين يخالفون ذلك وهذا مشاهد من خلال المتابعة المستمرة للذين لا يلتزمون بشروط الإقامة. ولكن قد يكون مناسبا عمل تحديثات مستمرة على جنسيات الدول التي تمنح التأشيرات السياحية بشكل مستمر من حيث الفترات الزمنية للإقامة ومعرفة أماكن إقامتها بدقة تامة. كما أنه في حال تكرار الممارسات الجسيمة التي تقوم بها بعض السائحات المخالفات لشروط الإقامة فإنه يجب التحرك سريعا نحو إيجاد ضوابط أكثر صرامة تمنع الممارسات غير الأخلاقية حماية لأفراد المجتمع من الآفات الضارة التي تؤثر على الصحة العامة ونشر الأمراض المعدية والتي يصعب علاجها بعد فوات الأوان. ولعل الشيء بالشيء يذكر فهذه الولايات المتحدة الأمريكية ومن أجل تنفيذ سياساتها التي تراها مناسبة تقوم بترحيل الأفراد الذين قد يخالفون الضوابط التي تضعها الدولة. وبالتالي قيام الدول بتطبيق القانون لضبط الانفتاح السياحي حق مشروع لكل دولة من أجل حماية ثقافتها وعادات المجتمع وتقاليده.

إن من التداعيات المرتبطة بالانفتاح السياحي هو احتمال تأثير أنماط السلوك الغربية على القيم الأخلاقية للمجتمع العماني. السياح القادمون من جنسيات ثقافية مختلفة قد يجلبون معهم سلوكيات لا تتماشى مع الضوابط الشرعية والعادات الاجتماعية المحافظة. من الأمثلة على ذلك: التصرفات التي تُعد غير لائقة طبقا للعادات والتقاليد العمانية الأصيلة وارتداء الملابس غير المحتشمة في الأماكن العامة مع العلم بأن هناك دولا بدأت التشدد في ذلك. هذه المظاهر، وإن كانت تحدث بصفة - فردية أو محدودة - ولكنها قد تؤثر على النشء والشباب العماني، خصوصًا مع ضعف الرقابة في بعض المناطق السياحية، أو تساهل بعض المشغلين السياحيين الذين يغلّبون المصلحة المالية على قيم المجتمع عند الترويج السياحي.

تحرص سلطنة عمان على الحفاظ على هويتها الإسلامية، المتمثلة في الاعتدال والتسامح والانضباط الأخلاقي. إلا أن الانفتاح السياحي دون ضوابط مدروسة قد يؤدي إلى تآكل تدريجي في ملامح هذه الهوية. بعض الفعاليات السياحية قد تتضمن أنشطة غير متماشية مع روح الإسلام، كالعروض الموسيقية الصاخبة، أو الفعاليات المختلطة التي تفتقر إلى مراعاة الخصوصية الاجتماعية. كما أن الترويج للانفتاح السياحي بشكل يفوق إظهار الاعتزاز بالثقافة العمانية قد يدفع بعض فئات المجتمع إلى تقليد الأنماط الغربية، التي يرون بأنها نموذجًا للرقي والتحضر.

مع النمو في الانفتاح السياحي قد تحدث فجوة بين تزايد أعداد السياح وبين الجوانب التوعوية. حيث يلاحظ بطء تعاطي بعض الجهات الحكومية مع كيفية التعامل مع التدفق السياحي وعدم ضبط السلوكيات التي تقوم بها بعض الفئات من السائحين. وبالتالي الحاجة أصبحت ماسة نحو تحصين المجتمع وخاصة فئة الشباب من عدم الانسياق وراء المغريات التي يمارسها بعض السياح وبأن آثار ذلك الانسياق قد تكون وخيمة على أفراد المجتمع. كما إنه ينبغي من مؤسسات المجتمع المدني وخاصة جمعيات المرأة العمانية والأندية الرياضية تنفيذ برامج توعوية موجهة لجميع أطياف المجتمع بضرورة التعامل حسب الهوية العمانية مع التدفق السياحي والتحذير من الفئات التي تريد ضررا بفئة الشباب وإيقاعهم فريسة لملذات الدنيا. وقد يتم هذا بالتحصين الديني المستمر في البيت والمدرسة والمجتمع وبأن يقوم كل فرد بمسؤولياته الوطنية فكل فرد مسؤول عن رعيته. أيضا في ظل الانفتاح السياحي، هناك حاجة لبث الخطاب الديني المتزن الذي يدعو إلى الحشمة، والالتزام بقيم المجتمع والهوية الإسلامية، لأن التراخي في ذلك قد يشكك في الثقة بالخطاب الديني ويؤثر على تماسك المجتمع والثقة في مؤسساته الرسمية.

ولعل هناك جهودا مقدرة تقوم بها الجهات الحكومية المسؤولة عن السياحة ومنح التأشيرات السياحية في رصد التداعيات والآثار السلبية التي تمارسها بعض الجنسيات في استغلال تلك التأشيرات في غير الأغراض المصرح بها. ولكن هناك تخوف من وجود شبكات تتم إدارتها من الخارج تقوم بالاتجار بالبشر وتوظيفهم في ممارسة أعمال مخلة بالآداب العامة من أجل كسب المال والمتاجرة بهم. وقد تكون الجهود التي كشفت عنها الجهات المختصة خلال المدة القريبة الماضية، في الإمساك بثلاثين شخصا بينهم إحدى وعشرون امرأة من جنسيات آسيوية لقيامهن بممارسة أعمال منافية للأخلاق مؤشرا على ذلك. كما أن القانون المنتظر الذي يكافح الاتجار بالبشر والذي يجرم تلك الأفعال سوف يكون إضافة تشريعية للأشخاص الذين يتحايلون على نظام التأشيرات السياحية في القيام بأعمال تخالف القانون.

نختم بالقول بأن هناك حاجة نحو استراتيجية سياحية متكاملة تعمل على الانفتاح السياحي ولكن تأخذ اعتبارات المجتمع وعاداته وقيمه الدينية. مع إيجاد ضوابط أكثر صرامة تحد من السلوكيات التي يقوم بها بعض السياح وعدم تجاوز الآداب العامة. كما أنه هناك حاجة إلى إحكام الرقابة على الأنشطة السياحية والفنادق والشقق الفندقية والتأكد بأن ما تقوم به من الترويج السياحي يتوافق مع قيم المجتمع ومبادئه.

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التأشیرات السیاحیة السیاحیة فی من أجل کما أن

إقرأ أيضاً:

مختصة توضح كيفية حماية الأطفال من التعليقات السلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي

قالت عضو جمعية يسر للتنمية الأسرية الدكتورة عهد الجرف، إن الأسرة لها دورًا أساسيًا في حماية أطفالهم من التعليقات السلبية، مشيرة إلى أنه لا يمكن أن يتم فصل الطفل بشكل كامل عن هذه التعليقات، لكن تستطيع الأسرة فرز بعض التعليقات بقدر الإمكان من خلال توافر ذلك عبر خاصية موجودة على بعض مواقع التواصل.

وأضافت خلال مداخلة هاتفية عبر "قناة الإخبارية"، أن الأسرة تستطيع تخصيص الوقت الذي يقضيه أطفالهم على مواقع التواصل، مؤكدة على أنه يجب بطريقة مبسطة أن نشرح للأطفال أن الشخصيات على الإنترنت لم تكون حقيقية على أرض الواقع، وليس كل ما نشاهده على الإنترنت حقيقي، كما أنه من الضروري أن يكون هناك خطوات عملية في تحديد الأولويات للطفل، والفصل بين الشخصية الرقمية والشخصية الحقيقية.

عضو جمعية يسر للتنمية الأسرية د. عهد الجرف:

احموا أطفالكم من التعليقات السلبية وراقبوا نشاطهم في وسائل التواصل الاجتماعي #برنامج_120 | #الإخبارية pic.twitter.com/DD6nDfW1qu

— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) July 26, 2025 أخبار السعوديةحماية الاطفالالتعليقات السلبيةالشخصيات على الإنترنتالشخصية الرقميةقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • اقتصاديون أردنيون: العلاقات السورية الأردنية تشهد تحولاً نحو الانفتاح والتكامل
  • رئيس الصين يدعو إلى الانفتاح والتعاون بين بكين والاتحاد الأوروبي
  • ظفار.. والاستدامة السياحية
  • مختصة توضح كيفية حماية الأطفال من التعليقات السلبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي
  • بعد إعلان فرنسا.. خريطة بأسماء الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية
  • حماس: تعاملنا بمرونة منذ بدء المفاوضات ونستغرب تصريحات ويتكوف السلبية
  • حماس تعلق على تصريحات ويتكوف السلبية.. الوسطاء رحبوا بردنا
  • اللواء “أبوزريبة” يعقد اجتماعًا موسعًا لمناقشة تمكين المرأة ومكافحة الظواهر السلبية في المجتمع
  • الرئيس عون: التحديات كبيرة حولنا ولكن لا يمكننا ان نواجهها الا بوحدتنا
  • الغارديان: لقد واجهنا الجوع من قبل، ولكن لم نواجهه أبدًا بهذا القدر