خولة علي (أبوظبي)
تبرز تجربة الفنانة التشكيلية الإماراتية منى بلفقيه بوصفها نموذجاً يعكس توازناً دقيقاً بين الانتماء إلى التراث والانفتاح على معطيات العصر الحديث، من خلال أسلوب فني يجمع بين الواقعية التصويرية والتجريد المعاصر، مع استحضار القصص غير المروية، وإعادة تأطير الذاكرة الجماعية في أعمال تتّسم بالعمق البصري والدلالات الرمزية.
ملامح الهوية
وتؤمن بلفقيه بأن الفن التشكيلي يُعد أحد أبرز أشكال التعبير الثقافي والإنساني، حيث تتجلى من خلاله ملامح الهوية، ويتحول إلى وسيط بصري قادر على توثيق التحولات المجتمعية والتاريخية. وعن بداياتها الفنية، تقول: نشأت في بيت تنبض جدرانه بالألوان والفرشاة، إذ كان والدي فناناً تشكيلياً، فكان الرسم بالنسبة لي ليس مجرد هواية، بل وسيلة للتعبير عن الذات وفهم العالم من حولي.
وتضيف: كان الرسم وسيلتي لتجسيد أفكاري ومشاعري، وهذا الشغف الطفولي لم يخفت، بل نما وتطور مع مشاركات متعددة في ورش عمل في الإمارات والكويت والبحرين، ما مكنني من صقل مهاراتي وتشكيل أسلوبي الفني الخاص.
حوار صامت
ترى بلفقيه أن الفن ليس فقط أداة بصرية، بل حواراً صامتاً بين الأزمنة والهويات، موضحة: الفن بالنسبة لي هو وسيلة حوار صامتة بين الماضي والحاضر، وبين الإنسان وهويته، وأؤمن بأن العمل الفني يجب أن يتجاوز الإبهار البصري، ليغوص في عمق الإنسان، ويطرح تساؤلات حول التراث والتحولات الاجتماعية.
مدرسة واقعية
وتوضح بلفقيه أن أسلوبها الفني يميل إلى مدرسة الواقعية التصويرية، الممزوجة بلمسات تجريدية معاصرة في الخلفيات، وغالباً ما تعتمد في أعمالها على لوحة ألوان أحادية للشخصيات، وتدمجها بخلفيات ذهبية وخامات حديثة، لافتة إلى أن هذا التكوين البصري يعكس، صراع الأجيال والتحولات التي تمر بها مجتمعاتنا، من دون أن يُمحى الماضي، بل يُعاد تأطيره.
بحث وتوثيق
وتشير بلفقيه إلى أنها تعتمد على البحث والتوثيق كجزء أساسي من مسارها الإبداعي، حيث تقوم بتصوير الشخصيات، وإجراء مقابلات، ومراقبة تفاصيل حياتهم اليومية، وتؤكد أن دراستها في برنامج ماجستير الفنون الجميلة (MFA) مكنتها من تطوير تقنياتها، خصوصاً في الرسم الزيتي وتوظيف الخامات المعاصرة بأسلوب تعبيري دقيق.
إرث ثقافي
وتلفت إلى أن أبرز الموضوعات التي تشغلها فنياً، تتمحور حول الإرث الثقافي وتطور الهوية في المجتمع الإماراتي، لا سيما في ظل النهضة التي تشهدها الدولة. وتقول: أحرص على الاحتفاء بالحرفيين والنساجين وأصحاب المهن اليدوية الذين يجسدون بأيديهم تاريخ الوطن وتراثه.
وتتابع: الفن التشكيلي في الإمارات يشهد نهضة ملحوظة، بدعم من المؤسسات والمجتمع، لكني أشدد على أهمية توثيق القصص الشعبية والحرف التقليدية والهوية البصرية، في مواجهة تحديات العولمة السريعة.
مسؤولية مهنية
وعلى الرغم من مسؤولياتها المهنية في مجال التعليم، لم تتخلَ بلفقيه عن شغفها، وترى أن عملها ساعدها في فهم أعمق للهوية الثقافية والتفاعل بين الأجيال، وهو ما ينعكس في فنها، مؤكدة أنها تأثرت بعدد من الفنانين المحليين والعالميين، من بينهم فاطمة لوتاه التي تتميز بأسلوبها في التعبير عن الثقافة الإماراتية من خلال الفن التجريدي، ومي السعد صاحبة الأسلوب الفني متعدد التخصصات في التراث والهوية، إلى جانب «فريدا كاهلو» التي تلهمها بجرأتها في التعبير عن الذات، و«غوستاف كليم» المتفرد في تكويناته البصرية وخلفياته الزخرفية.
مشاركات
شاركت منى بلفقيه في معارض محلية ودولية عدة، منها معرض «سكة»، «تشكيل»، «إندكسHotel Show»، و«دبي وورلد آرت»، إضافة إلى ورش فنية عدة في الكويت والبحرين، ما ساعدها على فهم أعمق للذائقة الفنية المجتمعية.
رؤية فنية
صرحت منى بلفقيه بأن رؤيتها الفنية تتمثيل في الحفاظ على ذاكرة المكان والإنسان، والاحتفاء بالموروث، وتسعى من خلال أعمالها إلى لفت الأنظار للجمال الكامن في التفاصيل الصغيرة، والجهد التاريخي الذي بذل ليصل المجتمع إلى ما هو عليه اليوم.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الفن التشكيلي الفنون التشكيلية التراث الإمارات التراث الإماراتي الأعمال الفنية
إقرأ أيضاً:
المهرجان بالتعاون مع «التعليم».. كتارا تطلق النسخة الثانية من «المواهب الفنية»
أطلقت المؤسسة العامة للحي الثقافي «كتارا» النسخة الثانية لمهرجان «كتارا للمواهب الفنية» بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي
يقام المهرجان هذا العام تحت شعار “الأسبوع العالمي للعلم من أجل السلام والتنمية”، والذي ينظم في كل سنة خلال الأسبوع الذي يحل فيه يوم 11 يناير، حيث يتيح للطلبة فرصة التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم عبر الفن، تعزيزًا لرسالة العلم في خدمة الإنسانية والسلام.
يهدف المهرجان إلى استقطاب الطلاب الموهوبين في مجال الرسم بجميع المراحل الدراسية (الابتدائية والإعدادية والثانوية) واكتشاف المواهب الفنية الجديدة والمتميزة ورعايتها وتشجيعها وتحفيزها على الإبداع والابتكار.
وتستهدف المسابقة جميع الطلبة في المدارس القطرية بمراحلها المختلفة (الابتدائية، الإعدادية، الثانوية)، على أن تتم المشاركة من خلال المدارس فقط، ولا تُقبل المشاركات الفردية.
كما يشترط أن تدور الأعمال المشاركة حول موضوع الأسبوع العالمي للعلم من أجل السلام والتنمية، وأن تُنفذ على ورق كانفس بمقاس (A1)، وتُرفق ببطاقة تعريفية تتضمن اسم الطالب والمدرسة والمعلم المشرف ورقم التواصل وعنوان اللوحة.
وتتضمن فعاليات المهرجان عرض اللوحات المشاركة في الحي الثقافي كتارا، واختيار ثلاثة فائزين من كل مرحلة دراسية.
ويعتمد تقييم الأعمال المشاركة على عدة معايير تشمل ارتباط العمل بموضوع المسابقة، والجودة الفنية والتنفيذ، والإبداع والابتكار في الأسلوب والتكوين، إضافة إلى وضوح الرسالة الإنسانية التي تعكس قيم السلام والتعاون والاحترام.
وقد رُصدت ثلاث جوائز مالية للمراكز الأولى؛ حيث يحصل الفائز بالمركز الأول على 5,000 ريال قطري، والثاني على 3,000 ريال، والثالث على 2,000 ريال.
ودعت كتارا الراغبين بالمشاركة إلى التسجيل عبر مدارسهم، مؤكدة أن المهرجان يمثل فرصة فنية وثقافية مميزة لاكتشاف المواهب الجديدة وتشجيع الطلبة على الإبداع وتعزيز القيم الإنسانية.
وقد احتفل بالأسبوع الدولي للعلم والسلام لأول مرة في عام 1986 بوصفه جزءا من الاحتفال بالسنة الدولية للسلام. ونظمت فعاليات ذلك الأسبوع بوصفها مبادرة غير حكومية؛ وأُعلمت أمانة السنة الدولية للسلام بأنشطة تحضيرية وملخص نهائي للفعاليات التي أقيمت في أثناء الأسبوع. وسعى المنظمون إلى تشجيع أكبر مشاركة دولية ممكنة في تلك المناسبة.
وكانت المؤسسة العامة للحي الثقافي «كتارا» قد نظمت النسخة الأولى من المهرجان في عام 2021م.