آخر تحديث: 26 يوليوز 2025 - 11:31 ص بغداد/ شبكة أخبار العراق- كشف مستشار رئيس الوزراء لشؤون المياه، طورهان المفتي، يوم السبت، عن معاناة العراق من عجز مائي مضاعف بسبب موقعه الجغرافي الذي يجعله متأثراً وممراً رئيسياً للواردات المائية الإقليمية.وقال المفتي، في حديث صحفي، إن “المنطقة ككل تمر بمرحلة شحة وعجز مائي واضح، لكن العراق يتأثر بشكل مضاعف، لأنه من جهة جزء من هذه المنظومة المتأثرة، ومن جهة أخرى تمر عبره الواردات المائية، ما يجعل تأثير الشح يظهر بصورة أكثر حدة”.

وأضاف أن “مواجهة الشحة المائية لا يمكن أن تقتصر على الدولة وحدها، بل تتطلب تعاوناً وثيقاً بين إدارة المياه والمستخدمين الرئيسيين، خاصة الطبقة الفلاحية”، مشيراً إلى أن “التعاون مع توجه الدولة نحو استخدام تقنيات الري الحديثة، ووعي المواطن بأهمية الترشيد وعدم الإسراف، سيساعدان في تجاوز هذه الأزمة”.وتطرق المفتي إلى أزمة التصحر، قائلاً إن “العراق يواجه هذه الظاهرة منذ سنوات، نتيجة تغيّرات بيئية وبيولوجية متراكمة”، مبيناً أن “خط التصحر يمتد من سنجار إلى البصرة، وهو خط طويل جداً، ويحتاج إلى إمكانيات مائية كبيرة، ووقت طويل، حتى تستعيد البيئة عافيتها”.وفي بيان سابق، أكدت وزارة الموارد المائية العراقية، أن قلة الاطلاقات من دول المنبع وتأثير التغير المناخي، أدى إلى إنخفاض الخزين المائي بشكل كبير، مشيرة إلى أن العام الحالي هو من أكثر السنوات جفافاً منذ العام 1933.وتشتد أزمة الجفاف في العراق على نحو غير مسبوق، بسبب قلّة هطول الأمطار خلال السنوات الماضية نتيجة التغير المناخي، والسبب الثاني يعود إلى تراجع مستويات المياه الواصلة عبر نهري دجلة والفرات، جراء سياسات مائية لإيران وتركيا أبرزها بناء السدود على المنابع وتحويل مساراتها، ما يهدد بوقوع كارثة إنسانية في البلاد.وتتعرض المجتمعات الريفية أيضاً لتغيير ديمغرافي وحركة نزوح تحت وطأة الجفاف الذي يشتد في عموم أنحاء العراق ولا سيما في المحافظات الجنوبية، ما تسبب في تدهور الثروات الحيوانية والسمكية، وتراجع جودة التربة، وأثر سلباً على السلم الغذائي والتوازن البيئي الموجود في الأرياف.

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

تداعيات هزيمة إيران النووية على شبكة أذرعها في المنطقة من العراق إلى اليمن (تحليل)

يمثل استهداف وتدمير القدرات النووية الإيرانية، وتحديداً المنشآت الحيوية مثل فوردو، نقطة تحول استراتيجية لا تقتصر تداعياتها على البرنامج النووي فحسب، بل تمتد لتضرب في صميم بنية النفوذ الإيراني الإقليمي. إن هذه الهزيمة الاستراتيجية تهدد بتفكيك “شبكات الوكالة” التي طالما اعتمدت عليها طهران كأدوات رئيسية لتوسيع هيمنتها في الشرق الأوسط، من العراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى اليمن.

 

يقوم هذا التحليل على فرضية أن انهيار المركز الإيراني سيؤدي حتماً إلى تفكك الركائز الثلاث التي تدعم هذه الشبكات: التمويل المستدام، والشرعية الأيديولوجية، وآليات التحكم والسيطرة.

 

مع شح الموارد المالية، وتصدع سردية “الممانعة والردع”، وفقدان الإشراف المباشر، تدخل الميليشيات التابعة لإيران في مرحلة من الفوضى الاستراتيجية. هذا الفراغ يدفعها إما إلى الانقسام والتآكل الداخلي، أو البحث عن رعاة جدد مثل روسيا والصين، أو الخليج، أو التحول إلى كيانات محلية منفلتة.

 

يمثل هذا الانكشاف لحظة استراتيجية نادرة تتيح للقوى الإقليمية، وفي مقدمتها دول الخليج، فرصة لإعادة تشكيل التوازنات في المنطقة وتفكيك شبكات النفوذ التابعة لإيران، من خلال تبنّي استراتيجيات متعددة. وفي هذا السياق، تبدو الاستراتيجية الناعمة القائمة على الاستقطاب التدريجي وإعادة الإدماج خيارا أكثر واقعية وجدوى، مقارنة بالمواجهة المباشرة. ويُعزى ذلك إلى أن الخيار العسكري لا يحظى، في الوقت الراهن، بأولوية لدى صانع القرار السعودي، الذي يفضل المقاربات غير التصادمية لإدارة المرحلة.

 

الإطار النظري: أسس شبكات الوكالة الإيرانية

 

تعتمد نظرية “شبكات الوكالة” على تحليل العلاقة بين الدولة الراعية (إيران) والوكلاء (الميليشيات المسلحة). تقوم هذه العلاقة على ثلاث دعائم أساسية ومترابطة، حيث يؤدي انهيار إحداها إلى إضعاف الشبكة، بينما يؤدي انهيارها مجتمعة إلى تفكك المنظومة بالكامل.

 

– التمويل والدعم المادي: يُعد الشريان الحيوي للوكلاء، ويشمل الدعم المالي المباشر لدفع الرواتب وتسيير العمليات، بالإضافة إلى الدعم التسليحي (أسلحة نوعية، صواريخ، طائرات مسيّرة) والدعم التقني واللوجستي.

 

– الشرعية الأيديولوجية: تتجسد في الخطاب الموحد الذي يمنح الوكلاء غطاءً معنوياً وهدفاً مشتركاً، مثل “محور المقاومة”، و”مواجهة الاستكبار العالمي”، و”الدفاع عن المقدسات”. هذه السردية ضرورية للتجنيد والحشد وضمان الولاء.

 

-آليات التحكم والسيطرة: تشمل الهياكل التنظيمية التي تضمن تبعية الوكيل للراعي، وتتضمن التدريب العسكري المتقدم، والتخطيط العملياتي المشترك، والإشراف الأمني والاستخباراتي من قبل ضباط ارتباط (مثل فيلق القدس)، والتنسيق الاستراتيجي على أعلى المستويات.

 

إن الهزيمة النووية الإيرانية لا تستهدف قدرتها العسكرية فقط، بل تضرب هذه الدعائم الثلاث في وقت واحد، مما يُدخل الشبكة بأكملها في مسار تفكك حتمي.

 

ديناميكيات التفكك: من شبكة النفوذ إلى شبكة الأزمات

 

تجبر الضربات التي تستهدف المنشآت النووية طهران على إعادة ترتيب أولوياتها بشكل جذري، حيث يصبح الدفاع عن الداخل وإعادة بناء القدرات الاستراتيجية هو الشاغل الأكبر، مما يحول شبكة الوكلاء من أصل استراتيجي إلى عبء لا يمكن تحمله.

 

الانهيار المالي

 

يُعد التمويل أول وأسرع ضحايا الهزيمة. ستضطر إيران إلى توجيه مواردها الشحيحة نحو إعادة إعمار بنيتها التحتية النووية والعسكرية، وتأمين جبهتها الداخلية من الاضطرابات المحتملة. وفي تقرير لمجلة Foreign Policy (يونيو 2025)، نقل عن مسؤول أمريكي قوله:

 

“لقد توقفت معظم التحويلات المالية من إيران إلى الميليشيات التابعة لها، وتأثرت أنظمة القيادة والسيطرة بعد الضربة… الحرس الثوري لم يعد فاعلا بنفس الدرجة”. هذا التحول القسري في الإنفاق سيؤدي إلى انقطاع أو تقلص حاد في الدعم المالي للميليشيات، مما يترتب عليه:

 

– عجز عن دفع رواتب المقاتلين، مما يضعف الولاء ويفتح الباب أمام الانشقاقات.

 

– تراجع القدرة على شراء الأسلحة وتطويرها وصيانتها.

 

– ضمور الشبكات الاجتماعية والخدمية التي تديرها الميليشيات، والتي تشكل قاعدة دعمها الشعبي.

 

– توقف الدعم الإعلامي والدعائي الذي يروج لأيديولوجيتها.

 

اهتزاز المرجعية الأيديولوجية

 

بُنيت الهيمنة الإيرانية على صورة “القوة الرادعة” التي لا تُقهر، وعلى سردية “الممانعة” القادرة على مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة. الهزيمة النووية الواضحة والمذلة تُحطم هذه الصورة وتُفرغ الخطاب الأيديولوجي من محتواه. هذا الانهيار في الشرعية يؤدي إلى:

 

– فقدان المصداقية: تنهار وعود النصر الدائم، وتفقد طهران جاذبيتها كنموذج ثوري ملهم.

 

-تساؤلات داخلية: تبدأ القواعد الشعبية والنخب داخل بيئات الميليشيات في التشكيك بجدوى الارتباط بإيران ومشروعها الإقليمي الفاشل.

 

– ضعف القدرة على التجنيد: يصبح من الصعب إقناع مجندين جدد بالانضمام إلى مشروع مهزوم.

 

الانكشاف الجيوسياسي وآليات التحكم

 

مع انشغال المركز الإيراني بأزماته الداخلية، يتآكل الإشراف المباشر والتحكم العملياتي الذي كان يمارسه فيلق القدس. هذا الفراغ في القيادة والسيطرة يدفع الميليشيات إلى حالة من الانكشاف الاستراتيجي، حيث تبدأ بالبحث عن بدائل للبقاء.

 

– البحث عن حلفاء جدد: قد تتجه بعض الفصائل الأكثر تنظيماً نحو قوى دولية أخرى مثل روسيا أو الصين لضمان الحصول على الدعم العسكري أو الغطاء السياسي.

 

– التحول إلى المحلية: قد تنكفئ فصائل أخرى لتتحول إلى عصابات محلية تتغذى على اقتصاديات الحرب والجريمة المنظمة، وتفقد أي بعد استراتيجي.

 

-الاستقطاب المعادي: يمكن للقوى المنافسة لإيران استغلال هذا الفراغ لاستقطاب بعض الفصائل أو قياداتها، وتحويلها إلى أدوات ضد طهران نفسها.

 

دراسات حالة: شروخ في الجدار قبل يونيو ٢٠٢٥

 

حتى قبل الهزيمة النووية المفترضة، كانت شبكة الوكالة الإيرانية تُظهر علامات تآكل واضحة، مما يشير إلى أن الضربة ستأتي لتُسرّع عملية انهيار بدأت بالفعل.

 

مظاهر التآكل قبل الهزيمة النووية

 

العراق هيئة الحشد الشعبي منذ اغتيال قاسم سليماني، تصاعدت الانقسامات بين الفصائل الموالية لإيران (الولائية) وتلك التي تتبع مرجعية النجف.

 

تزايدت النزعات الاستقلالية وتراجعت قدرة طهران على فرض سيطرة موحدة.

 

لبنان حزب الله

 

أدت الأزمة الاقتصادية اللبنانية، المقترنة بتراجع الدعم الإيراني، إلى إضعاف قدرة الحزب على تقديم الخدمات الاجتماعية، مما أثر على شعبيته وأثار نقاشات داخلية حول كلفة دوره الإقليمي.

 

سوريا الميليشيات الموالية لإيران بدأت بعض الفصائل التي كانت تنسق مع طهران بالتحول نحو التنسيق مع روسيا، خاصة في الملفات الأمنية والعملياتية، نتيجة للعقوبات والانكفاء الإيراني التدريجي.

 

اليمن جماعة الحوثي على الرغم من الاعتماد الكبير على الدعم الإيراني (صواريخ، مسيّرات، تدريب)، أدت العزلة والضغوط العسكرية إلى فتح قنوات تفاوض متقطعة مع الخصوم، مما أظهر وجود نزعة براغماتية كامنة.

 

مرحلة ما بعد إيران: احتمالات إعادة التموضع والبحث عن رعاة جدد

 

مع تراجع النفوذ الإيراني، تدخل الميليشيات مرحلة “اللايقين الاستراتيجي”، حيث يصبح البقاء هو الهدف الأسمى، حتى لو كان ذلك على حساب الولاء الأيديولوجي السابق.

 

ديناميكية الانفكاك: من التبعية إلى المناورة

 

ستسعى الفصائل الأكثر براغماتية إلى النجاة عبر استكشاف بدائل جديدة. هذه الديناميكية لا تعني بالضرورة تخلياً كاملاً عن الهوية السابقة، بل هي عملية مناورة تهدف إلى تأمين مصادر تمويل وحماية جديدة. بعض الفصائل قد تنقسم داخلياً بين تيار متشدد يرفض التغيير وتيار براغماتي يسعى للتكيف مع الواقع الجديد.

 

الحوثيون كنموذج: البراغماتية في مواجهة العزلة

 

تُعتبر جماعة الحوثي حالة دراسية مهمة، فرغم خطابها العقائدي المتصلب، أظهرت تاريخياً قدرة على المناورة والتكيف.

 

دوافع البحث عن بدائل:

 

– العزلة العملياتية: انقطاع الدعم الإيراني النوعي (خبراء، قطع غيار للصواريخ والمسيّرات) سيشل قدراتهم العسكرية الاستراتيجية.

 

– الضغوط العسكرية: استمرار العمليات العسكرية ضدهم دون غطاء إيراني سيجعل موقفهم حرجاً.

 

– التصدع الداخلي: قد تتسع الهوة بين القيادة المؤدلجة والقواعد القبلية التي ترتبط بالجماعة على أساس المصالح والمنافع.

 

من يكون الراعي البديل للحوثيين بعد انكشاف إيران؟

 

تشكّل الضربات التي تعرضت لها المنشآت النووية الإيرانية في يونيو 2025 لحظة فارقة في بنية شبكة الوكالة الإقليمية التي تقودها طهران، وتفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة: من قد يملأ الفراغ؟ ومن هو الراعي البديل المحتمل للحوثيين؟

 

1. روسيا والصين: رعاية محدودة ضمن توازنات كبرى

 

كلا القوتين تسعى لتوسيع نفوذها في مواجهة الهيمنة الغربية، وقد تنخرطان في أدوار وساطة أو دعم محدود، لكن من غير المرجح أن تتبنيا الحوثيين بشكل كامل كما فعلت إيران، ولا سيما بكين.

 

الصين تفضل نهجا اقتصاديا حذرا، ولا تملك خبرة تشغيلية في بناء وكلاء عقائديين.

 

روسيا، على النقيض، تمتلك رصيدا واضحا في هذا المجال، وقد تكون الأقرب نظريا للعب هذا الدور (كما سنفصل لاحقا).

 

2. دول الخليج: الخيار الأكثر تعقيدا وواقعية

 

يبقى فك ارتباط الحوثيين عن إيران هدفا استراتيجيا سعوديا وخليجيا، لكن هذا الخيار محفوف بالتعقيدات السياسية والداخلية، خاصة في ظل تباين مواقف العواصم الخليجية، وانعدام الثقة المتبادلة بينها وبين الحوثيين.

 

الفرصة الاستراتيجية لدول الخليج: نحو التفكيك الناعم بدل المواجهة الصلبة

 

تشكّل لحظة انكشاف النفوذ الإيراني نافذة نادرة يمكن استغلالها لتطبيق استراتيجية “التفكيك الناعم”، لا سيما في ظل غياب مؤشرات على استعداد أو رغبة صانع القرار السعودي في تبني مواجهة عسكرية مباشرة في الوقت الراهن.

 

أدوات التفكيك الناعم:

 

الاختراق المجتمعي والاقتصادي:

 

يمكن توجيه جهود الاختراق نحو القيادات الوسطى والقبلية داخل الجماعة، خصوصا أولئك الذين لديهم مصالح اقتصادية محلية، من خلال ربطهم بمشاريع تنموية أو ترتيبات أمنية لا تتطلب تفكيكا كاملا للجماعة.

 

تفكيك الجماعة من الداخل:

 

عبر فتح قنوات تواصل سرية مع الأجنحة البراغماتية داخل الحركة، يمكن تقديم “صفقة سياسية” جذابة لمن ينأى بنفسه عن المحور الإيراني، مما يزرع الانقسام ويعيد تشكيل الخريطة الداخلية للجماعة.

 

لكن فاعلية هذا الخيار تظل مرهونة بقدرة الخليج على تنسيق موقفه، وهو أمر لا يزال هشا بفعل التباينات بين الرياض وأبوظبي بشأن الملف اليمني.

 

روسيا: المرشح الأقوى لملء الفراغ

 

أ) سجل ناجح في بناء الوكلاء المحليين – تجربة سوريا نموذجا

 

منذ تدخلها في سوريا عام 2015، أثبتت روسيا براعة في بناء وتوجيه شبكات من الوكلاء المحليين، تمزج فيها بين الدعم العسكري، والتدريب، والاحتضان السياسي.

 

ووفق تقرير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR)، مايو 2024، فإن موسكو طورت نموذجا مرنا للرعاية الإقليمية، يعتمد على النفوذ منخفض الكلفة، والتنسيق الاستخباراتي، والتحالفات البراغماتية.

 

ب) تلاقي الإيديولوجيا والمصالح: الحوثيون وروسيا ضد الغرب

 

يرفع الحوثيون شعار “الموت لأمريكا”، فيما تخوض موسكو منذ حرب أوكرانيا صراعا مفتوحا ضد الغرب.

 

وقد أشار تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS، يونيو 2025) إلى ما يلي:

 

“روسيا تسعى لبناء تحالفات غير تقليدية مع جماعات مناوئة للغرب في مناطق النفوذ الأمريكي، مثل البحر الأحمر والخليج، لتعويض خسائرها في أوروبا”.

 

ج) مؤشرات على تنسيق مبكر

 

ما يرجّح كفة موسكو كراعية محتملة للجماعة، هو أنها المليشيا بدأت تنسيقا مبكرا مع موسكو قبل الضربات الأخيرة على إيران، عندما شعرت بمؤشرات تراجع النفوذ الإيراني.

 

كما أن الجماعة كثّفت من تحركاتها الدبلوماسية نحو موسكو، واكثر من هذا جندت مرتزقة للقتال معها في أوكرانيا.وحصلت على دعم سياسي روسي في مجلس الأمن.

 

كما أن العقوبات الأمريكية المفروضة مؤخرا على الحوثيين بسبب علاقتهم بروسيا، تشير إلى عمق التنسيق الجاري.

 

من يسبق الآخر: روسيا أم الخليج؟

 

رغم أن دول الخليج تمتلك مصلحة استراتيجية في تفكيك ارتباط الحوثيين بإيران، إلا أن الواقع الميداني والدبلوماسي يشير إلى أن روسيا تتقدم بخطى أسرع، وأكثر انسجاما، نحو ملء هذا الفراغ.

 

وتُضعف الخلافات الخليجية – خصوصا التباينات بين الرياض وأبوظبي – من إمكانية بلورة رؤية موحدة لاحتواء الحوثيين أو اختراقهم سياسيا، ما يترك الباب مفتوحا أمام موسكو لتكريس نفوذها عبر بوابة الجماعة، بهدف تشتيت ضغوط أمريكا وأوروبا عليها في أوكرانيا.

 

الشرعية اليمنية: الفاعل الغائب الذي يجب أن يعود

 

أن تفكك شبكة الوكالة الإيرانية يفتح أمام الشرعية نافذة استراتيجية نادرة للخروج من موقع المتلقي إلى موقع الفاعل.

 

ففي لحظة انكشاف الحوثيين وفقدانهم للدعم المالي والأيديولوجي والتقني الإيراني، يمكن للشرعية أن تتحول إلى قطب جذب بديل، ليس فقط على الصعيد السياسي والعسكري، بل أيضا الاجتماعي والخدمي. وهذا يتطلب منها:

 

تحريك أدواتها السيادية في الداخل، عبر تقديم نموذج إداري وخدمي جذاب في المناطق المحررة، يبرز الفرق الجوهري بينها وبين الجماعة الحوثية المنكفئة.

 

التحرك سياسياً على المستوى الإقليمي والدولي، لتأكيد موقعها كممثل شرعي وحصري لليمن، ومنع أي محاولات لتدويل العلاقة مع الحوثيين من خلال أطراف خارجية كروسيا أو الصين.

 

فتح قنوات تواصل غير مباشرة مع القوى البراغماتية داخل الجماعة الحوثية، مستفيدة من التشققات الداخلية التي قد تنشأ بفعل الانكشاف الإيراني، بهدف استقطاب عناصر قابلة للتفكك والانفصال التدريجي عن المشروع الحوثي العقائدي.

 

التحالف مع المقاربة الخليجية الناعمة، دون الارتهان لها بالكامل، بل بصفتهما شريكين في هدف استعادة الدولة وتفكيك بنية المشروع الحوثي.

 

لكن فاعلية هذا الدور تظل مشروطة بقدرة الشرعية على إصلاح بيتها الداخلي، واستعادة الحد الأدنى من الكفاءة والشرعية الشعبية، وامتلاك استراتيجية سياسية متماسكة، بعيداً عن الاعتماد الكلي على التحالف أو الدعم الخارجي.

 

نافذة الشرعية: كيف يتحول الفاعل الهامشي إلى محور الاستعادة؟

 

مع كل خطوة تفكك في بنية شبكة الوكالة الإيرانية، تتسع الثغرة التي يمكن للشرعية اليمنية النفاذ منها لاستعادة المبادرة. فالتآكل العملياتي في الجماعة الحوثية، سواء من جهة التمويل أو التوجيه أو الشرعية العقائدية، لا يعني فقط هشاشة متنامية في صفوف الخصم، بل يفتح بالمقابل نافذة لإعادة بناء الثقة بالشرعية كمشروع بديل وقابل للحياة.

 

هذه اللحظة لا تمنح الشرعية فقط فرصة للظهور بمظهر الطرف الأقوى، بل تفرض عليها مسؤولية إعادة تعريف دورها ليس كمتلقٍ للدعم الخليجي والدولي، بل كقوة داخلية فاعلة قادرة على توظيف التفكك الحوثي في صياغة واقع سياسي واجتماعي جديد.

 

الفاعلون اليمنيون المحليون ومسؤولية البناء

 

ولا تقتصر مسؤولية استثمار هذه اللحظة المهمة في انكشاف محور الممانعة على الحكومة الشرعية وحدها، بل تمتد إلى بقية القوى اليمنية الفاعلة في المشهد، كالمجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات المقاومة الوطنية، والسلطات المحلية في مأرب وحضرموت.

 

إن مواقف هذه القوى، وتوجهاتها إزاء مشروع الدولة اليمنية، ستكون محددة بشكل حاسم لمسار أي تفكيك ممكن للحوثيين.

 

فالمعادلة الجديدة لا تحتمل مشروعات متوازية أو متعارضة، بل تتطلب توافقا وطنياً يُعيد ترتيب الأولويات ويُفرغ لحظة الضعف الحوثي من أي فرصة للارتداد أو الانقسام الداخلي.

 

البعد الدولي وتلاقي المصالح: واشنطن وتل أبيب أمام مرحلة تفكك الوكلاء، تمثل لحظة تآكل شبكات الوكالة الإيرانية فرصة نادرة للولايات المتحدة وإسرائيل لتحقيق أهداف استراتيجية طالما كانت معقدة وصعبة الكلفة. ومع انكشاف المركز الإيراني وتراجع قدراته على الإشراف والدعم، تتقاطع مصالح هذين الفاعلين الدوليين مع بعض المصالح الخليجية، ولو بشكل غير تام.

 

الولايات المتحدة: إعادة تشكيل ميدان النفوذ دون انخراط مباشر

 

تفضل واشنطن مقاربة الاحتواء غير المباشر، عبر دعم الشركاء الإقليميين وتمكين الفاعلين المحليين من إدارة التحول. ومن المرجح أن تتبنى إدارة أمريكية واقعية مقاربة مزدوجة:

 

دعم “التفكيك الناعم” عبر الشركاء الخليجيين.

 

تنفيذ ضربات انتقائية ضد الميليشيات التي تمثل تهديدا مباشرا للمصالح الأمريكية أو الدولية (كالخطر الحوثي على البحر الأحمر).

 

إسرائيل: تصفية الحساب مع حزب الله والحوثي

 

تنظر تل أبيب إلى هذه المرحلة باعتبارها نافذة استراتيجية لتصفية الحسابات المتراكمة مع وكلاء إيران. وقد تميل إلى تنفيذ:

 

عمليات خاطفة في اليمن تستهدف القدرات الصاروخية أو قيادات نوعية للحوثيين.

 

تنسيق مباشر أو غير مباشر مع واشنطن لاستهداف الحوثيين.

 

ومع ذلك، قد تتعارض رغبة إسرائيل في التقويض الكامل للوكلاء مع المقاربة الخليجية الأكثر ميلا لاحتوائهم أو تفكيكهم بهدوء.

 

سيناريوهات الردّ الإقليمي والدولي: خرائط الاحتمال والتداخل

 

مع انكشاف الشبكة الإيرانية، تتباين ردود الفعل المتوقعة وفقا لأولويات الفاعلين ومصالحهم:

 

السيناريو الأول: تفكيك ناعم ومنسق

 

تنجح الأطراف الخليجية، بالتنسيق مع واشنطن، في تفكيك الميليشيات تدريجياً.

 

يتطلب توافقا خليجيا، وثقة فيما بينهم وبين القوى والقيادات اليمنية ذات المعرفة الكاملة مع مكونات هذه الجماعة.

 

السيناريو الثاني: ردع عسكري استباقي – خيار تل أبيب وواشنطن

 

شن ضربات استباقية لتعطيل قدرات حزب الله والحوثيين.

 

خطره يكمن في تفجير المنطقة وعرقلة مسار التفكيك السياسي.

 

السيناريو الثالث: إعادة تموضع مع راعٍ بديل – صعود الدور الروسي

 

موسكو تملأ الفراغ، خاصة في اليمن، وتمنح الجماعات غطاءً جديدا.

 

يزيد تعقيد الملف اليمني ويحوّل الحوثيين إلى ورقة مساومة في أوكرانيا.

 

السيناريو الرابع: انتعاش المركز الإيراني – ارتداد تكتيكي

 

رغم الضربة، قد تستعيد طهران تماسكها بسرعة، وتعيد بناء جزء من شبكتها.

 

هذا السيناريو ضعيف لكنه قائم، خصوصاً في ظل تخاذل دولي محتمل أو غياب الحسم الخليجي.

 

المجتمع الدولي ومحدودية خياراته

 

ورغم أن الولايات المتحدة وإسرائيل تمثلان الطرفين الأكثر حماسة في تفكيك شبكة الوكالة الإيرانية، إلا أن مواقف أطراف دولية أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، قد تكون أقل اندفاعا.

 

فالنهج الأوروبي غالبا ما يميل إلى الاحتواء وتفادي زعزعة الاستقرار، وقد تُفضل بروكسل الإبقاء على مسار سياسي تفاوضي بدلاً من الانخراط في استراتيجية تفكيك شامل.

 

أما الأمم المتحدة، ومن خلال مكتب مبعوثها الخاص إلى اليمن، فقد تسعى إلى إعادة تدويل العلاقة مع الحوثيين، كمكوّن “واقع” على الأرض، بغية المحافظة على مسار المفاوضات الهش.

 

إن أي مقاربة ميدانية لتفكيك الحوثيين ستكون مُقيّدة بالاعتبارات الإنسانية والدبلوماسية التي تحكم عمل المنظمات الدولية، وهو ما قد يُشكل عائقا أمام المقاربات الحاسمة التي تحتاجها لحظة الانكشاف الإيراني.

 

استمرار استهداف السفن: مناورة بحرية لتعويض الانكشاف

 

في ظل الانكشاف الإيراني، وغياب الغطاء الاستراتيجي الكامل، يُرجّح أن يلجأ الحوثيون إلى التصعيد البحري كمجال بديل لإثبات الوجود وتعويض الخسائر في الجبهات الأخرى. ويأتي البحر الأحمر هنا كمنصة عملياتية جذابة، ليس فقط بسبب رمزيته الاستراتيجية، بل لأنه يسمح للجماعة بتوجيه رسائل متعددة الأطراف دون الانخراط في معركة برية مباشرة.

 

دوافع استمرار التصعيد:

 

تعويض داخلي عن الانكشاف: في ظل تراجع القدرات التسليحية النوعية وغياب الإشراف الإيراني، تسعى الجماعة إلى إظهار أنها لا تزال قادرة على إحداث تأثير إقليمي.

 

مراكمة أوراق تفاوضية: استهداف الملاحة يمكن أن يمنح الحوثيين أوراق ضغط في أي مفاوضات قادمة مع القوى الإقليمية والدولية.

 

خدمة المشروع الروسي: في حال تعززت العلاقة مع موسكو، فإن مواصلة الهجمات البحرية قد تصبح جزءاً من استراتيجية التشويش الروسي على خطوط الإمداد الغربية، وورقة مساومة في ملفات كأوكرانيا.

 

سيناريو متوقع: من غير المرجح أن يتوقف الحوثيون عن استهداف السفن كلياً، بل من المرجح أن تتحول هذه الهجمات إلى نمط أكثر احترافية وانتقائية، يهدف إلى تجنب الاستفزاز الكامل، دون التخلي عن الرسائل العسكرية والسياسية. وقد نشهد في الأشهر التالية:

 

استخداماً مكثفاً للزوارق المفخخة والطائرات المسيّرة منخفضة التكلفة.

 

استهدافاً لسفن ذات صلة بإسرائيل أو الولايات المتحدة، أو تنتمي لدول تعتبرها الجماعة “منخرطة” في الحرب.

 

احتمالية استهداف ممرات فرعية بديلة، مثل باب المندب أو السواحل الإريترية، لتوسيع نطاق الضغط.

 

المآلات المحتملة: إذا لم يتم احتواء هذا النمط من التصعيد عبر مقاربة تجمع بين الردع البحري، والتفكيك السياسي الداخلي للجماعة، فإن البحر الأحمر قد يتحول إلى مسرح دائم للابتزاز البحري، يُعيد تعريف العلاقة بين أمن الملاحة والأزمات السياسية في اليمن.

 

الخلاصة والآفاق المستقبلية

 

إن هزيمة إيران النووية ليست مجرد حدث عسكري عابر، بل تمثل بداية مسار تفكك طويل ومعقد لشبكة الوكالة الإقليمية التي بنتها طهران على مدى عقود. الميليشيات التي لطالما شكلت أدوات قوة إيرانية تتحول تدريجياً إلى أعباء استراتيجية مكلفة، وتبدأ بالدخول في طور التآكل المالي، والتفكك التنظيمي، والانكشاف الشعبي والسياسي.

 

غير أن هذا التحول لا يعني سقوطا وشيكا، بل يشير إلى انفتاح نافذة استراتيجية محدودة، يمكن من خلالها تفكيك هذه الشبكات إذا تم التعامل معها بحذر وحنكة سياسية.

 

ومع ذلك، لا بد من التنبه لعدد من القيود والمعوقات:

 

عمق الروابط العقائدية والأمنية:

 

العلاقات التي نسجتها إيران مع وكلائها، خصوصًا مع الحوثيين، ترتكز على أبعاد أيديولوجية وأمنية عميقة، يصعب تفكيكها بسرعة أو عبر أدوات الضغط التقليدي.

 

خطر المناورة:

 

الجماعات المسلحة، وفي مقدمتها الحوثيون، بارعة في استخدام الانفتاح السياسي كأداة للمناورة. أي اختراق غير مدروس قد يوفّر لها متنفسا لإعادة التموضع وكسب الوقت دون تغيير جوهري في بنيتها أو ولائها.

 

محدودية النافذة الزمنية:

 

الفراغ الذي خلفه تراجع إيران لن يدوم طويلا.

 

فطهران ستسعى لإعادة هندسة شبكاتها، بينما تتحرك قوى دولية أخرى، مثل روسيا والصين، لملء هذا الفراغ بسرعة وحزم.

 

الدور الروسي: المعرقل الصاعد لأي تفكيك محتمل

 

من بين أبرز العوائق التي قد تواجه جهود تفكيك مليشيا الحوثي، الدور الروسي المتصاعد، والذي يُظهر استعدادا أكبر لتبنّي الجماعة كورقة نفوذ في البحر الأحمر والمجال الجيوسياسي اليمني.

 

روسيا تملك الخبرة في تشغيل وكلاء محليين، وتاريخا في بناء تحالفات غير تقليدية مع جماعات مناوئة للغرب.

 

دعمها للحوثيين لن يكون فقط بديلا عن طهران، بل أداة لإرباك أي مقاربة خليجية أو يمنية تسعى لتفكيك الجماعة من الداخل.

 

كما أن موسكو قد توظف علاقتها بالحوثيين كورقة تفاوض في ملفات دولية أكبر، ما يمنح الجماعة مناعة سياسية جزئية ويعقد مسار الضغط عليها.

 

التوصية الختامية

 

إن اللحظة الراهنة تمثل فرصة نادرة لا يجب أن تُهدر. على القوى الإقليمية المتضررة، وفي مقدمتها اليمن ودول الخليج، التحرك بسرعة وذكاء لاستغلال هذه النافذة، عبر بناء استراتيجية متكاملة تجمع بين تفكيك شبكات الوكالة، وقطع طرق الإنقاذ البديلة، واحتواء الأذرع المتكيفة، وتحييد الأطراف الخارجية التي قد تعرقل مسار التفكيك، وعلى رأسها روسيا.

 

فالسباق ليس فقط مع الزمن، بل مع الفاعلين الدوليين الذين يرون في الميليشيات ورقة جاهزة للاستثمار في لحظة الفوضى.

مقالات مشابهة

  • تداعيات هزيمة إيران النووية على شبكة أذرعها في المنطقة من العراق إلى اليمن (تحليل)
  • ماذا سيبحث وزيرا خارجية سوريا وتركيا في العراق؟
  • هجوم مسلّح يستهدف مبنى حكومي جنوب شرق إيران ويخلّف ثمانية قتلى بينهم رضيع
  • مستشار السوداني يقرع ناقوس الخطر بشأن العجز المائي والتصحر في العراق
  • فتاوى: يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • السوداني: مشروع تحلية مياه البحر يشكل حلا جذريا لشح المياه في العراق
  • الخدمات النيابية:العراق مهدد مائيًا من قبل إيران وتركيا
  • الموارد المائية : العراق يمر بأكثر السنوات جفافاً منذ العام 1933
  • السوداني: الحل هو التوجه إلى مشاريع التحلية لمواجهة شحة المياه في العراق