رغم تصاعد الضغوط داخليا وخارجيا لوقف الحرب على قطاع غزة، يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمديدها متجاهلا النداءات المتكررة لوقف العدوان، ومتحصنا بتحالف سياسي هش، يربط بين مصلحته الشخصية والدعم الأميركي المطلق، في مشهد يعكس شللا متعمّدا.

فمع تصاعد التصريحات عن توسيع العمليات العسكرية، كشفت القناة 14 العبرية أن نتنياهو يفكر مجددا بخيار احتلال غزة، رغم معارضة الجيش ومخاوف من استقالة رئيس الأركان إيال زامير إن تم تنفيذ هذا التوجه.

وعبر عن التصدعات داخل المؤسسة العسكرية مسؤولون كبار وعلى رأسهم رئيس العمليات السابق في الجيش يسرائيل زيف، الذي أكد أن الحكومة لا تسعى لتحقيق أهداف الحرب بقدر ما تهدف لإدامتها، حتى وإن تمثلت هذه الإدامة في بيع الوهم للإسرائيليين دون هزيمة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)أو استعادة الرهائن.

ويبدو أن نتنياهو يستخدم مأزق الرهائن كورقة سياسية لا لحلها، بل لتعليق المسؤولية على "عناد حركة حماس"، في حين يتعمد وفق تقارير إسرائيلية ودولية تعطيل أي صفقة شاملة كانت مطروحة لإنهاء الحرب، في سلوك وصفه زيف بأنه يمنح حماس نصرا دبلوماسيا مجانيا، ويؤكد حالة الشلل المتعمد في القيادة الإسرائيلية.

هذه القراءة تجد صداها كذلك في المشهد الاحتجاجي داخل إسرائيل، حيث تتزايد أصوات المتظاهرين في القدس وتل أبيب، يرفعون صور الأسرى ويطالبون بإيقاف الحرب.

أما في المؤسسات العسكرية والأمنية، فتُسجَّل يوميا مواقف لقيادات سابقة تُحذّر من تداعيات استمرار الحرب بصيغتها الحالية، باعتبارها انتحارا سياسيا وأخلاقيا يدفع إسرائيل نحو عزلة متزايدة.

حجر الزاوية

فيما يبدو الموقف الأميركي حجر الزاوية في صمود نتنياهو، فالرئيس دونالد ترامب -بحسب ما أوردته "يديعوت أحرونوت"- أعطى الضوء الأخضر لحملة عسكرية كبيرة، رغم التحذيرات من كارثة محتملة تطال مصير الرهائن المدنيين، ويتيح هذا التواطؤ غير المعلن رسميا لنتنياهو هامشا مريحا للمناورة يحول دون أي تدخل دولي فاعل.

إعلان

الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور بلال الشوبكي يرى٬ خلال حديثه ببرنامج مسار الأحداث٬ أن نتنياهو يدير هذا التوازن السلبي من خلال اللعب على تناقضات الداخل الإسرائيلي، واستدعاء ملفات خلافية تتجاوز الحرب ذاتها، مثل العلمانية والانقلاب القضائي، لخلق حالة استقطاب تُبقي على تماسك الائتلاف الحاكم، حتى ولو جاء ذلك على حساب صورة إسرائيل دوليا أو مصالحها الإستراتيجية.

ويقرأ الشوبكي التصعيد المتزايد في التصريحات عن إعادة احتلال غزة كأداة تكتيكية تهدف لتوجيه الرأي العام داخليا والضغط تفاوضيا على حماس، مؤكدا أن تسريب مثل هذه الخيارات يخدم أكثر من غرض، من بينها جس نبض الشارع الإسرائيلي بشأن كلفة الاحتلال، أو تهيئة المشهد للقبول بصفقة جزئية تُفرض تحت سيف التهديد بالاجتياح الكامل.

في السياق ذاته، تحذر النائبة البريطانية السابقة كلوديا ويب من أن المأساة الجارية في غزة لم تعد حربا بالمعنى التقليدي، بل أصبحت إبادة منظمة، تسهم في استمرارها حكومات الغرب بصمتها أو تواطئها، بل وتقوم بعض تلك الحكومات، كالحكومة البريطانية، بتسليح إسرائيل رغم وجود حكم قضائي دولي يلمّح إلى ارتكاب جرائم إبادة.

ويب ترى أن المظاهرات الغربية التي تجتاح عواصم أوروبا وأستراليا ليست مجرد حركات احتجاج، بل تعبير عن وعي متزايد بمسؤولية الأنظمة السياسية في إبقاء آلة الحرب دائرة، مشددة على أن صمت الحكومات لن يدوم طويلا إذا استمر الضغط الشعبي وامتد إلى صناديق الاقتراع.

مقاربة أميركية

في المقبل، يتمسك الدكتور جيمس روبنز، كبير الباحثين في المجلس الأميركي للسياسة الخارجية، بالسردية الرسمية التي تُحمّل حماس مسؤولية استمرار الحرب، وتدعوها إلى "الاستسلام" وتسليم السلاح، باعتبار ذلك الطريق الوحيد لإيصال المساعدات وإنهاء النزاع، وهي المقاربة التي وُوجهت بانتقادات لاذعة من باق الضيوف، الذين رأوا فيها تبريرا مفضوحا لعسكرة المأساة الفلسطينية.

وفي هذا السياق، وصف الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة، هذه المواقف بأنها تمثل تدميرا لمنظومة القانون الدولي، وتكريسا لمعيار القوة بديلا عن العدالة، مشيرا إلى أن حماس قدمت عروضا لصفقة شاملة أُفشلت من قبل نتنياهو، وأن التذرع بعدم جاهزية الحركة للتفاوض مجرد تغطية على انحياز أميركي فج يمنح إسرائيل ترخيصا للقتل والتجويع كأداة تفاوضية.

وذهب الحيلة أبعد من ذلك، معتبرا أن تحالف واشنطن مع اليمين الإسرائيلي لم يعد مجرد دعم سياسي، بل تحوّل إلى تماهٍ أيديولوجي مسياني، يضرب بعرض الحائط أي مبادرة سلام حقيقية، ويعيد المنطقة إلى منطق "التطهير والتفريغ" الذي يعكس خطابا يتناقض مع الحد الأدنى من المعايير الإنسانية.

وفي ضوء هذا التواطؤ المتبادل، يصبح استمرار الحرب ليس وسيلة لتحقيق أهداف أمنية أو سياسية، بل هدفا بحد ذاته يخدم شبكة مصالح ضيقة على حساب مأساة شعب بأكمله.

فالشلل في اتخاذ القرار بوقف الحرب لا يعود إلى عجز أو تردد، بل إلى تحالف عضوي بين بقاء نتنياهو السياسي والفيتو الأميركي على أي مسار تسوية حقيقي.

ورغم تصاعد الاحتجاجات في العواصم الغربية، ورغم التململ المتزايد في الشارع الإسرائيلي، يظل هذا التوازن السلبي قائما، وتستمر الحرب كأداة تأجيل، لا كخيار ضروري، فالخطر لا يكمن فقط في إطالة أمد المعاناة، بل في ترسيخ نموذج إدارة صراع يقوم على التطبيع مع الجريمة، وتحييد العالم عن مسؤولياته، وإعادة تعريف معنى النصر والهزيمة بلغة الدم والخراب.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

تغريدة مثيرة من وزير الأمن الإسرائيلي داخل الأقصى.. نتنياهو: الوضع القائم في القدس لم ولن يتغير (فيديو)

اقتحم أكثر من 3023 مستوطناً صباح الأحد، باحات المسجد الأقصى من جهة باب المغاربة، تحت حماية مشددة من القوات الإسرائيلية، وأدوا صلوات تلمودية ورقصات استفزازية وسط تصعيد خطير في وتيرة الاقتحامات.

وفي تصعيد لافت، دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، اليوم الأحد، إلى احتلال كامل قطاع غزة وفرض السيادة الإسرائيلية عليه، مع تشجيع سكان القطاع على الهجرة الطوعية، في خطوة اعتبرها مراقبون تأجيجًا للوضع المتوتر في المنطقة.

بن غفير نشر تغريدة من داخل المسجد الأقصى خلال جولة أثارت جدلاً واسعًا، حيث أدى طقوسًا تلمودية في باحات المسجد، وصرح بأن احتلال غزة وفرض السيادة الإسرائيلية عليه هو السبيل لتحقيق “الانتصار في الحرب على حركة حماس” وإعادة المختطفين الإسرائيليين المحتجزين في القطاع. هذا التصريح يأتي في سياق استمرار المواجهات والضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل وحركة حماس.

في سياق متصل، دعت منظمات “الهيكل” المتطرفة إلى اقتحام واسع النطاق للمسجد الأقصى بالتزامن مع “ذكرى خراب الهيكل”، والتي وصفتها محافظة القدس بأنها من أخطر الأيام على المسجد، محذرة من محاولات كسر الخطوط الحمراء الدينية والقانونية داخل الحرم القدسي الشريف.

وأكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اليوم الأحد، أن “سياسة إسرائيل في الحفاظ على الوضع الراهن في الحرم القدسي الشريف لم تتغير ولن تتغير”، وذلك على خلفية الصلاة العلنية التي أداها وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، في المسجد الأقصى خلال زيارة لإحياء ذكرى خراب الهيكل.

في الوقت نفسه، تواصلت الاتصالات السياسية المكثفة على المستوى الدولي، حيث كشف الإعلام الإسرائيلي أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يستعد لمنح حركة حماس مهلة أخيرة لإعادة الأسرى المحتجزين، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية. وتفيد مصادر القناة الـ12 الإسرائيلية بأن الكابينت سيعقد اجتماعًا حاسمًا غدًا الاثنين لاتخاذ قرارات مهمة بشأن الخطوات القادمة في قطاع غزة.

وتأتي هذه التطورات في ظل جهود أمريكية نشطة عبر مبعوث الرئيس دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، الذي أبلغ عائلات الرهائن بأنه يعمل على خطة لإنهاء الحرب فعليًا في غزة، زاعمًا استعداد حركة حماس لنزع سلاحها، غير أن حماس ردت على هذه التصريحات بنفي قاطع، مؤكدة تمسكها بسلاح المقاومة كحق وطني وقانوني طالما ظل الاحتلال قائمًا، وأنه لا يمكن التنازل عنه إلا بإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة.

من جهته، وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي اعتبر في تصريحاته أن الهجوم على مصر يُستخدم كذريعة لتشتيت الأنظار عن مسؤولية إسرائيل في مأساة غزة، مشددًا على أن القضية الفلسطينية يجب أن تبقى محور الجهود الدولية لحل الأزمة.

وتترافق هذه التصريحات مع موجة احتجاجات داخل إسرائيل، حيث خرج عشرات آلاف الإسرائيليين في تل أبيب مطالبين بسرعة إنجاز صفقة تبادل أسرى مع حماس، معبرين عن رغبتهم في إنهاء الأزمة المستمرة التي أثرت على حياة المدنيين في الطرفين.

في المقابل، يرى نتنياهو أن أي دولة فلسطينية مستقلة مستقبلًا ستكون منصة تهدد أمن إسرائيل، مما يبرر استمرار السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وهو موقف يعكس تعقيدات ملف السلام في المنطقة.

סרטוני הזוועה של החמאס באים על רקע דבר אחד – הניסיון שלהם ליצור לחץ על מדינת ישראל. ואני אומר דווקא מכאן, מהר הבית, במקום שבו הוכחנו שאפשר לעשות ריבונות ומשילות – דווקא מכאן צריך להעביר מסר: ולדאוג שכובשים את כל רצועת עזה, מכריזים ריבונות בכל רצועת עזה, מורידים כל חמאסניק,… pic.twitter.com/A9jSKOaTRm

— איתמר בן גביר (@itamarbengvir) August 3, 2025

السعودية تدين بشدة اقتحام إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى وتطالب المجتمع الدولي بوقف الاستفزازات الإسرائيلية

أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا رسمياً أدانت فيه بأشد العبارات اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، باحات المسجد الأقصى المبارك، معتبرة هذه التصرفات الاستفزازية المتكررة من قبل مسؤولي الحكومة الإسرائيلية بمثابة إشعال متعمد للصراع في المنطقة.

وجاء في البيان أن المملكة ترفض بشدة الممارسات التي تستهدف المسجد الأقصى، مؤكدة أن هذه الخطوات تؤجج المواجهات وتزيد من حالة التوتر وعدم الاستقرار في الأراضي الفلسطينية، وتعرقل الجهود الدولية لتحقيق السلام في المنطقة.

وشددت الرياض على مطالبتها المتواصلة للمجتمع الدولي بـ”وقف ممارسات مسؤولي الاحتلال الإسرائيلي المخالفة للقوانين والأعراف الدولية، والتي تقوض بشكل جدي فرص إحلال السلام والأمن”.

مقالات مشابهة

  • احتلال غزة بالكامل.. خطة نتنياهو التصعيدية تثير خلافا في إسرائيل
  • إسرائيل هيوم: خلاف بين نتنياهو وزامير حول خطة "حرب غزة"
  • وزير الخارجية الإسرائيلي: حماس تتعمد تجويع المحتجزين في قطاع غزة
  • صحف عالمية: أخطار جسيمة لدعم إسرائيل مليشيات مسلحة جنوبي غزة
  • الرشق: نتنياهو يطوّق أسراه بالتجويع كما يفعل بشعب غزة
  • مختص: حكومة نتنياهو ماضية بحرب غزة رغم غضب الشارع الإسرائيلي
  • تغريدة مثيرة من وزير الأمن الإسرائيلي داخل الأقصى.. نتنياهو: الوضع القائم في القدس لم ولن يتغير (فيديو)
  • رئيس الأركان الإسرائيلي يشتكي: نتنياهو يمنع مناقشة خطط الحرب في غزة
  • مسؤولون أمريكيون: ترامب يتصور نتنياهو يتعمد إطالة أمد الحرب لمصالحه السياسية