الاستيلاء الثقافي.. حين تُقدَّم ملامح التراث الهندي بلمسة غربية راقية
تاريخ النشر: 7th, August 2025 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عندما عرضت علامة برادا أزواج عدة من الصنادل البنية المميزة بحلقات لأصابع القدم وتطريز دقيق، خلال عرض أزيائها الرجالية في ميلانو الشهر الماضي، سارع المراقبون للإشارة إلى شبهها الواضح بحذاء هندي تقليدي يعود إلى قرون مضت.
ورغم أن دار الأزياء الإيطالية العريقة قدّمت هذه الأحذية على أنها ابتكار فاخر جديد، إلا أن كثيرين في الهند رأوا ببساطة زوجاً من "شبشب كولهابوري" وهو نوع من الصنادل اليدوية التقليدية يعود تاريخه إلى القرنين الثاني عشر أو الثالث عشر.
وعدم اعتراف برادا بداية بمصدر إلهام هذه الأحذية، التي وصفتها العلامة ببساطة بأنها "صنادل جلدية مسطحة"، وف صحيفة الغارديان، جدلاً واسعاً ومستمرًا حول مسألة الاستيلاء الثقافي. واتهم النقاد العلامة بطمس إرث الحرفيين الهنود، وانهالت الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي التي وصفت ما حدث بأنه "سرقة تصميم" واضحة.
خلال أسبوع، اعترفت برادا في رسالة وجهتها إلى مجموعة تجارية هندية بأنّ الصنادل ضمن مجموعة ربيع وصيف 2026 الرجالية "استُلهمت بالفعل من الأحذية التقليدية الهندية". وأفادت العلامة في بيان لـCNN إنها "لطالما احتفلت بالحرفية والتراث والتصميم". وأضافت لاحقاً أنها التقت بصنّاع أحذية تقليدية في الهند "لمناقشة فرص تعاون محتملة في المستقبل".
وقد تعكس سرعة استجابة برادا لمواجهة الجدل تنامي اهتمام صناعة الأزياء بالزبائن الهنود الأثرياء وتجنّب إغضابهم. غير أن هذه الحادثة تسلّط الضوء أيضًا على الصعوبات المتكررة التي تواجهها العلامات الغربية في إقامة تفاعل حقيقي مع الحِرف والثقافة في الهند.
سوق الرفاهية المتنامييشهد سوق الرفاهية في الهند نموًا مذهلًا، حيث من يتوقع أن يرتفع من 7.73 مليار دولار في العام 2023 إلى 11.3 مليار دولار بحلول العام 2028، وهو معدل نمو يرجّح أن يتجاوز معظم أسواق الرفاهية الكبرى في العالم، وفقًا لشركة الاستشارات العالمية Kearney.
يعزى هذا النمو المتوقع إلى ازدياد حجم الطبقة الوسطى، وتسارع وتيرة التمدّن، وظهور جيل جديد من الشباب الواعين للعلامات التجارية والمنفتحين على العالم. لكن مستهلك الرفاهية في الهند اليوم "لم يعد نمطًا واحدًا موحّدًا"، وفقًا لمصمم الأزياء الهندي الشهير غوراف غوبتا.
وبرأي غوبتا في حديثه مع CNN: "نشهد جمهورًا متنوعًا بشكل جميل، من أبناء الجيل الثاني لعائلات صناعية، إلى روّاد أعمال رقميين من الجيل الأول، وفنانين، ومواطنين عالميين، وجميعهم يبحثون عن شيء أعمق من مجرد شعار علامة تجارية".
بدأت العديد من العلامات العالمية الاستثمار بقوّة في الهند مثل لوي فويتون، وبالنسياغا، وفالنتينو، التي افتتحت متاجر رئيسية في مومباي أو دلهي خلال السنوات الأخيرة.
وبعض العلامات تعاونت مع مصممين هنود لتقديم تصاميم أقرب للذوق المحلي. قالمصمم غوراف غوبتا قال إن بعض العلامات تتأقلم بشكل جيّد، لكن المشكلة تكون عندما ترى الهند كسوق للربح فقط، وليس كمكان غني بثقافة تستحق التقدير، مشيرا إلى أنّ المستهلك الهندي يريد أن يشعر بأنه مُقدَّر.
الجدل المستمر حول الاستيلاء الثقافيلطالما كانت الهند مصدر إلهام للموضة الغربية، لكن في السنوات الأخيرة زادت الانتقادات حول سرقة الثقافات، لا سيما مع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في الهند وارتفاع الفخر بالهوية. وقالت توليكا غوبتا، مديرة معهد الحرف في جايبور، إن الكثير من المصممين والحرفيين في الهند يعرفون حقوقهم ويريدون الاعتراف بإرثهم.
في 2019، أثارت غوتشي الجدل بعدما باعت عمامة زرقاء تشبه عمامة السيخ التقليدية بسعر 790 دولارًا، مما أغضب الجاليات السيخية ودفع نوردستروم لحذف المنتج والاعتذار.
وفي هذا العام، تعرضت علامة Reformation لانتقادات بعد عرض قميص وتنورة ووشاح يشبه الزي الهندي التقليدي "لينغا" دون ذكر أصله. إحدى مستخدمات تيك توك قالت مازحة: "هذا لينغا مع دوباتا، أعطوا الفضل لأصحابه"، لكن العلامة ردّت بأن التصميم مستوحى من فستان من التسعينات.
أيضًا، واجهت H&M انتقادات بعد طرح قميص شفاف طويل مع بنطال يشبه الزي الهندي التقليدي "السلوار قمص". وقالت H&M لـCNN أنّ التصميم مستوحى من موضة الفساتين فوق البنطلونات والقطع الشفافة.
الجدل لم يقتصر على العلامات فقط. ففي العام الماضي، نشر حساب Bipty على تيك توك فيديو لنساء يرتدين أوشحة شفافة على صدورهنّ ووصفها بـ"الأناقة الأوروبية السهلة"، ثم حذف الفيديو. لاحظ مستخدمو جنوب آسيا أن الأوشحة تشبه "الدوباتا" الهندية التقليدية، وشاركوا فيديوهات ساخرة وهم يرتدون الدوباتا وسمّوها "أوشحة إسكندنافية" ليردوا على تجاهل التراث الهندي. ولم ترد Bipty على طلب التعليق.
أكثر من مجرد مكان تصنيعتعود علاقة الموضة الفاخرة بالحرفيين الهنود إلى القرن السابع عشر، عندما كان الأوروبيون يبحثون عن أقمشة مثل القطن والحرير من الهند. مع مرور الوقت، أصبحت التصاميم الهندية جزءًا مهمًا من الموضة الغربية، لكن كثيرًا ما تُنسى أصولها.
الهند ليست فقط مصدر إلهام، بل هي جزء مهم من صناعة الموضة، حيث تُصنع الكثير من المنتجات في ورش عمل ومصانع هندية. لكن رغم دور الحرفيين الهنود، تُرسل منتجاتهم أحيانًا إلى أوروبا ليتم تجميعها هناك، فيتم اعتبارها "صُنعت في أوروبا". هذا الأمر يمنع أوروبا الفضل، وتعتبر الهند فقط مكان التصنيع.
عمران أميد، مؤسس مجلة The Business of Fashion، قال إن هذا الأمر مهم في الهند لأن الحرفيين يعتمدون على هذه الأعمال لكسب لقمة العيش، والأمر يتعلق بالعدالة والكرامة. وأضاف أن ردة فعل الناس على برادا لم يكن بسبب الصندل فقط، بل لأنه يعبر عن مشكلة أكبر وهي تجاهل تاريخي للحرفيين الهنود.
أما المصممة شوبهيكا شارما فأشار إلى أنّ صنادل "كولهابوري شابل" هي صنادل تقليدية من مدينة كولهابور في الهند، تصنع من جلد جاموس وتتحمل الحرارة. لها حلقة خاصة تبقيها ثابتة على القدم، و برادا أخطأت بعدم ذكر الحرفيين الهنود، لافتة إلى أنّ حوالي 10 آلاف عائلة في كولهابور تصنع هذه الصنادل، لكنهم يعملون في ظروف صعبة ويكسبون القليل. في الهند، سعر الصنادل بين 5 و100 دولار، لكن صنادل برادا تكلف آلاف الدولارات. وتقول: "المهم هو الاحترام. هل تم احترام الناس الذين صنعوا هذه الصنادل وثقافتهم؟"
النجمات العالميات واحتفاء العلامات العالمية بالأزياء الهنديةتطل الأزياء الهندية ليس فقط مع نجمات بوليوود، بل مع مشاهير غربيين أيضًا. على سبيل المثال، ارتدت كاردي بي فستانًا أزرق من تصميم هندي في حفل الغرامي، وزندايا فستان "ساري" مطرّز يدويًا في مومباي، كما ارتدت كيم كارداشيان تصاميم من مصممين هنود مشهورين.
بعض العلامات الغربية تتعامل بشكل أفضل مع الجمهور الهندي. في 2023، عرضت ديور أزياء في مومباي واحتفت بالفنون الهندية التقليدية. وتعاونت نايكي مع علامة هندية لتصميم ملابس رياضية مستوحاة من تقنيات قديمة، وحظي التعاون بترحيب كبير في الهند.
الهندأزياءتصاميمثقافةموضةنشر الخميس، 07 اغسطس / آب 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: أزياء تصاميم ثقافة موضة فی مومبای فی الهند Getty Images
إقرأ أيضاً: