في عالم يُقاس فيه النجاح بالأرصدة المصرفية والممتلكات، تبرز مفارقة فكرية وروحية عميقة تُعرف بـ«مفارقة التجرّد». هذا المفهوم الذي تتبناه فلسفات شرقية كالرواقية والبوذية، يدعونا للتحرر من التعلق بالماديات دون أن نتخلى عن الطموح. لكن، كيف يمكن لهذا التوازن أن يجد له موطئ قدم في ثقافتنا المالية الحديثة؟
دعونا نتفق بداية أن المال أداة لا غاية، نحتاجه لنعيش بكرامة ونحقق أحلامنا، لكنه يصبح عبئًا حين نربط به قيمتنا الذاتية؛ فالتعلق المفرط بالمال يحوّل السعي المشروع إلى عبودية غير مرئية، حيث نعيش في قلق دائم، ونقارن أنفسنا بالآخرين، ونقيس نجاحنا بكم نملك لا بمن نكون.
مفارقة التجرّد لا تدعونا إلى الزهد بمعناه السلبي أو إلى الاكتفاء بالحد الأدنى، بل تقترح وعيًا مختلفًا تجاه المال، وعيٌ يرى في المال وسيلة لتحقيق الحرية، لا قيدًا نفسيًا جديدًا؛ فالمستقل ماليًا بحق هو من يستطيع أن يعمل ويكسب ويخطط، دون أن ينهار إذا خسر، أو يتكبر إذا ربح.
وفي الإسلام، نجد لهذا المفهوم جذورًا عميقة، فهناك مقولة مروية عن سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجه: «الزهد أن لا يملكك شيء»، وهو ما يختصر روح التجرّد. وكان النبي ﷺ يعمل ويتاجر، ولكنه يعيش ببساطة ويعطي بسخاء، ويقول: «نِعم المال الصالح للرجل الصالح». أما الصحابة، فكانوا مثالًا في الجمع بين الغنى الظاهري والزهد القلبي، كعبدالرحمن بن عوف الذي تصدق بثروته، وأبي بكر الصديق الذي أنفق ماله كله يوم الهجرة.
ممارسة التجرّد المالي تبدأ من الداخل: حين نربط أهدافنا بالقيم لا بالمظاهر، ونوازن بين الطموح والرضا، ونخطط ثم نسلّم، ونتذكر دائمًا أن المال وسيلة لا هوية.
إن مفارقة التجرّد لا تطلب منك أن تتخلى عن المال، بل أن تتخلى عن خوفك منه، وعن تعريفك لذاتك من خلاله؛ فبهذا التحرر، فقط، يصبح المال في يدك.. لا في قلبك.
حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تقارير دولية:خطر هجمات الجيش اليمني محصورة بالشركات والأساطيل المرتبطة بإسرائيل
الثورة/ أحمد المالكي
جددت بيانات الحركة الملاحية في البحر الأحمر خلال شهر يوليو الماضي التأكيد على أن خطر هجمات الجيش اليمني محصور بالشركات والأساطيل المرتبطة بإسرائيل، وأن الشحن غير المرتبط بإسرائيل لا يواجه أي تهديد في المنطقة.
ووفقاً لبيانات نشرتها شركة “لويدز ليست إنتليجنس” البريطانية، نهاية الأسبوع الفائت، ورصدها “يمن إيكو”، فقد تم تسجيل 871 رحلة عبر باب المندب بين 1 و27 يوليو الماضي.
وبرغم أن القوات المسلحة اليمنية أغرقت سفينتين يونانيتين، (ماجيك سيز) و(إتيرنتي سي)، بسبب تعامل مشغليهما مع الموانئ الإسرائيلية، فإن البيانات تشير إلى أن السفن اليونانية من أكثر السفن التي عبرت الممر المائي خلال يوليو بنسبة 18 % ، في المرتبة الثانية بعد السفن الصينية التي مثلت 27 % من حركة العبور.
ووفقاً للبيانات فقد تم تسجيل عبور 165 سفينة يونانية خلال يوليو الفائت، وهو أكثر من الحصيلة المسجلة في شهر مارس الماضي (161 سفينة).
وتشير هذه الأرقام إلى إدراك مشغلي ومالكي السفن اليونانيين حقيقة أن هجمات قوات صنعاء تستهدف فقط سفن الشركات المتعاملة مع الموانئ الإسرائيلية.
هذا أيضاً ما تؤكده أدلة أخرى قالت “لويدز ليست” إنها توصلت إليها والتي “تشير إلى أن العديد من الشركات التي استأنفت عبور باب المندب خلال الأشهر الستة الماضية، بعد تحويل مسارها حول رأس الرجاء الصالح، ما زالت تواصل إرسال السفن عبر البحر الأحمر على الرغم من هجمات السادس والسابع من يوليو”.
وأضافت أنه “علاوة على ذلك، يواصل مالكو ومشغلو السفن الأكبر حجماً استخدام البحر الأحمر بمستويات أعلى مما شهدناه طوال الأزمة”.
وذكرت البيانات أن حركة عبور البحر الأحمر في يوليو، تضمنت 106 شركات شحن كبيرة.
يذكر أن عمليات القوات المسلحة اليمنية ضد السفن المرتبطة بإسرائيل، أدت إلى ارتفاع مبيعات الوقود البحرية في موانئ إفريقيا نتيجة قيام السفن المعرضة للاستهداف بتحويل مسارها حول رأس الرجاء الصالح، لتجنب البحر الأحمر.
وذكر تقرير لوكالة “ستاندرد آند بورز” الدولية، أن “مبيعات الوقود البحري ارتفعت في الموانئ الإفريقية بسبب تحويلات البحر الأحمر”.
ونقلت الوكالة عن مسح أجرته شركة (بلاتس بنكروورلد) أن “عمليات تسليم الوقود في ميناء لويس في (موريشيوس) [بالمحيط الهندي قبالة مدغشقر] قفزت إلى حوالي مليون طن متري في عام 2024 من 500 ألف طن متري في عام 2023”.
وتحتاج السفن التي تبحر حول رأس الرجاء الصالح إلى زيادة كبيرة في الوقود، بما قيمته نحو مليون دولار لكل رحلة، بسبب المسافة الإضافية التي تمتد إلى أكثر من ثلاثة أسابيع، بالمقارنة مع طريق البحر الأحمر المختصر.