لجريدة عمان:
2025-08-14@17:52:02 GMT

النية وأثرها في قبول الأعمال

تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT

النية وأثرها في قبول الأعمال

كتب - ماجد الندابي

عند تأدية العبادات يقف الإنسان على مفترق دقيق بين ظاهر العمل وباطنه، فالظاهر هو ما تراه العيون وتدركه الحواس، أما الباطن فهو النية، تلك البذرة الخفية التي يزرعها الإنسان في قلبه، فتثمر قبولا عند الله عز وجل، فالنية شرط ضروري لقبول الأعمال، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى»، والنية معناها القصد ومحلها القلب، وعندما تحضر هذه النية فإن القلب يكون حاضرا متوجها لله عز وجل في العمل الذي يقوم به، فهي أدعى إلى الإخلاص، لأنها روح العمل، إن صلحت صلح العمل كله، وإن فسدت فسدت ثمرته مهما بدا للناس عظيما.

ولو تأملنا أي عبادة فإن النية هي الباعث والدافع الداخلي الذي يحدد العبادة ويمنحها معناها، فلو أخذنا الصلاة على سبيل المثال فقد يصلي رجلان في صف واحد، يركعان ويسجدان في وقت واحد، لكن بينهما من البعد في الأجر ما بين السماء والأرض، لأن أحدهما أراد وجه الله، والآخر أراد أن يراه الناس مصليا حاضرا معهم في المسجد، فلذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأجل ذلك فإن الله لا ينظر إلى صور الأعمال، بل إلى قلوب العاملين، فكل عمل لا يبدأه المسلم بنية وقصد حاضر في القلب فإن هذا العمل ميت لا روح فيه.

ومن أعظم أسرار النية أنها تحول الأفعال المألوفة إلى عبادات، فالنوم يصبح عبادة إذا كان بنية الاستعانة به على قيام الليل، والأكل يصبح قربة إذا كان بنية حفظ الجسد الذي أمرنا الله بحفظه لعمران الأرض ولخدمة الدين، والابتسامة تصبح صدقة إذا قصد بها إدخال السرور على قلب مسلم، وبهذا المعنى، يمكن للمؤمن أن يعيش حياته كلها في عبادة دائمة إذا أحسن النية.

وإن لم يأت لفظ النية صريحا في القرآن الكريم، فإن المعنى الذي تدور حوله قد تكرر في آيات كثيرة، ترسم للقلب المؤمن طريق الإخلاص وتحذره من أن يلتفت بعمله لغير الله، ففي قوله تعالى: «وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ» ، نلمس جوهر العبودية الخالصة التي لا يداخلها رياء ولا طلب لمحمدة الناس، وفي آية أخرى يبين سبحانه مآل من جعل عمله للدنيا فقال تعالى: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ»، لتكون هذه الكلمات حرسا على القلب من أن يبيع الآخرة بعرض زائل من الحياة الدنيا، وحينما يقول جل شأنه: « فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا»، فإنها دعوة صريحة لقطع كل خيط يربط العمل بنظر الناس، وتوجيه البوصلة إلى الله وحده، بل إن القرآن يقدم لنا صورا حية من صدق النية، كما في وصف الأبرار: «إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا»، حيث إن هذا العمل خالص لوجه الله، فلا ينتظرون من البشر جزاء أو شكرا على أعمالهم، ويؤكد في موضع آخر أن النفقة لا تصير قربة إلا إذا كانت خالصة بقوله: «وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله»، وهكذا نجد أن الخطاب القرآني قد أحاط معنى النية بسياج من التوجيهات والتحذيرات، فجعلها المعيار الخفي الذي توزن به الأعمال، والروح التي تمنحها الحياة والقبول.

والنية الصادقة قادرة على أن ترفع الأجر أضعافا مضاعفة، فقد ينوي المرء عملا صالحا ثم يحال بينه وبين أداء هذا العمل، فيكتب الله له أجره كاملا وفي المقابل قد يعمل الإنسان عملا ظاهرا صالحا، لكن نيته الفاسدة تحبطه، فلا يبقى له منه إلا التعب، والرياء هو السم الذي يتسلل إلى النية فيفسدها، فهو من الشرك الأصغر الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه يجعل العمل لغير الله، فالمؤمن الصادق يراقب قلبه قبل مراقبة جوارحه، ويحرص أن يكون باطنه أنقى من ظاهره، وإن دخل عليه الشيطان ليفسد عليه نيته فعليه أن يستحضر في قلبه الدعاء الذي أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله حينما قال: «الشركُ فيكم أخفى من دبيبِ النملِ، وسأدلُك على شيءٍ إذا فعلتَه أذْهَبَ عنك صَغارُ الشركِ وكبارُه، تقول: اللهمَّ إني أعوذُ بك أنْ أُشرِكَ بك وأنا أعلمُ، وأستغفرُك لما لا أعلمُ»، فهذا الدعاء يكنس ما يشوب القلب من شرك خفي ويجعل النية صادقة لله خالصة له وذلك باستحضار هذا الدعاء.

ولأن النية بهذا القدر من الأهمية لقبول الأعمال عند الله عز وجل، فإن فساد النية هي فساد لإخلاص التوجه للعزيز الحكيم، وهذا أمر خطير، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلّمه وقرأ القرآن، فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلّمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن يُنفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: جواد، فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار» ولو تأملنا هذا الحديث المخيف لعلمنا الأهمية التي عليها النية والتوجه القلبي المخلص لله عز وجل، فهذه العبادات الثلاث التي ذكرها الحديث هي من أعظم العبادات التي يقوم بها المسلم، ولكن لفساد نيتها، ودخول الرياء فيها أصبحت وبالا ونكالا على أصحابها، وقد بذلوا فيها أنفسهم وأرواحهم وأموالهم، ولكن الله لم يتقبلها، بل جعل أصحابها في طليعة من تسعر بهم نار جهنم يوم القيامة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم عز وجل

إقرأ أيضاً:

دولة حزب الله في لبنان التي انتهى زمنها

آخر تحديث: 12 غشت 2025 - 10:01 صبقلم: فاروق يوسف انزعجت إيران من قرار سيادي لبناني. هل كان على الرئيس اللبناني جوزيف عون أن يعرض قرار حصر السلاح بيد الدولة على الولي الفقيه قبل أن يصدره؟ المسألة لبنانية وليست إيرانية. كما أن لبنان دولة ذات سيادة ولا تتمتع إيران بحق الوصاية عليه. من حق دولته أن تفرض القوانين التي تؤكد من خلالها سيادتها على أراضيه. أما إذا كان لإيران رأي آخر فتلك مشكلتها التي يجب ألاّ يدفع لبنان ثمنها. وفي حال اعترفت إيران بأن لها جيشا في لبنان لا يحق للحكومة اللبنانية أن تمسّه فإن المسألة تأخذ حجما آخر يدخل في إطار، سيكون على لبنان باعتباره دولة مستقلة أن يكسره بالطرق التي تناسبه. في مقدمة تلك الطرق العمل على إنهاء ذلك الاحتلال بدءا من نزع السلاح الذي يمثله. كان الأمين العام الأسبق لحزب الله حسن نصرالله يصف نفسه بأنه واحد من جنود الولي الفقيه. بمعنى أنه كان جنديا إيرانيا. يصح ذلك الوصف على كل أفراد الميليشيا التي كان نصرالله يقودها. وبالعودة إلى تصريحات نصرالله فإن إيران كانت (ولا تزال) تمول تلك الميليشيا بالمال والسلاح. الآن بعد أن تغير كل شيء في لبنان صار بإمكان حكومته أن تعيد الأمور إلى سويّتها وبالطرق القانونية. فليس صحيحا على سبيل المثال أن تلاحق العدالة عملاء إسرائيل فيما يُترك عملاء إيران طلقاء، يتجولون بسلاحهم ويهددون أمن وسلامة الشعب اللبناني الذي دفع باهظا ثمن مغامراتهم حين جروه عبر السنتين الماضيتين إلى حرب هي ليست حربه، ضاربين عرض الحائط مصالح لبنان وشعبه.

لم تصل الدولة اللبنانية إلى مرحلة مطاردة أعضاء ميليشيا حزب الله بتهم الخيانة والعمالة والتخابر مع دولة أجنبية. لا أحد في لبنان يتمنى أن تصل الأمور إلى تلك الدرجة الحرجة التي لا تخون الواقع لأن الواقع اللبناني كان دائما ملغوما ولم يكن السلم الأهلي إلا مناسبة لتمرير الكثير من الأخطاء التي أفقدت القانون هيبته. اليوم تسعى الدولة اللبنانية إلى كسر ذلك الخطاب الطائفي القائم على الاستقواء بالسلاح الذي لا يقع تحت سيطرتها. بالنسبة إلى حملة ذلك السلاح فإن ذلك القرار يعني إنهاء دولتهم. ومن الطبيعي أن يكون ما يحدث صعبا عليهم. ذلك ما يجب التعامل معه بحذر. وكما أتوقع فإن زعيم الحزب الحالي نعيم قاسم الذي رفض الاستجابة الفورية لقرار الدولة هو الأكثر دراية بأن دولة حزبه قد انتهى زمنها ومَن يقرأ خطاباته التي لا تزال خاضعة للرقيب الإيراني لا بد أن يكتشف بين سطورها رغبة في التفاهم عند الحدود الدنيا. ذلك ما يُشير إلى بدء مرحلة جديدة.

وللإنصاف فإن موافقة الدولة اللبنانية على الورقة الأميركية لم تكن خضوعا لمطالب إسرائيلية. كانت هناك قرارات دولية، كلها لمصلحة لبنان تضمنتها تلك الورقة. ليس من المقبول أن تكون هناك دولة داخل الدولة. كان حزب الله دولة همشت الدولة اللبنانية. وليس من المقبول أيضا أن يتم استبعاد الجيش اللبناني عن حدود الدولة ليحل محله جيش إيراني بحجة المقاومة. كما أنه لم يكن من حق أيّ جهة أن تسلب الدولة حقها في إعلان الحرب كما حدث غير مرة مع حزب الله الذي تبين في الحرب الأخيرة أن هلاكه ما كان ليحدث لولا أنه خضع لأوامر إيرانية كانت قد احتكمت إلى أخطاء في التقديرات التي سببت سيلا من الكوارث. أخطاء الحزب في حربه الأخيرة هي أخطاء إيرانية. وعلى العموم فقد آن الأوان أن يتخلص لبنان من العبء الإيراني. لتذهب إيران بأخطائها إلى جحيمها. فلكي يستمر لبنان في حياته صار عليه أن يتحرر من إملاءات المقاومة الإيرانية. ما من شيء في بيان الدولة اللبنانية الداعي إلى حصر السلاح بيد الدولة يشير إلى إيران. من حق الدولة اللبنانية أن تبسط سيطرتها على أراضيها. من حقها أن تطلب ممَّن يملكون سلاحا غير مرخص أن يسلموه لها. كما أن من حقها أن تنشر جيشها على حدودها. وعلى الجانب الآخر فقد صار على حزب الله أن يفهم أن زمنه انتهى. زمن الوصاية الإيرانية انتهى. لقد انتهى زمن دولته التي همشت الدولة اللبنانية المعترف بها دوليا. لبنان اليوم ليس جبهة إيرانية. وإذا ما كانت إيران قد انتحرت بالقيادات التاريخية لحزب الله فإن القيادة الحالية للحزب لن تنتحر كما أتوقع من أجل عيني إيران.

مقالات مشابهة

  • أنا في كرب شديد فما الدعاء الذي يبشرني بالفرج القريب؟ .. الإفتاء تجيب
  • الرشق: المواجهة مع الاحتلال أوجب ما يجب العمل عليه عربيًا وإسلاميًا قبل فوات الأوان
  •  محافظ إب يتفقد سير العمل في توسعة ساحة الرسول الأعظم
  • عاجل | الخارجية الأردنية: ندين تصريحات نتنياهو التي قال فيها إنه متعلق بما تسمى رؤية إسرائيل الكبرى
  • هذه هي الدولة التي تريد إسرائيل توطين الفلسطينيين من قطاع غزة فيها
  • ما حكم رد الهدية وعدم قبولها؟.. الإفتاء: يجوز فى هذه الحالات
  • ”قوى“ توثق 4 ملايين عقد وتصدر 8 ملايين رخصة عمل
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (أشجار الجنة التي نعيش فيها)
  • دولة حزب الله في لبنان التي انتهى زمنها