أينَ مراكزُنا الاستراتيجية؟!
تاريخ النشر: 17th, August 2025 GMT
سُلطان اليحيائي
لستُ من أولئك الذين يحملون الشهادات العليا، ولا من المنتسبين إلى الجامعات ومراكز البحوث، لكنّني من أبناء هذا الوطن الذين يُدركون أن الانتماء لا يُقاس بالمؤهّلات، وأنّ البصيرة قد تُبصر ما تعجز عنه الألقاب.
وأبدأ بتساؤلاتٍ تُؤرّقني: هل يُعقَل أن تظلّ بلادٌ بتاريخِ عُمان، وموقعِها، وهويّتِها، بعيدةً عن تأسيس مراكزَ استراتيجية متخصّصة في السياسة، والثقافة، والأمن، والاقتصاد؟!
وهل يُعقَل أن نعيشَ في عالمٍ يتهافت على المعلومة والتحليل، بينما لا نكاد نعرف: أين هي مراكز البحوث؟ من يُعدّ السياسات؟ من يقرأ المتغيّرات ويستشرف المُستقبل؟!
في كثيرٍ من الدول التي سبقتنا، تنتشر مراكزُ الفكر (Think Tanks) كأذرعٍ رديفةٍ لصُنّاع القرار، لا تُنافسهم؛ بل تُضيءُ الطريق في زوايا الظلّ، وتُحسّن جودة الرؤية، وتُقلّل من كُلفة الخطأ.
مراكزٌ.. لا نَسمعُ لها همسًا!
أين مراكز الدراسات الاستراتيجية في عُمان؟ أين بيتُ الفكر الوطنيّ الذي يُحلّل خرائطَ النفوذ في الإقليم؟ من يُقيّم المشهد الاقتصادي بقراءةٍ متجرّدة؟
من يشتغل على مشروع "عُمان الثقافي الحضاري العالمي"؟ من يُعيد تقديم الهُويّة العُمانية للعالم بلغةٍ علميّةٍ رصينة؟!
لا نُنكر وجودًا إن وُجد، ولكن: أين أثره؟ أين صداه؟
لماذا لا يُستند إليه القرار؟ لماذا لا يشتبك مع النقاش العام؟ لماذا لا نلمح له حضورًا في الإعلام أو السياسات؟!
حتى الدراسات الشرعية، والفكرية، والفلسفية، واللغوية.. لِمَ لا تجتمع في كيانٍ مستقلّ، يُحشد فيه الباحثون والمفكّرون، وتُكرَّم فيه الكفاءات، وتُبعث فيه الرسالة العُمانية بأبهى صورها؟!
وممّن يُشاطِرونني الرأي: ألا ترون أنه قد آن الأوان؟ فقد تأخّرنا كثيرًا..
نحتاج إلى مراكز تُعنى بالتحليل لا بالتنميق، بالدراسات لا بالمجاملات.. مراكز لا تُدار بالبيروقراطية، بل تُشغَّل بالعقول.. مراكز لا تُؤسَّس لإرضاء شخصٍ بعينه، بل لإرضاء طموح وطنٍ بأكمله.
في عُمان من الكفاءات ما لو أُفسِح لها المجال، لأضاءت خريطة الفكر في الخليج والعالم العربي.. فلماذا لا يُفتح الباب؟ هل ينقصنا المفكّرون؟ أبدًا! هل تنقصنا المواد؟ لا! ما ينقصنا هو: القرار، والدعم، والتمويل، والإرادة.
إنْ كان ثمّة توجّهٌ فعليٌّ.. فهذا نداءٌ صادق!
إنْ كان هناك توجّهٌ فعليٌّ لإقامة مراكز بحثيّة استراتيجية وطنية، فليكن توجّهًا جادًّا، لا تجميليًّا، ومؤسّسيًا، لا ارتجاليًّا.
والمطلبُ ليس بمعجزٍ؛ بل مناشدةٌ جادّة بأن تُمنَح هذه المراكز ما تستحقّه من مساحةٍ، واستقلالٍ، وتقدير.
والهدف: مراكز تُؤسَّس لتكونَ عقلَ الدولة المُفكِّر، لا أن تُصمَّم لترديد ما يُقال لها!
ولتُنشأ هيئةٌ أو مجلسٌ يُعنى بالمراكز البحثيّة، يتكفّل بالتنسيق مع مجلس الوزراء والجهات المعنية، ويُشرف على التراخيص، ويُسهّل التمكين، ويضبط التمويل، كافلًا النزاهة والاستقلال العلمي.
الجهاتُ المؤهَّلة.. موجودة!
المفاتيح ليست مفقودة، لكن يجب أن تُدار بإرادةٍ واعية:
• وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، بصفتها الحاضن الأوّل للبحث العلمي.
• وزارتا الإعلام و"الثقافة"، لدعم المراكز الفكرية والثقافية.
• الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فيما يخص الشؤون السياسية والاستراتيجية.
• وزارة الاقتصاد، لتحليل المشهد الاقتصادي والتخطيط بعيد المدى.
كلّ هذه الجهات تملك الإمكانات، وتنتظر القرار الذي يُحرّك عجلة الإنشاء لا التنظير، ويُطلق يد الكفاءات، لا يُقيّدها بتقارير شكلية وشروط بلا روح.
عُمان لا تنقصُها العقول.. فلتجد الحاضنةَ لها.
المرحلة القادمة لا تحتمل العشوائية، ولا تكفي فيها النوايا الطيبة، بل تحتاج إلى تفكيرٍ مؤسّسيٍّ عميق، يُواكب التحوّلات، ويصنع القرار لا يتبعُه.
وقد آن أوانُ البناء..
فليباركِ الله في الساعين، وفي المسعى.
﴿وَقُلِ ٱعْمَلُوا۟ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة: 105).
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بن حبتور والنعيمي يدشنان الاستراتيجية الثانية لجامعة الرازي 2025- 2030م
وعلى هامش التدشين، وضع ابن حبتور والنعيمي والجماعي والصعدي في إطار تدشين الاستراتيجية حجر الأساس لمشروعي الحرم الجامعي والمستشفى التعليمي للجامعة بتكلفة 21 مليون دولار، ما يعادل 11 مليارًا و214 مليون ريال.
وفي التدشين اعتبر عضو الدكتور بن حبتور، وضع حجر الأساس لمشروعي الحرم الجامعي والمستشفى التعليمي، مؤشرًا على أن الجامعة جادة في التوسع وتطوير التعليم الأكاديمي.
وعبر عن الارتياح لتدشين الاستراتيجية الثانية التي تحتاج إلى وقت وجهد .. لافتًا إلى أنه يحسب للجامعة تمكنها خلال عشر سنوات من عمرها من تقييم نشاطها التعليمي والأكاديمي وتقديم الأنموذج المشرف.
وأوضح عضو السياسي الأعلى، أن المؤسسة الجامعية إذا لم تجدّد وتطور وظائفها وتضيف الجديد، تخسر موقعها العلمي والأكاديمي والتنافسين، مشيدًا بالأداء المتميز للجامعة حديثة النشأة ولقيادتها التي استطاعت خلال فترة وجيزة أن تقدم أنموذجًا للتنافس الإيجابي والعمل الأكاديمي.
ولفت إلى أن الخطوات الجديدة للجامعة لم تقدم عليها سوى القليل من الجامعات الأهلية وتحديدا ما يتصل بالبنية التحتية.
وقال "المجلس السياسي الأعلى سعيد بهذه الإنجازات التي تحققت للجامعة وغيرها من الجامعات الحكومية والأهلية لأنها تسهم في خدمة المجتمع اليمني وتأهيل شباب الوطن وفي الوقت نفسه تحد من آثار العدوان والحصار على هذا القطاع الحيوي".
وأضاف "نعتز كثيرًا أننا باليمن من بين الأمم القلائل التي وقفت مع القضية الفلسطينية وتحديدًا مع غزة التي تؤرق الضمير الإنساني العالمي وأضحت عنوانًا لتضامن الملايين في العالم والقليل من أشقائهم العرب".
وتابع "شعبنا اليمني يخرج أُسبوعياً بالملايين وفي مختلف الفصول والظروف للتعبير عن تضامنه ووقوفه مع أهله في غزة منسجما مع ذاته ودينه وأخلاقه".
وتطرق الدكتور بن حبتور، إلى استعدادات الشعب اليمني لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبه وآله أفضل الصلاة وأزكى التسليم، مبينًا أن الاحتفاء بهذه المناسبة الأثيرة هو تشريف لأبناء اليمن، الذين حرصوا على مدى قرون ابتهاجهم بمولد النبي الكريم.
وحث الجميع على الاحتفاء بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، معبرًا عن الأمل في أن تخطو الجامعة المزيد من الخطوات التطويرية.
وفي الفعالية بارك وزير التربية والتعليم والبحث العلمي الصعدي، بالخطوة النوعية لجامعة الرازي، في وضع حجر الأساس لمشروعي بناء الحرم الجامعي والمستشفى التعليمي وتدشين الخطة الاستراتيجية الثانية "2025 2030م" التي تتزامن مع الاحتفال بالمولد النبوي.
وأكد الحرص على أن تكون جامعة الرازي، متميزة وتعمل على طريق التطوير في العملية التعليمية والبحث العلمي وتجويد المخرجات وفقاً لمتطلبات واحتياجات سوق العمل، مبيناً أن ما تضمنته الخطة الإستراتيجية للجامعة من مشاريع المبنى والمستشفى والمعامل والإمكانات الكاملة في مرحلتها الثانية، هي مطلب الوزارة للارتقاء بالعملية التعليمية.
وأشار الوزير الصعدي إلى حرص قيادة الوزارة على تعزيز الشراكة مع الجامعات اليمنية للمضي في عملية التصحيح والتحديث وتطوير العملية التعليمية والبحث العلمي ومواكبة التطورات العالمية والإسهام في النهوض بواقع البلد التنموي والاقتصادي.
وفي الفعالية التي حضرها وزير الثقافة والسياحة الدكتور علي اليافعي، ونائب وزير التربية والتعليم والبحث العلمي الدكتور حاتم الدعيس، ورئيسا هيئتي الأراضي الدكتور إبراهيم المنصور والزكاة، الشيخ شمسان أبو نشطان، ووكيل قطاع التعليم العالي الدكتور إبراهيم لقمان، أشار رئيس الجامعة الدكتور خليل الوجيه، إلى تزامن إطلاق حزمة من المشاريع التطويرية للجامعة، مع الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف 1447هـ .
واستعرض الإنجازات التي حققتها الجامعة في إطار خطتها الاستراتيجية الأولى وأبرزها أن الجامعة تأتي ضمن أفضل خمس جامعات على مستوى الجمهورية، والمحافظة على القيم النوعية والتطوير والتعليم المستمر للبرامج والتزامها بالمسؤولية المجتمعية وتحسين القدرة المؤسسية للجامعة بما يتوافق مع معايير الاعتماد الأكاديمي وضمان الجودة.
وأكد أن الجامعة نفذت ما نسبته 87 بالمائة من الخطة الاستراتيجية الأولى، ما جعلها أرضية مشجعة للانتقال للخطة الاستراتيجية الثانية 2025-2030م.
وبين الوجيه أن الإستراتيجية الأولى حملت أرقاماً وإنجازات ومؤشرات، شملت 42 برنامجاً في البكالوريوس، و14 برنامجاً في الماجستير، ووصول عدد الطلبة إلى خمسة آلاف طالب وطالبة ووصل عدد الموظفين إلى 200 موظف، و400 عضو من هيئة التدريس ونشرت نحو 250 بحثاً في مجلات ومواقع عالمية محكمة، وتخريج أكثر من عشرة آلاف طالب وطالبة، والتوسع في البنية التحتية والمعامل والتجهيزات.
فيما استعرض عميد مركز التطوير وضمان الجودة بالجامعة الدكتور تركي القباني، الخطة الإستراتيجية الثانية 2025 -2030م، وأهدافها، وتوجهاتها ومراحلها، ومشاريعها، ومنهجية إعداد الخطة، ومرحلة التحليل الاستراتيجي، ومصادر وأدوات جمع البيانات لتحليل الوضع الراهن.
وأوضح أن الخطة الاستراتيجية الثانية، اشتملت على ثمانية أهداف استراتيجية، و19 مبادرة و86 مشروعًا محدداً تتضمن تفصيلاً للأنشطة اللازمة لإنجازها، و 94 مؤشرًا للأداء تغطي كافة أبعاد الأداء الاستراتيجي للجامعة.
واستمع المشاركون إلى عرض مقدم من مدير وحدة تكنولوجيا المعلومات المهندس أسامة المعاينة، والمعيد بالجامعة محمد جمال، حول المشاريع التي تم تدشينها اليوم على هامش الاستراتيجية، وأهميتها وأهدافها، ومنها إشهار المكتب الاستشاري للأمن السيبراني، وإطلاق موقع التوعية به، وكذا إطلاق روبوت الدردشة الذكية، وتدشين الاستديو التعليمي.
وفي ختام الفعالية التي حضرها قيادات قطاع التعليم العالي، وعدد من رؤساء ومسؤولي الجامعات اليمنية، تم تكريم عضوا السياسي الأعلى الدكتور بن حبتور، والنعيمي، ووزير التربية والتعليم ونائبه، بدروع الجامعة.