الأسبوع:
2025-10-07@23:26:08 GMT

نقل «ثاد» تجارة في القلق أم مواجهة أخيرة؟

تاريخ النشر: 26th, August 2025 GMT

نقل «ثاد» تجارة في القلق أم مواجهة أخيرة؟

في الشرق الأوسط، تظل الشائعات طازجة، سلعة متجددة.. تنتقل من تجار الجملة (قوى المصالح الدولية) إلى قطاع التجزئة (أدوات وظيفية وشبكات تضليل إقليمية).. يتكاثر مروّجوها ومستهلكوها، فتتحول تفاصيل عابرة إلى مكوّن أساسي في صناعة القلق.

سحب الولايات المتحدة منظومة الدفاع الصاروخي «ثاد» من قاعدة «الظفرة» الإماراتية، وإعادة نشرها في قاعدة «نيفاتيم» الإسرائيلية، لم يُعلن رسميًا.

. أخذ طريقه إلى الرأي العام في صورة تسريبات.. الهدف الأعمق يتجاوز تعامل أسواق الشائعات معه كمادة جديدة للترويج.

في إدارة الصراعات الحديثة، تتوارى «النوايا الخبيثة» في فضاء الشبكات الاجتماعية.. تؤدي المطلوب منها وأكثر.. جمهور منطقتنا يسبق الأحداث، يتأثر بالمواجهات قبل وقوعها، دائمًا يرى الحرب قريبة.. تقدير البلاء قبل حدوثه أصبح علامة تجارية رائجة بين قاطني الشرق.

واشنطن وتل أبيب، ومعهما قوى حليفة، على قناعة بأن الأثر النفسي لا يقل أهمية عن الجهد العسكري.. التسريبات أداة استراتيجية متدرجة، تتقاطع فيها غرف العمليات العسكرية مع دهاليز العمليات النفسية.. تتكاتف الرسائل الدبلوماسية، والحسابات الاقتصادية.

الأطراف تحاول تشكيل موقف يوازن المصالح، ويجبر الخصوم والأعداء على الانحناء أمام المعادلة المطلوبة.. تباين التفاصيل حول إعادة نشر «ثاد» يحتم فهم الملابسات، ودراسة الاحتمالات.. تفسير ما يجري ولماذا يجري يصبح من جملة «الضرورات».

للوهلة الأولى، يتفاقم الغموض.. إسرائيل (على حد علمي)، تمتلك أربع بطاريات من المنظومة نفسها، فما حاجتها إلى الخامسة؟ لماذا يجري تداول التفاصيل المقتضبة على هذا النحو؟ أهو استهداف لتقوية الدفاعات، أم تجهيز للإقليم لمزيد من المواجهات؟

دعم الدفاعات الجوية الإسرائيلية يجدد فتح ملف الحرب الشاملة.. الحماية الإضافية لأجواء الاحتلال قد تكون مؤشرًا خطيرًا على احتمالات تصعيد مفتوحة.. شبكات التضليل المأمورة تؤدي دورها في التشتيت، وتعقب تكتيكات الخداع الحالية لا يتوقف.

لا يمكن التعامل مع تسريب «ثاد» كمعلومة عابرة، ولا تجريدها من النوايا السيئة.. تحالف السطو الجغرافي (إسرائيل والولايات المتحدة) قد يوجّه ضربة محتملة إلى إيران أو العراق.. وقد يوسّع العمليات في اليمن.. وضعُ غيرهم في مرمى النيران وارد.

توظيف الأدوات يستهدف إرباك خصوم آخرين؟.. التسريبات أداة تكتيكية واستراتيجية تدفع الأطراف الفاعلة إلى المزيد من التفكير والتحليل؟.. من وجهة نظري، تمثل أداة ضغط وتفاوض في منطقة لا تعرف الاستقرار.. وربما إعلانًا مبطنًا عن انتقال المواجهة الإقليمية إلى مستوى جديد.

منظومة «ثاد» المتطورة تعترض وتدمّر الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى في مرحلتها النهائية.. سواء عند دخولها الغلاف الجوي أو خلال تحليقها على ارتفاعات شاهقة.. تستخدم الطاقة الحركية الهائلة لتدمير الهدف مباشرة، من دون الحاجة إلى رأس متفجر.

الرادار المتطور للمنظومة الدفاعية يتتبع مئات الأهداف في وقت واحد، مدعومًا بوحدة إطلاق متنقلة، وصواريخ اعتراضية، ومركز قيادة وتحكم يعمل بشبكات اتصالات متقدمة.. منذ نشره لأول مرة عام 2008، أصبح «ثاد» جزءًا محوريًا من شبكة الدفاع الجوي للأمريكيين وحلفائهم.

يصعب تجاهل فشل المنظومة في اعتراض صواريخ أطلقتها جماعة الحوثي.. الثغرة التقنية تأكدت بسقوط صواريخ في وقت سابق داخل محيط مطار بن جوريون.. وانكشفت المنظومة تمامًا، كما حدث مع نظام الدفاع الجوي بعيد المدى الإسرائيلي «أرو»، رغم تنامي التهديدات.

تفسير تطورات إعادة نشر المنظومة، عن قصد، يبدو خطوة متقدمة في مسار التحضير العسكري.. لا تقتصر على الحماية الدفاعية لإسرائيل، بل تمتد لتوجيه رسالة صريحة إلى طهران بأن أي اعتداء لن يمر من دون رد محسوب.

عندها، يصبح نقل «ثاد» جزءًا من استراتيجية شاملة للضغط على إيران، تمزج بين قوة الردع المادية وفعل التهديد النفسي.. في وقت تدخل فيه المنطقة سباقًا مفتوحًا نحو تصعيد قد يغيّر موازين القوى.. فالمنظومة لم تعد أداة دفاعية بحتة، بل رسالة رمزية بامتياز.

الولايات المتحدة ملتزمة بحماية مصالح إسرائيل، وتسعى إلى تعزيز قدرتها على مواجهة أي تهديد قبل أن يتحول إلى أزمة مفتوحة.. الحديث عن ضربة «أخيرة ونهائية» ليس روتينًا في المخيلة الإسرائيلية، بل استراتيجية مدروسة لخلق ضغط نفسي على صناع القرار الإيرانيين.

رسائل «ثاد» تستهدف التأثير على صناعة القرار الداخلي في إيران: دفعها إلى التراجع عن سياسات بعينها، أو زرع جو من الترقب النفسي يخيّم على الحسابات الاستراتيجية، ويتيح لإسرائيل إظهار قوة الردع أمام حلفائها الإقليميين والدوليين.

التسريب، وما يرافقه من ضغوط عسكرية ونفسية، يحاول دفع المؤسسات الإيرانية (الحرس الثوري، القيادة السياسية، مجلس الأمن القومي، والمرشد)، إلى مربع الارتباك، بين المحافظين والإصلاحيين.. وتشتيت النقاش بين المواجهة والمساومة والتفاوض.

الصين وروسيا ستقرآن مثل هذه التسريبات باعتبارها جزءًا من لعبة الهيمنة الطويلة.. بكين، التي تعتمد على النفط الإيراني، ستراها محاولة أمريكية- إسرائيلية لتطويق نفوذها الاقتصادي في المنطقة، وربما لجرّها إلى مراجعة حساباتها التجارية.

الصين محترفة في التعامل مع نماذج المساومة تحت الضغط والتهديد.. تدرك أنه في المدى القصير (الأسابيع والأشهر المقبلة) ثمة مساعٍ لخلق مناخ ردع يستهدف دفع إيران (وغيرها)، إلى التفكير مرتين قبل أي خطوة.. أما في المدى المتوسط (السنوات اللاحقة)، فالهدف يتجاوز ذلك.

التصعيد الشامل قد يربك تدفق الطاقة العالمي، وهكذا تفكر الصين.. في تسريبات «ثاد» ما يلزمها بمراجعة حساباتها الاستراتيجية بتأنٍ، مع تعزيز الدعم الاقتصادي لإيران، دون التورط في مواجهة عسكرية مباشرة قد تجرّها إلى صراع لا تريده.

أما الروس فلهم طريقتهم الخاصة في التعامل مع الأمريكان.. بحكم الانتقال من «الاتحاد السوفيتي» إلى رجل المخابرات العتيد فلاديمير بوتين، يرى الوريث المحترف بوضوح ثغرات جدار المعسكر الغربي.. الإعلان المبطن عن منظومة «ثاد» قد يكون علامة على مأزق، لا رمز قوة.

الكبار يعلنون نواياهم حين يريدون اختبار ردود الأفعال أو ممارسة الضغط قبل اتخاذ القرار الأخير.. هكذا تعي دوائر صنع القرار الروسية: واشنطن وتل أبيب لا تبحثان عن الحرب بقدر ما تختبران قدرة إيران على الصمود، وقدرة روسيا والصين على التدخل بأشكال متدرجة.

عين موسكو على حدود «أدوات الإسعاف» الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.. في القراءة الروسية، الموقف يبدو أكثر واقعية في تقدير المخاطر، فتحريك «ثاد» يعني استراتيجية أمريكية- إسرائيلية لفرض توازن ردع جديد، حتى لو كشف هشاشة الغرب أمام أي رد غير متوقع.

«الهشاشة» هنا تعني أن الولايات المتحدة وحلفاءها، رغم امتلاكهم قدرات عسكرية ضخمة ومنظومات متطورة كـ«ثاد»، يعيشون قلقًا عميقًا من أي رد فعل إيراني أو إقليمي قد يباغتهم ويصيب حساباتهم بالخلل.. نحن أمام تحالف لا يثق بقدرته على ضبط السيناريوهات.

المخاوف من احتمالات غير متوقعة (هجمات صاروخية مكثفة، ضربات سيبرانية، أو تحريك ما تبقى من الأذرع في الإقليم)، تهدد بفضح نقاط ضعف التحالف الأمريكي- الإسرائيلي.. القوة موجودة، لكن تحيط بها هواجس من خصوم غير تقليديين.

في اعتقادي، قد تميل موسكو إلى دعم إيران إذا اندلعت مواجهات موسعة.. فعلتها من قبل عبر تعزيز دفاعاتها ضد ضربات سابقة، لكن الانخراط في أي هجوم مباشر قد يفتح جبهات جديدة تمتد من الشرق الأوسط حتى أوكرانيا في وقت واحد.

لا تتعاطى العقلية الإيرانية ببراءة مع مثل هذه التسريبات.. تقرأها غالبًا كتهديد صريح يتجاوز الحدود المألوفة، يستهدف ردود الفعل الإقليمية والدولية معًا. تصريحات حكامها حاضرة ومكررة: «مستعدون للرد بقوة على أي دولة تجرؤ على مدّ يد الدعم لإسرائيل».

الخطاب الإيراني في هذا السياق سيسلك المسار نفسه: الصواريخ الباليستية والمسيرات قادرة على تجاوز أنظمة «ثاد».. تصميم على حماية المصالح وصون المكانة الإقليمية، مع محاولة الموازنة بين رد عسكري محتمل وإدارة ذكية للأزمات السياسية والدبلوماسية.

في الصورة يظهر العراق، العالق جغرافيًا وسياسيًا بين القوى المتنازعة.. يجد نفسه مجددًا أمام المأزق ذاته: كيف يحافظ على حياد هش وهو يحتضن قواعد أمريكية قد تتحول إلى أهداف إيرانية إذا اشتعلت الحرب؟ أي خطأ في الحسابات قد يدفعه إلى مواجهة لم يخترها.

في بغداد يتصاعد القلق من احتمال أن تتحول بعض مناطق البلاد إلى ساحات صراع لم يردها.. أرضه تحولت في السنوات الأخيرة إلى مسرح لتبادل الرسائل بين واشنطن وطهران.. دفع الثمن أمنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، فيما يتجدد الخوف من أن يصبح مرة أخرى رهينة لعبة تفوق قدراته.

قراءة أخرى (لكنها أقل احتمالًا في العراق)، تراهن على بقايا عقل لدى من يعبثون بالأمن والاستقرار الإقليميين.. مفادها أن أرض الخلافة العباسية، بموقعها الجغرافي الحساس، قد تتحول إلى ساحة احتكاك مباشر أو غير مباشر ستنعكس آثاره على أمن الطاقة، التجارة، وحركة اللاجئين.

نحن إذن أمام سيناريوهات رئيسية تفرض نفسها في ضوء هذه المعطيات: الأول، تصعيد محدود يُبقي التحرك الأمريكي- الإسرائيلي في مربع استعراض القوة، يحسّن الموقف التفاوضي مع إيران نوويًا، ويهذّب سلوكها الإقليمي.

سيناريو يبدو مفضلًا في واشنطن، إذ يسمح لها بزيادة الضغط دون السقوط في مستنقع حرب جديدة في المنطقة. الثاني، ضربة أخيرة مركّزة، تستهدف بها إسرائيل (وربما الولايات المتحدة)، ما تبقى من مواقع السيادة النووية والعسكرية والأمنية، مع نهاية مفتوحة.

أما الثالث فهو الأخطر: مواجهة شاملة قد تبدأ بضربة وقائية واسعة، وتنتهي بتفجير المنطقة كلها.. معضلة مركّبة تشمل تضرر أسواق الطاقة، واضطراب استقرار الحدود، وارتباك التحالفات.. ومع تورط قوى إضافية لحماية مصالحها ونفوذها، يصبح السيناريو الأخير الأكثر رعبًا.

الشرارة قد لا تأتي من قرار متعمد، بل من خطأ في الحسابات، أو رد فعل غير محسوب، أو حتى سوء تقدير في لحظة انفعال.. عندها يصبح الشرق الأوسط أشبه ببرميل بارود، يعيش تحت إيقاع حرب مؤجلة، قد لا تندلع غدًا، لكنها باتت جزءًا من الحسابات اليومية لكل الأطراف.

هذه المعطيات لا تغيب عن مخططي العمليات: أي مواجهة شاملة ستقفز بأسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة، وتربك سلاسل الإمداد العالمية التي لم تتعافَ بعد من صدمات متلاحقة (جائحة كورونا وحرب أوكرانيا).. ستكون حافة هاوية للجميع على مسرح الشرق الأوسط.

التسريب المتعلق بتحريك منظومة «ثاد» يكشف هشاشة التوازنات أكثر مما يثبت صلابة التحالفات.. الغرب لا يريد حربًا لكنه يلوّح بها، إيران لا ترغب في عزلة لكنها تقترب منها، والصين وروسيا لا تريدان التصعيد لكنهما تستعدان لاستثماره.

نحن أمام مفارقة لافتة: كل طرف يلوّح بالقوة لتجنّب الحرب، لكن الجميع يقتربون منها.. الولايات المتحدة تضغط لـ«تحييد» إيران، وإسرائيل تلوّح بالضربة لـ«ردعها».. واشنطن وتل أبيب تسعيان إلى تكريس وضع جديد يجعل إسرائيل أكثر قوة وأمانًا، ويضاعف القيود الصلبة أمام إيران.

المشهد يشكّل امتحانًا فعليًا لكل من يتقاطع معه أو يراقبه عن قرب.. تتبارى فيه قدرات المناورة، الردع، وإدارة الصراعات المتشابكة.. كل مغامر سيخشى الخسارة، فتحريك الجيوش يحرك الأسواق وقد يربكها، وكما تتهيأ العواصم، تتحسب الشركات الكبرى للتهديدات.

كل السيناريوهات ستكون اختبارًا للسياسة الأمريكية التي تراهن على الضغط النفسي والدبلوماسي قبل العسكري، وامتحانًا لروسيا التي تريد تأكيد أن الشرق الأوسط ما زال في قبضتها، ومقياسًا للصين التي تسعى إلى صون تدفق الطاقة من دون انزلاق إلى مواجهات باهظة الكلفة.

في هذا الامتحان المفتوح، يبدو الشرق الأوسط على أعتاب فصل جديد من تاريخه، تتقاطع فيه الصواريخ والتصريحات، الأسواق والتحالفات، والنفط بالدم.. واللاعبون يدركون أن الخطأ هذه المرة قد لا يبقى داخل الحدود، بل قد يمتد أثره إلى العالم بأسره.

اقرأ أيضاًالبيت الأبيض: أمريكا تبحث مقترح وقف إطلاق النار الذي وافقت عليه حماس

مندوبة أمريكا بمجلس الأمن: يمكن وقف حرب غزة في هذه الحالة

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: إسرائيل الولايات المتحدة ثاد منظومة الدفاع الصاروخي ثاد قاعدة نيفاتيم الإسرائيلية المؤسسات الإيرانية الولایات المتحدة الشرق الأوسط فی وقت

إقرأ أيضاً:

هل أصبحت باكستان ضامن الأمن الجديد في الشرق الأوسط ؟

منة جيفري ليندمولدر

ترجمة - أحمد شافعي

كانت هجمة إسرائيل على الدوحة في التاسع من ديسمبر بادرة تغير في حرب إسرائيل وغزة، مفاده أن شركاء الولايات المتحدة أنفسهم ليسوا آمنين من أجندة إسرائيل المتنامية. وفي حين كانت الولايات المتحدة تواجه علامات استفهام تتعلق بمصداقيتها في المنطقة، كانت باكستان تتفاوض على ضمانات أمنية جديدة مع المملكة العربية السعودية لضمان وجود فاعلين آخرين مشاركين في الدفاع عن أمن دول الخليج.

طالما قامت بين باكستان والمملكة العربية السعودية علاقات وثيقة، لكنهما لم تتفقا قط على معاهدة دفاع أمني رسمي حتى الآن. ولباكستان تاريخ طويل في إرسال القوات إلى المملكة العربية السعودية من أجل التدريب والقتال، وأبرز حالات ذلك ما كان في عام 1979 خلال حصار مكة. ولإسلام أباد تجارب في نشر قواتها خارج حدودها بما يجعلها خيارا برجماتيا لمثل هذا الدور الإقليمي.

وبطبيعة الحال، ما كان يمكن أن تقوم قائمة لاتفاقية بهذا الحجم دونما موافقة ضمنية من إدارة ترامب. وفي ظل اتباع الولايات المتحدة لأجندة «أمريكا أولا»، فإن موقفها الراهن يظهر عدم اهتمامها بالبقاء حارسا في المنطقة، وبخاصة في ضوء دعمها القوي لمشروع إسرائيل التوسعي.

لقد تلقى رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ورئيس أركان الجيش المشير عاصم منير دعوة إلى البيت الأبيض للاحتفال بتعاونهما مع الولايات المتحدة، بما يشير إلى دفء في العلاقات يتجاوز ما كان قائما من قبل. وبالنسبة لباكستان، فإن هذا التحول في الأحداث يجعل باكستان في موضع طالما أرادته، وهو موضع الشريك المتداخل في العالم الإسلامي، والقوة العسكرية المنافسة للهند، والمستفيد من حسن النية والأسلحة الأمريكية من خلال المملكة العربية السعودية.

فضلا عن ذلك، توسِّع باكستان والولايات المتحدة شراكتهما في التنقيب عن المعادن المهمة. فقد شحنت باكستان الدفعة الأولى من المعادن الأرضية النادرة المخصبة إلى الولايات المتحدة في الثاني من أكتوبر، وتلك بداية مذكرة تفاهم طويلة المدى تبلغ قيمتها التجارية خمسمائة مليون دولار. كما أن إسلام أباد ترجو أن تستثمر واشنطن في ميناء جديد يقام في بانسي بولاية جوادار من شأنه أن ييسر على الولايات المتحدة الوصول إلى المعادن المهمة اللازمة لبقائها قادرة على التنافس في صناعة أشباه الموصلات.

بعد ولاية الرئيس ترامب الأولى بقيت باكستان تنتظر توثيق علاقتها بالولايات المتحدة. وخلال هذه الفترة، اتجهت إسلام أباد إلى بكين طلبا للاستثمار، والفرص الاقتصادية، والشراكة بعيدة المدى التي أدت إلى مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان وتطوير البنية الأساسية.

وفي حين أن البلدين يبقيان شريكين استراتيجيين، فإن الصين لا تستطيع القيام بالمزيد من المبادرات الدبلوماسية والاقتصادية، لكنها تستفيد استفادة عظيمة من تنويع شركائها لخياراتهم الأمنية بعيدا عن الاعتماد المنفرد على الولايات المتحدة. ولقد وفرت المملكة العربية السعودية الدعم الاقتصادي لباكستان منذ عقود، وبخاصة بعد أن أنهت اختبار أسلحتها النووية لتعويض أي عقوبات. وتبدو آفاق باكستان الاقتصادية الراهنة مقبضة، وبخاصة بعد الفيضانات الكارثية التي وقعت هذا العام، ومن ثم فإن إسلام أباد في أمسّ الاحتياج إلى حليف يساعد في الخروج من هذه الأزمة الاقتصادية.

إضافة إلى ذلك، لم ترسل الصين قط قوات خارج حدودها ومن ثم فهي لا تستطيع أن تقوم بدور الضامن الإقليمي للأمن على الطريقة التي تستطيعها باكستان. وبعد الهجمة الإسرائيلية على الدوحة، بقي على دول الخليج العربية أن تجد شريكا استراتيجيا يكون مشاركا في المنطقة. ولقد تحرك مجلس التعاون الخليجي بشكل مشترك في الماضي من أجل توفير الأمن لأعضائه، ولكن ذلك التحرك ظل في حدود إنفاذ القانون والتمركز الدفاعي، مثلما حدث خلال أحداث الربيع العربي. ومن أجل مواجهة قوة مثل إسرائيل، سوف تحتاج الدول العربية إلى شريك لديه قدر أكبر كثير من القوة والخبرة في المجال العسكري.

على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بذل الوفد الباكستاني جهودا كبيرة للحفاظ على وضعه المتميز بعد الحرب مع الهند في مايو. وقد خرجت باكستان من هذا الصراع سالمة نسبيا، بعد أن أظهرت كلا من قوتها العسكرية وقوتها الدبلوماسية. والتقى رئيس الوزراء الباكستاني شريف بالأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني بعد هجمة التاسع من سبتمبر وأكد أن العالم الإسلامي لا بد أن يتوحد من أجل «مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية» مشيرا إلى رغبة إسلام أباد في أن تكون لاعبا على المسرح الدولي، وبخاصة في ما يتعلق بالدفاع عن غزة.

وفي حين أن تفاصيل هذه المعاهدة الباكستانية السعودية لا تزال غير واضحة، فالمؤكد هو أن باكستان تقوم بخطوات دبلوماسية لإظهار أن وضعها غير الانحيازي يمكن أن يكون مفيدا لا للولايات المتحدة وحدها وإنما لفاعلين إقليميين أيضا. وباكستان تعمل منذ بعض الوقت على تقوية علاقاتها ببنجلاديش وسريلانكا أيضا، بما يشير إلى رغبة في طرق الحديد بينما هو ساخن بعد رفض الهند القاطع لوقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في مايو.

وفي حين أن المشكلات الاقتصادية والمالية قد تظل تعتري باكستان، فإن جهودها الدبلوماسية تشير إلى أن البلد قد يكون في موضع يؤهلها لدور جديد في العلاقة بين الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وفي حين يظل على إسلام باد أن تتحلى بالحذر لكي تبقى في مجال التنعم بمكانتها لدى إدارة ترامب وهي تخوض مجال الاتفاقات الثنائية والتعددية، فإن تنويعها في شركائها الاقتصاديين بعيدا عن شراكتها الأساسية مع الولايات المتحدة سوف يكون أمرا ذا نفع كبير لها.

منة جيفري ليندمولدر مديرة البرامج في معهد القانون الدولي وحقوق الإنسان. سبق لها العمل في معهد نيو لاينز، حيث ركزت أبحاثها على العلاقات بين جنوب آسيا والخليج العربي، والأيديولوجية الإرهابية، والأمن القومي الأمريكي.

عن ذي ناشونال إنتريست

مقالات مشابهة

  • حارس جيبوتي: محمد الشناوي في قمة تألقه ومن الصعب التسجيل في شباكه
  • ترامب يعبر عن تفاؤله بشأن التوصل إلى اتفاق حول غزة
  • هل أصبحت باكستان ضامن الأمن الجديد في الشرق الأوسط ؟
  • رينارد يحسم خياراته الدفاعية قبل مواجهة الحسم أمام إندونيسيا
  • ترتيب مجموعة مصر قبل مواجهة جيبوتي في تصفيات كأس العالم
  • أبوظبي تستعرض مقوماتها الاستثمارية في لندن
  • محطات حاسمة تنتظر الزمالك في أكتوبر بين استعادة التوازن المحلي والتحدي الإفريقي
  • موعد عودة نجم ريال مدريد بعد الإصابة أمام مارسيليا
  • ما لا تعرفه عن منتخب جيبوتي قبل مواجهة مصر
  • تقارير: ريال مدريد يستعيد ثنائي الجبهة اليمنى قبل مواجهة الكلاسيكو