ماذا استفاد بوتين اقتصاديا من زيارته للصين؟
تاريخ النشر: 6th, September 2025 GMT
موسكو – رغم أن الطابع السياسي غلّف زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة إلى بكين ومباحثاته مع نظيره الصيني شي جين بينغ، فإن الجانب الاقتصادي كان حاضرا بقوة في الجلسات غير الرسمية بين الزعيمين.
فقد خُصصت مساحة واسعة لقضايا التجارة والطاقة والاستثمار والنقل، في ظل إدراك الطرفين أن الاقتصاد أصبح محورا أساسيا للعلاقات الثنائية.
ويعود الاهتمام بهذا البعد إلى أن حجم التبادل التجاري بين موسكو وبكين بلغ ذروته التاريخية عام 2024، لكنه شهد تراجعا خلال العام الحالي، ما جعل البحث عن آليات جديدة لتعزيز التبادل أمرا ملحا بالنسبة إلى الجانبين.
العقوبات الغربية وظلالهازيارة بوتين حملت أيضا بعدا اقتصاديا واضحا يرتبط بتداعيات العقوبات الغربية على موسكو، فالغرب جمد نحو 300 مليار دولار من احتياطيات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية، وفصل البنوك الروسية عن نظام التحويلات المالية العالمي (سويفت)، وفرض قيودا على التقنيات الغربية.
وفي هذا السياق، بدت الصين بمثابة "طوق النجاة" الذي مكّن الاقتصاد الروسي من الاستمرار في تمويل متطلبات الحرب في أوكرانيا.
وتزداد أهمية هذا الدور مع اتهامات غربية لعدد من الشركات الصينية المرتبطة بالحكومة بأنها تزود روسيا بمعادن إستراتيجية مثل الغاليوم والغرمانيوم والأنتيمون، وهي ضرورية في صناعات حساسة كالمسيّرات والصواريخ.
وتبرز هذه المزاعم في لحظة يسعى فيها الكرملين لتعويض خسائره من القيود الغربية عبر شراكات بديلة.
أرقام وتحديات التجارةويرى الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون أن الهدف الأبرز من زيارة بوتين كان معالجة التحديات التي تواجه تكامل الاقتصادين الروسي والصيني في ظل العقوبات.
ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ عام 2025 نحو 235 مليار دولار، لكنه تراجع خلال الأشهر السبعة الأولى بنسبة 8% مقارنة بالعام الماضي.
إعلانويعزو هذا التراجع إلى عدة عوامل، من بينها انخفاض أسعار الطاقة عالميا بنسبة تراوحت بين 10% و15%، إضافة إلى ارتفاع قيمة الروبل مقابل اليوان بنحو 17%، وبالمقارنة مع الدولار بنسبة 21%.
ورغم هذه العقبات، يؤكد لاشون أن التعامل بالعملات الوطنية بين البلدين وصل إلى أكثر من 90% من المبادلات، وهو تطور نوعي يحدّ من أثر العقوبات الغربية.
آفاق النمو واستعادة الزخمويضيف لاشون أن اللقاءات التي أجراها بوتين في بكين قد تمنح العلاقات التجارية دفعة جديدة، مشيرا إلى أن حجم التبادل قد يعود إلى مسار النمو بحلول نهاية العام الحالي، إذا استعاد قطاعا التصدير والاستيراد نشاطهما، وأعيد تقييم أسعار الصرف بين الروبل من جهة والدولار واليوان من جهة أخرى.
هذه التوقعات تكتسب أهمية خاصة بالنسبة للصين، التي تعاني بدورها من ضغوط الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وتراجع تبادلاتها مع واشنطن. وهنا يبدو تقارب موسكو وبكين بمثابة تعويض إستراتيجي لكلا الطرفين.
مصالح متبادلة في عالم متغيريوضح الخبير الاقتصادي فياتشيسلاف بريكودين أن الحروب التجارية الأميركية الصينية دفعت بكين إلى البحث عن أسواق بديلة، على رأسها روسيا، إلى جانب دول البريكس والهند وأفريقيا.
ويشير في تصريحاته للجزيرة نت إلى أن النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة خفض حجم التبادل بينهما إلى أدنى مستوى خلال 19 عاما، إذ تراجعت الواردات الأميركية من الصين بنحو 36%.
هذا الانخفاض زاد من أهمية روسيا كسوق واعدة للمنتجات الصينية، بينما استفادت موسكو من كون بكين أكبر مشترٍ للطاقة الروسية في ظل مقاطعة غربية متصاعدة.
وهكذا تحولت الصين إلى شريان حياة أساسي للاقتصاد الروسي، ليس فقط عبر شراء النفط والغاز، بل أيضا عبر توريد المعدات والتقنيات الحيوية التي لم تعد متاحة من الغرب.
اتفاقيات ورسائل ختاميةوخلال زيارة بوتين لبكين، وُقعت اتفاقيات لتوريد الغاز بكميات تقارب ما كانت روسيا تصدره إلى أوروبا في السابق، في إشارة واضحة إلى إعادة توجيه مسارات الطاقة نحو الشرق.
وبذلك، يكتسب الخطاب الروسي بأن "موسكو ليست معزولة" بعدا عمليا، في حين يرى محللون أن الغرب هو الذي قد يجد نفسه معزولا إذا استمرت المواجهة الاقتصادية على هذا النحو.
ويخلص بريكودين إلى أن روسيا، من خلال شراكتها مع الصين وفي ظل العالم الجديد متعدد الأقطاب، لم تعد مجرد طرف يسعى لتجاوز العقوبات، بل دولة تبحث عن صياغة مصالحها الخاصة بفاعلية أكبر مما كان قبل الحرب في أوكرانيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات حجم التبادل إلى أن
إقرأ أيضاً:
فيديو - روسيا تدعو إلى رفع العقوبات عن أفغانستان وتحذّر من أي وجود عسكري أجنبي في المنطقة
أكد الوزير الروسي رفض بلاده القاطع لأي وجود عسكري أجنبي في أفغانستان أو في الدول المجاورة لها "تحت أي ذريعة كانت"، محذرًا من أن "القوى الخارجية قد تتسبب في زعزعة استقرار المنطقة وخلق بؤر توتر جديدة". اعلان
دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الدول الغربية إلى تغيير نهجها تجاه أفغانستان ورفع العقوبات المفروضة عليها، معتبرًا أن السياسات الغربية الحالية تساهم في تفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في البلاد.
وقال لافروف خلال افتتاح الجولة السابعة من محادثات "صيغة موسكو" بشأن أفغانستان، إن "النهج العدائي الذي تتبعه الدول الغربية ما يزال يخلق مشكلات خطيرة في أفغانستان"، مضيفًا أن الغرب "يواصل احتجاز الأصول المالية السيادية للأفغان وفرض القيود على القطاع المصرفي"، داعيًا إلى "تصحيح هذا المسار التصادمي وإعادة ما تم الاستيلاء عليه وتحمل مسؤولية إعادة إعمار أفغانستان بعد الصراع وتعويض الأضرار التي لحقت بها خلال العقد الماضي".
Related اجتماع ثلاثي في كابول بين الصين وباكستان وأفغانستان.. رسائل جيوسياسية في مواجهة النفوذ الأميركي؟ترامب يتوعد أفغانستان: أمور سيئة ستحدث إذا لم تُعد قاعدة باغرام الجوية للولايات المتحدةبعد وساطة قطرية.. طالبان تعلن إفراجها عن زوجين بريطانيين كانا محتجزين في أفغانستان رفض الوجود العسكري الأجنبيأكد الوزير الروسي رفض بلاده القاطع لأي وجود عسكري أجنبي في أفغانستان أو في الدول المجاورة لها "تحت أي ذريعة كانت"، محذرًا من أن "القوى الخارجية قد تتسبب في زعزعة استقرار المنطقة وخلق بؤر توتر جديدة".
أزمة إنسانية حادةتطرق لافروف إلى الوضع الإنساني المتدهور في البلاد، مشيرًا إلى أن أكثر من نصف سكان أفغانستان - أي نحو 22 مليونًا من أصل 39 مليون نسمة - يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، في حين يفتقر 21 مليون شخص إلى مياه الشرب النظيفة والخدمات الصحية الأساسية.
ودعا الوزير الروسي "المانحين الدوليين إلى عدم تسييس المساعدات الإنسانية وعدم ربطها بشروط سياسية"، مؤكدًا أن موسكو "ستواصل تقديم الدعم الإنساني إلى إمارة أفغانستان الإسلامية وستعمل على زيادته".
إشادة بجهود مكافحة المخدراتوفي سياق آخر، أشاد لافروف بما وصفه بـ"النتائج الملموسة" في مجال مكافحة زراعة المخدرات، مشيرًا إلى بيانات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة التي تفيد بأن زراعة وإنتاج الخشخاش في أفغانستان انخفضا بنسبة 90% منذ عام 2022، واصفًا ذلك بـ"الإنجاز الممتاز".
حضور إقليمي واسع واعتراف روسي بالسلطة الأفغانيةيشارك في اجتماع "صيغة موسكو" ممثلون عن الهند، إيران، الصين، باكستان، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان وأوزبكستان، في حين تشارك حركة طالبان هذا العام للمرة الأولى بصفة رسمية عبر وزير خارجيتها أمير خان متقي.
ويأتي الاجتماع بعد أشهر من إعلان روسيا اعترافها رسميًا بحكومة طالبان، لتصبح أول دولة تقدم على هذه الخطوة منذ سيطرة الحركة على السلطة في كابل عام 2021، وذلك عقب شطبها من قائمة المنظمات المحظورة في موسكو.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة