لقد شهد الاقتصاد المصري خلال العقد الأخير سلسلة من الإجراءات التي عُرفت ببرامج "الإصلاح الاقتصادي"، إلا أن نتائجها على المستويين الكلي والجزئي كشفت عن فجوة كبيرة بين ما رُوِّج له وبين الواقع الفعلي. فقد اعتمدت هذه البرامج بشكل أساسي على أدوات السياسة النقدية (كتحرير سعر الصرف) والسياسة المالية (كالجباية الضريبية)، في حين جرى تجاهل ركيزة محورية أثبتت التجارب الدولية فعاليتها في إعادة توجيه الاقتصادات نحو النمو، وهي السياسة الجمركية.

 
أولاً: مكامن الضعف البنيوي في الاقتصاد المصري 
1. اعتماد مفرط على الاستيراد: تتجاوز الواردات المصرية 90% من الاحتياجات الصناعية والاستهلاكية، وهو ما يجعل الاقتصاد هشّاً أمام الصدمات العالمية.
2. تعويم غير مدعوم بالإنتاج: تحرير سعر الصرف في اقتصاد يفتقر لقاعدة إنتاجية وتكنولوجية قوية أدى إلى تضخم متسارع وتآكل القوة الشرائية، من دون أن يقابله تحسن ملموس في الصادرات.
فكيف يتسنى لدوله تخفيض عملتها إلا إذا كانت صادراتها أكثر من وارداتها حتى صادراتها منخفضة المكون التكنولوجي !! كيف لحكومه أن تقرر التعويم في أكبر دوله في العالم مصدره للدولار  نعم تجمع إيراداتها الدولاريه لتعيد تصديرها  حيث فاتورة وارداتها مثقله باستيراد الأجزاء والمكونات والمنتجات المفككه تفكيكا كاملا لتعيد تصديرها بالمخالفه لشرط اكتساب صفة المنشأ وهي نسبة 40% مدخلات محليه على الأقل لكي تؤتي ثمارها من التصدير لا من الصناعه الوهميه !!  وكيف لحكومه تشجع التصنيع المحلي أن تجمع التصنيع والتجميع في بوتقه واحدة من حيث المحفزات والإعفاءات الضريبيه والجمركيه ؟!وكيف لحكومه التوسع في المناطق الحره التي تخسر مصر سنويا مليار دولار؟! فأصبحت باب خلفي للاتجار والتهريب ولم تحقق نسبة ال 80% تصدير وهي شرط لتحقيق ارباحها وإلا كيف تربح وهي تصدر 15% فقط وكيف توفر مرتبات عمالها ؟! وكيف تنقل التكنولوجيا التي من أهم أسباب إنشائها وهي تستورد جميع معداتها وخطوط إنتاجها ؟!
3. غياب التكامل بين السياسات: اقتصرت الحكومة على السياسات النقدية والمالية، بينما أهملت السياسات الصناعية والجمركية، ما أدى إلى انفصال أدوات الإدارة الاقتصادية عن أهداف التنمية.. 
4 . تراجع دور الجمارك: رغم أن الجمارك المصرية تُطبق أكثر من 80 قانوناً يرتبط بالصناعة ، الاستثمار، الزراعة، التجارة، الصحة، والأمن القومي، إلا أن ضعف البنية المؤسسية والموارد البشرية جعلها عاجزة عن أداء دورها الفعال
بل تم تهميش دورها بتأجير المواني لشركات أجنبيه في ظل وجود منظومه جمركيه مهترئه مفرغه من كوادرها لاتملك حتي تعيين موظفيها في الوقت الذي يوجد فيه موظفون جمارك  
برتبة مسئول أمن قومي ينتمي لهيئة أمن قومي تملك جميع وسائل حماية اقتصادها وأمنها الاقتصادي في وقت  تحولت فيه الحروب العسكريه إلى حروب رسوم جمركيه يمتلكون كل الإمكانيات الفائقه لتسيير مهام عملهم الخطير كحراس حدود وقضاة مال فهم يمتلكون  طيارات مسيره واجهزة المسح الذكي كما في أمريكا فتقاريرهم الاقتصاديه وسياساتهم الجمركيه التي يضعونها  بأنفسهم يتابعها الرئيس مباشرة يوما بيوم  ليس من خلال وزاره فتتشتت الجهود وتضيع المسئوليات فيصعب المساءله وصولا الى الفساد المزمن
الجمارك في العالم المتقدم أداة للنهضة والأمن القومي :
الولايات المتحدة: تعاملت مع الرسوم الجمركية كأداة استراتيجية للأمن القومي والقدرة التنافسية، وبرز ذلك بوضوح في سياساتها تجاه الصلب والألومنيوم في مواجهة الصين والاتحاد الأوروبي. وحرب الرسوم الجمركيه التي أطلقها ترامب لفتح المصانع المغلقه واستيعاب البطاله 
الاتحاد الأوروبي: وضع سياسة جمركية موحدة لحماية السوق الداخلية من الإغراق السلعي والمنافسة غير العادلة. 
التجارب الآسيوية: استخدمت اليابان وكوريا الجنوبية والصين التعريفة الجمركية بشكل انتقائي لحماية الصناعات الناشئة، مع فتح المجال أمام التكنولوجيا ووسائل الإنتاج المتقدمة.
في جميع هذه الحالات، لم تُترك الجمارك كأداة تحصيل إيرادات، بل جُعلت أداة سيادية توجه هيكل الاقتصاد، وتربط بين التجارة الخارجية والسياسات الصناعية. 
الدرس التاريخي المصري :
في مطلع القرن التاسع عشر، أدرك محمد علي باشا أن السياسة الجمركية هي رافعة أساسية للنهضة. فكان يتابع بنفسه عمل "ديوان الجمارك" في الإسكندرية وبورسعيد، ويستخدم الرسوم الجمركية لتعزيز صناعات محددة ووقف استيراد منتجات منافسة. النتيجة كانت بناء قاعدة صناعية وزراعية وتجارية وضعت مصر في قلب حركة التجارة العالمية حينها
مصر لاتحتاج إلى نصائح خارجيه للإصلاح الاقتصادي سواء من صندوق النقد أو من شركات استشاريه
بل تحتاج فقط إلى إعادة الاعتبار للجمارك كجهاز سيادي ينبغي أن يكون له استقلالية مؤسسية ووضعية خاصة، بحيث ترتبط مباشرة بصانع القرار الأعلى، لا باعتبارها إدارة إيرادية تابعه لوزارة الماليه
مع التكامل بين السياسات الاقتصادية بحيث تصبح السياسة الجمركية جزءاً من حزمة متناسقة تضم السياسة النقدية والمالية والصناعية. 
خلاصة القول إن الإصلاح الاقتصادي لا يُختزل في تحرير أسعار الصرف أو زيادة الضرائب، بل يتطلب رؤية متكاملة تُعيد صياغة هيكل الاقتصاد. وتجارب العالم المتقدم تؤكد أن الجمارك ليست مجرد منفذ حدودي، بل أداة سيادية عليا لحماية الأمن القومي، وتوجيه الاستثمار، وبناء قاعدة إنتاجية مستدامة.
إن إعادة الاعتبار للجمارك في مصر ليس ترفاً مؤسسياً، بل ضرورة إستراتيجية للخروج من الحلقة المفرغة بين الاستيراد المفرط والتضخم والجباية، ووضع الاقتصاد على مسار التنمية الحقيقية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الاقتصاد المصري العقد الأخير الإصلاح الاقتصادى والسياسة المالية السیاسة الجمرکیة

إقرأ أيضاً:

الأردن يتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد لاستكمال المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي

توصلت الحكومة الأردنية إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، في ختام زيارة بعثة الصندوق إلى عمّان، بشأن المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من تسهيل الصندوق الممدد (EFF)، والمراجعة الأولى في إطار تسهيل الصلابة والاستدامة (RSF).


الزيارة، التي أجراها فريق من خبراء الصندوق برئاسة سيزار سيرا خلال الفترة من 28 سبتمبر حتى 9 أكتوبر الجاري، جاءت ضمن إطار متابعة تنفيذ الأردن لبرنامجه الإصلاحي الذي وافق عليه المجلس التنفيذي للصندوق في يناير 2024، كما شملت المراجعة الأولى لتدابير الإصلاح ضمن تسهيل الصلابة والاستدامة الذي تمت الموافقة عليه في يونيو الماضي. 


وأكد سيرا، في بيان اليوم الثلاثاء، أن أداء البرنامج الأردني ما زال يُظهر نتائج قوية رغم التحديات الإقليمية والضبابية الاقتصادية العالمية، مشيرا إلى أن الأردن أنجز جميع معايير الأداء الكمي والمعايير الهيكلية تقريباً، مما يؤكد سير البرنامج بثبات نحو تحقيق أهدافه.


وأوضح أن استكمال المراجعة الرابعة سيوفر للأردن نحو 97.7 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (ما يعادل 130 مليون دولار أمريكي)، من إجمالي 926 مليون وحدة تمت الموافقة عليها سابقاً (نحو 1.2 مليار دولار)، كما سيتيح استكمال المراجعة الأولى ضمن تسهيل الصلابة والاستدامة 79 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 114 مليون دولار)، من أصل 514 مليون وحدة تمت الموافقة عليها في يونيو 2025.


وأشار البيان إلى أن الاقتصاد الأردني يواصل إظهار مرونة واضحة، مدعوماً بسياسات مالية ونقدية متوازنة ودعم دولي مستمر، حيث تسارع معدل النمو إلى 2.7% في النصف الأول من عام 2025 بفضل توسع النشاط الاقتصادي، كما يسير أداء المالية العامة في الاتجاه الصحيح لتحقيق أهداف الموازنة، مدعوماً بجهود تعزيز الإيرادات وتوسيع القاعدة الضريبية.


وتوقع الصندوق تراجع عجز الحساب الجاري إلى نحو 5 % من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة ارتفاع عائدات السياحة والصادرات، واستقرار معدلات التضخم حول 2% بفضل سياسات البنك المركزي الأردني وثبات سعر صرف الدينار أمام الدولار، مع احتياطيات أجنبية قوية.


وأكد البيان أن القطاع المصرفي الأردني لا يزال سليماً ويتمتع بسيولة وهوامش رأسمالية قوية، مشيراً إلى أن النمو الاقتصادي مرشح للتسارع في السنوات المقبلة ليتجاوز 3% ، مدعوماً بمشروعات استثمارية كبرى، أبرزها مشروع الناقل الوطني للمياه، إضافة إلى فرص التكامل الاقتصادي الإقليمي مع سوريا ولبنان والعراق.


وجدد الأردن التزامه بخفض الدين العام تدريجياً ليصل إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028 ، من خلال مواصلة إصلاح المالية العامة وتعزيز كفاءة الإنفاق وحماية أولوية الإنفاق الاجتماعي والتنموي.


كما أكد البيان أن الحكومة الأردنية تعتزم تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية لتحفيز النمو وتوفير فرص عمل، خاصة للشباب والنساء، عبر تحسين بيئة الأعمال، وتبسيط الأنظمة، ورقمنة الخدمات الحكومية في مجالي الضرائب والجمارك، إلى جانب تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية.


وأشار صندوق النقد إلى التقدم المحرز في تنفيذ برنامج تسهيل الصلابة والاستدامة الذي يهدف إلى تعزيز قدرة الأردن على مواجهة التحديات طويلة الأمد في قطاعي المياه والكهرباء، ورفع جاهزيته لمواجهة الطوارئ الصحية المستقبلية.


وخلال الزيارة، عقد فريق صندوق النقد لقاءات مع كل من: رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية الدكتور مهند شحادة، ووزير المالية الدكتور عبد الحكيم شبلي، ووزيرة التخطيط والتعاون الدولي زينة طوقان، ومحافظ البنك المركزي الدكتور عادل الشركس، إلى جانب عدد من الوزراء وكبار المسؤولين في الحكومة والبنك المركزي.

طباعة شارك الحكومة الأردنية صندوق النقد الدولي ختام زيارة بعثة الصندوق إلى عمّان برنامج الإصلاح الاقتصادي الصندوق الممدد EFF

مقالات مشابهة

  • الأردن يتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد لاستكمال المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي
  • صندوق النقد يشيد بجهود الأردن في الإصلاح المالي والاستقرار الاقتصادي
  • نائب: الإصلاح الاقتصادي جعل مصر وجهة جاذبة للاستثمار الأجنبي
  • رئيس الوزراء يتابع مستجدات إجراءات تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي.. نواب: خطوة لتعزيز الاقتصاد.. وتحسين مناخ الاستثمار وتعزيز مشاركة القطاع الخاص أهم المكاسب
  • نائب: متابعة الحكومة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي عززت قوة الاقتصاد ودعمت الفئات الأقل دخلاً
  • برلمانية: برنامج الإصلاح الاقتصادي ركيزة لتحقيق الاستقرار والتنمية
  • رئيس الوزراء يتابع مستجدات إجراءات تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي
  • رئيس الوزراء: نواصل برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد وفق رؤيتنا
  • العشري: السياسة التجارية الوطنية لزيادة الصادرات تضع مصر على خريطة الاقتصاد العالمي
  • أيمن العشري: السياسة التجارية الوطنية لزيادة الصادرات تضع مصر على خريطة الاقتصاد التنافسي العالمي