تشهد الحرف التقليدية في سلطنة عمان جهودًا مستمرة للحفاظ على موروثها الأصيل، ومن بينها حرفة صيانة السيوف العمانية التي تعد إحدى العلامات البارزة في الهوية الوطنية. وفي هذا الإطار يواصل الحرفي حمدان بن مسلم العبري من أبناء ولاية الحمراء بمحافظة الداخلية العمل على إعادة السيوف العمانية إلى حالتها الأصلية، مستندًا إلى خبرات متوارثة وأساليب دقيقة تعكس عمق هذه الحرفة وأهميتها الثقافية.

ويدرك العبري أن صيانة السيوف مسؤولية ثقافية تسهم في الحفاظ على رمز طالما ارتبط بالكرامة العمانية، ويقول: إن بدايته في هذا المجال جاءت من شعوره بضرورة حماية السيف العماني بعد أن لاحظ أن أعمال الصيانة باتت تُسند إلى وافدين يفتقدون الحسّ التراثي والمعرفة الدقيقة بطبيعة السيف وتقنياته التقليدية، مؤكدًا أن السيف رمز وشرف للعمانيين ويجب أن نحافظ عليه ونصونه من التلف والضياع.

ويضيف: إن احتكاكه المستمر بالسيوف واقتنائه لها قاده إلى تعلم تفاصيل الصيانة خطوة بخطوة حتى أصبحت معرفته أقرب إلى دراسة معمقة لطبائع المعادن والأخشاب والجلود المستخدمة في مكونات السيف، ومع البحث والاجتهاد تمكن من اكتساب مهارات دقيقة تمكنه من إعادة السيوف إلى توازنها وقيمتها وفق الأساليب العمانية الموروثة.

ويشرح حمدان العبري أن أولى مراحل الصيانة تبدأ بتنظيف النصل باعتباره جوهر السيف وروحه، إذ يفقد السيف هيبته ووظيفته إذا لم يكن نصله محافظًا على حالته الأصلية، ثم ينتقل إلى القائم (المقبض) الذي يعد أساس توازن السيف واستقامته، موضحًا أن السيف لا يستقيم إن لم يستقم قائمه، وأن ضبط هذا الجزء يحدد جودة القطعة كاملة.

ويشير إلى اختلاف رغبات أصحاب السيوف بين من يفضل القائم المزين بالفضة ومن يختار الجلد الطبيعي، إلا أن عمليات الشك والتثبيت تُنفذ في كل الحالات يدويًا بالكامل باستخدام الإبر والمخرز وأدوات تقليدية تضمن الدقة المطلوبة. كما يستخدم في عمله أخشابًا من البيئة العمانية مثل الجوز والعتم والجوافة، إلى جانب بعض الأخشاب المستوردة عند الحاجة، فيما تختلف مدة الصيانة وفق متطلبات السيف من تجديد للفضة أو تنفيذ للنقوش والزخارف.

ويؤكد العبري أن مراحل الصيانة بدءًا من تنظيف النصل وضبط القائم وتثبيت الجلد وعمليات شكّ الفضة تعتمد على توازن بين المهارة والخبرة الطويلة، وإحساس عماني يرى في السيف امتدادًا للهوية وتاريخًا لا ينفصل عن حياة المجتمع العماني.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ملتقى مقشن الثقافي يوصي بتوثيق الموروث الحرفي والمهارات التقليدية

مقشن: أوصى ملتقى مقشن الثقافي بمحافظة ظفار الذي ينظمه النادي الثقافي بالولاية بالتعاون مع شركة تنمية نفط عمان بتوثيق الموروث الحرفي والمهارات التقليدية توثيقا علميا مُمنهَجا من خلال مشروع بحثي متكامل لرصد الحرف التقليدية في ولاية مقشن وتوثيقها بصيغ مكتوبة ومرئية، يشمل أدواتها وأساليبها وسياقها الاجتماعي، وذلك بالشراكة مع الجهات العلمية والمراكز البحثية، لضمان حفظ هذا الموروث ونقله للأجيال القادمة وتمكينه من الدخول في منظومات الصناعات الإبداعية.

كما أوصى الملتقى بإدراج الفنون الشعبية والممارسات التراثية ضمن قواعد البيانات الوطنية والسعي لتسجيلها دوليا، حيث أكد المشاركون على أهمية إدراج فنون الولاية ضمن قواعد بيانات التراث الثقافي غير المادي في سلطنة عمان، والعمل على إعداد ملف علمي لترشيح أبرز هذه الفنون إلى القائمة التمثيلية للتراث غير المادي العالمي، لما يحققه التسجيل من حماية عالمية وتعزيز للاعتراف الدولي بالتراث العُماني.

وأوصى بإنشاء مركز ثقافي-سياحي في مقشن، يُقدّم سردية شاملة عن تاريخ مقشن وبيئتها وثقافتها، ويضم قاعة للمعارض التراثية، ومكتبة صغيرة، وموقعًا للتعريف بمسارات الرحلات الصحراوية، مع توفير برامج تعليمية للمدارس والزوار، مستفيدًا من موقع الولاية على طريق المسافرين إلى صلالة وكونها إحدى بوابات الربع الخالي، بالإضافة إلى إطلاق برنامج بحثي مستدام لدراسة التراث الطبيعي والثقافي للولاية، تُنفَّذ في إطاره مشروعات سنوية بالتعاون مع الجامعات والمختصين لدراسة البيئة الصحراوية الفريدة لمقشن، ومواردها المائية الجوفية، ومسارات القوافل القديمة، وفنون البادية، بما يثري المعرفة الوطنية ويدعم مبادرات السياحة الثقافية والبيئية في المنطقة.

بالإضافة إلى إنشاء مختبر سنوي موجّه لطلبة الولاية وشبابها، يجمع بين الفنون الصحراوية التقليدية والتقنيات الحديثة (كالذكاء الاصطناعي والتصميم الرقمي وصناعة الأفلام القصيرة)، ليُشكّل جسرًا بين التراث والابتكار، ويعزز قدرات الشباب على إنتاج مشاريع ثقافية وريادية مستلهمة من هوية المكان.

وتضمن الملتقى الذي خُتمت أعماله برعاية سعادة الشيخ هلال بن علي المعمري والي مقشن، وحضور عدد من المهتمين بالشأن الثقافي والفني في محافظة ظفار.

وقال الدكتور محمد بن علي البلوشي رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي إن الملتقى جاء ثمرة تعاون بين النادي الثقافي وشركة تنمية نفط عمان، وتجسيدًا لقناعة راسخة بأن الثقافة لا ينبغي أن تبقى حبيسة المركز، بل أن تتحرك إلى حيث تنبض الحياة في ولايات سلطنة عُمان كافة.

وأضاف: إن اختيار ولاية مقشن، بما لها من موقع فريد على أطراف الربع الخالي، وبما تحتضنه من كثبان رملية مهيبة، وموارد مائية جوفية، وإرث بدوي عريق في الفنون والترحال ومسابقات الإبل، لم يكن قرارًا عابرًا؛ فهذه الولاية تمثل نموذجًا حيًّا للتنوع البيئي والثقافي في عمان، وتجسد كيف يمكن للصحراء أن تكون فضاء للعمران والتنمية الحديثة، كما نراه اليوم في الطرق والخدمات والمرافق التي امتدت إليها في ظل النهضة المتجددة.

وقال محمد بن علي الأغبري مدير الشؤون الخارجية والعلاقات الحكومية والاتصالات بشركة تنمية نفط عُمان: الثقافة هي الذاكرة الحية للأمم، ومنها تتشكل طبائع الشعوب وهويتها، ولا تزال سلطنة عُمان تنعم بإرث ثقافي عريق وتنوع غني يستحق الاحتفاء به والبناء عليه.

وأوضح أن هذا الملتقى، بما يضمه من فعاليات، يسعى إلى اكتشاف المواهب الشابة وصقل مهاراتها، فكم من مبدع كانت انطلاقة مشواره نتيجة موقف عابر أو فرصة تهيأت له فأحسن استغلالها. ومن هنا يشكل الملتقى منصة فاعلة لاحتضان هذه الطاقات وتشجيعها على الإسهام في المشهد الثقافي الوطني.

وقدم حفل الختام برؤية مسرحية للمخرج أسعد بن سالم السيابي، وتضمنت قصيدة وطنية للشاعر عبدالعزيز بن سعيد مسن، وعرضا مرئيا قدم رؤية الملتقى ورسالته الثقافية.

وتمت إقامة ندوة بعنوان "تكوين الحياة الثقافية في مقشن”، قدمها الكاتب محمد بن مستهيل الشحري وشارك فيها الشيخ محمد بن مبارك مسن ومحمد بن عبدالله جداد، واقتربت الندوة من استكشاف العمق الإنساني للمكان ورصد التحولات التي مر بها المجتمع المحلي عبر الزمن في ولاية مقشن. وسعى المشاركون في الندوة إلى إبراز ملامح الثقافة بوصفها جزءًا أصيلًا من الهوية في سلطنة عُمان، ونافذة لقراءة تاريخ الصحراء وذاكرة أهلها الذين عملوا على نقل الثقافة المجتمعية بكل تفاصيلها.

وركزت الندوة على الحياة الثقافية في مقشن قديمًا، والجوانب المرتبطة بمراحل حياة الإنسان وما يصاحبها من تفاصيل يومية، كما تم تناول مختلف الفنون التقليدية مثل "سقي الإبل” و”التغرود”، والألعاب الشعبية، والمعتقدات المحلية. وتم التركيز على المسميات القديمة في البادية والمناطق الصحراوية، إلى جانب القصص والحكايات الشعبية التي تعد جزءا أساسيا من التاريخ الشفوي للولاية.

وتناولت الندوة المعالم والوجوه الثقافية في الولاية من شعراء وأدباء، مرورًا بالحياة الثقافية واستعراض التحولات المؤسسية التي شهدتها الولاية، بما في ذلك ظهور المدارس وتأسيس المراكز الرياضية والثقافية، وتوسع الأنشطة الثقافية والتعليمية.

وشهدت أيضًا إقامة أمسية شعرية بمشاركة شعراء الولاية وهم عبدالعزيز بن سعيد مسن وأحمد عبدالله هول مسن، وبإدارة من علي بن مسلم المسهلي.

مقالات مشابهة

  • نادية الرواحية: الأزياء التقليدية تمثل تاريخ المرأة العمانية وتعبر عن الأجيال
  • واتساب يتخطى الرسائل التقليدية.. شارك وشاهد نصوصك كما في إنستجرام
  • ملتقى مقشن الثقافي يوصي بتوثيق الموروث الحرفي والمهارات التقليدية
  • كاسبر هيولمناد: نعيد باير ليفركوزن إلى صفوف الكبار بالهوية والحرية في اللعب
  • الحداد يتفقد جاهزية الفرقاطة «الهاني» بعد عودتها من الصيانة في مالطا
  • نوع شائع من التوابل التقليدية يحارب السمنة ويحمي القلب
  • عرض أزياء للملابس العُمانية التقليدية في واشنطن
  • تفقد سير أعمال الصيانة في شوارع المحويت
  • «الحِرف والصناعات التقليدية» يُختتم غداً في «سوق القطارة»