إسرائيل وسياسات قضم المحيط الجغرافي
تاريخ النشر: 21st, November 2025 GMT
تصنع إسرائيل أزمة شديدة التعقيد في محيطها الجغرافي، فيما يبدو أنها مرحلة ضمن مخطّط أوسع يهدف إلى السيطرة المباشرة على هذا المحيط أو عبر أدواتها إن لزم، مستثمرة اختلال موازين القوى بدرجة كبيرة لصالحها، وبيئة إقليمية تتحسس على رأسها خوفا من أن تكون مدرجة على قوائم التخريب الإسرائيلي المنفلت العقال، وبالطبع مستفيدة من دعم أمريكي غير محدود، يتضح بشكل جلي عبر تبني المطالب الإسرائيلية وإدراجها ضمن أجندات التفاوض، أو عبر قرارات مجلس الأمن.
إن النظر في خريطة التحرك الإسرائيلي سيكشف على الفور ثلاث مناطق تقع ضمن دائرة حمراء بلغ الخطر فيها أقصى عتباته: الضفة الغربية، وجنوب لبنان، وجنوب سوريا، حيث تمارس إسرائيل وبشكل حثيث سياسة التدمير ضمن هذه الدائرة، سياسة يمكن وصفها بالحرب الساخنة المستمرة التي لا تهدأ ولا تتوقف، ومن خلالها تعيد إسرائيل تشكيل واقع هذه المناطق عبر عملية تراكمية مقصودة وممنهجة تريد إسرائيل في نهايتها قضم هذه المناطق نهائيا.
والغريب أن إسرائيل تدير الحرب على هذه الجبهات الثلاث بنفس الزخم والفعالية، دون محاذير أو حسابات للمخاطر، وربما ذلك ناتج عن تقديرها أن المجتمعات في هذه المناطق وصلت إلى درجة من الإنهاك والاستنزاف بحيث لم يعد لديها القدرة على التحرك ضد إسرائيل وأفعالها، ولا سيما في جنوبي لبنان وسوريا.
المشترك في المناطق التي تستهدفها إسرائيل في جنوب لبنان وسوريا والضفة الغربية، غيابها عن الرادار الدولي؛ ربما يعرف العالم ببعض الأفعال الكبرى، لكن التفاصيل الكثيرة، والتي هي بالأساس تساوي جرائم حرب فعلية، لا أحد يهتم بها. فمثلا في جنوب سوريا تقوم القوات الإسرائيلية بمداهمات ليلية للقرى تسبب الرعب لسكانها، وتمنع الأهالي من الرعي والأعمال الزراعية، وفي جنوب لبنان تمنع على الأهالي العودة لقراهم أو إعمار ما دمرته الحرب، وفي الضفة الغربية تمارس سياسات تنكيل يومية عبر إفلات المستوطنين للتعدي على الأهالي.
وكانت منظمات حقوقية دولية قد تنبهت لخطورة هذه السياسات، وحذرت من نتائجها مؤكدة أنها عمليات تهجير قسري تقوم بها إسرائيل، عبر سياسة ممنهجة ودقيقة تهدف من خلالها إلى تضييق الخيارات أما سكان هذه المناطق وجعل حياتهم جحيما لا يُطاق الأمر الذي قد يجعل كل الخيارات الأخرى، من النزوح والتخلي عن الأرض، محتملة أمام العذاب اليومي والمخاطر التي يواجهونها.
وما يكشف حقيقة أن إسرائيل بالفعل تشن حربا صريحة ضد هذه المناطق، الإجراءات الحربية التي تقوم بها، سواء من خلال سيطرتها على المواقع الاستراتيجية والطرق الرئيسية، أو عبر الأنساق العسكرية التي تبنيها في جوار هذه المناطق، بالإضافة إلى الطاقات العسكرية الكبيرة التي توفرها للجهد العسكري، ضمن مناطق لا تنطوي على مخاطر فعلية وحقيقية تبرر كل هذه الأفعال، باعتراف العديد من جنرالات إسرائيل وخبرائها الاستراتيجيين.
ما تفعله إسرائيل في هذه المناطق، عبر التفاصيل المؤلمة والعمل الحثيث، إعادة تشكيلها وهندستها وفق بما يتناسب مع تطلعاتها، سواء كان الهدف قضم هذه المناطق واحتلالها نهائيا، أو التفاوض بشأنها مع أصحاب القرار المحليين أو ربما الإقليميين، والغريب أن الولايات المتحدة الأمريكية تترك الحبل على غاربه لإسرائيل لتشكيل هذا الوضع، رغم تصريحات هنا وهناك ليس لها وزن تأثيري على حرب نتنياهو الممنجة والحثيثة في هذه المناطق.
الخطير في حرب إسرائيل، أنها تعتمد أدوات أخرى غير عسكرية للسيطرة على هذه المناطق، ففي جنوب سوريا تسعى إلى إشعال الفتنة بين الدروز والسنة لإحداث أكبر قدر من الفوضى، وقد أعلنت مسبقا أنها ستساعد الدروز إن كانوا ظالمين أو مظلومين، وفي جنوب لبنان تضغط على الدولة اللبنانية للدخول في صراع مع حزب الله تحت طائلة تدمير لبنان كله ما لم يسارع الجيش بسحب السلاح من الحزب.
في هذه المناطق الثلاث: الضفة الغربية، وجنوب لبنان، وجنوب سوريا، المهدّدة بالاحتلال الإسرائيلي، تنتظر المجتمعات المحلية، التي استطاعت إسرائيل عزلها عن عمقها الوطني، الفرج من اتفاق إقليمي واسع يغير المسارات الحالية، أو حصول تغيير ما في المنطقة يكف يد إسرائيل عنها، لكن لا يبدو في الأفق ثمة مؤشرات على إمكانية حصول أي مما يتأمله أولئك، في وقت تصر إسرائيل على ما تعتبره حقا للدفاع عن نفسها توغلها في هذه المناطق وإخضاعها لسيطرتها، حتى السلام، لم تعد إسرائيل تريده، بل إن قادتها باتوا يصرحون بأنهم ليسوا بحاجة له ما دام الوضع الحالي يحقق لهم أكثر مما قد يحقّقه السلام لإسرائيل.
x.com/ghazidahman1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء إسرائيل الضفة لبنان سوريا سوريا لبنان إسرائيل احتلال الضفة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی هذه المناطق جنوب لبنان جنوب سوریا فی جنوب
إقرأ أيضاً:
نتنياهو وكاتس في جنوب سوريا.. ما هي رسائل إسرائيل من هذه الزيارة؟
نصبت القوات الإسرائيلية صباح اليوم الأربعاء، حاجزاً مؤقتاً في بلدة بئر عجم بريف القنيطرة، كما استهدفت في وقت متأخر من مساء أمس محيط تل أحمر شرقي بقذائف المدفعية.
زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إسرائيل كاتس وعدد من كبار المسؤولين العسكريين والحكوميين جنوب سوريا يوم الأربعاء، وسط تقارير عن محادثات محتملة بشأن اتفاق أمني مع دمشق.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية، أن الجولة شارك فيها وزيرا الدفاع يسرائيل كاتس، والخارجية جدعون ساعر، إضافة إلى رئيس أركان الجيش إيال زامير، ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) ديفيد زيني.
وأشارت الهيئة إلى أن جولة نتنياهو وكاتس في الأراضي السورية تأتي في سياق الجهود الأميركية لتوقيع اتفاقية أمنية بين إسرائيل وسوريا.
وبحسب هيئة البث تفقد الوفد الإسرائيلي أحد المواقع العسكرية جنوب سوريا، والتقى بالجنود الميدانيين، مثنياً على أدائهم خلال الحرب، وأجاب على أسئلتهم.
وقال نتنياهو: "نحن فخورون بجنودنا".
من جهتها، ندّدت دمشق بزيارة نتانياهو، وقالت في بيان: "تدين الجمهورية العربية السورية بأشد العبارات الزيارة غير الشرعية التي قام بها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي ووزيرا الدفاع والخارجية إلى جنوب الجمهورية العربية السورية"، معتبرة أنها "تمثّل محاولة جديدة لفرض أمر واقع يتعارض مع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
المفاوضات تصل إلى طريق مسدودأعلنت هيئة البث الإسرائيلية، الإثنين الفائت، أن المفاوضات مع سوريا وصلت إلى طريق مسدود، بعد خلاف حاد حول شروط الانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها القوات الإسرائيلية في جنوب سوريا بعد 8 ديسمبر 2024 عقب سقوط نظام بشار الأسد.
ونقلت الهيئة عن مصادر إسرائيلية رفضها "طلب الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بالانسحاب من جميع النقاط التي احتلها الجيش الإسرائيلي بعد سقوط الأسد".
وأكدت أن "أي انسحاب لن يتم إلا من خلال اتفاق سلام كامل، وليس اتفاقاً أمنياً"، وأنه "لا يوجد مثل هذا الاتفاق في الأفق في الوقت الحالي".
تصريحات الشرع حول المفاوضاتمن جهته، أكد رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع في حديث لصحيفة "واشنطن بوست"، أن بلاده "قطعت شوطاً كبيراً" في المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، لكنه شدد على أن أي تسوية تتطلب انسحاباً إسرائيلياً كاملاً إلى حدود ما قبل 8 ديسمبر 2024، وأعلن أن الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، تدعم الموقف السوري.
وأشار إلى أن "الوجود الإسرائيلي في سوريا لا ينبع من مخاوف أمنية، بل من طموحات توسعية".
كما أكد أن القوات الإسرائيلية نفذت أكثر من 1000 غارة جوية على الأراضي السورية منذ سقوط نظام الأسد، استهدفت مباني حكومية بارزة، لكن دمشق امتنعت عن الرد "لأولوية إعادة بناء الدولة".
في المقابل عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن موقفه الحذر تجاه الشرع، مشدداً على أن الحكم عليه سيكون بناءً على ما يحدث فعلياً على الأرض.
كما أعرب عن قلقه بشأن حماية الأقلية الدرزية في سوريا، مشيراً إلى أن أي نزع السلاح وضمان حماية دائمة للدروز سيكون شرطاً للمضي قدماً في التعاون. وأضاف: "عندما أنظر إلى الشرع، سأنظر إلى ما يتم فعلياً، وما يتم تحقيقه على الأرض".
Related "اضطهاد سياسي غير مبرر".. ترامب يطالب بعفو رئاسي عن نتنياهو الشيباني ينتقد "دور إسرائيل" في سوريا.. ونتنياهو: ما يهمني في الشرع هو ما يحدث على الأرض نتنياهو: مصممون على استكمال الحرب في كل الجبهات وتجريد حماس من السلاحفي السياق عينه، نصبت القوات الإسرائيلية صباح اليوم الأربعاء، حاجزاً مؤقتاً في بلدة بئر عجم بريف القنيطرة، كما استهدفت في وقت متأخر من مساء أمس محيط تل أحمر شرقي بقذائف المدفعية.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة