كم يجب أن نصلي على سيدنا النبي في يوم الجمعة وليلته ؟
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
كم يجب أن نصلي على سيدنا النبي في يوم الجمعة وليلته؟ من الأسئلة التي أجاب عنها الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، موضحًا أنه الواقع أنه لا حد للصلاة على النبي ﷺ فينبغي على المسلم أن يجتهد في الصلاة عليه قدر المستطاع، وإن استطاع أن يجعل ذكره كله في الصلاة على النبي فهو خير له.
كم يجب أن نصلي على سيدنا النبي في يوم الجمعة وليلته؟واستدل علي جمعة بما ذكره الصحابي الجليل أُبَىّ بن كعب رضي الله عنه يقول للنبي ﷺ: (قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت.
وتابع: إنفاق كل مجلس الذكر في الصلاة على النبي ﷺ خير عظيم، حث عليه النبي ﷺ ، ويؤكد هذا المعنى ما رواه أُبَيّ بن كعب كذلك قال: (قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال: إذاً يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وآخرتك) (أحمد).
وبين من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: تجوز الصلاة على النبي ﷺ بأي صيغة، المهم أن تشتمل على لفظ الصلاة على النبي أو صلِّ اللهم على النبي، حتى وإن كانت هذه الصيغة لم تَرِد، وإن كانت الصلاة الإبراهيمية أو الصيغة الإبراهيمية في الصلاة على النبي ﷺ هي أفضلها، فقد اهتم الصحابة رضوان الله عليهم بأن يعرفوا صيغة الصلاة عليه فقالوا: (يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) (البخاري).
وشدد أنه لا ينبغي للمسلم أن يُعرض عن الصلاة على النبي ﷺ ويتركها فإن في تركها الشر الكثير؛ حيث إن تركها علامة على البخل والشح، قال النبي ﷺ: (كفى به شُحاً أن أُذكر عنده ثم لا يصلي علي) [ابن أبى شيبة في مصنفه]، وقال ﷺ: (البخيل من ذُكرت عنده ولم يُصلِّ على) (أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
وبين أنه قد اشتد الوعيد على من ترك الصلاة على النبي ﷺ إذا ذكر اسمه، فعن كعب بن عجرة أن النبي ﷺ قال: (احضروا المنبر، فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال آمين، فلما ارتقى الدرجة الثانية قال آمين، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال آمين، فلما نزل قلنا: يا رسول الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئًا ما كنا نسمعه، قال: إن جبريل عرض لي، فقال : بعدا لمن أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت: آمين. فلما رقيت الثانية، قال: بعدًا لمن ذُكرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك، قلت: آمين. فلما رقيت الثالثة قال: بعدًا لمن أدرك أبواه الكبر عنده أو أحدهما فلم يُدخلاه الجنة، قلت آمين) (سنن ابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم في المستدرك)، فلنتأمل ذلك الحديث ونلاحظ شدة الوعيد، إذ يدعو أمين السماء جبريل عليه السلام، ويؤمِّن على الدعاء أمين الأرض سيدنا محمد ﷺ ، ويكون الدعاء بالإبعاد عن رحمة الله والخسران.
وأشار إلى أن الإكثار من الصلاة على النبي - ﷺ - من أقرب القربات وأعظم الطاعات، وهو أمر مشروع بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
فأما الكتاب: فقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .
وأما السنة: فالأحاديث في ذلك كثيرة منها: حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ ». قَالَ أُبَىٌّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِى فَقَالَ « مَا شِئْتَ ». قَالَ قُلْتُ الرُّبُعَ. قَالَ « مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ». قُلْتُ النِّصْفَ. قَالَ « مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ». قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ. قَالَ « مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ». قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِى كُلَّهَا. قَالَ « إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ». [سنن الترمذى] .
وعن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ - " إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علىَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ" قالوا: يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: " إن الله عز وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء - عليه السلام - " (أحمد ، وأبو داود) إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة في ذلك.
قال العلماء: أقل الإكثار ألف مرة، وقيل: أقله ثلاثمائة، وألف في ذلك العلامة المتقي الهندي كتابه (هداية ربي عند فقد المربي) تعرض فيه للأوقات التي يفتقد فيها الشيخ المربي والمرشد إلى الله تعالى، وأن " واجب الوقت" حينئذ يكون هو الإكثار من الصلاة على النبي - ﷺ - بحيث يصلي المسلم عليه ألف مرة كل يوم على الأقل.
وقد ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ - " من صلي علي في يوم ألف مرة لم يمت حتى يري مقعده من الجنة" (المنذري في الترغيب والترهيب ، وابن حجر لسان الميزان).
وبالجملة: فكل إكثار في الصلاة على النبي - ﷺ - هو قليل بالنسبة إلى عظيم حقه ورفيع مقامه عند ربه، وقد قال النبي - ﷺ - " من صلى علىَّ صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلي على، فليقل عبد من ذلك أو ليكثر" (أحمد ، وابن ماجه).
واختتم: لم يزل الإكثار من الصلاة على النبي - ﷺ - علامة مميزة لأهل السنة والجماعة على مر القرون كما يقول الإمام على زين العابدين بن الإمام الحسين عليهما السلام: " علامة أهل السنة كثرة الصلاة على رسول الله - ﷺ - ".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: يوم الجمعة الدكتور علي جمعة هيئة كبار العلماء الصلاة على النبي فی الصلاة على النبی الصلاة على النبی ﷺ رضی الله عنه رسول الله من الصلاة على آل
إقرأ أيضاً:
فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
صليت العشاء قصرًا ولم أصل السنة، هل يجوز؟
لا حرج عليه، وإن كان يتأتى له أن يأتي بالوتر ثلاثًا فذلك خير، أما سنة العشاء فليست من السنة المؤكدة، والإتيان بها خير لغير المسافر. لم يرد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى السنة التي كان يصليها في سفره، هي السنن المؤكدة، نعم، والله تعالى أعلم.
إذا كنت مسافرًا وصليت صلاة المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا، وفي اليوم الآخر تذكرت أنني لم أتوضأ، كيف يكون القضاء، وكان في سفر؟
نعم، عليه أن يقضي هاتين الصلاتين كما وجبتا عليه، وإن كان في حضر، بما أن الصلاتين قد وجبتا عليه وهو في سفر، وقد صلاهما ثم تذكر أنه صلى دون وضوء، فعليه أن يقضي الصلاتين كما وجبتا عليه، نعم يقضيهما أيضًا قصرًا كما وجبتا عليه، وقد وجبتا عليه سفرًا.
يعني يمكن أن يقضي كل صلاة في وقت مختلف عن الآخر، أم لا يمكن؟ لا مانع من ذلك، هذا قضاء، لكن إذا أتى بهما جمعًا فذلك حسن. والله تعالى أعلم.
ما صحة قصة عداس مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما عاد من الطائف؟
قصة عداس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين عودته عليه الصلاة والسلام من الطائف، بعد أن تجهم في وجهه عليه الصلاة والسلام أهل الطائف ولاقوه بإساءة، وإيراد هذه القصة محل خلاف، نعم، بين أهل السيرة وأهل الحديث، كما هو شأنهم دائمًا في كثير من الروايات الواردة في السيرة النبوية.
وهذا الخلاف مرده إلى خلاف في المنهج في قبول هذه الروايات، روايات السيرة، وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من الخلاف في المنهج بين المحدثين وبين أهل السير، فمعلوم أن أهل السير يتسامحون في كثير من الروايات، فيما يتعلق بالمغازي وفي أحداث سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يتسامحون فيها، لا سيما إن كانت لا تترتب عليها أحكام شرعية عملية، ولا يُستشهد بها في أحكام عملية، وإنما كانت سردًا لأحداث ووقائع حصلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو لأصحابه رضوان الله تعالى عليهم في عهده الزاهر عليه الصلاة والسلام. وهذه القصة من هذا الباب، فإن أهل السير يذكرونها، ولا يخطر في بالي أن أحدًا من أهل السير لم يذكرها، اللهم إلا أن المتأخرين ممن سعى إلى اعتماد منهج المحدثين، فإنه يوردها ثم يعلق عليها بالتضعيف.
فهي عند أهل الحديث رواية ضعيفة، قيل بأنها مرسلة، ولم ترد مرفوعة أبدًا، وأُضيف إلى ذلك بأنها في إرسالها أيضًا معنعنة من بعض المدلسين عند أهل الحديث. خلاصة القصة، عند من أراد أن نُحيي له ذاكرة: أن النبي عليه الصلاة والسلام، لما لاقاه به أهل الطائف حينما أعرضوا عن دعوة الحق، وعما جاءهم به من الهدى والرشد، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طريق عودته استند إلى بستان، إلى حائط، فرآه ابن عتبة، ولهما غلام اسمه عداس، غلام نصراني، فأرسل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيء من العنب، فأخذه عداس فجعله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فلما تناوله عليه الصلاة والسلام، سمّى الله، فقال: «بسم الله»، فعجب عداس، وقال: هذه كلمة لا يقولها أهل هذه الأنحاء، نعم، فسأله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ممن أنت؟»، فقال: أنا من أهل نينوى، فقال عليه الصلاة والسلام: «تلك بلاد أخي يونس بن متى»، فعجب هنا عداس، أن هذا الرجل الذي أتاه بالعنب يعرف يونس عليه السلام، ويعرف هذه البلاد، وأنه سمّى الله تبارك وتعالى، فأخبره عليه الصلاة والسلام أنه نبي مرسل من عند الله تبارك وتعالى، وأنه جاء بما جاء به يونس عليه السلام، من الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، ونفي الإشراك به، ومن الدعوة إلى العبودية الحقة الخالصة لله تبارك وتعالى. فأخذ عداس يقبّل رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويديه، ورجليه لما علم منه ذلك، فرآه سيداه، فقال أحدهما للآخر: «قد رجع غلامك على غير الحالة التي ذهب بها». عداس هذا أيضًا مختلف في إسلامه، هل أسلم أو لم يسلم؟ ، يعني: ذكره ابن حجر، وذكر له قصة في غزوة بدر، أنه كان يُحذّر المشركين، وقد حذّر سيديه من أن يواجهوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه على الحق، وبعضهم يذكر في نفس القصة المتقدمة أنه شهد له بالرسالة، أنه آمن بالله تبارك وتعالى، وشهد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة، الحاصل الأقرب، الأكثر، عند هؤلاء الذين يقبلون هذه القصة، أنه أسلم، وأنه كانت له صحبة، وبعضهم يقول: لم تثبت صحبته، وإن كان قد ذُكر، وهذا يؤكد ما ذهب إليه المحدثون من أن هذه الرواية أقل ما يقال فيها: إن فيها مقالًا وضعفًا.
هنا رواية أخرى، وهي دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما توجه إلى ربه متضرعًا، قائلًا: «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهوان أمري على الناس، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أو إلى عدوٍ ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض... أن ينزل بي غضبك... أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، أن ينزل عليَّ غضبك، أو أن تحلّ عليَّ عقوبتك».
هذه الرواية، الكلام فيها أيضًا هو نفس ما تقدم في رواية قصة عدّاس، وإن كان بطريقة أقل. فقبول الفقهاء لها أكثر، والسبب في ذلك كثرة ورودها في كتب السير، وعند طائفة من أهل الروايات أيضًا من أهل الأثر، ولأنهم رأوا أيضًا أن هذه الألفاظ لا تصدر إلا من مشكاة النبوة؛ فهذه الضراعة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بهذه الألفاظ الجزلة والمعاني العميقة، لا يمكن أن تصدر إلا عنه، عليه الصلاة والسلام. ولذلك نقلها كثيرون، وإن كانوا يقولون إنها، من حيث الصنعة الحديثية، فيها مقال، لكنهم مالوا كثيرًا إلى قبولها، أكثر من ميلهم إلى قبول قصة عدّاس.
ولكن، هنا تنبيه، ولعله تقدم في مناسبة أخرى، إذ في بعض الآثار وردت جملة لا تصح، لا تصح في الروايات الأشهر التي وردت في حكاية دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين عودته من الطائف، وهي ما نُسب إليه من أنه قال: «اللهم إني لا أسألك رد القضاء، ولكني أسألك اللطف فيه». هذه لم تثبت، ولا تصح، فهي ليست أصلًا من هذه الروايات المتأخرة، مع ما فيها من مقالة، لكنها لم تُذكر أصلًا، وهذه الجملة التي تناقلها الناس في هذه الأعصار المتأخرة، هي من حيث معناها لا تصح. والله تعالى أعلم.
هل يكفي نقد هذه الروايات بالاعتماد فقط على المتن دون استخدام منهج أهل الحديث؟ أم أن هذا قد يؤدي إلى إسقاط كامل للتاريخ؟
لا، أولًا فيما يتعلق بمنهج أهل الحديث، هو لا يُراد منه اليقين، اللهم إلا أن يُقصد باليقين هنا غلبة الظن، نعم، لكن في الروايات المتواترة، يقصدون من ذلك هل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك أم لم يقل؟ نعم، فهذا النقل هم يبحثون في الأسانيد وفي المتون، أما الأسانيد فإنهم يبحثون عن نقل العدل الضابط عن مثله من مبتدأ السند إلى منتهى السند، وأما المتون فإنهم يبحثون فيما يتعلق بشرط الحديث الصحيح، الرواية الصحيحة عندهم من غير شذوذ ولا علة قادحة.
ثم اختلفوا في أنواع الشذوذ والعلة القادحة التي يمكن أن تطعن في متون هذه الروايات، إذًا هم يعملون قواعد منضبطة يفحصون بها الرجال أولًا في الأسانيد، هنا يحصل تفاوت بين من يكون، لا من حيث العدالة، وإنما من حيث الضبط، على سبيل المثال بين من يكون شديد الضبط وبين من يكون أقل من ذلك تختلف عباراتهم أيضًا، عبارات المعدلين والجارحين تختلف عباراتهم، هذا يستعمل أوصافًا يتحرى فيها كثيرًا من الدقة، وآخر يكون أكثر تساهلًا.
يمكن أن يعتريهم في بعض الأحوال شيء من الذهول أو النسيان، هم أكثر دقة وضبطًا حين النقل من راوٍ عنهم، حينما ينقلون من راوٍ آخر وهكذا، حتى لا ندخل في التفاصيل، والباعث لهم على ذلك هو ما تقدم بيانه من البحث عن الجواب عن سؤال: هل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أم لم يقل؟ فإن كان قد قاله، فهنا وثبت ذلك، فهذا يعني أن هذا الحديث صحيح يؤخذ به، وتترتب عليه الأحكام التي تؤخذ منه.
أما السير فهي أحداث ووقائع، هذه الأحداث قد تكون مجردة ممّا يُنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل. هؤلاء الرواة، يعني ابن إسحاق على سبيل المثال الذي عليه مدار رواية عدّاس، هنا ابن إسحاق فيه خلاف. من المحدثين من يقول بأنه لا يقبل إلا في المغازي والسيار، ما الذي يقصدونه بالمغازي والسيار؟ يقصدون الأحداث الكبرى على جهة الإجمال لا على جهة التفصيل، فهذه تقبل منه، هذا منهج قرره أهل الحديث لصناعة هي أشبه بروايات السنة، لأنها تعني أيضًا نقل رواة لوقائع وأحداث.
الحقيقة أن الحاجة إلى ضبط المنهج فيما يتعلق بروايات السيرة والروايات التاريخية حاجة ملحة، المسألة على سبيل المثال فيما يتعلق بالقراءات أضبط، لأن القراءات نقلت بالتواتر، ثم إن هؤلاء القراء اختصاصهم قراءة كتاب الله عز وجل تحمّلًا وأداءً، لا يُراد منهم شيء آخر.
فهم وإن كانوا في الأخبار والروايات ضعفاء، لكنهم فيما يتعلق بما تحمّلوه من سماعهم لقراءات كتاب الله عز وجل، وبما أدّوه لمن تلقّى عنهم هذه القراءات، هم عدول ثقات، هم حجج تُؤخذ عنهم، ولا يُراد منهم أكثر من ذلك. فهذه المسألة حسمت فيما يتعلق بالقراء، ولكن فيما يتعلق بروايات السيرة إلى اليوم لم تُحسم، هناك من ينتصر لمنهج كتب السير ويقبل هذه الروايات، ويذكر، يعني يقتبس أو يستشهد لمنهجه بجمل وعبارات، كبعض العبارات المنسوبة إلى العلام الذهبي وإلى ابن حجر في قبول روايات ابن إسحاق فيما يتعلق بالمغازي والسير، وهؤلاء أيضًا، يعني، ومن يقول بإعمال منهج المحدثين فإنهم أيضًا يستندون إلى علماء الجرح والتعديل الذين ذكروا ما يجرح ويطعن في هؤلاء الرواة.
فالمسألة مسألة مناهج ينبغي أن يتوسط فيها ويعتدل فيما يتعلق بروايات السيرة، وليس ذلك أيضًا بمتعذر، لكنها بحاجة إلى استيعاب وتتبع. والله تعالى أعلم.