التهجير القسري والقانون الدولي وعلاقته بجريمة الإبادة
تاريخ النشر: 17th, October 2025 GMT
توصلت لجنة الخبراء المستقلة، المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان عام 2021، برئاسة نافي بيلاي المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان، «استناداً إلى أسس معقولة»، إلى أن السلطات الإسرائيلية وقوات الأمن الإسرائيلية، ارتكبت ولا تزال ترتكب أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة. وقالت بيلاي، في مؤتمر صحافي يوم 16 سبتمبر: «اليوم، نشهد في الوقت الحقيقي، كيف يُكسر وعد «لن يتكرر أبدا» أمام أعين العالم، إن الإبادة الجماعية في غزة فضيحة أخلاقية وحالة طوارئ قانونية، لا داعي لانتظار محكمة العدل الدولية لإعلانها إبادة جماعية».
وتشمل الأفعال التي ارتكبتها إسرائيل، التي تكوّن معا أرضية لاعتبار ما يجري إبادة جماعية، كما جاء في التقرير: «إلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بأفراد الجماعة؛ وفرض ظروف معيشية متعمدة على الجماعة، بهدف تدميرها المادي كليا أو جزئيا؛ وفرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل الجماعة، ونقل أطفال الجماعة قسرا إلى جماعة أخرى». وفي أغسطس 2025، أعلنت الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية – وهي مجموعة من الأكاديميين المتخصصين في هذا الموضوع – في قرارٍ لها، أن أفعال إسرائيل في غزة منذ بدء الحرب التي استمرت 22 شهرا، تُشكل إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وفي يوليو 2025، اتهمت منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان ومنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة. كما أن محكمة العدل الدولية تنظر أيضا في قضية رفعتها حكومة جنوب افريقيا، تتهم فيها القوات الإسرائيلية بارتكاب إبادة جماعية.
التهجير القسري والقانون الدولي
من بين الجرائم التي تعتبر جرائم حرب، العقوبات الجماعية، التي تطال عددا كبيرا من أبناء الشعب المستهدف. وأهم هذه الجرائم التهجير القسري، وقد وثقت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان مثل، منظمة العفو الدولية وهيومان رايتش ووتش ومنظمة الحق والميزان وبتسيلم أوامر الإخلاء القسري، التي طالت كل سكان غزة بلا استثناء. والإخلاء القسري عبارة عن أوامر صادرة عن جيش الدفاع الإسرائيلي، أو السلطات الإسرائيلية في غزة، تطالب السكان بمغادرة مناطق معينة، عادة بسبب عمليات عسكرية وشيكة، أو غارات جوية أو إعلانها «مناطق قتال». وقد اتخذت هذه الأوامر أشكالا مختلفة: المنشورات التي تسقط من الجو، والرسائل النصية والمكالمات الهاتفية، وإعلانات وسائل التواصل الاجتماعي، وأحيانا عبر تحذيرات صاخبة أو رسائل مسجلة. وفي كثير من الحالات، تُحذر الأوامر من لا يُخلي المنطقة، قد يُعتبر معاديا أو «متواطئا»، أو يواجه خطرا ما يجعله هدفا لقوات الجيش الإسرائيلي.
ولم تغفل محكمة العدل الدولية مسألة التهجير القسري، ففي 19 يوليو 2024، أثناء نظرها في قانونية التدابير التي اتخذتها إسرائيل، أولت محكمة العدل الدولية الاعتبار الواجب لـ»مصادرة الأراضي على نطاق واسع، وحرمان السكان الفلسطينيين من الوصول إلى الموارد الطبيعية.. ما أدى إلى رحيلهم» (الفقرة 143). وأشارت المحكمة إلى عدد من التقارير الصادرة عن هيئات الأمم المتحدة للبت في طبيعة نزوح السكان الفلسطينيين. وذكرت المحكمة أن سياسات إسرائيل وممارساتها لا تترك للفلسطينيين «خيارا سوى الرحيل» (الفقرة 147). وفسرت المحكمة هذا الإكراه على الرحيل، بأنه يندرج ضمن معنى «القسر» بموجب الفقرة الأولى من المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة.
انتشرت هذه الأوامر على نطاق واسع في جميع أنحاء غزة. وتشير التقديرات إلى أن جميع سكان غزة خضعوا لأوامر الإخلاء، أو التهجير مرة واحدة على الأقل. فعلى سبيل المثال، بحلول أواخر أغسطس 2024، صرّح مسؤولو الأمم المتحدة، بأن أوامر الإخلاء المتتالية شردت حوالي 90% من سكان غزة منذ بدء الحرب. وفي كثير من الأحيان، نزح الناس عدة مرات – حيث أُجبروا على الفرار من منطقة إلى أخرى، وهكذا. وكانت أوامر الإخلاء أحيانا واسعة جدا، كأن تشمل مدينة غزة بكاملها أو تهجير شمال غزة بأكمله إلى الجنوب.
بدأت عمليات الإخلاء القسري منذ بداية العمليات العسكرية. فقد طلب الجيش الإسرائيلي من سكان شمال غزة إخلاء أماكنهم في منتصف أكتوبر 2023 خلال 24 ساعة، وشمل الإخلاء هذا أكثر من مليون شخص من شمال غزة إلى جنوبها. وفي 13 أكتوبر 2023، صدرت أوامر بإخلاء حوالي 23 مستشفى في شمال غزة ومدينة غزة. وكانت هذه المستشفيات تعالج أعدادا كبيرة من المرضى والمصابين، واستخدمت ملاجئ للنازحين كذلك. وفي نوفمبر 2024، خضع حي الشجاعية في مدينة غزة لأمر الإخلاء، حيث طُلب من السكان المغادرة إلى المناطق الوسطى أو الجنوبية من المدينة قبل القصف. وزير الدفاع الإسرائيلي أصدر أوامر بإخلاء كل مدينة غزة في الأول من أكتوبر2025 محذرا من يبقى سيُعتبر مؤيدا «للإرهابيين».
وفي 28 مارس 2025 اتهم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إسرائيل بانتهاك القانون الدولي بتهجير الفلسطينيين قسرا في غزة بموجب «أوامر إخلاء إلزامية». وقال المتحدث باسم المكتب: «إن عمليات الإخلاء هذه لا تمتثل لمتطلبات القانون الإنساني الدولي». إن أوامر الإخلاء مستحيلة، أو صعبة التنفيذ للغاية، نظرا لنقص الطرق الآمنة، وتضرر البنية التحتية، وتدمير الطرق، ونقص وسائل النقل، أو عدم قدرة الفئات الضعيفة (كبار السن، والمرضى، وذوي الإعاقة) على التنقل. كما أن ما يسمى المناطق الآمنة (مثل المواصي) غالبا ما تصبح مكتظة، مع محدودية الوصول إلى المياه والرعاية الطبية والغذاء والمأوى.
وفي بعض الأحيان، تتعرض هذه المناطق نفسها للقصف. وقد اضطر العديد من الناس إلى الانتقال عدة مرات، وغالبا إلى مناطق مكتظة بشكل متزايد، ما ضاعف من معاناتهم. وهناك تساؤلات عديدة حول قانونية أوامر الإخلاء ومدى التزامها بالقانون الدولي الإنساني. فهل أوامر الإخلاء تُعطي تحذيرا كافيا؟ وهل لدى المدنيين ممر آمن؟ وهل وجهة الترحيل آمنة؟ وهل الإمدادات والخدمات الأساسية متوفرة في المناطق المقصودة؟ لقد صرح مسؤولو الأمم المتحدة، بمن فيهم الأمين العام، «لا يوجد مكان آمن في غزة». وقد أقر مجلس حقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني بالسكن بعض المبادئ التوجيهية لمسألة الإخلاء القسري تسمى «المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة»، بهدف السعي إلى الحد من عمليات الإخلاء والتهجير.
فأين هذه المبادئ والتوجيهات مما قامت به إسرائيل في قطاع غزة؟
وتنص هذه المبادئ على أن عمليات الإخلاء لا تُنفذ إلا في «ظروف استثنائية» لحماية صحة السكان ورفاههم ويجب اتباعها في كل مرحلة من مراحل عملية الإخلاء:
قبلها وأثناءها وبعدها، بما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. ويجب أن تكون هذه العمليات مُصرّحا بها قانونا، وأن تكون معقولة ومتناسبة، وأن تضمن تعويضا وإعادة تأهيل كاملين وعادلين. وتؤكد أن لكل شخص الحق الإنساني في السكن اللائق، الذي يشمل الحق في الحماية من التدخل التعسفي أو غير القانوني في الخصوصية والأسرة والمنزل.
القانون الدولي الإنساني يستوجب الحماية من عمليات الإخلاء القسري، ولجميع الأشخاص والجماعات والمجتمعات، الحق في إعادة التوطين، الذي يشمل الحق في أرض ومسكن بديلين يجب أن يستوفيا معايير الكفاية، وهي: إمكانية الوصول، والقدرة على تحمل التكاليف، وصلاحية السكن، والملاءمة الثقافية، وملاءمة الموقع، والحصول على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم. فأين هذه المبادئ والتوجيهات مما قامت به إسرائيل في قطاع غزة؟ النتيجة التي لا جدال فيها أن عمليات التهجير القسري التي قامت بها إسرائيل خلال سنتي الحرب، تعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان، يجب على المحاكم الدولية أن تلاحق من أمر بها ومن نفذها ومن حرّض عليها لاستكمال تفاصيل المساءلة في جريمة الإبادة الجماعية.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة التهجير القانون الدولي غزة الاحتلال القانون الدولي التهجير مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محکمة العدل الدولیة الإخلاء القسری عملیات الإخلاء التهجیر القسری لحقوق الإنسان الأمم المتحدة أوامر الإخلاء حقوق الإنسان إبادة جماعیة شمال غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
مقتل آلاف الأطفال يشعل الغضب الدولي.. العفو الدولية تتهم الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب
البلاد (الخرطوم)
أدانت منظمة العفو الدولية، أمس (الأربعاء)، ما أسمته “جرائم حرب” ارتكبتها قوات الدعم السريع في السودان خلال اقتحام مخيم زمزم للنازحين على حدود الفاشر في وقت سابق من هذا العام، مستندة إلى شهادات حديثة من الناجين وشهود عيان. وكان المخيم، الذي يضم نحو مليون شخص قبل الهجوم، قد شهد فرار أكثر من 400 ألف مدني بعد الهجوم الذي وقع في إطار الصراع المستمر بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني منذ عامين.
وحسب تقرير المنظمة، فقد قامت قوات الدعم السريع بقتل المدنيين عمدًا، واحتجازهم كرهائن، ونهب وتدمير المساجد والمدارس والعيادات الطبية، وفق شهادات 29 شخصًا من شهود وأقارب ضحايا وصحافيين. وبين 11 و13 أبريل الماضي، استخدمت القوات المتفجرات وفتحت النار بشكل عشوائي على مناطق مكتظة بالسكان، بحسب المنظمة التي طالبت بالتحقيق في الانتهاكات كجرائم حرب بموجب القانون الدولي.
وأكدت الأمينة العامة للمنظمة أنييس كالامار أن الهجوم “المروّع والمتعمّد على المدنيين اليائسين والجوعى في مخيم زمزم يؤكد ازدراء قوات الدعم السريع بالحق في الحياة”، مشيرة إلى أن صور الأقمار الصناعية في 16 أبريل أظهرت حفرًا جديدة ناتجة عن الاستخدام الواسع للأسلحة المتفجرة، وهو ما تسبب في سقوط مئات القتلى.
وتفاقمت مأساة دارفور، إذ أفادت الطبيبة في اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء السودانيين أديبة إبراهيم السيد، بمقتل 25 ألف طفل منذ اندلاع الحرب، إضافة إلى تعرض 45 قاصرًا للاغتصاب أثناء فرارهم من الفاشر إلى مدينة طويلة. كما وصل نحو 800 طفل منفصل عن أسرهم إلى طويلة، يعانون من سوء التغذية والصدمات النفسية، وتلقت حالات العنف الجسدي العلاج من منظمة”أطباء بلا حدود”.
من جانبها، أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن مخيم زمزم شهد عمليات قتل عمدية واحتجاز رهائن ونهب وتدمير منشآت حيوية، مؤكدة أن كل هذه الأفعال تصنف كجرائم حرب وطلبت تحقيقًا فوريًا وفق القانون الدولي.
سياسيًا، أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن الرئيس دونالد ترمب يتولى شخصيًا حل الأزمة في السودان، معتبراً إياه القائد القادر على إدارة الملف. ومن جانبه، شدد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، على أهمية توحيد الإرادة الوطنية وبناء رؤية واضحة للسلام المستدام والوحدة الوطنية، مشيرًا إلى أن السلم الاجتماعي وقبول الآخر ونبذ خطاب الكراهية هما أساس أي تحول سياسي ناجح في السودان.