لجريدة عمان:
2025-10-19@19:16:16 GMT

الجزائر في مرمى المؤامرات

تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT

من أقوال شو إين لاي رئيس وزراء الصين الراحل: «هناك الآن في العالم انقساماتٌ جديدة، وهناك تحالفاتٌ جديدة، وهناك فوضى في كلِّ مكان».

مضى على ذلك القول أكثر من نصف قرن؛ ماذا حدث خلاله من انقسامات وتحالفات وفوضى؟! وماذا حدث في الوطن وللوطن العربي؟! لم يكن شو إين لاي يقصد بعبارته تلك العرب، لكنه ـ في ظني ـ اختصر بدقة ما تعانيه الدول العربية اليوم من فوضى وانقسامات عرقية، وطائفية، ومذهبية، ومناطقية، وجغرافية وغيرها ما أدى إلى ظهور تحالفات جديدة ـ فيها من الغرابة ما فيها ـ، مثل التحالف مع الكيان الصهيوني ضد غزة؛ بسبب قصر النظر والمصالح الضيّقة، حتى وإن كانت على حساب السيادة والمصلحة الوطنية.

المفارقة أنّ هذه الفوضى والانقسامات والتحالفات المتقلبة تحدُث في منطقة من أغنى مناطق العالم بالثروات، لكن هذه الثروات تحولت إلى أدوات هدم، واستُغلّت من قبل بعض الحكومات العربية لتدمير دول عربية أخرى، والأمثلة ماثلة أمام أعيننا في العراق وليبيا وسوريا واليمن والسودان، وغزة ليست منا ببعيد.

إنّ قراءة متأنية لتصريح أدلى به الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تجعلنا نضع كلمات شو إين لاي تحت عدسة مكبرة؛ فقد حذّر الرئيس تبون من الاستسلام لقوى أجنبية قال: إنها أقسمت فيما بينها على ألا تصل الجزائر إلى عام 2027 إلا وقد انهارت. جاءت تحذيراته هذه خلال لقائه عددًا كبيرًا من رجال الأعمال؛ بهدف تقييم ست سنوات من الأداء الحكومي الجزائري في قطاعات عدّة، ثم أعقبها بتحذيرات أخرى أكثر حدة بعد ذلك بأسبوع ذهب فيها لأبعد من ذلك في تحذيراته، حين قال: «إنّ الجزائر مُستهدفة عسكريًّا».

لم يسم الرئيس تبون «القوى الأجنبية» التي تهدف إلى الإطاحة بالجزائر، لكن المؤكد من الحديث أنّ هناك مؤامرة للإطاحة بكلِّ الجزائر، أي بما يشبه طريقة انهيار الدولة السورية مع سُقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار جيشه.

وقد جاء التحذير في وقت ارتفعت فيه الأصوات والتحليلات عن إعادة رسم خارطة المنطقة، واستبدال الحدود الحالية بدول طائفية أصغر حجمًا وأكثر انقسامًا وأقل تأثيرًا وأضعف قوةً.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لماذا الجزائر تحديدًا؟ حقيقةً إنّ الموقف الجزائري من الحرب الإسرائيلية على غزة كان مشرِّفًا، فكان لا بد من دفع الثمن. واللافت أنّ الرئيس الجزائري أشار إلى أنّ هذه «القوى الأجنبية» - وإن كانت في الواجهة - إلا أنّ «إسرائيل في الخلفية هي التي تُحرّكها؛ حيث هدّد نُخبُها بأنّ جولة تل أبيب العدوانية العسكرية بعد إيران ستكون ضد الجزائر». بالتأكيد فإنّ المواقف الجزائرية المشرّفة لا تُعجب خُصومها؛ فهي الداعمة للمُقاومة والرافضة للتطبيع في الزمن الإبراهيمي؛ حيث شهدت الساحة الإعلامية تراشقًا كبيرًا وعلنيًّا بين الجزائر ومؤيدي ما يُسمى بالديانة الإبراهيمية. وهناك نقاط يمكن استغلالها لخلخلة الوضع في الداخل الجزائري، مثل نزاع الصحراء مع المغرب الذي تسبّب بشكلٍ غير مباشر في قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2021، كما أنّ العلاقات الجزائرية مع فرنسا تمرّ بحالة جمود مُنذ يوليو 2024.

وإذا ما عدنا قليلًا إلى الوراء نتذكّر أنه مع زيارة الرئيس أنور السادات للقدس المحتلة عام 1977 تشكلت جبهة معارضة للزيارة ولأيِّ تقارب مع الكيان الصهيوني باسم جبهة «الصمود والتصدي» ضمّت الجزائر وليبيا واليمن الجنوبي وسوريا والعراق ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولم تبق من تلك الدول صامدة إلا الجزائر التي مرت بعشر سنوات عجاف في تسعينيات القرن الماضي فيما سُمِّي بالعشرية السوداء، لكنها تجاوزت ذلك، والحمد لله. فهل يمكن أن يُسمح للجزائر أن تبقى صامدة على مواقفها وشاهدة على الصمود والتصدي؟ يبدو أنّ ذلك صعب مع التحالفات الجديدة وانتشار الفوضى في كلِّ مكان. بنبرة تحدّ لافتة قال الرئيس تبون: «لن نبقى في الفقر، ولن يسمحوا لنا بالنهوض؛ لأنهم يريدون أن نبقى مادِّين أيدينا؛ ليفرضوا علينا ما يجب أن نقوله، وما ينبغي أن نفعله. أنا حر، وحريتي لا أرهنها بالتخلُّف. لدي إمكانياتي، ومع ذلك أحترم الآخر. نحن أحرار، وسنبقى شامخين مستقلين في قراراتنا دون أن نُلحق الضرر بأحد». وهو بذلك لخص الكثير من الأمور في كلمات قليلة، ويُحسب له أنه يعلم تمامًا أنّ الشرعية تُستمد من الداخل وليس من الخارج؛ لذا ركز على أنّ بلاده ستمنح نفسها «مناعة اقتصادية»؛ لأنّه عندما تسوء أوضاع الناس الاقتصادية والمعيشية، فهذا مفتاح لكلِّ شر.

من جميل ما قرأتُ في تفاعل الجزائريين مع تصريحات رئيسهم أنّ بعض التغريدات حذّرت بشدة من خونة الداخل؛ إذ هم الأخطر على الأوطان من أعداء الخارج. ففي سبيل استقرار الأوطان لا مجال للولاءات المزدوجة، وإن كانت هناك أيضًا وجهة نظر أخرى ترى أنّ تحذيرات كهذه يُقصد بها عادةً كسب الشعب بإظهار عدو وهمي ليس له وجود في الأصل.

وإذن؛ فإنّ العالم من حولنا يتغيّر فعلًا، ومعه تتغيّر التحالفات والولاءات ما يتطلب بناء جبهات داخلية قوية.

ومن لا يمتلك مشروعًا واضحًا ورؤية استراتيجية، وإرادة حقيقية للإصلاح سيظل يدور في دوامة الانقسامات، ويبحث عن التحالفات المؤقتة ـ كما هو وضع بعض العرب الآن ـ ما سيؤدي إلى الفوضى. وما يؤسف له أنّ الدول العربية اعتمدت على تلك التحالفات المؤقتة بحثًا عن الحماية. وخدمت هذه الدولُ المشروع الغربي والصهيوني في تفتيت المنطقة من تدمير العراق إلى تدمير سوريا، ولكن الأحداث برهنت أنّ تلك الحماية كانت مجرد وهْم. ما لم تستفق الدول العربية من غفلتها، وتدرك أنّ الثروة الحقيقية تكمن في شعوبها، وفي الوحدة والعدالة والكرامة، وأنّ الشرعية تُستمد دائمًا من الداخل؛ فإنها ستظل حبيسة وهْمِ الحماية حتى يأتيها الدور، وحينها لن يرحمها التاريخ.

زاهر المحروقي كاتب عُماني مهتم بالشأن السياسي الإقليمي

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الرئيس السيسي: مصر ستكون من أوائل الدول المبادرة في عملية إعادة إعمار غزة

أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر مستعدة للمساهمة الفاعلة في إعادة إعمار قطاع غزة، مشددًا على أن القاهرة كانت وما زالت تتحمل الجزء الأكبر من عبء المساعدات الإنسانية الموجهة للشعب الفلسطيني، حيث تمر نحو 70 إلى 80% من تلك المساعدات عبر الأراضي المصرية.

حقوق الشعب الفلسطيني

وقال الرئيس السيسي، خلال كلمته في فعاليات الدورة الـ42 للاحتفال بذكرى نصر أكتوبر المجيد، إن مصر ستظل دائمًا في طليعة الدول الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن الجهود المصرية لم تتوقف منذ اليوم الأول لوقف الحرب والسعي نحو تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

عملية إعادة الإعمار

وأضاف أن مصر ستكون من أوائل الدول المبادرة في عملية إعادة الإعمار فور توقف الحرب، مؤكدًا أن إعادة إعمار غزة ليست مجرد واجب إنساني، بل مسؤولية عربية وأخلاقية تجاه الأشقاء الفلسطينيين.

الرئيس السيسي: أثمن صبر الشعب المصري وتحمله للضغوط الإقتصاديةالرئيس السيسي يقبل رأس زوجة أحد أبطال حرب أكتوبر

وشدد الرئيس على أن موقف مصر ثابت وواضح من القضية الفلسطينية، داعيًا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في دعم مسار السلام العادل والشامل الذي يضمن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.

طباعة شارك السيسي الرئيس السيسي أكتوبر نصر أكتوبر ذكرى نصر أكتوبر

مقالات مشابهة

  • الرئيس السيسي: مصر ستكون من أوائل الدول المبادرة في عملية إعادة إعمار غزة
  • السبيل الحاسم لإحياء الدول العربية من جديد
  • توقعات بوصول حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية إلى 50 مليار دولار
  • اعتقال مدير المخابرات الجزائري المعزول
  • “أونروا”: الوضع المالي للوكالة خطير وعلى الدول العربية دفع ما عليها من مستحقات
  • روسيا تتوقع وصول حجم التبادل التجاري مع الدول العربية إلى 50 مليار دولار
  • الجزائر الأولى مغاربيا وعربيا في تصنيف ” كيو إس QS” للجامعات العربية لسنة 2026
  • مسؤول روسي: نتوقع وصول حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية إلى 50 مليار دولار
  • محافظ بنك الجزائر: الاقتصاد الجزائري يظهر مرونة قوية