هيكلُ الصمود… كيف حوّلتْ غزّةُ اليأسَ إلى إعجازٍ؟!
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
عدنان عبدالله الجنيد.
في زمنٍ تتهاوى فيه الجيوشُ أمامَ صفعاتِ الحصار، وتنحني إراداتُ الدولِ على طاولاتِ المساومات، تتقدّمُ غزّة من تحتِ الرمادِ كأنها معجزةُ العصر، شمسٌ لا تُغلب، ونبضٌ لا يخفت.
فكيف استطاعَ هيكلُ الصمود أن يُذهلَ العقول، ويُربكَ مراكزَ القرار، ويُعيدَ تعريفَ المقاومة في زمنِ القوةِ العمياءِ؟
بينَ المطرقةِ والسِّندان… أينَ يكمنُ سرُّ البقاء؟
أليستِ الحساباتُ الماديةُ تقولُ إنَّ الحصارَ يقتل، والقصفَ يُفني، والعزلةَ تُحطّم؟
فكيف إذن ظلّتْغزّة تنبضُ بالحياة، تُدارُ بعقلٍ منضبط، وتنهضُ من تحتِ النارِ بإتقانٍ إداريٍّ يربكُ العدوَّ قبلَ الصديق؟
إنه الهيكلُ التنظيميّ الفريد الذي نجح في الجمع بين روحِ الجهاد وإتقانِ الإدارة؛ حيثُ تتحركُ الفرقُ الميدانيةُ بدقّةِ الساعاتِ السويسرية، وتُدارُ خطوطُ الأنفاق كأنها شرايينُ جسدٍ واحدٍ نابضٍ بالحياة.
منظومةُ الإيمانِ والإدارة:
ليستِ المقاومةُ في غزّة مجرّدَ بندقيةٍ تُطلق، بل منظومةُ وعيٍ وتنظيمٍ تُفكّر وتُخطّط وتُنتج.
فهنالكَوحداتٌ متخصّصةٌ تتولّى تسليمَ الأسرى في إطارٍ إنسانيٍّ منضبط، وفرقٌ ميدانيةٌ تُحافظُ على الأمنِ الداخليِّ والأسواقِ وسطَ ألسنةِ اللهب، وطاقمٌ إداريٌّ يُنسّقُ حركةَ الإمداداتِ عبر الأنفاقِ كأنَّهُ يُديرُ دولةً تحتَ الأرض!
أمّا الإعلامُ المقاومُ، فقد صارَ جيشًا من الوعي، يوازنُ بينَ حقِّ الجمهورِ في المعرفةِ ومتطلّباتِ الأمنِ الميدانيّ. كلُّ صورةٍ تُبثّ بميزانٍ، وكلُّ كلمةٍ تُقالُ بوعيٍ. يصنعونَ الرأي العامَّ بذكاء، فيوجهونَ ضرباتِ الوعي قبلَ ضرباتِ الصواريخ.
وهكذا،تُخاضُ الحربُ بالسلاحِ والإعلامِ والفكرِ في آنٍ واحد.
من تحتِ الأرض… تُصاغُ معادلاتُ السماء:
في باطنِ الترابِ الذي أرادوهُ مقبرةً، صنعت غزّة عاصمةً من العزم، ومدّتْ خطوطَ الأملِ في أنفاقٍ تشبهُ شرايينَ الأمّة.
هناك،حيثُ يتوقفُ المنطقُ المادي، يبدأُ منطقُ الإرادةِ والابتكار.
لقد حوّلوا الحصارَإلى مدرسةٍ في التنظيم، والضغطَ إلى طاقةٍ إنتاجية، واليأسَ إلى وقودٍ للنهضة.
فهل رأى العالمُ يومًا جيشًا من الظروف يصنعُ المستحيل؟
وهل أدركَالاستكبارُ أنَّ هذا الشعبَ المحاصرَ لم يَعُد يُدارُ بالقوة، بل يُلهمُ بها العالم؟
المفاوضُ المقاوم… وكرامةُ السياسة:
في ميدانِ السياسة، تُثبتُ غزّة أنَّ المفاوضاتِ ليست انحناءً، بل امتدادٌ للمعركةِ بوسائلَ أخرى.
إنها تفاوضُمن موقعِ الندّ للندّ، تُديرُ ملفَّ الأسرى بعينِ المقاتل لا بلسانِ الدبلوماسي، فتُرغمُ العدوَّ على الاعترافِ بأنَّ الإرادةَ لا تُقصف، وتُجبره على الجلوسِ إلى طاولةٍ هو يعلمُ أنها منحوتةٌ من خشبِ المقاومة.
رسالةٌ إلى العالمِ الماديّ: من أينَ تأتونَ بهذا الثبات؟
كيف يمكنُ لإنسانٍ أن يُنظّمَ السوقَ بينما الصواريخُ تُغنّي فوقَ رأسه؟
كيفَ يمكنُ لطفلٍ أن يبتسمَ والعالمُ كلّه يتداعى حوله؟
أليستِ الحياةُ تحتَ القصفِ أعظمَ معجزةٍ إنسانية؟
لقد سقطتْ مقاييسُ “القوّة” الغربية، وتهاوتْ فلسفةُ “الردع” الأمريكية أمامَ طفلٍ فلسطينيٍّ يحملُ في يدهِ اليُمنى قلمًا يصنعُ مستقبلًا، وفي يدهِ اليُسرى حجرًا يدافعُ عن حقه في أن يكون!
للتاريخِ كلمةٌ أخيرة…
ما يجري في غزّة ليس حربًا فحسب، بل ثورةٌ في المفاهيم، ودروسٌ في القيادةِ والإدارةِ والإيمانِ تحتَ النار.
لقد أثبتوا أنَّالتنظيمَ إذا اقترنَ بالمبدأ، والإيمانَ إذا تماهى مع الوعي، صَنَعَا إعجازًا يتجاوزُ حدودَ الممكن.
إنها تجربةٌ تستحقُّ أن تُدرَّس في جامعاتِ الحربِ والإدارةِ والإنسانية.
فحينَتُدارُ دولةٌ تحتَ الحصار، وتُربَكُ منظوماتُ الاستخباراتِ العالمية، ويتحوّلُ الألمُ إلى طاقةٍ للخلقِ والبناء، فذاك هو الإعجازُ الفلسطينيّ بعينه.
تحيةُ إجلالٍ لأمةٍ لا تنكسر:
تحيةٌ لغزّةَ التي حوّلتْ حجارةَ الحصارِ إلى سلمٍ للمعجزات، وعلّمتِ العالمَ أنَّ المستحيلَ مجرّدُ وهمٍ في قاموسِ الإرادة، وأنَّ من يؤمنُ بعدالةِ قضيّته لا يُهزم، ومن يختارُ طريقَ العزّة لا يضلّ مهما اشتدَّ الظلام.
“لا يضرُّهم من خذلهم، ولا من خالفهم… لأنهم اختاروا طريقَ الله، ومضَوا فيه بثباتٍ لا يُهزم.”
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
قيادي بفتح: أطفال غزة يواجهون إبادة صامتة بعد وقف إطلاق النار
قال ديمتري دلياني، عضو المجلس الثوري والمتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، إنّ «الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلية ضدّ شعبنا لم تتوقف بوقف إطلاق النار، بل انتقلت إلى طورٍ جديد عبر استمرار الحصار والتجويع، حيث تُوظَّف الإبادة بصورتها الحالية كأداة لإدامة السيطرة الاستعمارية على أرضنا».
وأضاف أنّ «الهدوء النسبي الذي أعقب اتفاق وقف إطلاق لا ينفي استمرار جرائم متواصلة ترتكبها دولة الابادة بحقّ أبناء شعبنا في قطاع غزة، حيث تواصل آلة الاحتلال الإسرائيلية حصارها المميت».
وأوضح القيادي الفتحاوي أنّ «أكثر من ٥٥ ألف طفل فلسطيني دون سنّ السادسة يعانون من سوء تغذية حاد نتيجة استمرار الحصار الذي تفرضه دولة الابادة الإسرائيلية، فيما المستشفيات تعمل بلا وقود، والعمليات الجراحية تُجرى دون تخدير، والعائلات تُضطر إلى شرب مياه ملوثة للبقاء على قيد الحياة».
وأضاف أنّ «المشاهد اليومية في غزة بعد إعلان وقف اطلاق النار تُظهر حجم المأساة التي يواصل جيش الإبادة الإسرائيلي صناعتها، حيث تُستهدف حياة المدنيين بوسائل التجويع والمرض والحرمان، وتُعرقل محاولات العودة إلى المناطق التي أعاد جيش الابادة انتشاره منها، بينما لا يزال مئات الآلاف من اهلنا يعانون من النزوح القسري داخل وطنهم».
وأكد المتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح ان استمرار هذا الحصار الابادي هو جريمة إنسانية وسياسية تهدف إلى إفراغ القطاع من أهله، داعياً المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤوليته القانونية والأخلاقية في وقف الإبادة الإسرائيلي المستمرة وإنقاذ الأطفال من براثن التجويع والمرض. وختم قائلاً إنّ «تحرير الإنسان الفلسطيني من هذا الحصار هو بداية كلّ عملية استقرّار في المنطقة، وإنّ وقف جرائم الابادة الاسرائيلية المستمرة في غزة هي واجب وطني وإنساني لا يقبل المساومة».