لجريدة عمان:
2025-10-22@08:24:44 GMT

تطبيقات من دون إنترنت!

تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT

تطبيقات من دون إنترنت!

المعتصم الريامي-

في مارس 2006، خطرت في بال الشاب الأمريكي «جاك دورسي» فكرة بسيطة في ظاهرها، وهي ماذا لو أن الناس تشارك كل العالم ماذا تفعل الآن، وتخبر الآخرين بما تقوم به في منشورات قصيرة، وهنا انطلقت فكرة منصة تويتر، لتصبح بعد أعوام قليلة فكرة ثورية، ويصبح تويتر من أبرز أدوات الأخبار العاجلة والتعبير عن الرأي حول العالم، حتى وقت قريب، وتتسابق الدول وكبار الشخصيات والساسة والكتّاب والصحفيون والأفراد ليعبّروا عن أنفسهم بشكل رسمي في تويتر، قبل أن يطلق على المنصة اسمها الجديد «إكس» من قبل مالكها الجديد إيلون ماسك.

جاك هذا مشهور عنه مقولته إن التكنولوجيا يجب أن تحرر الناس لا أن تستغلهم، كما أنه يبدو أنه يعمل بجد لتحقيق ذلك، وقد أعلن جاك قبل أشهر قليلة عن تطبيق مثير لتبادل الرسائل بين مستخدميه عن طريق البلوتوث فقط، وهو تطبيق للهواتف النقالة (وبعض الحواسيب) يدعى «بت شات BitChat»، وبما أنه ينقل الرسائل عن طريق البلوتوث فإنه لا يحتاج إلى إنترنت ولا شركات اتصالات كبرى ومنصات تواصل عالمية، فكيف يعمل؟ ولماذا جاء التطبيق في زمن الإنترنت؟ ومن يمكن أن يستفيد منه؟ الكثير من التساؤلات التي تستحق الاستكشاف.

بت شات تطبيق مراسلات بسيط جدا، وقد طوّره جاك في إجازة نهاية الأسبوع فقط، كما صرّح بذلك بنفسه، وفريقه كان مجرد أدوات ذكاء اصطناعي متخصصة لمساعدة المطورين. التطبيق يعمل بلا إنترنت وقد تكون هذه أكبر ميزة فيه، كما أن التطبيق لا يطلب منك التسجيل ولا يأخذ معلومات شخصية عنك مثل اسمك وبريدك وعنوانك وصورتك وبطاقتك البنكية وعنوان الإقامة وغيرها من التفاصيل. يطلب منك فقط أن تحدد لنفسك معرّفًا لكي يتعرف عليك الآخرون بالاسم الذي تختاره، ومن ثم يمكن أن تراسل مَن هم في التطبيق، وتصل الرسائل لهم عن طريق البلوتوث، غير أن البلوتوث مداه قصير، يصل في متوسطه إلى عشرة أمتار وربما أقل من ذلك مع كثرة الجدران والعمران والأشجار وغيرها من العوائق التي تحد انتشاره، فكيف تنقل الرسالة النصية هذه لمسافات أبعد؟ هنا يستخدم التطبيق الأجهزة التي تحتوي على التطبيق كمنصة إرسال، فالرسالة التي أرسلتها من هاتفك تعبر في الكثير من الأجهزة المتقاربة حتى تصل إلى جهاز من تريد أن تصله رسالتك، وحينها يتم فك شيفرتها وتظهر للمتلقي، فرحلة الرسالة تبدأ من جهازك الذي يخاطب عن طريق البلوتوث جهازا آخر يحمل التطبيق نفسه، لتكون مع بقية الأجهزة شبكة متكاملة، وهذا ما يطلق عليه بشبكة «مش» اللامركزية التي تربط الأجهزة ببعضها لتكوين شبكة أكبر فأكبر. هذه هي الفكرة ببساطة، وهي لا تزال قيد التجريب والتطوير. بت شات حاليا لا يحتفظ بأي بيانات شخصية، ولا يطلبها أصلا، ولا يحتفظ ببيانات الرسائل النصية لأنه لا توجد أصلا حواسيب متخصصة -خوادم/ سيرفرات- لتقوم بذلك، كما أنه لا يجمع أي بيانات عن مستخدميه، وتنتقل الرسائل بين الهواتف وفق بروتوكولات تشفير معروفة.

قد تبدو الفكرة غريبة وغبية، فلماذا قد استخدم تطبيقا بدائيا للتراسل، بالنص فقط، بينما هناك آلاف التطبيقات التي تتيح لي التراسل بالصوت والصورة علاوة على النص، ولماذا أحتاج أصلا لتطبيق يعمل من دون إنترنت في ظل انتشار شبكات الإنترنت في معظم مناطق العالم؟ غير أن هذا الإنترنت وجوده ليس حتميا ودائما، فقد انقطع فعلا عن الكثير من المناطق بفعل الكوارث الطبيعية أو تحكمات الدول وحكوماتها وشركات الاتصالات، وفعلا تم استخدام مثل هذا التطبيق في مظاهرات في هونج كونج، عندما قطعت الحكومة الإنترنت، ولم يكن لجموع المتظاهرين من سبيل للتنسيق والتواصل فيما بينهم، سوى تطبيق يدعى «بريدجفاي Bridgefy» للتراسل البسيط دون الحاجة للإنترنت! وهذا التطبيق نفسه تم استخدامه في مظاهرات في الهند وإيران وقد لاقى نجاحا نسبيا ووصل عدد مستخدميه لأكثر من عشرة ملايين مستخدم، وهو قائمٌ على نفس تقنيات تطبيق بت شات، غير أنه مغلق للشركة التي تملكه، بينما بت شات مفتوح المصدر.

وتطبيق بت شات يعمل بين الأفراد دون الحاجة للشركات، فكل مستخدم

يستفيد من التطبيق في التراسل وكذلك فإن جهازه يعد محطة لعبور رسائل الآخرين. وهنا يكمن ما يمكن أن نطلق عليه لامركزية محطات الاتصالات، فلا توجد محطات بيد شركات اتصالات محددة هي التي تنقل الرسائل وتفرض شروطها وأحكامها ورقابتها على الناس. كما أن التطبيق -كما أسلفنا- مفتوح المصدر، أي أن شيفرته البرمجية متاحة للعامة وخاصة للمطورين، فيمكن تطويرها وتخصيصها حسب احتياج واستعمال كل فرد أو مجموعة، وهذا يجعل التطبيق متاحا للكل، ويكسر احتكار منصات التواصل الاجتماعي من أيادي الشركات الكبرى، التي هي الأخرى تفرض وصايتها ورقابتها وسياساتها على مستخدميها. هذا التطبيق يمكن أن يكون نكزة في خاصرة الشركات المركزية الكبرى، وخطوة في اتجاه السيادة الفردية للناس على التقنيات التي يستخدمونها، وهذا ما يركز عليه مؤسس التطبيق منذ البداية، والذي يعتبر أن التطبيق بروتوكولًا وليس شركة أو تطبيقا، بل قواعد وإجراءات لحماية خصوصيات الأفراد وسيادتهم، وخطوة لإعادة حلم لامركزية الإنترنت.

في ظل وجود التطبيق بهذه النسخة فإنه يواجه الكثير من التحديات، كأي تطبيقٍ في بداياته، لعل أهمها انتشاره ونجاحه، فهذا التطبيق لن يوصل الرسائل -بنسخته الحالية- من مسقط إلى ظفار، في ظل وجود مساحات شاسعة خالية من الوجود البشري أو أجهزة هواتف تحمل تطبيق بت شات، كما أن الكيانات التي تتحكم في منصات التواصل وشبكات الاتصالات قد تحدّ من انتشاره، خاصة أنه قد تحتاج إلى إنترنت لتثبيت التطبيق أصلا، وهناك تاريخ طويل لكثير من التطبيقات التي يتم حظرها فقط لأن أفرادًا في حكومةٍ ما يرون أن التطبيق فيه تهديد للأمن القومي، ومن ضمنها -مثلا- تطبيق استخدمه نفس المتظاهرين -آنفي الذكر- في هونج كونج لتجنب الوقوع بيد الشرطة، ودائما ما تستسهل الحكومات الضغط على شركات متاجر التطبيقات، التي تربطها بها علاقات وعقود ومصالح، لتقوم بحظر التطبيقات التي لا توائمها.

من التحديات كذلك أن استخدام أجهزة المستخدمين لنقل الرسائل قد تستهلك الكثير من موارد أجهزتهم، فهي تعتبر خوادم سيرفرات ومحطات لنقل الرسائل. علاوة على ذلك فالتطبيق لا يزال عرضة للكثير من أخطار الأمن السيراني، فالكثير من المحللين والفاحصين التقنيين أكدوا أنه يمكن شن حملة كبيرة ممنهجة ضد كل مستخدمي التطبيق لتغيير كل أسمائهم أو معرفاتهم الشخصية، كما أن الفاحصين وجدوا أخطاءً كبيرة في هيكلة التطبيق، تحتاج إلى إعادة بناء من جديد، وهذا ربما منطقي في ظل أنه لا يزال في نسخته التجريبية وقد طوره جاك في يومين، وهناك تحديات تواجه شبكات البلوتوث ذاتها، حيث يمكن تشويشها وتحييدها بأجهزة متخصصة!

ولعل أبرز التحديات كذلك، هي التمويل، والجهات المستعدة لهكذا استثمار يمكن أن ينقض مركزية الشركات الكبرى وتوجهات الكثير من الدول، وهذه المشكلة ليست فقط لتطبيقات التواصل من دون إنترنت، فهناك الكثير من التطبيقات التي يمكن أن تقدم خدمات أساسية وضرورية في غياب الإنترنت، ولا تحظى هذه التطبيقات بأي اهتمام أو تمويل حقيقي، فما يعتبره وادي السيلكون في أمريكا أولوية للاستثمار التقني، يتبعه بقية العالم!

الكاتبة النيجيرية «شيكا أوازيي» -على سبيل المثال- كتبت قبل نحو شهر أن وادي السيلكون قد يبدو مخطئًا في رؤيته التقنية، فقد تجد كبار شركاته ومستثمريه يتهافتون على تمويل تطبيق يذكرك بشرب الماء أو لتقييم سلوك كلب الجيران بينما ينأى عن الاستثمار في تطبيق للدفع من دون إنترنت، أو تطبيقات أخرى ضرورية وملحة لحاجة المجتمعات التي قد لا يراها -أو لا يريد رؤيتها- المستثمرون في التقنية في العالم، وها هي التقنية في العالم الرأسمالي تعزز من رفاهية من هم مرفهون ولا تلتفت لحاجات من لا يمتلكون شيئا.

هذا التطبيق -وغيره من التطبيقات المشابهة- لا ينافس تطبيقات ومنصات مثل تويتر وإنستجرام وواتساب في قدراته التقنية والسرعة والمميزات الفنية، بل في البنية التحتية الأخلاقية والحاجة الإنسانية الملحة في الظروف القصوى، وفي فلسفة حرية الإنسان وحرية تواصله وحرية التقنيات التي يستخدمها، وهو بيان واضح يقول إن التواصل يمكن أن يكون حرًّا وبسيطًا وإنسانيًّا، دون الحاجة إلى وسيط. وبالتأكيد أنه يعبّر عن الكثيرين ممن يعتبرون أن التقنية قد قيدت الكثير من الحريات بقيادة كبار الكيانات والدول، والكثيرين ممن يرون أن الإنترنت عاد ليُدار بالطريقة نفسها التي كانت تُدار بها الصحف والقنوات التقليدية. فهل سينجح هذا التطبيق في كسر بعض من القيود التي تسيطر على حريات الأفراد في تواصلهم؟ وهل ستقلل من مركزية شركات الاتصالات ومنصات التواصل الاجتماعي؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام. وبينما نحن في انتظار هذه الأيام التي قد نرى فيها تطورا للمشروع والفكرة، ربما نلتفت قليلًا لنظرية المؤامرة التي تظهر في كل جديد وغريب، لتقول لنا تفاسير لم تخطر ببالنا، فهي تقترح أن مؤسس التطبيق «جاك»، وهو الخبير الشهير، مؤكدٌ أنه يعلمُ ما لا نعلم، ويرى ما لا نرى، وأن انقطاع العالم عن الإنترنت قادمٌ وقريب، وهو يجهزنا ليومٍ مثل ذلك!

المعتصم الريامي مطور ومهتم بالتقنية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التطبیقات التی من دون إنترنت هذا التطبیق أن التطبیق التطبیق فی من التطبیق الکثیر من تطبیق فی یمکن أن کما أن

إقرأ أيضاً:

واتساب يعلن حربًا جديدة على الرسائل المزعجة

بدأت المنصة الأشهر عالميًا في اختبار ميزة جديدة تهدف إلى الحد من الرسائل غير المرغوب فيها التي يرسلها الحسابات المزعجة أو الشركات التجارية المفرطة في الإرسال. 

ووفقًا لتقرير نشره موقع TechCrunch، فإن التجربة الجديدة تعمل على تقييد عدد الرسائل التي يمكن لأي حساب إرسالها دون أن يتلقى ردًا من الطرف الآخر، في محاولة جادة للحد من البريد العشوائي الذي يغزو المحادثات يوميًا.

الميزة التي يجري اختبارها حاليًا تعتمد على خوارزمية ذكية تراقب نشاط الحسابات ذات معدلات الإرسال العالية، إذ يتم تحديد حد أقصى لعدد الرسائل التي يمكن إرسالها شهريًا دون رد. 

ويُقال إن واتساب لا تطبّق هذا القيد بشكل موحّد على الجميع، بل تقوم بتجربة عدة حدود مختلفة للوصول إلى النطاق الأنسب الذي يميز بين المستخدمين العاديين والمُرسلين التجاريين أو مرسلي الرسائل الترويجية المكثفة.

وتشمل هذه الحدود جميع الرسائل الصادرة سواء من الأفراد أو من الشركات، حتى وإن لم يتم فتحها من قِبل المتلقي. إلا أن النظام مصمم بذكاء بحيث إذا قام الشخص بالرد، تُحذف هذه الرسائل من السجل الشهري للحساب، مما يمنح المراسلات الحقيقية مساحة طبيعية دون قيود. كما سيعرض واتساب تنبيهًا للحسابات التي تقترب من الحد المسموح به، لتذكيرها بضرورة تجنب الإرسال المفرط أو العشوائي.

وأكدت الشركة لموقع TechCrunch أن المستخدمين العاديين لن يتأثروا على الأرجح بهذه القيود، موضحة أن الفكرة تستهدف بالأساس الحسابات التي تُرسل كميات ضخمة من الرسائل دون تفاعل حقيقي، وهي سمة شائعة لدى مرسلي البريد العشوائي والمعلنين المزعجين. وأضافت واتساب أن التجربة ستُطبق خلال الأسابيع المقبلة في عدد من الدول، على أن يتم تقييم النتائج قبل تعميم الميزة عالميًا.

هذه الخطوة تأتي استكمالًا لجهود واتساب المتواصلة في محاربة الاحتيال الرقمي والبريد المزعج، وهي معركة تزداد شراسة مع توسع استخدام المنصة في المعاملات التجارية والتسويقية. ففي العام الماضي، أطلقت واتساب ميزة جديدة تسمح للمستخدمين بإلغاء الاشتراك بسهولة من الرسائل التسويقية التي ترسلها الشركات، وهو ما ساهم في تقليل نسبة الإزعاج بشكل ملحوظ.

وفي أغسطس الماضي، أضافت الشركة خاصية تنبيه المستخدمين عند إضافتهم إلى مجموعة من أشخاص غير مسجلين لديهم في جهات الاتصال، بهدف تعزيز الشفافية والحد من عمليات الاحتيال التي تعتمد على التجمعات العشوائية. ولم تتوقف الجهود عند هذا الحد، إذ أعلنت واتساب مؤخرًا أنها حظرت أكثر من 6.8 مليون حساب في النصف الأول من عام 2025 فقط، بعدما تبين ارتباطها بأنشطة احتيالية أو حملات رسائل غير مرغوبة.

تُظهر هذه الإجراءات أن واتساب، المملوكة لشركة ميتا، تسعى لتقديم بيئة تواصل أكثر أمانًا وموثوقية، خصوصًا مع تزايد الاعتماد على التطبيق كوسيلة رسمية للتواصل بين الأفراد والشركات في أكثر من 180 دولة. فالرسائل المزعجة لم تعد مجرد مصدر إزعاج، بل أصبحت أداة استغلال يستخدمها البعض لنشر الروابط الاحتيالية أو سرقة بيانات المستخدمين.

ومن المتوقع أن تساهم الميزة الجديدة في تقليل هذا النوع من الانتهاكات، عبر ردع الحسابات التجارية التي تُفرط في إرسال الرسائل دون إذن أو تفاعل، ما يجعل واتساب بيئة أكثر هدوءًا وسلاسة. وإذا أثبتت التجربة نجاحها، فقد نشهد تعميم هذه الميزة في كل الأسواق قبل نهاية العام.

وبينما ينتظر المستخدمون تفعيل هذه الميزة الجديدة، يبدو أن واتساب ماضٍ في تنفيذ استراتيجيته لحماية الخصوصية وبناء منصة تراعي التوازن بين حرية التواصل والأمان الرقمي، لتظل التجربة على التطبيق الأكثر استخدامًا في العالم أكثر راحة وثقة من أي وقت مضى.

مقالات مشابهة

  • خلف الكواليس .. ما الرسائل التي حملها فانس إلى نتنياهو بشأن غزة؟
  • خرق الهدنة في غزة.. الرسائل الإسرائيلية وصمت الوسطاء
  • اللائحة الجديدة للعمالة المنزلية بين الإصلاح القانوني وتحديات التطبيق المجتمعي
  • واتساب يعلن حربًا جديدة على الرسائل المزعجة
  • ترامب: نتخذ الكثير من الخطوات للحفاظ على وقف النار بغزة
  • ترامب عن تهجير الغزيين: مصر والاردن لديها الكثير من الاراضي
  • انقطاع واسع في الإنترنت يعطل تطبيقات كبرى بسبب خلل في خدمات «أمازون السحابية»
  • محافظ الجيزة: المتحف المصري الكبير سيضيف الكثير للسياحة المصرية
  • «توكلنا» يطلق «درع الخدمة المتميزة» للخدمات الأكثر فاعلية في التطبيق بالمملكة