استجابة النباتات للمؤثرات الصوتية المحيطة وأثرها على الإنتاجية والتأقلم المناخي
تاريخ النشر: 22nd, October 2025 GMT
د. سيف بن علي الخميسي-
تظهر النباتات تفاعلات معقدة مع بيئتها قد تتجاوز قدراتها الإدراكية بشكل أكبر مما كان يعتقد سابقًا، لا سيما مع المؤثرات الصوتية. حيث تشير الأبحاث الحديثة إلى أن النباتات تستجيب للأصوات الطبيعية كتغريد العصافير أو أصوات الحشرات، وكذلك للأصوات الاصطناعية كالموسيقى. هذه الاستجابات ليست ظواهر هامشية، بل تترجم إلى تغييرات فسيولوجية وجينية تؤثر على نمو النباتات وقدرتها على مواجهة الإجهاد المناخي.
تتعرض النباتات، مثلها مثل جميع الكائنات الحية، لمجموعة متنوعة من المؤثرات البيئية في محيطها. وحيث أن استجاباتها للضوء والماء والمغذيات قد تم دراستها على نطاق واسع، فإن تأثرها بالموجات الصوتية يعد مجالًا بحثيًا ناشئًا ومثيرًا للاهتمام. تشير الدلائل العلمية المتزايدة إلى أن النباتات ليست مجرد كائنات سلبية في بيئتها الصوتية، بل إنها تستجيب للمؤثرات الصوتية بطرق معقدة يمكن أن تؤثر على نموها وإنتاجيتها وقدرتها على التكيف مع التحديات المناخية.
تشهد الأبحاث العلمية الحديثة تحولاً جذرياً في فهمنا لقدرات النباتات الإدراكية، حيث تتجاوز استجاباتها للمؤثرات الخارجية نطاق التفاعلات الكيميائية التقليدية. فقد كشفت الدراسات أن النباتات تمتلك قدرة مدهشة على الاستجابة للمؤثرات الصوتية المحيطة بها، سواء كانت طبيعية كأصوات العصافير والحيوانات، أو اصطناعية كالأصوات البشرية والضجيج البيئي. هذه الاستجابات الصوتية تؤثر بشكل مباشر على عمليات النمو والإنتاجية وقدرة النباتات على التكيف مع التغيرات المناخية.
في هذا السياق، يبرز هذا المقال لاستكشاف هذه الظاهرة الفريدة وآثارها المحتملة على الزراعة المستدامة. كما يستعرض هذا المقال الأسس العلمية لاستجابة النباتات للأصوات، وتأثير ذلك على الإنتاجية الزراعية، وإمكانية تسخير هذه المعرفة لتعزيز قدرة النبات على التكيف مع تغير المناخ.
تمتلك النباتات آليات فسيولوجية متطورة للاستجابة للمؤثرات الصوتية، إذ تعتمد هذه الآليات على تحويل الذبذبات الصوتية إلى إشارات كيميائية حيوية عبر قنوات أيونية حساسة ميكانيكياً. تظهر الأبحاث أن الترددات بين 100-1000 هرتز تحفز فتح الثغور النباتية، مما يعزز عملية التمثيل الضوئي وامتصاص ثاني أكسيد الكربون. كما تؤثر الترددات الصوتية المختلفة على التعبير الجيني، حيث تحفز بعض الترددات جينات التمثيل الضوئي، بينما تنشط أخرى الجينات الدفاعية. هذه الاستجابات تختلف باختلاف نوع النبات وخصائص الصوت، مما يشير إلى وجود «لغة صوتية» نباتية معقدة. تفتقر النباتات إلى أعضاء سمعية متخصصة، لكنها تستشعر الذبذبات الصوتية عبر آليات ميكانيكية حيوية. تسهل الذبذبات الصوتية فتح مسامات في الأوراق، مما يعزز امتصاص ثاني
أكسيد الكربون وخاصية النتح، وبالتالي يحسن كفاءة التمثيل الضوئي بنسبة تصل إلى 40% في بعض الأنواع. أشارت الدراسات إلى الذبذبات الصوتية تؤدي إلى تنشيط الجينات في عدد من المحاصيل الزراعية. في الأرز مثلا، تحفز الترددات 125–250 هرتز جينات التمثيل الضوئي مثل «rbcS» المسؤولة عن تركيب إنزيم روبيسكو. بينما في نبات الأرابيدوبسيس، تعزز الترددات 500 هرتز التعبير عن الجينات الدفاعية والمرتبطة بالإجهاد التأكسدي. كما تؤدي تلك الذبذبات إلى توليد إشارات ميكانيكية ، حيث تتحول الذبذبات الصوتية إلى إشارات كهربوكيميائية عبر قنوات أيونية حساسة ميكانيكيًا (مثل بروتينات MSL وMCA)، مما ينشط مسارات دفاعية مشابهة لاستجابات اللمس. بروتينات(MSL) التي تنتمي إلى عائلة القنوات الأيونية المشابهة لـ MscS (المكتشفة أولاً في البكتيريا)، توجد في غشاء الخلية النباتية والبلاستيدات الخضراء. وعند تعرض النبات لذبذبات صوتية أو ضغط ميكانيكي، تفتح هذه القنوات، مما يسمح بتدفق أيونات الكالسيوم (Ca²⁺) والبوتاسيوم (K⁺)، وتنشيط سلسلة إشارات يؤدي إلى تعديل فتح الثغور (تحسين التمثيل الضوئي) ، إضافة إلى تنشيط الجينات الدفاعية (مثل تلك المسؤولة عن إنتاج مركبات مقاومة للآفات). أما بروتينات (MCA) فتوجد في جذور النباتات، وتستجيب للتغيرات في ضغط التربة أو الذبذبات الصوتية. عند تنشيطها، تحفز إنتاج هرمونات النمو (مثل الأوكسين) وإنزيمات مضادة للأكسدة، مما يعزز تمدد الجذور (لتحسين امتصاص الماء والعناصر الغذائية) ، وبالتالي تجنب الإجهاد التأكسدي الناتج عن الظروف القاسية.
في البحث حول السبب الذي دعـا النباتات لتطوير هذه الحساسية، فقد أشارت عدد من المراجع إلى أن النباتات طورت حساسيتها للأصوات والاهتزازات كآلية تكيف للبقاء والنمو في بيئتها. الصوت والاهتزازات هي مصادر معلومات حيوية في أي بيئة. على سبيل المثال، يمكن للاهتزازات الناتجة عن حشرة تمضغ ورقة أن تحفز النبات لإنتاج مواد كيميائية دفاعية. كما أن صوت جريان الماء تحت الأرض يمكن أن يوجه الجذور للنمو في اتجاهه. هذه الحساسية لم تتطور من أجل «الاستمتاع» بالأصوات، بل كوسيلة عملية للاستجابة للمؤثرات البيئية التي تحمل معلومات مهمة.
لكن، كيف «تسمع» النباتات وتعالج الموجات الصوتية؟ النباتات لا تملك آذاناً أو جهازاً عصبياً مركزياً كما في الحيوانات، لذا فإن «سماعها» يختلف جذرياً. هي تستشعر الاهتزازات الميكانيكية التي تسببها الموجات الصوتية. يتم هذا الاستشعار عبر آليات خلوية من أهمها المستقبلات الميكانيكية (Mechanoreceptors)، والتي هي بروتينات وقنوات أيونية حساسة للضغط والشد في أغشية الخلايا. فعندما تتعرض الخلية لاهتزاز صوتي، يتغير شكل هذه البروتينات، مما يؤدي إلى فتح قنوات الكالسيوم. وهناك ما يسمى بإشارات الكالسيوم ، حيث يؤدي تدفق أيونات الكالسيوم إلى داخل الخلية إلى إطلاق سلسلة من التفاعلات الكيميائية الحيوية، التي تعمل كإشارة داخلية. أما الاستجابة الهرمونية والجينية فهي إشارات كيميائية تحفز إنتاج هرمونات نباتية (مثل الإيثيلين والياسمونات) وتنشط أو تثبط جينات معينة، مما يؤدي إلى استجابة فسيولوجية، مثل نمو أسرع أو إنتاج مواد دفاعية.
يحمل فهم استجابة النباتات للصوت إمكانات واعدة لتحسين الإنتاجية الزراعية. لقد استكشفت العديد من الدراسات تأثير «الموسيقى الصوتية» أو ترددات صوتية محددة على المحاصيل المختلفة، وأظهرت نتائج ملحوظة لتحفيز إنبات البذور حيث وجد أن تعريض البذور لاهتزازات صوتية يمكن أن يسرّع من عملية الإنبات ويزيد من معدلاته. ويعتقد أن الاهتزازات تساعد في كسر سكون البذرة وتحفيز العمليات الأيضية اللازمة للنمو. وأظهرت تجارب أجريت على محاصيل مثل الخيار والطماطم والفراولة أن تعريضها لموجات صوتية بترددات محددة ولفترات معينة يمكن أن يؤدي إلى زيادة في طول الساق، ومساحة الأوراق، وكمية المحصول النهائي. ولتحسين امتصاص المغذيات ، يمكن للموجات الصوتية أن تعزز من قدرة الجذور على امتصاص الماء والعناصر الغذائية من التربة، مما يؤدي إلى نباتات أكثر صحة وقوة. تشير بعض الأبحاث الأولية إلى أن ترددات صوتية معينة قد تكون طاردة لبعض الحشرات الضارة، مما يوفر بديلاً صديقًا للبيئة للمبيدات الكيميائية.
في المقابل تشير عدد من الدراسات أن الأصوات الطبيعية تلعب دوراً حيوياً في النظام البيئي النباتي. فصوت العصافير، على سبيل المثال، يعمل كمنشط حيوي طبيعي، حيث تزيد ذبذبات تغريد الطيور من مسامية الثغور النباتية بنسبة تصل إلى 30%. كما تساهم أصوات الحشرات كأزيز النحل في تحسين عمليات التلقيح، حيث تحفز الذبذبات الصادرة عن أجنحة النحل إطلاق حبوب اللقاح في بعض أنواع الأزهار. ومن المثير للاهتمام أن النباتات تطورت لتستجيب بشكل انتقائي لأصوات الحشرات، حيث تفرز مواد دفاعية عند استشعار ذبذبات مضغ الآفات، بينما تستجيب بشكل إيجابي لأصوات الملقحات النافعة.
تعمل ذبذبات تغريد العصافير كمنشط حيوي للنباتات، حيث تزيد من مسامية الثغور بنسبة 15–30%، مما يحسن امتصاص العناصر الغذائية . وقد أظهرت دراسات أن النباتات القريبة من مصادر التغريد تنمو أسرع بنسبة 20% مقارنة بتلك المعزولة صوتيًا. من ناحية أخرى فإن أزيز النحل (200–500 هرتز) يحفز إطلاق حبوب اللقاح في أزهار الطماطم والفلفل، مما يزيد معدلات التلقيح . بالمقابل، تكتشف العثرات أصوات «صرخات» النباتات المجهدة (20–100 كيلوهرتز) وتتجنب وضع بيوضها عليها، مما يقلل الإصابة الآفات. عند مهاجمة آفة معينة لنبات الملفوف، يصدر ذبذبات إنذارية (كتواصل نباتي صوتي) لتدفع النباتات المجاورة لإفراز سموم طاردة. لا تكتفي النباتات باستشعار الأصوات إذًا، ولكن تصدرها أيضاً. فقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن النباتات تصدر أصواتًا غالبًا ما تكون في نطاق الموجات فوق الصوتية (20-100 كيلوهرتز)، أي خارج نطاق السمع البشري. الفرضية الرئيسية هي أن هذه الأصوات تنتج عن عملية ”التكهف» (Cavitation)، وهي تكون وانفجار فقاعات الهواء داخل النسيج الوعائي الخشبي (Xylem) الذي ينقل الماء. عندما يكون النبات تحت ضغط، مثل الجفاف أو عند قطع ساقه، يزداد التوتر في أعمدة الماء، مما يؤدي إلى تكوين هذه الفقاعات وانفجارها، مُصدرةً «نقرات» فوق صوتية. استجابة النباتات للرياح هي ظاهرة مدروسة جيدًا وتعرف باسم ((Thigmomorphogenesis «التكون الشكلي» استجابة للمس). الرياح ليست مجرد «صوت» بل هي قوة ميكانيكية مستمرة. والنباتات التي تتعرض للرياح بانتظام تميل إلى أن تكون أقصر وذات سيقان أغلظ وأقوى. كما تؤدي الرياح إلى زيادة إنتاج الأنسجة الداعمة ، عن طريق تحفيز إنتاج أنسجة مثل الخشب Lignin) ) لزيادة الصلابة ومقاومة الكسر.
ونتيجة الحركة التي تنتج من الرياح يوجه النبات المزيد من الطاقة لنمو الجذور بدلاً من الساق لتعزيز ثباته في التربة.
تختلف استجابة النباتات للأصوات البشرية المنشأ بشكل كبير حسب نوع الصوت وشدته. فقد أظهرت الدراسات أن الموسيقى الكلاسيكية ذات الإيقاع المنتظم يمكن أن تحفز النمو النباتي، بينما تؤدي الأصوات الصاخبة غير المنتظمة إلى إعاقة النمو. كما أن التلوث الضوضائي الناتج عن النشاط البشري، مثل ضوضاء المرور والآلات، يسبب إجهادًا نباتيًّا واضحًا، يتمثل في انخفاض معدلات النمو وتراكم هرمونات الإجهاد.
التلوث الضوضائي له تأثيرات سلبية موثقة على النباتات، وإن كانت غير مباشرة في الغالب. من التأثيرات غير المباشرة: التأثير على الملقحات والحيوانات الناشرة للبذور. فالضوضاء البشرية (مثل ضوضاء حركة المرور) يمكن أن تطرد الطيور والحشرات التي تقوم بتلقيح الأزهار أو نشر البذور. على سبيل المثال، أظهرت دراسة انخفاضًا بنسبة 75% في شتلات الصنوبر في المناطق الصاخبة بسبب ابتعاد الطيور التي تنشر بذورها. غير أن المثير للقلق هو أن هذه التأثيرات قد تستمر حتى بعد زوال الضوضاء. الحيوانات التي تعلمت تجنب منطقة صاخبة قد لا تعود إليها بسرعة، مما يترك أثرًا بيئيًّا طويل الأمد على تكاثر النباتات في تلك المنطقة.
تأثير الموسيقى الكلاسيكية مقابل الروك على نمو النباتات كانت النقطة الأكثر إثارة للجدل وفيها الكثير من الأبحاث، غير أن تلك الأبحاث تفتقر للدقة العلمية الصارمة وما تزال مبكرة. تطرقت الأبحاث إلى تفسير لماذا تستجيب النباتات للموسيقى الكلاسيكية؟ الفرضية السائدة هي أن الموجات الصوتية للموسيقى الكلاسيكية، التي غالبًا ما تكون ذات ترددات منخفضة (100-500 هرتز) وإيقاعات متناغمة، تحاكي اهتزازات طبيعية مفيدة في بيئة النبات. هذه الاهتزازات قد تحفز حركة السيتوبلازم داخل الخلايا(cytoplasmic streaming)، مما يعزز نقل العناصر الغذائية ويسرع العمليات الأيضية.
الكثير من الأبحاث المبكرة، خاصة تلك المذكورة في كتاب ”The Secret Life of Plants“ المنشور عام 1973، تعرضت لانتقادات لكونها غير دقيقة وتعتمد على الملاحظة أكثر من التجربة المضبوطة. من السهل الوقوع في فخ افتراض أن ما هو «ممتع» للإنسان هو كذلك للنبات. وهذا ما يحاول العلماء اليوم تجنبه من خلال التركيز على آليات فيزيائية وكيميائية حيوية قابلة للقياس، بدلاً من المفاهيم الذاتية مثل «الاستمتاع». «الإيقاع المنتظم» في هذا السياق يعني موجات صوتية متناغمة وغير فوضوية. موسيقى الروك غالبًا ما تحتوي على ترددات عالية وغير منتظمة واهتزازات حادة، والتي قد تفسَر من قبل النبات كإشارة خطر أو إجهاد ميكانيكي، مما يدفعه إلى استجابة دفاعية قد تعيق النمو.
لكن، ماذا لو عزف الروك بترددات منخفضة ومنتظمة؟. الأبحاث تشير إلى أن التردد والشدة هما العاملان الرئيسيان، وليس «النوع» الموسيقي بحد ذاته. وإذا تم عزف موسيقى الروك بترددات وضغط صوتي (ديسيبل) يقعان ضمن النطاق الذي يحفز النمو (مثلاً 150-250 هرتز)، فمن المحتمل نظريًا أن يكون لها تأثير إيجابي. إذن القضية ليست في «موزارت-كلاسيك» مقابل «ميتاليكا – روك»، بل في الخصائص الفيزيائية للموجات الصوتية الناتجة.
ومع ذلك، بدأ الباحثون في استكشاف إمكانية استخدام الأصوات الاصطناعية المنسقة لتحفيز نمو المحاصيل الزراعية، حيث أظهرت بعض التجارب نتائج واعدة في هذا المجال. في تجارب على نبات الزنبق، زادت نموًا باتجاه مصدر الموسيقى الكلاسيكية (موزارت)، بينما انحرفت عن موسيقى الروك الصاخبة. ويعزى ذلك إلى تناسق الذبذبات المنخفضة التي تحاكي الترددات الطبيعية. أما ضوضاء المرور (أعلى من 85 ديسيبل) فتثبط نمو الجذور وتقلل تركيز الكلوروفيل، كما تزيد إنتاج هرمون الإجهاد «جاسمونيت» بنسبة 35%. في الصين، حققت تقنية «الموسيقى الخضراء» زيادة بنسبة 17% في محصول القطن عند تعريضه لذبذبات 250 هرتز لمدة 3 ساعات يوميًا. تشير الأدلة العلمية إلى أن المؤثرات الصوتية يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في تعزيز قدرة النباتات على التكيف مع التغيرات المناخية. فبعض الترددات الصوتية تحفز إنتاج البروتينات الحرارية التي تحمي الخلايا النباتية من الإجهاد الحراري. كما يمكن للذبذبات الصوتية المناسبة أن تحسن كفاءة استخدام المياه في النباتات، وهي خاصية بالغة الأهمية في ظل ظروف الجفاف المتزايدة. بالإضافة إلى ذلك، بدأ العلماء في استكشاف إمكانية استخدام الأصوات كأداة لاستعادة النظم البيئية المتدهورة، مستوحين هذه الفكرة من النجاحات المسجلة في النظم البيئية البحرية. يمكن توظيف الصوت كأداة دعم للتكيف مع تغير المناخ وتحمل الجفاف، حيث يمكن للنباتات المعرضة لذبذبات 500 هرتز أن تنتج بروتينات شادة للحرارة (HSPs) تحمي الخلايا من التلف الحراري، كما ترفع كفاءة استخدام المياه بنسبة 25%. تعمل الذبذبات الصوتية على تثبيت
الكربون من خلال تعزيز نشاط إنزيم «روبيسكو» المسؤول عن تثبيت الكربون، مما يساهم في تخفيف غازات الاحتباس الحراري. كما تعمل الذبذبات الصوتية أيضا على استعادة النظم البيئية، ففي أستراليا، نجح بث أصوات الشعاب المرجانية الصحية في جذب يرقات المحار لاستعمار مناطق متدهورة، ويمكن تطبيق هذا النموذج على النباتات باستخدام أصوات الغابات.
أظهرت بعض الدراسات أن النباتات التي تعرضت لمعالجة صوتية أظهرت مقاومة أفضل للجفاف. ويعتقد أن الصوت يحفز إغلاق الثغور (المسامات الصغيرة على سطح الورقة)، مما يقلل من فقدان الماء عن طريق النتح. كما يمكن للموجات الصوتية أن تحفز إنتاج بروتينات الصدمة الحرارية (Heat Shock Proteins) وغيرها من المركبات الواقية التي تساعد الخلية النباتية على تحمل الظروف البيئية القاسية. من خلال «تدريب» النباتات صوتيًا، قد نتمكن من إعدادها بشكل أفضل لمواجهة الضغوط البيئية المستقبلية، مما يقلل من الخسائر في المحاصيل ويساهم في استدامة الزراعة في مواجهة المناخ المتغير.
فكرة أن تكون الأصوات بديلا عن المبيدات الحشرية تبدو أقرب للتطبيق الفعلي. والبحث في هذا المجال يسمى «الصوتيات البيئية التطبيقية». يمكن مكافحة الآفات عن طريق استخدام ترددات صوتية معينة لتعطيل سلوك الحشرات، مثل التزاوج أو وضع البيض، أو حتى طردها من الحقول، وهنا يكون التأثير الوقائي للنباتات بشكل غير مباشر. ومن حيث تعزيز المناعة فقد أظهرت الأبحاث أن تعريض النباتات لموجات صوتية معينة يمكن أن يعزز جهاز المناعة لديها ويجعلها أكثر مقاومة للأمراض الفطرية والفيروسية. في فرنسا مثلا استخدم مزارعون موجات صوتية لإنقاذ محصول الكوسا من فيروس، حيث أوقفت انتشار المرض وزادت من إنتاجية المحاصيل السليمة. الفكرة هنا طرد الحشرات الناقلة للفيروس مما أدى إلى عدم انتشاره وانتقاله إلى المحاصيل السليمة. قد لا يكون هذا بديلاً كاملاً للمبيدات ولكنه يمكن أن يكون جزءًا من استراتيجية «المكافحة المتكاملة للآفات» (IPM)، مما يقلل الاعتماد على المواد الكيميائية.
بشكل عام نستطيع القول بأن المؤثرات الصوتية تشكل بعدًا حيويًا في حياة النباتات، حيث تترجم الذبذبات إلى إشارات بيولوجية تعزز النمو والدفاع والتكيف المناخي. وأن التفاعل مع أصوات العصافير أو تجنب «صرخات» النباتات المجهدة يظهر شبكة اتصالات بيئية معقدة. وتوفر هذه الآليات فرصًا لتحقيق زراعة مرنة، خاصة في ظل ارتفاع وتيرة الجفاف والآفات المرتبطة بتغير المناخ.
تكشف الدراسات الحديثة عن بعد جديد في فهمنا لبيولوجيا النباتات، حيث تظهر قدرة مدهشة على التفاعل مع البيئة الصوتية المحيطة. هذه التفاعلات ليست مجرد ظواهر هامشية، بل تمثل استراتيجيات تكيفية متطورة تساهم في بقاء النباتات وازدهارها. إن فهم هذه الآليات يفتح آفاقًا جديدة للاستفادة من المؤثرات الصوتية في تحسين الإنتاجية الزراعية وتعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية. ومع تزايد التحديات البيئية، يصبح استكشاف هذه التفاعلات أكثر إلحاحًا لتطوير حلول زراعية مستدامة.
في ضوء النتائج الواعدة للدراسات الحالية حول تفاعل النباتات مع المؤثرات الصوتية، يوصي الباحثون بعدة اتجاهات رئيسية للبحث المستقبلي. أولاً، من الضروري تطوير أنظمة مراقبة دقيقة قادرة على رصد الاستجابات النباتية للموجات الصوتية في البيئات الطبيعية، مع التركيز على تصميم مجسات حساسة للذبذبات فوق الصوتية التي تصدرها النباتات. ثانيًا: يمكن استحداث تقنيات «الزراعة الصوتية الذكية» التي توفر محفزات صوتية مخصصة لأنواع نباتية محددة، مع الأخذ في الاعتبار الخصائص الفسيولوجية لكل نوع. ثالثًا: هناك حاجة ماسة لإجراء دراسات طويلة الأمد لتقييم جدوى استخدام المؤثرات الصوتية في تحسين إنتاجية المحاصيل تحت ظروف الإجهاد المناخي، مثل الجفاف أو الملوحة أو الارتفاع الشديد في درجات الحرارة. رابعًا: يقترح الباحثون استكشاف إمكانية دمج المؤثرات الصوتية في نظم الزراعة الدقيقة، حيث يمكن تخصيص الذبذبات الصوتية حسب احتياجات كل منطقة في الحقل. من المهم تطوير بروتوكولات صوتية قياسية لتعزيز مقاومة النباتات للآفات والأمراض، مع التركيز على فهم الآليات الجزيئية الكامنة وراء هذه الاستجابات الدفاعية.
إن مجال دراسة تأثير الصوت على النباتات، أو ما يعرف بـ «الصوتيات الحيوية النباتية» (Plant Bioacoustics)، لا يزال في مراحله الأولى، ولكنه يقدم رؤى حول كيفية تفاعل النباتات مع بيئتها. كما أن الأدلة المتراكمة تشير بوضوح إلى أن الصوت ليس مجرد ضوضاء خلفية بالنسبة للنبات، بل هو مؤثر بيئي يمكن أن ينظم نموه وإنتاجيته وقدرته على الصمود. ومع تقدم التكنولوجيا، سيصبح من الممكن تطوير أنظمة صوتية دقيقة وموجهة للاستخدام في المزارع والحقول. وتتطلب التحديات المستقبلية إجراء المزيد من الأبحاث لتحديد الترددات والشدة والمدة المثلى للمعالجة الصوتية لمختلف أنواع المحاصيل والظروف البيئية.
خلافًا للاعتقاد الشائع بأن النباتات «تحب» الموسيقى الكلاسيكية، فإن الحقيقة العلمية تكمن في استجابتها للخصائص الفيزيائية للموجات الصوتية، حيث تحفز الترددات المنخفضة النمو بينما قد تسبب الاهتزازات الحادة الإجهاد. ورغم أن فكرة التحدث إلى النباتات تبدو كأسطورة، إلا أن صوت الإنسان يقع ضمن نطاق الترددات المؤثرة، كما أن من يفعل ذلك غالبًا ما يكون أكثر عناية بنباتاته. أثبتت الأبحاث أن النباتات ليست صامتة تمامًا، بل تصدر أصواتًا فوق صوتية عندما تكون تحت ضغط، وهي إشارات تحمل معلومات عن حالتها. من المهم إدراك أن الصوت يعمل كمحفز للنمو وليس كبديل للاحتياجات الأساسية مثل الماء والضوء والأسمدة. وبينما كانت الأبحاث المبكرة تفتقر للدقة، فإن مجال البيولوجيا الصوتية للنبات (Plant Bioacoustics) هو الآن تخصص علمي جاد يدرس هذه التفاعلات بصرامة. في النهاية، الفكرة ليست أن النباتات لديها تفضيلات موسيقية، بل أنها تتفاعل مع الاهتزازات الميكانيكية في بيئتها بطرق قابلة للقياس تؤثر على صحتها ونموها.
د. سيف بن علي الخميسي مدير مركز بحوث النخيل والانتاج النباتي – وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الموسیقى الکلاسیکیة الإنتاجیة الزراعیة استجابة النباتات للموجات الصوتیة الموجات الصوتیة التمثیل الضوئی هذه التفاعلات على التکیف مع مما یؤدی إلى الدراسات أن أن النباتات تحفز إنتاج الصوتیة فی غالب ا ما مما یقلل مما یعزز أصوات ا یمکن أن کما أن فی هذا إلى أن
إقرأ أيضاً:
متحدث الوزراء: اكتمال الاستعدادات اللوجستية داخل المتحف الكبير والمناطق المحيطة
أكد المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء، أن الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء عقد اجتماعا لمتابعة جهود تطوير مسار العائلة المقدسة، في إطار حرص الدولة على تعظيم الاستفادة السياحية والثقافية من هذا المسار المهم الذي يمثل أحد أبرز المشروعات القومية في قطاع السياحة الدينية.
وأوضح الحمصاني في مداخلة مع الإعلامية عزة مصطفى ببرنامج "الساعة 6" على قناة الحياة، اليوم الاثنين، أن الدولة كانت قد أنجزت عددا من المشروعات لإحياء مسار العائلة المقدسة خلال السنوات الماضية، مشيرا إلى أن اجتماع اليوم جاء لبحث عدد من الأفكار والمقترحات الجديدة التي قدمها رجل الأعمال منير غبور، بالتنسيق مع السادة المحافظين ووزيرة التنمية المحلية، بهدف توسيع نطاق التطوير وإضافة مشروعات سياحية وتنموية جديدة على طول المسار.
وأضاف المتحدث الرسمي أن رئيس الوزراء وجه في ختام الاجتماع بإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات المقترحة، والعمل على إزالة أي معوقات قد تواجه تنفيذها، مشددا على أن الهدف هو دعم هذا القطاع الحيوي وتحقيق أقصى استفادة ممكنة منه.
وفي سياق آخر، أشار الحمصاني إلى أن الدولة تستعد حاليا لافتتاح المتحف المصري الكبير خلال أيام، مؤكدا أن جميع الاستعدادات اللوجستية داخل المتحف والمناطق المحيطة به قد اكتملت بالكامل، إلى جانب الانتهاء من أعمال التطوير والتشجير والإنارة في الطرق المؤدية إليه.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
المتحف المصري الكبير افتتاح المتحف الكبير مجلس الوزراء محمد الحمصاني أخبار ذات صلةفيديو قد يعجبك:
إعلان
يوم على الافتتاح
أخبار مهرجان الجونة
المزيدأخبار
المزيدإعلان
متحدث "الوزراء": اكتمال الاستعدادات اللوجستية داخل المتحف الكبير والمناطق المحيطة
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
32 20 الرطوبة: 34% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب مهرجان الجونة السينمائي رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك