أشارت بيانات وزارة المالية المصرية إلى استمرار 14 هيئة اقتصادية مملوكة بالكامل للحكومة، في تحقيق خسائر بلغ مجموعها 14 مليار جنيه في العام المالي 2023/2024، مع تركز تلك الخسائر في الهيئة الوطنية للإعلام التي تشرف على القنوات التلفزيونية الحكومية وعلى الإذاعات والهندسة الإذاعية، بنسبة 85 في المائة من مجمل الخسائر، وهيئة النقل العام في القاهرة الكبرى التي تقوم بتسيير الحافلات العامة في محافظات القاهرة الثلاث: القاهرة والجيزة والقليوبية، وهيئة الأنفاق.



والهيئات الاقتصادية هي هيئات عامة مملوكة للحكومة تهدف للربح، قامت الحكومة بالاستيلاء على بعضها مما سبق وجوده على الساحة قبل عام 952، أو مما قامت حكومات نظام تموز/ يوليو 1952 بإنشائها عبر السنوات المختلفة، من خلال قوانين خاصة بها صدرت أعوام 1957 و1960 و963، مع إصدار قانون خاص بكل هيئة خلال العقود التالية، حتى بلغ عددها حاليا 59 هيئة اقتصادية.

299 ألف عامل بالهيئات الاقتصادية

وبذلك فقد ورثت غالبية تلك الهيئات أوضاعا احتكارية عبر العقود الماضية وما زالت مستمرة حتى الآن، حيث تحتكر هيئة قناة السويس تسيير السفن عبر ممر قناة السويس، وتنفرد هيئة التنمية السياحية بمنح الأراضي للمشروعات السياحية في أنحاء البلاد، وتنفرد هيئة البريد بتقديم خدمة البريد في أنحاء البلاد، وتنفرد هيئة التنمية الصناعية بتقديم التراخيص للمشروعات الصناعية الجديدة أو تجديد التراخيص.

وتنفرد هيئة السكة الحديد بتسيير خدمة القطارات للركاب والبضائع في أنحاء البلاد، وهيئة الاتصالات بمنح التراخيص لشركات الاتصالات، وهيئة الثروة السمكية بتقديم تراخيص المزارع السمكية، وهيئة التجارة الداخلية بمنح التراخيص للمراكز التجارية والمولات، وهيئة المجتمعات العمرانية بإنشاء المدن الجديدة ومنح تراخيص البناء بها، وهيئة التأمين الاجتماعي بالتأمين الاجتماعي على المصريين في الداخل والخارج، وهيئة السلع التموينية باستيراد السلع الاستراتيجية كالقمح والزيت والسكر، وهيئة المطابع الأميرية بطبع القوانين والسجلات الحكومية، وهيئة الشراء الموحد للدواء باستيراد الدواء.

كما تنفرد هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة بمنح التراخيص لمشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية وطاقة المخلفات، وهيئة مشروعات التعمير والتنمية الزراعية بمنح تراخيص استخدام الأراضي الصحراوية، وجهاز تنظيم وإدارة المخلفات بمنح تراخيص العمل للشركات العاملة بمجال جمع القمامة. وكذلك هيئة النقل البري وغيرها، مثل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، وهيئة ميناء الإسكندرية وهيئة ميناء دمياط، وهيئة الموانئ البرية والجافة، وهيئة موانئ البحر الأحمر.

وبإضافة هيئتي التأمين الاجتماعي وبنك ناصر الاجتماعي إلى البيانات المُجمعة للهيئات الاقتصادية، فقد بلغ مجموع الأصول للهيئات في العام المالي 2023/2024 نحو 10.3 تريليون جنيه، وحقوق الملكية 575 مليار جنيه، وحققت صافي ربح 222 مليار جنيه، كما بلغت إيرادات النشاط في ها 1.9 تريليون جنيه، وحصلت على إعانات من الحكومة قيمتها 522 مليار جنيه، كما قامت بسداد فوائد على قروضها بقيمة 60 مليار جنيه، وبلغت أجور العاملين فيها، والبالغ عددهم 299 ألف عامل، 54.5 مليار جنيه.

وهكذا تؤدي تلك الأوضاع الاحتكارية لغالبية الهيئات الاقتصادية بالنشاط الذي تمارسه إلى تحقيق أرباح مضمونة، ومن هنا فقد حققت العديد من تلك الهيئات أرباحا مستمرة ومضمونة. وفي العام المالي 2023/2024 كانت أعلى الهيئات ربحا هيئة قناة السويس بنحو 141 مليار جنيه، تليها هيئة التأمين الصحي الشامل بـ36 مليار جنيه، وجهاز تنظيم الاتصالات بحوالي 10 مليارات جنيه، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بـ9 مليارات جنيه، والهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي تمنح التراخيص للشركات الراغبة بالعمل في المناطق الجغرافية التابعة لها، بخمسة مليارات جنيه.

251 مليار جنيه خسائر مُرحلة

إلا أن هناك أرباحا محدودة القيمة لهيئات أخرى، مثل هيئة تحكيم واختبار القطن بـ7 ملايين جنيه، وهيئة جودة التعليم 8 ملايين جنيه، وجهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز 14 مليون جنيه، وجهاز تنمية سيناء 18 مليون جنيه، ونفس الرقم لهيئة المساحة.

ويمكن ضمان استمرار نمو تلك الأرباح في ضوء زيادة رسوم الخدمات التي تقدمها دوريا، وكذلك زيادة عدد الشركات الحاصلة على التراخيص من خلالها، إلا أن الأداء الحكومي البيروقراطي والتوسع في الاستعانة بالقيادات العسكرية في إدارة الكثير من تلك الهيئات، تسبب في وجود خسائر مزمنة في بعضها أو تراجع ما تحققه من أرباح.

وأبرز  هذه الهيئات؛ الهيئة الوطنية للإعلام، بسبب سيطرة الدولة على المضمون الإعلامي في قنواتها وإذاعاتها، مما صرف الجمهور عنها وبالتالي فقد تراجعت حصيلتها الإعلانية ونشاطها الاستثماري، لتستمر في الخسائر بشكل مستمر منذ أكثر من عشرين عاما حتى بلغت في العام المالي 2023/2024 نحو 11.8 مليار جنيه، والنتيجة بلوغ خسائرها المُرحّلة عبر السنوات 105 مليارات جنيه، مما يدفعها للاقتراض المستمر للاستمرار في النشاط، رغم ما تحصل عليه من إعانات حكومية مستمرة، تتمثل في تكفل وزارة المالية بسداد أجور العاملين في الهيئة. والنتيجة، بلوغ مدفوعات الفوائد فقط خلال العام المالي المذكور 9.4 مليار جنيه، مع توقع الاستمرار في تحقيق خسائر خلال السنوات المقبلة، خاصة في ظل الفجوة الكبيرة بين إيرادات النشاط الذي تمارسه وإجمالي المصروفات، حيث بلغت إيرادات النشاط 1.3 مليار جنيه مقابل إجمالي مصروفات 14.2 مليار جنيه.

وتشير مسألة ضخامة حجم الخسائر المُرحّلة في الهيئة الوطنية للإعلام والتي حلت محل اتحاد الإذاعة والتلفزيون، إلى تكرار تلك الخسائر في العديد من الهيئات حتى بلغ مجموعها 251 مليار جنيه، وهو ما يؤدي من ناحية أخرى إلى تآكل حقوق الملكية بها واضطرارها للاعتماد على الاقتراض، فها هي الهيئة الوطنية للإعلام البالغ رأسمالها 16 مليار جنيه، قد تسببت خسائرها المُرحلة في تحويل حقوق الملكية فيها إلى سالب 88 مليار جنيه. وفي هيئة السكة الحديد بلغت الخسائر المُرحّلة 107 مليارات جنيه، مما حوّل حقوق الملكية فيها إلى سالب 61 مليار جنيه.


ومن أبرز الهيئات المستمرة بالخسارة منذ سنوات طويلة هيئة النقل العام في القاهرة الكبرى، ولقد كانت الحكومة تبرر تلك الخسائر بأنها تقدم خدماتها بأسعار تقل عن القطاع الخاص من باب الدور الاجتماعي للتخفيف عن المواطنين، إلا أن هذا المبرر لم يعد موجودا بعد اتفاقات الإصلاح الاقتصادي التي أبرمتها مصر مع صندوق النقد الدولي، حيث تقوم الهيئة برفع أسعار تذاكر الركوب للحافلات العامة كلما زاد سعر الوقود منذ عام 2014 وحتى الآن، ورغم ذلك فقد بلغت إيرادات النشاط فيها 963 مليون جنيه، بينما بلغت أجور العاملين فيها 2.2 مليار جنيه في نفس العام.

في انتظار قرارات لجنة تقييم الهيئات

ومن الهيئات الخاسرة هيئة الأنفاق المشرفة على خطوط مترو الأنفاق، رغم استمرار رفع قيمة تذاكر مترو الأنفاق في السنوات الأخيرة بمبرر ارتفاع أسعار الكهرباء، لتصل الخسائر إلى 385 مليون جنيه، ورغم حصولها على مساندة حكومية بقيمة 1.378 مليار جنيه في نفس العام، وكذلك أكاديمية تدريب الشباب التي أنشأها النظام الحالي عام 2017 لتدريب الشباب الموالين له، تمهيدا لانتخابات المحليات المؤجلة منذ سنوات، وكذلك للاستفادة منهم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لتحقق خسائر بـ69 مليون جنيه رغم مساندة الحكومة لها بنحو 90 مليون جنيه.

وشملت قائمة الهيئات الخاسرة هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء رغم المساندة المالية الحكومية لها، وهيئة نقل الركاب بالإسكندرية رغم المساندة المالية الحكومية لها، والهيئة الزراعية المصرية، وجهاز تنظيم إدارة المخلفات، وهيئة المشروعات الصناعية والتعدينية، وهيئة استاد القاهرة رغم المساندة المالية الحكومية لها، والهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية للمثلث الذهبي الواقع بين قنا والبحر الحمر، ووكالة الفضاء المصرية رغم المساندة المالية الحكومية لها، وصندوق التنمية الحضرية رغم المساندة المالية الحكومية له، والذي استولى على أراضي العشوائيات في المدن، والمتحف المصري الكبير رغم المساندة المالية الحكومية له.

إلا أن القول بأن هناك 14 هيئة اقتصادية خاسرة فقط أمر غير حقيقي، فهيئة البترول المحتكرة لإنتاج واستيراد وتوزيع المنتجات البترولية والتي بلغت أرباحها 1.5 مليار جنيه، كانت قد حصلت على دعم من الحكومة في نفس العام بقيمة 165 مليار جنيه، وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة التي ربحت 252 مليون جنيه، كانت قد حصلت على دعم قيمته 402 مليون جنيه في نفس العام، وهيئة السلع التموينية التي أسفرت نتائجها عن تحقيق تعادل بين الإيرادات والمصروفات، قد تضمنت إيراداتها الحصول على دعم حكومي بقيمة 150 مليار جنيه، وهيئة التأمين الاجتماعي التي ذكرت أنها حققت تعادلا بين الإيرادات والمصروفات كانت قد حصلت على دعم حكومي بـ202 مليار جنيه.

وفي أيار/ مايو من العام الماضي اجتمعت اللجنة العليا للهيئات الاقتصادية برئاسة رئيس الوزراء، لصياغة معايير لتقييم أوضاع الهيئات الاقتصادية وتحقيق التوازن المالي فيها، كما تم إنشاء لجنة فنية لتقييم الهيئات حسب الأثر الاقتصادي لها وليس حسب التقييم المالي فقط. ومع توالي الاجتماعات، أُعلن في الشهر الأخير من العام الماضي عن الاتجاه لتصفية إحدى الهيئات، ودمج ثلاث هيئات في ثلاث أخرى، وتحويل سبع هيئات من هيئات اقتصادية إلى هيئات عامة، ومنذ ذلك الحين لم نسمع شيئا عن المخرجات العملية للجنة إصلاح وإعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية.

x.com/mamdouh_alwaly

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه المصرية اقتصادية خسائر هيئات مصر اقتصاد خسائر ادارة هيئات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الهیئة الوطنیة للإعلام فی العام المالی 2023 2024 الهیئات الاقتصادیة التأمین الاجتماعی إیرادات النشاط ملیارات جنیه فی نفس العام وجهاز تنظیم ملیار جنیه ملیون جنیه على دعم جنیه فی إلا أن

إقرأ أيضاً:

الساداتي: 400 مليار جنيه مبيعات متوقعة لسوق الدواء المصري في 2025

أكد الدكتور أحمد الساداتي، استشاري تطوير قطاع الصيدليات بالشرق الأوسط وعضو شعبة أصحاب الصيدليات بغرفة القاهرة التجارية، أن السوق الدوائي المصري يشهد خلال عام 2025 رؤية جديدة وطفرة حقيقية على المستويين التنظيمي والتكنولوجي، تعكس ما تشهده الدولة المصرية من اهتمام غير مسبوق بتطوير الصناعة الدوائية وتعزيز الأمن الدوائي للمواطن المصري.

وأضاف الساداتي، خلال تصريحات صحيفة، إن قطاع الدواء في مصر أثبت قدرته على النمو رغم التحديات الاقتصادية العالمية، حتى أصبح من أسرع الأسواق نمواً في المنطقة.

وقدّر أن مبيعات الدواء خلال العام الجاري قد تصل إلى نحو 400 مليار جنيه، مقارنةً بـ306 مليارات جنيه في عام 2024، بنسبة نمو تتجاوز 30%، فيما بلغت مبيعات النصف الأول من عام 2025 نحو 186.7 مليار جنيه، بزيادة تقارب 56% عن الفترة المقابلة من العام السابق، وفقًا لتقارير مراكز الدراسات الدوائية.

وأضاف أن هذا النمو الكبير لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة مباشرة لرؤية الدولة المصرية في دعم الصناعة الوطنية وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في مجال الدواء، إلى جانب الدور المحوري الذي تقوم به هيئة الدواء المصرية في تحديث المنظومة الرقابية والتنظيمية بما يتوافق مع المعايير العالمية.

الدكتور أحمد الساداتي

وتوجه الساداتي بخالص الشكر والتقدير إلى هيئة الدواء المصرية على إنجازاتها الملموسة خلال عام 2025، والتي شملت: « حصول الهيئة على شهادة النضج التنظيمي من المستوى الثالث (ML3) من منظمة الصحة العالمية، وهو إنجاز غير مسبوق على مستوى القارة الإفريقية، وتفعيل منظومة التتبع الدوائي الإلكتروني، التي تمكّن من متابعة حركة الدواء من المصنع إلى المريض، بما يضمن سلامته وجودته ويكافح الغش الدوائي، وتطبيق منظومة “الـ Wash Out” بكفاءة عالية، مما ساهم في ضبط السوق ومنع تكدّس الأدوية المنتهية الصلاحية داخل سلاسل الإمداد، وانعكس إيجابًا على جودة الخدمة وسلامة الدواء المتداول في السوق المصري ».

وأوضح الساداتي أن ما تحقق من إنجازات يُعد نموذجًا يُحتذى به في إدارة المنظومة الدوائية على أسس علمية وتنظيمية متطورة، مؤكدًا أن المرحلة المقبلة تتطلب المزيد من التكامل بين الدولة والقطاع الخاص وهيئة الدواء المصرية، لتحقيق الأهداف الاستراتيجية في الوصول إلى منظومة دوائية رقمية متكاملة.

وأكد الدكتور أحمد الساداتي أن مستقبل سوق الدواء المصري واعد ومبشّر، وأن ما تحقق خلال السنوات الأخيرة يُمثل قاعدة قوية لانطلاق مصر نحو الريادة الإقليمية والدولية في صناعة وتوزيع الدواء، بفضل القيادة السياسية الواعية، والدور التنظيمي المتطور لهيئة الدواء المصرية، وجهود جميع العاملين في هذا القطاع الحيوي

مقالات مشابهة

  • مدبولي: المنطقة الاقتصادية لقناة السويس جذبت استثمارات بنحو 11 مليار دولار
  • مدبولي: استثمارات بقيمة 11 مليار دولار بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس
  • مدبولي: المنطقة الاقتصادية لقناة السويس جذبت استثمارات بـ11 مليار دولار
  • البورصة تواصل الصعود بمكاسب 26 مليار جنيه بنهاية التعاملات
  • الساداتي: 400 مليار جنيه مبيعات متوقعة لسوق الدواء المصري في 2025
  • 20 مليار جنيه استثمارات جديدة في قطاع العقارات
  • «الفاجعة الخفية» مع استمرار الأزمات المعيشية في عدن.. نصف مليار تحوّل شهرياً إلى حساب وزير!؟
  • محكمة بريطانية تُدين آبل وتُلزمها بدفع 1.5 مليار جنيه إسترليني لمستخدميها
  • المصدرين: إعفاء الصادرات المصرية من الجمارك الصينية يعزز الشراكة الاقتصادية