علي جمعة: وجود الشهوات والرغبات ليس معيبًا إنما الانحراف بهذه الأشياء هو المعيب
تاريخ النشر: 27th, October 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك إن هناك حقيقةٌ إيمانية وسلوكية عالية القيمة يمكن أن نضع لها عنوانًا حتى نتفهمها بعمق، وحتى نحفظها، وحتى نحولها كما أرادها ربنا إلى سلوكٍ وعمل، عنوانها "تأجيل المحاكمة".
. الإفتاء تجيب
وتابع: عندنا رغبةٌ أننا نريد أن نحاكم أنفسنا، أو الناس، أو التاريخ، أو الأحداث هنا في الدنيا.
هذه الرغبة من خلق الله، لكن هل نستجيب إليها أو نقاومها؟
وجود هذه الرغبة في البشر ليس معيبًا، كما أن وجود الشهوة في البشر ليس معيبًا، ولا أن جبلنا الله على حب الطعام، وحب المنام، وحب الأنام، وحب الكلام... ليس معيبًا.
وإنما الانحراف بهذه الأشياء هو المعيب، والسرف فيها هو المعيب، وعدم تحكم النفس بشأنها هو المعيب، وارتكاب الحرام لنيلها هو المعيب.
ومره ان وجود هذه الأشياء من شهواتٍ ورغباتٍ وانطباعاتٍ ليس معيبًا.
ليس معيبًا أن تغتاظ، لكن المعيب ألا تسيطر على غضبك وغيظك فتؤذي الآخرين.
قال النبي ﷺ: «لا تَغضب ولك الجنة»، وقال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].
نريد أن نعالج هذا العنوان وهو أن الله سبحانه وتعالى يعلمنا المرة تلو المرة، وفي الآية تلو الآية، تأجيلَ المحاكمة.
يقول ربنا: {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 108].
كلمة "ثم" تفيد الترتيب مع التراخي، أي في مدةٍ، فيريد منك التأمل والصبر والانتظار.
{ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ}، فلا تحاكم أحدًا؛ لأنك لا تعلم أيّكما يموت أولًا، وأيّكما يموت على الخير.
علَّمنا مشايخنا أننا عندما نرى رجلًا عاصيًا ننكر المعصية، ونتركه لله تعالى، ولكن هناك بعض الناس من يريد أن ينصب محكمةً في الدنيا، ويدخل الناس الجنةَ والنار، وكأنه يملك مفاتيح الجنة والنار!
إياك أن تفعل هذا؛ لأنك بهذا الشكل تأخذ خصائص الإله، فهو سبحانه وتعالى لم يُطْلِع أحدًا على الغيب، ولم يُعطِ مفاتيح الجنة والنار لأحدٍ.
وقد بيَّن النبي ﷺ في الحديث أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وعلى العكس من ذلك أيضًا.
فالله تعالى يفعل ما يشاء؛ فهو الذي يعفو، وهو الذي يستر، وهو الذي يدخل الجنة، وهو الذي يدخل النار.
عن جُندبٍ رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «أنَّ رَجُلًا قالَ: وَاللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ. وإنَّ اللَّهَ تَعَالَى قالَ: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ؟ فإني قد غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وأحْبَطْتُ عَمَلَكَ». (صحيح مسلم)
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الشهوات الرغبات الانحراف علي جمعة الذی ی
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: ربنا شرَّفنا بأن جعلنا أمةً وسطًا ووسطَ القوم أعلاهم نسبًا وعلمًا
كتب الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف منشورا جديدا قال فيه: انه جاء عن سيدُنا رسولُ الله ﷺ انه قال: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»، وقال: «إذا رأيتم خلافًا فعليكم بالسواد الأعظم، ومن شذَّ شذَّ في النار»، وقال: «لا تجتمع أمتي على ضلالة». أخذ هذا المعنى ابنُ مسعودٍ، فقال: (ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن).
وأشار إلى أن النبي ﷺ وسَّع لنا أمرَ الحياة؛ لأن الإسلام لكل زمانٍ ومكان، يخاطب كلَّ البشر؛ ولذلك قال ﷺ: «من سنَّ سنّةً حسنة فله أجرها، وأجرُ من عمل بها إلى يوم الدين، ومن سنَّ سنّةً سيئة فعليه وزرُها، ووزرُ من عمل بها إلى يوم الدين». فأمرنا أن نُوسِّع على العالمين.
ونوه ان الأزهرُ الشريف هو حصنُ أهلِ السنة والجماعة، وأهلِ المشرب الصافي، وهو الذي علَّم العالمين والناسَ أجمعين في الشرق والغرب، ودعا إلى الله تعالى تحت عنوان قوله سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾.
ولفت إلى أن ربُّنا شرَّفنا بأن جعلنا أمةً وسطًا، ووسطَ الجبل أعلاه، ووسطَ القوم أعلاهم نسبًا وعلمًا؛ فجعلنا في أعلى الجبل نشاهد الناس أجمعين، ويرانا الناس أجمعون؛ لأن الإسلام جاء رحمةً للعالمين، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.
مذهب الأزهر ومنهجه
وتابع: مذهبُ الأزهر هو العلم، لأن الله سبحانه وتعالى أعلى من شأن العلم، فبدأ وحيَه بقوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾. وقال عز وجل: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. وقال سبحانه: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾. وقال جل شأنه: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.
تحت هذا العنوان تعلَّم الأزهر وعلَّم، ووضع منهجًا دقيقًا للعلم يتلقّاه الطالبُ عن شيخه: عقيدةً، وشريعةً، وأخلاقًا، بعلومٍ يتخصّص فيها، وعلومٍ مساعدةٍ تُعينه على الإدراك.
وأضاف: افتقد بعضُ الناس هذا المنهج، ورأوا أن يتعلّموا على سريرهم في بيوتهم من الكتاب، من غير منهجٍ ولا صحبةِ شيخ، فوقفوا عند رسوم الإسلام، ولم يُدركوا مراميه ومعانيه، ووقفوا عند الظاهر ولم يُدركوا حقائق الأشياء وحقائق الأحكام، ووقفوا عند الجزئي ولم يُدركوا الكلّي، وقدَّموا الخاصَّ على العام، ومصلحتَهم على مصلحةِ الأمة. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
منهجُ الأزهر بعيدٌ عن الغلو؛ لأنهم سمعوا رسولَ الله ﷺ وهو ينهى عن الغلو في الدين، فاتبعوه، أحبّوه، وذابوا ذوبانًا في حبِّ الله ورسوله وأهلِ بيته وأوليائه الصالحين. نهَوا عن الغلو في الدين واعتبروه انحرافًا عن طريق سيدِ المرسلين، كما كان العلماءُ على مرّ التاريخ.
ولكن خَلَفًا من الناس ضيّعوا الدين، والغريب أنهم يحفظون القرآن ويدّعون الدعوةَ إلى الله ورسوله! كيف هذا التلبيسُ والتدليس؟ ماذا نفعل في هؤلاء؟
ارجع إلى الكتاب والسنة؛ فإن رسولَ الله ﷺ لا يتركك وحدك، فرأيناه يقول ﷺ: «سيخرج من أمتي أقوامٌ أحداثُ الأسنان، سفهاءُ الأحلام، يقولون من كلامِ خيرِ البرية، لا يجاوز إيمانُهم تراقيهم».
ما هذا؟ يتكلمون بالحديث؟ نعم. لكن رسولَ الله ﷺ غاضبٌ عليهم؟ نعم؛ لأنهم أصحابُ فتنةٍ وغلوٍّ وتشددٍ، وإغلاقٍ للإسلام على المسلمين؛ فكانوا حجابًا بين الله وخلقه، وفتنةً للناس.
ولذلك، وعلى الرغم من أنهم يتحدّثون بالقرآن والسنة، إلا أنهم ليسوا علماء.
ابحثْ: من هذا؟ من شيخه؟ ما الكتبُ التي قرأها؟ ما الإجازة التي استجازها؟ هل ذهب فتعلَّم سنينَ طوالًا؟ أم أنه العلمُ المغشوش، والمعلوماتُ الفاسدة، والأهواءُ الباطلة؟
روى ابنُ حِبَّان عن سيدِنا النبي ﷺ أنه قال: «إن أخوفَ ما أخاف عليكم رجلٌ من أمّتي قرأ القرآن، حتى إذا رُوِّيت عليه بهجتُه»؛ أي ظهرت عليه بهجةُ القرآن في وجهه وسمته، فمن قرأ القرآن امتلأ جوفُه نورًا، وبدأ هذا النورُ يحيط بسمته، فإذا رأيناه رأيناه صاحبَ سمتٍ طيّبٍ وهيئةٍ مقبولة؛ هذا فعلُ القرآن لقارئيه.
قال ﷺ: «إن أخوفَ ما أخاف عليكم رجلٌ من أمّتي قرأ القرآن، حتى إذا رُوِّيت عليه بهجتُه، مال على جارِه بسيفه، وقال: أشركت».
قالوا: يا رسول الله، أيُّهما أحقُّ بها؟ -أي بالنار والعقوبة- الرامي أم المرمي؟ قال ﷺ: «بل الرامي».
رجلٌ قرأ القرآن من غير علمٍ، ومن غير فهمٍ، فتصدَّر به من غير إجازةٍ من علماء الأمة، فضلَّ طريقَه، لأنه اختلطت عليه الأوراق، ظنَّ أن كلَّ بيضاء شحمة، وأن كلَّ حمراء لحمة، وأن كلَّ سوداء فحمة، فاختلط عليه الأمر، فلم يعد يُميِّز بين التمرة والجمرة.
كلُّ مؤهلاته أنه قرأ القرآن! نعم، ينبغي علينا جميعًا أن نحفظ القرآن، وأن نقرأه ونتلوه بالليل والنهار، على سبيل التديُّن لا على سبيل علمِ الدين؛ فهناك فارقٌ بين «علم الدين» و«التديُّن».
إذا أردتَ العلم فاذهب إلى الأزهر وتعلَّم؛ فالأزهر لا يفرّق بين رجلٍ وامرأة، ولا بين أبيضَ وأسود، ولا بين مصريٍّ وغيرِ مصريّ، بل فتح أبوابَه للجميع.
بعضُ الجهلة ظنّوا حديثًا ما على معنى معيَّن لم يفهمه هكذا العلماء، وهو حديث: «اتّخذوا قبورَ أنبيائهم وصالحيهم مساجد». فظنّوا أن المسجد هو الجامع، بينما المسجدُ هو «موضعُ السجود».
فرمَوا المسلمين بالشرك، واتهموا الأضرحةَ بالوثنية، بالرغم من أن النبيَّ ﷺ مع ضجيعيه أبي بكرٍ وعمرَ في ضريحٍ كبير!
هل تريد أن تتّبع النبيَّ ﷺ؟ اتبعِ النبيَّ إذًا، ولا تقلْ ما لا تعلم.
حسبُنا الله ونِعْمَ الوكيل فيك وفيما اعتقدت. أَغْلِقْ على نفسِك الأبواب، هذا شأنُك، لكن سيدَنا النبيَّ ﷺ لم يفعلْ ذلك؛ فقد كان في مكة، وجلس فيها ثلاثَ عشرة سنة، ولم يقرُبْ أبدًا من أصنامِ المشركين؛
فما بالك بقبورِ أهلِ البيت الموحّدين! وما بالك بقبورِ أولياءِ الله الصالحين! وما بالك بقبورِ العلماءِ المتّقين المنتجبين عبر العصور!
واختتم منشوره قائلا: هذا عمى قلبٍ، وسوءُ فهمٍ، وتشويهٌ للإسلام، ودعوةٌ إلى الغلوّ، والإسلامُ بريءٌ منه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.