مؤسسة الحق للجزيرة نت: ما يجري بالضفة هو إبادة جماعية صامتة
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
رام الله- رغم أن حرب الإبادة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة نقلت على الهواء مباشرة، إلا أن المؤسسات الحقوقية الفلسطينية لم تتمكن من توثيق إلا القليل من الأدلة القانونية.
ويعني ذلك أن أمام هذه المؤسسات جهد كبير وطويل الأمد في تتبع الأدلة وجمع الشهادات على هذه الجرائم، وتحويلها لملفات حقوقية تضمن ملاحقة إسرائيل على كل جرائمها.
ولا يقتصر توثيق هذه الجرائم على أغراض الملاحقة القانونية، بل ضرورة التدوين للتاريخ والمستقبل، وتدرج في المناهج الفلسطينية لتعليمها للأجيال القادمة.
الجزيرة نت حاورت شعوان جبارين المدير العام لمؤسسة "الحق" وهي جمعية حقوق إنسان فلسطينية غير حكومية مقرها رام الله، للتعرف على أولويات العمل في جمع الأدلة والشهادات، والجهود التي تبذلها مع غيرها من المؤسسات الحقوقية لتحضير ملفاتها ورفع المزيد من القضايا ضد الاحتلال وقادته.
وفيما يلي نص الحوار:
حجم الجريمة يفوق قدرات كل المؤسسات في إطار التوثيق. سواء طريقة القتل والتدمير أو استمرارية ذلك على مدار عامين. ولكن برأيي أن الطواقم الطبية والإنسانية من أطباء وممرضين وطواقم الدفاع المدني والهلال الأحمر، هم مصدر المعلومة في هذه المرحلة، ولديهم كل أدلة الإبادة المتاحة للبناء عليها، وهو ما حاول الاحتلال التشكيك به، إلا أن كل المؤسسات الحقوقية ومراكز الأبحاث والمقررين الخاصين -وغيرهم- أقروا بأنها الجهات الأكثر دقة.
ونحن كمؤسسات حقوقية بدأنا بجمع الأدلة خلال الحرب، ولكن لم نستطيع توثيق واحد بالألف من حجم الجريمة، وهو ما يجعل المهمة الآن أصعب.
ويجب أن تدعم عمليات الجمع والتوثيق بفرق مهنية متخصصة، تحديدا في مواضيع التشريح وإطالة عمر الأدلة ليسهل دراستها فيما بعد، وتوفير المعدات الفنية.
إعلانوعلى سبيل المثال، تسلم الجثامين المفرج عنها بحاجة لبروتوكولات عملية تتبع لإثبات عمليات القتل الميدانية والتعذيب المسبق.
وكان لدينا شهادات عن جرائم وقعت بحق الأسرى من تعذيب وحشي وقتل عمد، والآن أصبح لدينا الدلائل على هذه الشهادات، فما نحتاجه توثيق كل حالة على حدة وجمع كل البيانات حولها، وإيجاد طرق لتأخير دراسة بعض الأدلة، مثل إيجاد أساليب لدفن الجثث بطريقة تمنع تحللها بسرعة للعودة لدراستها بشكل احترافي. فهناك العديد من النماذج العالمية في السابق تم فيها نبش المقابر وإثبات الجرائم بعد الكشف عن الجثامين.
وكنا قد احتجنا، لإثبات حالة، إلى معرفة إن كان الشخص قد دفن مع أحشائه أو لا، لو كانت الجثة مدفونة بطريقة علمية صحيحة كان نبش القبر وتحليل الجثة يجيب عن ذلك.
هل هذا يعني أن الفرق المحلية ليست كافية للقيام بهذه المهمة؟ هل نحتاج فرقا حقوقية عربية ودولية؟تكفي ولا تكفي.
ففي الجوانب الفنية العديدة، الطواقم المحلية كافية. ولكن لخصوصية هذه الجريمة المركبة يجب الترتيب والسماح لمكتب الادعاء الدولي للوصول إلى مسرح الجريمة، والحصول على المعلومات التي تهمه وفق الأصول.
ونحن نتحدث عن تنظيم وثائق قانونية بالغة الأهمية للتاريخ كله، ولن يقتصر آثارها على مدى محدود وسيكون لها ارتدادات كبيرة.
وهذه الوثائق سواء كانت شهادة مكتوبة أو مسجلة: الفيديو، الصوت، الشهادات، المحاضر، الرسومات، التقارير، الصور الطبية، صور الأمكنة، وغيرها. وكل أنواع الوثائق مهمة، والأهم كيفية حفظها وتصنيفها بحيث يسهل الرجوع إليها.
وبعض أساليب التوثيق قد يجدها الأهل صعبة عاطفيا، لذلك نحتاج أيضا إلى حملات رفع الوعي العام، كي لا نضيع أي إمكانية لإثبات جرائم الاحتلال، وهو ما نعمل عليه في مؤسسة الحق اعتمادا على طواقمنا القليلة وطواقم المؤسسات الأخرى.
وهنا لا بد من القول إننا نحتاج إلى أساليب ومنهجيات علمية جديدة ترتقي لحجم الجرائم التي حدثت واستمرت على مدار عامين.
فإلى جانب أنها جرائم غير مسبوقة، رغم بعض التقاطعات مع ما حصل عام 1948 مثل استهداف الطواقم الطبية والخدمية والإنسانية، إلا أننا نتحدث عن جريمة غير مسبوقة على مستوى العالم وليس على نطاق فلسطين فقط.
إلى جانب أن هذه جريمة الإبادة الأولى التي تبث بشكل مباشر عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي علينا استخدام كل أنواع التكنولوجيا للحصول على الأدلة وأرشفتها، وكل ذلك بحاجة لطاقات هائلة لا تستطيع الفرق المحلية القيام بها بمفردها.
حتى القضايا التي عملنا عليها خلال الحرب لا تزال مستمرة، وعلى سبيل المثال جريمة الإبادة مستمرة في آثارها. فمثال التجويع وآثاره على المدى الزمني، نحن نتحدث عن جيل كامل سيتأثر على المدى الطويل.
وكل الملفات حاليا ملحة، القتل والتدمير واستهداف المدنيين على قطاع واسع، ومنع مقومات الحياة. ولكن برأيي الأهم حاليا التركيز على حالات الاعتقال والأسر، وباقي الجرائم التي تعرض لها الأسرى من اغتصاب وتعذيب وتنكيل وتجويع.
إعلانوما قمنا بجمعه خلال الحرب لا يذكر مقارنة مع حجم الجريمة، وهذا ليس فقط لملاحقة إسرائيل على جرائمها، وإنما نحن نعتقد أن من حق الأجيال أن تعلم، ويجب التوثيق لكتابة هذا التاريخ وتدريسه للأجيال.
ويجب أن تحمل المناهج الفلسطينية بشكل واضح وجلي حقيقة الجريمة التي وقعت بحق شعبنا الفلسطيني بكل تفاصيلها.
من يقع على عاتقه هذا الدور؟إدراج تفاصيل الإبادة في المناهج المحلية دور الجميع: الرسمي والمدني. وإن خضع المستوى الرسمي لضغوطات إسرائيل وأميركا، فعلى المجتمع المدني القيام بذلك حتى لو لجأنا إلى التعليم الشعبي واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل المتوفرة. وهذه مسؤولية إنسانية أخلاقية وطنية تاريخية بكل المعاني.
تنفيذا لبنود صفقة التبادل سلمت إسرائيل العشرات من الجثث التي وصلت القطاع، فهل وجدت عليها أية دلائل جرائم؟ما رأيناه من حالة هذه الجثث دليل على الجريمة بمعناها الممنهج وخاصة مع تكرار الحالات، أي أنها سياسة رسمية.
وكنا نقول في كل تقاريرنا إن هناك حالات إعدام ميداني للأسرى بعد اعتقالهم، وإن هناك آلافا من الأسرى مصائرهم مجهولة. والآن نحن نرى الدلائل واضحة على الجثث التي تم تسليمها. وهناك جثث سلمت ولا تزال مكبلة إلى الخلف كما اللحظة التي اعتقل فيها أصحابها، مما يدلل على جرائم تعذيب وقتل متعمد.
في الإطار نفسه كانت هناك مطالب لجمع الشهادات العاجلة للأسرى الذين تحرروا بالصفقة، خاصة الذين أبعدوا للخارج، فمن المسؤول؟نعتبر الأسرى المفرج عنهم مصدر بالغ الأهمية، لذا على الجميع البدء بجمع الأدلة والشهادات منهم، قبل اختفاء علامات التعذيب من سوء المعاملة والجوع وقلة الطعام. وتوثيق ما حدث لهم بشكل شخصي، أو ما سمعوه عن غيرهم.
نحن كمؤسسة لم نبدأ بعد لأننا لا نملك طواقم خارج البلاد، والعمل في الدول العربية يحتاج لتصاريح. ولكن أرى أن على المؤسسات الحقوقية العربية في الدول التي أبعدوا لها أن تقوم بهذه المهمة، ليتمكنوا من الحصول على كل المعلومات وأن تكون شهادات مرئية أمام الكاميرا قبل أن تختفي الآثار.
من أهم المهام الآن هو البناء على هذه الحالة، من حيث التعميق وبناء العلاقات والتواصل مع المجتمعات المختلفة، والحديث أكثر عن الجرائم وإبرازها. صحيح قد نحتاج لسنوات لتوثيق كل حالة، ولكن يجب ألا نفقد ذاكرة وأصحاب هذه القصص الآن، وهو ما يعني ضرورة العمل عليها من خلال منهجية تطبقها جميع مؤسسات المجتمع المدني والرسمية، ويجب حملها من قبل هذه المؤسسات كلا بحسب قنواته إلى العالم. وعلى الجميع الاستمرار بالحديث عن الإبادة بصفتها حدثا مستمرا حتى بعد وقف إطلاق النار.
هل لدينا إستراتيجية وطنية لذلك؟للأسف لا يوجد. الآن علينا العمل على إيجاد هذه الخطة، وهذا منوط بكل مكونات المجتمع المدني الفلسطيني، إلى جانب الرسمي الفلسطيني للنقاش من أجل التوصل لها.
هل هناك مسار سياسي فلسطيني يدعم عملكم الحقوقي؟السلطة الفلسطينية الآن مستبعدة من المسارات السياسية التي يتم التعامل فيها مع القضية الفلسطينية. ووضعها اليوم أسوأ مما نعتقد، فهي لا تتحكم في أموالها ولا تحمي المواطن، حتى لو كان في مناطقها.
وأي مسار سياسي لا يرتكز على القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني الأساسية من تقرير المصير والعودة…وغيرها، محكوم عليه بالفشل ولا يعول عليه، وهو ما لا تستطيع السلطة الآن فرضه.
والأصل أن دور السلطة هو الأساس، ولكن حتى الآن لا يوجد لها أي دور. ولكن ما نقوله حاليا، ما ننتظر من السلطة ومؤسساتها هو عدم غلق الأبواب في وجهنا كمجتمع محلي للقيام بدورنا ودورها.
إعلان رغم ثقل الجرائم الإسرائيلية بالقطاع على مدار العامين الفائتين، لم تكن الضفة بمنأى عما يجري، فكيف يمكن متابعة ذلك قانونيا؟ما يجري في الضفة هو إبادة جماعية صامتة. فإسرائيل تحاول فرض جوهر المشروع الصهيوني العميق الذي يقوم على فرض الحقائق على الأرض وطرد السكان وإحلال المستوطنين من خلال تحويل الضفة إلى سجن كبير. ويضاف له الحصار الاقتصادي والضعف الهائل للجسم المدني الرسمي وعجزه عن تقديم خدمات، كل ذلك لدفع الفلسطيني للبحث عن مستقبله خارج البلاد.
ولذا حان الوقت للعمل على تقوية الجبهة الداخلية والعمل على دعم الفلسطينيين على البقاء والصمود. ودوليا علينا الضغط على الدول التي اعترفت بفلسطين لإعطاء معنى عملي للاعتراف، وتحويله لإجراءات على الأرض لإنهاء الاحتلال أيضا.
لم يتم البت فيها بعد، وعادة ما تأخذ مثل هذه القضايا وقتا طويلا. ولكن الآن علينا تطوير الملف المقدم بحيث يتضمن كل الجرائم التي حدثت بعد تقديمها وما تم كشفه بعد وقف الحرب.
مؤسستكم خاضعة لعقوبات أميركية لاتهامات بالمشاركة في إعداد ملفات لملاحقة إسرائيل، إلى أي حد يقيد هذا نشاطَ مؤسستكم وغيرها في إعداد الملفات؟الملاحقات لم تتوقف وهي ليست بالجديدة، وهي على مستويين فردي ومؤسساتي، ونواصل العمل على هذه الملفات، ونتوقع المزيد من التضييق.
ويوجد كل يوم ضغط وملاحقة من اللوبي الصهيوني حول العالم ضدنا، عبر التشهير، والتضييق، والتهديد، ومطالبات بملاحقتنا واستهدافنا واتهامنا بمعاداة السامية.
وعلى المستوى المؤسساتي أيضا، فقد أصاب القرار الأميركي الأخير الدعم الموجه للمؤسسة والتمويل الخاص بها في مقتل. لدينا في المؤسسة 45 موظفا بلا رواتب من شهرين. ورغم ذلك لا يوجد خيار أمامنا إلا الاستمرارية، ولا يحق لنا التراجع عن هذا العمل الوطني المهم من أجل الأجيال القادمة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات المؤسسات الحقوقیة الجرائم التی خلال الحرب على هذه وهو ما
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع ترتكب جرائم إبادة جماعية في الفاشر أكثر من ألفي قتيل واختطاف أطباء
أفادت بيانات وتقارير ميدانية اليوم الثلاثاء بأن قوات الدعم السريع نفذت عمليات قتل واسعة بحق المدنيين في الفاشر واختطفت عدة أطباء، وذلك بعد سيطرتها على المدينة التي حاصرتها لشهور.
وقالت القوة المشتركة للحركات التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، في بيان لها إن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم بشعة بحق المدنيين الأبرياء في مدينة الفاشر، حيث قامت بتصفية وقتل أكثر من ألفي مواطن أعزل يومي 26 و27 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ.
وأدانت القوة المشتركة "ما ترتكبه قوات الدعم السريع من جرائم ضد المدنيين"، وحملت تحالف "تأسيس" والدول الداعمة لقوات الدعم السريع كامل المسؤولية الجنائية والأخلاقية والقانونية عما جرى ويجري في مدينة الفاشر من انتهاكات تمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، حسب البيان.
وطالب البيان الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية والحقوقية بضرورة تصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية، وتقديم الجناة للعدالة الدولية.
من جانبها، قالت شبكة أطباء السودان في بيان إن قوات الدعم السريع اختطفت 6 من الكوادر الطبية بالفاشر وتطالب بفدية مالية لإطلاق سراحهم.
وأوضح البيان أن من المختطفين 4 أطباء، فضلا عن صيدلاني وعامل تمريض، ظلوا يقدمون خدماتهم للمرضى والمصابين طيلة فترة حصار الفاشر.
وكانت قوات الدعم السريع سيطرت أمس الاثنين على مدينة الفاشر مركز ولاية شمال دارفور.
وقالت في وقت سابق إنها لا تزال تمشط وتنظف المدينة، وتقضي على آخر جيوب الجيش والمقاومة الشعبية "أثناء محاولاتهم الفرار من المدينة".
جرائم مروعة
من جانبها، قالت وزارة الخارجية السودانية إن حكومة السودان تدين بأشد العبارات ما وصفتها بـ"الجرائم الإرهابية المروعة التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور".
وأكدت، في بيان صدر فجر اليوم الثلاثاء، أن قوات الدعم السريع "ارتكبت ولا تزال ترتكب عمليات قتل عنصري وترويع ممنهجة ضد المدنيين العزّل، بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن، في مشاهد صادمة يوثقها مرتكبوها بفخر ووقاحة، كاشفةً عن طبيعتها الإجرامية التي تحترف الدماء والإرهاب".
وأضافت أن من وصفتها بـ"مليشيا آل دقلو الإرهابية" خططت "لهذه الإبادة الجماعية بحصار الفاشر وتجويع سكانها لعامين ونصف (العام) لتتوجها اليوم بمجزرة مروّعة تضاف إلى سجل المليشيا الأسود من الفظائع والانتهاكات الممتدة من مدينة الجنينة إلى قرى وأرياف ولاية الجزيرة".
وذكرت أن الحكومة السودانية حذرت مرارا المجتمع الدولي من خطورة الصمت والتقاعس، وطالبت بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2736 لعام 2024، إلا أن غياب الإرادة السياسية الدولية مكّن من وصفها البيان بـ"المليشيا الإرهابية ومنحها الضوء الأخضر لتحدي القوانين الدولية والديانات السماوية، وأن تستمر في زهق الأرواح وتدمير المدن وهتك أعراض الشرفاء".