نهاية اقتصاد الاحتيال.. الذكاء الاصطناعي يكشف المستور
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
في عالم باتت فيه الخوارزميات تتحدث بلغة البشر، يقترب أحد أعمق التشوّهات في النظام الرأسمالي الحديث من نهايته، عدم تماثل المعلومات بين البائعين والمستهلكين.
فالذكاء الاصطناعي، الذي صار في جيب كل مستهلك تقريبا، بدأ يبدّد الغموض الذي طالما استغلّته الشركات في العقود والتسعير والخدمات.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الذهب دون 4 آلاف دولار.. هل هي فرصة للشراء؟list 2 of 2أنت مستثمر صغير.. متى وكيف تشتري الذهب؟end of listذكاء اصطناعي يُغلق فجوات الخداع
وترى مجلة إيكونوميست أن التطور السريع في أدوات الذكاء الاصطناعي حوّل علاقة المستهلك بالبائع إلى علاقة أكثر توازنا ومعرفة، فالمستهلك الذي كان يجهل سابقا تفاصيل السلع أو الخدمات التي يشتريها، أصبح قادرا الآن على تحليل العقود، واكتشاف العيوب، وحتى التفاوض الذكي عبر منصات مثل "تشات جي بي تي".
وتوضح المجلة أن "اقتصاد الاحتيال" -حيث تستفيد الشركات من تعقيد المعلومات وغموضها- يواجه خصما غير مسبوق، المساعد الذكي.
فبدءا من مراجعة عقود السيارات وتأجير المنازل، وصولا إلى استشارات الطب والقانون، يُظهر الذكاء الاصطناعي كفاءة في الحد من استغلال جهل المستهلك.
تراجع الإنفاق على الأسواق غير الشفافةووفقا لبيانات "إيكونوميست" المستندة إلى مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي، انخفضت نسبة إنفاق المستهلكين الأميركيين على السلع والخدمات ذات التفاوت المعلوماتي الحاد إلى نحو 25% من إجمالي الإنفاق، بعد أن بلغت ذروتها عند نحو 31% مطلع الألفية الجديدة.
ويشمل هذا النوع من الإنفاق قطاعات مثل التأمين الصحي، والإيجارات السكنية، والخدمات المهنية التي يملك فيها البائع معرفة أكبر من المشتري حول الجودة والسعر.
وتوضح المجلة أن هذا التراجع هو الأكبر منذ 6 عقود، مما يعكس التحول الهيكلي في قدرة المستهلكين على الوصول إلى المعلومات بفضل الإنترنت والذكاء الاصطناعي.
خسائر المستهلكين تكشف هشاشة الأسواقأما في بريطانيا، فالأرقام لا تقل دلالة، فقد أظهرت بيانات "المركز الوطني للأبحاث الاجتماعية" التي أوردتها إيكونوميست أن الخسائر الناتجة عن ضعف الشفافية بلغت ما يعادل 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من أبريل/نيسان 2023 حتى مايو/أيار 2024.
وكانت عمليات شراء المنازل على رأس الخسائر بمتوسط كلفة تجاوز 750 جنيها إسترلينيا للفرد (نحو 975 دولارا)، تلتها السيارات المستعملة التي شكّلت ثاني أكبر مصدر للإضرار المالي.
إعلانوتوزعت باقي الأضرار على قطاعات النقل الجوي، والخدمات القانونية، وصيانة المنازل، وتأجير السيارات، والرعاية المنزلية، مما يبرز حجم الأعباء التي يتحملها المستهلك بسبب ضعف المنافسة والمعلومات.
من الغش إلى المعلومةوتستعيد إيكونوميست ما قدّمه الاقتصادي الأميركي الحائز على "نوبل" جورج أكيرلوف في ورقته الشهيرة عام 1970 حول سوق السيارات المستعملة، حيث بيّن أن غياب المعلومات الدقيقة يؤدي إلى خروج البائعين الصادقين من السوق، وترك المستهلك في مواجهة السلع المعيبة.
لكن المجلة تشير إلى أن عصر الإنترنت، ومن بعده الذكاء الاصطناعي، بدأ يقلب المعادلة، فقد أصبح من الصعب على السائقين استغلال الركاب بطرق أطول، أو على المحامين والأطباء تقديم خدمات باهظة بلا مبرر.
كما تنقل المجلة عن دراسات حديثة أن المستهلكين الذين يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي في التفاوض أو صياغة الشكاوى يحققون نتائج أفضل بنسبة تقارب 9% مقارنة بغيرهم، وفق تحليل أجرته جامعة هونغ كونغ على أكثر من مليون شكوى مقدمة إلى مكتب حماية المستهلك الأميركي.
أسواق المستقبل بين خوارزميتين متنافستينتخلص إيكونوميست إلى أن مستقبل الأسواق سيقوم على توازن جديد بين الذكاء الاصطناعي للمستهلكين ونظرائه لدى الشركات. فبينما تمكّن المستهلك من الحصول على "مستشار رقمي" يحميه من الغش، تعمل الشركات بدورها على تطوير أنظمة "تحسين مولّدات المحتوى" التي تقدم روايات تسويقية مصممة لإقناع الزبائن بالمنتجات نفسها.
وترى المجلة أن هذا "السباق الخوارزمي" قد يفرض في المستقبل القريب وسطاء محايدين من الذكاء الاصطناعي للفصل بين الطرفين، في ظل تلاشي عهد المستهلك "الذي لا يعرف شيئا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الذکاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يحل لغزًا يتعلق بمرض كرون
توصل باحثون من جامعة كاليفورنيا الأميركية في سان دييغو إلى حل لنقاش دام عقودا حول دور أول جين مرتبط بمرض كرون والذي يرتبط بزيادة خطر الإصابة بهذا المرض المناعي الذاتي.
تحتوي الأمعاء البشرية على نوعين من الخلايا البلعمية، أو خلايا الدم البيضاء المتخصصة، والتي لها أدوار مختلفة تمامًا ولكنها متساوية في الأهمية في الحفاظ على التوازن في الجهاز الهضمي. تحارب الخلايا البلعمية الالتهابية العدوى الميكروبية، بينما تقوم الخلايا البلعمية غير الالتهابية بإصلاح الأنسجة التالفة.
في مرض كرون، وهو أحد أشكال أمراض الأمعاء الالتهابية، يمكن أن يؤدي عدم التوازن بين هذين النوعين من الخلايا البلعمية إلى التهاب مزمن في الأمعاء، مما يؤدي إلى تلف جدار الأمعاء ويسبب الألم وأعراضًا أخرى.
طور باحثون في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو نهجًا جديدًا يدمج الذكاء الاصطناعي مع تقنيات البيولوجيا الجزيئية المتقدمة لفك شفرة ما يحدد ما إذا كانت الخلية البلعمية ستصبح التهابية أم غير التهابية.
كما تحل الدراسة لغزًا طويل الأمد يحيط بدور جين يسمى NOD2 في عملية اتخاذ القرار هذه. تم اكتشاف NOD2 في عام 2001 وهو أول جين مرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض كرون.
باستخدام أداة قوية للتعلم الآلي، حلل الباحثون آلاف أنماط التعبير الجيني للخلايا البلعمية من أنسجة القولون المصابة بأمراض الأمعاء الالتهابية ومن أنسجة القولون السليمة. وحددوا بصمة جينية للخلايا البلعمية تتكون من 53 جينًا تفصل بشكل موثوق الخلايا البلعمية التفاعلية الالتهابية عن الخلايا البلعمية التي تعمل على شفاء الأنسجة.
اقرأ أيضا... تطوير طريقة تجعل صورا طبية مولدة بذكاء اصطناعي كالحقيقية
أحد هذه الجينات الـ 53 يُشفر بروتينًا يسمى جيردين. وكشف تحليل إضافي أنه في الخلايا البلعمية غير الالتهابية، ترتبط منطقة محددة من بروتين NOD2 بالجيردين. هذا يمنع الالتهاب الجامح، ويزيل الميكروبات الضارة ويسمح بإصلاح الأنسجة التالفة بسبب أمراض الأمعاء الالتهابية. لكن الطفرة الأكثر شيوعًا لمرض كرون في جين NOD2 تحذف الجزء من الجين الذي يرتبط به الجيردين عادةً. هذا يؤدي إلى خلل خطير في التوازن بين الخلايا البلعمية الالتهابية وغير الالتهابية.
قالت المؤلفة الرئيسية للدراسة الدكتورة براديبتا غوش، أستاذة الطب الخلوي والجزيئي في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو "يعمل NOD2 كنظام مراقبة العدوى في الجسم". عند ارتباطه ببروتين جيردين، يكتشف بروتين NOD2 مسببات الأمراض الغازية ويحافظ على التوازن المناعي في الأمعاء عن طريق تحييدها بسرعة. وبدون هذا الارتباط، ينهار نظام المراقبة الذي يقوم بهبروتين NOD2.
ثم أكد الباحثون أهمية التفاعل بين NOD2 وجيردين من خلال مقارنة نماذج فئران مصابة بمرض كرون تفتقر إلى بروتين جيردين بتلك التي تحتوي على جيردين سليم. ووجدوا أن الفئران التي تفتقر إلى جيردين عانت من خلل في ميكروبيوم الأمعاء وأصيبت بالتهاب في الأمعاء الدقيقة. وكثيراً ما ماتت هذه الفئران بسبب الإنتان، وهي حالة يفرط فيها الجهاز المناعي في الاستجابة للعدوى، مما يسبب التهاباً في جميع أنحاء الجسم وتلفاً للأعضاء الحيوية.
وقال الدكتور غاجانان د. كاتكار، الباحث المشارك الأول في الدراسة، والأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو "الأمعاء ساحة معركة، والخلايا البلعمية هي حماة السلام"، مضيفا "لأول مرة، أتاح لنا الذكاء الاصطناعي تحديد وتتبع اللاعبين في الفريقين المتنافسين بوضوح".
من خلال الجمع بين التصنيف المدعوم بالذكاء الاصطناعي، والكيمياء الحيوية الميكانيكية، ونماذج الفئران، تحل هذه الدراسة واحدة من أقدم النقاشات المتعلقة بمرض كرون. ولا تفسر هذه النتائج كيفية تسبب طفرة جينية رئيسية في المرض فحسب، بل يمكن أن تساهم أيضاً في تطوير علاجات تهدف إلى استعادة العلاقة بين جيردين وNOD2.
مصطفى أوفى (أبوظبي)