30 قرنًا شاهدة على العظمة.. قصة نقل رمسيس الثاني من معبد ميت رهينة إلى المتحف المصري الكبير
تاريخ النشر: 1st, November 2025 GMT
لا صوت يعلو فوق احتفال العالم بالحدث الأضخم في القرن الحالي، حيث يترقب الملايين في مصر ودول العالم حفل افتتاح المصري الكبير بحضور عدد من الرؤساء والملوك والأفواج السياحية.
ويظل نقل تمثال رمسيس الثاني من معبد ميت رهينة إلى المتحف المصري الكبير، من القصص الشاهدة على عظمة أعظم أقدم الحضارات في العالم، وخلال السطور التالية نستعرض مراحل نقل التمثال حتى محطته الأخيرة
اكتشاف تمثال رمسيس الثانيويرجع اكتشاف تمثال رمسيس الثاني إلى عالم الآثار الإيطالي جيوفاني باتيستا كافليليا، في عام 1820بمدينة منف القديمة بقرية ميت رهينة التابعة لمركز البدرشين، على بُعد نحو 25 كيلومترًا من مدينة الجيزة، حيث وجد التمثال المصنوع من الجرانيت الوردي، والذي يزن نحو 60 طنًا، مكسورًا إلى ستة أجزاء، وفاقدًا لقمته وأسفل التاج والقدمين، مع وجود كسر في الساق اليمنى.
كما وجد عالم الآثار الإيطالي، في الموقع نفسه، تمثال آخر لرمسيس الثاني راقدًا على ظهره، منحوت من الحجر الجيري، حيث كان مكسورًا في القدم، ما جعله غير قابل للوقوف، وحاول محمد علي باشا حينها إهداء التمثال إلى بريطانيا، إلا أن المملكة رفضت بسبب صعوبة نقله لضخامته، فتم إنشاء مبنى خاص لحمايته.
نقل رمسيس الثاني من ميت رهينة إلى ميدان باب الحديدوبحسب علماء الآثار، فقد ظل تمثال رمسيس الثاني، راقدًا في أطلال منف لأكثر من 130 عامًا، إلى أن أمر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1954 بنقله إلى القاهرة احتفالًا بالذكرى الثانية لثورة يوليو.
وشهد عام 1955 تنفيذ قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بنقل تمثال رمسيس الثاني إلى ميدان باب الحديد في القاهرة، الذي تم تغيير اسمه إلى «ميدان رمسيس».
وفي عام 1994، تعالت بعض الأصوات لنقل التمثال من ميدان رمسيس، وذلك بعد تعرضه المستمر للتلوث البيئي والاهتزازات الناتجة عن حركة السيارات والمترو، حيث طُرحت عدة مقترحات لنقله إلى أماكن أخرى مثل ميدان الرماية أو أمام دار الأوبرا، إلا أن تلك المواقع لم تكن توفر الحماية الكافية من العوادم والتكدس، ليقع في النهاية الاختيار على موقع المتحف المصري الكبير بهضبة الأهرام.
فك ونقل تمثال رمسيس الثانيوكشفت هيئة الآثار في عام 2004، عن مناقصة مشروع فك ونقل تمثال رمسيس الثاني من ميدان رمسيس إلى موقعه المؤقت بجوار المتحف المصري الكبير، وفازت شركة المقاولون العرب بتنفيذ العملية، وجاء القرار لحماية التمثال من التلوث والاهتزازات التي كانت تهدد سلامته الإنشائية.
وشهد صباح 25 أغسطس عام 2006، بداية عملية النقل التاريخية لتمثال رمسيس الثاني باستخدام أحدث الوسائل الهندسية، حيث تم تجهيز التمثال بغطاء حديدي قوي ورغوة مطاطية لحمايته، ثم ثُبت على جسر معلق يسمح له بالحركة بحرية أثناء الصعود والنزول عبر كوبري المنيب والطرق المنحدرة.
وقد استخدمت القافلة قاطرتين احتياطيتين وعدة أوناش خاصة للطوارئ، واستغرقت الرحلة 11 ساعة كاملة، قُطع خلالها مسافة 30 كيلومترًا بسرعة متوسطة بلغت 5 كيلومترات في الساعة.
أضخم عملية نقل أثر في العصر الحديثتزينت مصر في مشهد تاريخي استثنائي استعدادًا لأهم عمليات النقل الأثري في العالم، حيث تم نقل تمثال الملك رمسيس الثاني على عرشه في البهو العظيم بالمتحف المصري الكبير، وذلك بعد رحلة دقيقة ومليئة بالتحديات نفذتها شركة المقاولون العرب باستخدام أحدث التقنيات لضمان سلامة هذا الأثر الفريد الذي يجسد عبقرية الحضارة المصرية القديمة.
نظام هندسي فريد لنقل التمثال إلى البهو العظيموأُسندت إلى شركة المقاولون العرب في عام 2018 مهمة نقل التمثال من موقعه المؤقت إلى داخل البهو الرئيسي بالمتحف المصري الكبير، وهو ما تطلب إعداد فريق عمل متكامل من مختلف التخصصات الهندسية والفنية.
كما قام الفريق بدراسة الحالة الراهنة للتمثال بدقة، وجرى تغليفه لحمايته أثناء النقل، إلى جانب مراجعة وصيانة النظام الحامل له وإجراء اختبارات فنية متقدمة قبل بدء عملية الرفع والتحريك.
نظامًا هندسيًا متطورًا لنقل رمسيس الثانيوقد استخدم نظامًا هندسيًا متطورًا يعتمد على أربع روافع هيدروليكية تعمل في اتجاهين وبشكل متزامن، لنقل تمثال رمسيس العملاق الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من 9 أمتار ويزن نحو 83 طنًا، وتُعد هذه التقنية أول نظام من نوعه يُستخدم في مصر، إذ يتيح رفع التمثال باتزان كامل عبر نظام تحكم إلكتروني دقيق يمنع أي انحراف أو اهتزاز أثناء التحريك.
كما تم تخصيص المسار المخصص لنقل التمثال لمسافة تقارب 400 متر داخل المتحف، حيث أجرت شركة المقاولون العرب أعمال رفع مساحي دقيقة، وحفريات بعمق 6 أمتار على طول المسار لضمان ثبات الأرض.
وصُمم الطريق ليتحمل الوزن الكبير للتمثال ونظام النقل الذي يضم 128 عجلة موزعة على 16 محورًا لتوزيع الحمل بشكل آمن، كما أجريت اختبارات تحميل شاملة قبل بدء عملية التحريك الفعلية.
وبحسب علماء الآثار، فقد بلغ وزن التمثال وحده المصنوع من الجرانيت الوردي نحو 83 طنًا، بارتفاع يزيد عن 11 مترًا، بينما وصل الوزن الكلي مع القاعدة إلى 123 طنًا.
وقامت المقاولون العرب بإجراء جسات عميقة بعمق 25 مترًا لتصميم القاعدة النهائية، ثم صب القواعد الخرسانية وتثبيت الركائز بدقة لضمان ثبات التمثال في وضعه النهائي داخل البهو العظيم.
اقرأ أيضاًرحلة نقل تمثال رمسيس من الميدان إلى المتحف المصري الكبير
ابتسامة رمسيس تشرق من جديد.. المتحف المصري الكبير يفتح أبوابه للعالم
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: البدرشين المتحف المصري الكبير بريطانيا جمال عبدالناصر محمد علي ميدان الرماية نقل تمثال رمسیس الثانی المتحف المصری الکبیر شرکة المقاولون العرب رمسیس الثانی من نقل التمثال میت رهینة نظام ا فی عام
إقرأ أيضاً:
تعرف على صاحب فكرة نقل تمثال رمسيس الثاني إلى المتحف المصري الكبير
الدكتور المهندس أحمد محمد حسین (1944-2017)، أحد رموز الهندسة الميكانيكية في مصر، وأستاذ بكلية الهندسة- جامعة عين شمس، وصاحب الإنجاز الهندسي الفريد في نقل تمثال رمسيس الثاني إلى المتحف المصري الكبير دون تفكيك.
تخرّج من جامعة عين شمس عام 1965 حاصلًا على درجة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية، ثم نال درجة الدكتوراه في الميكانيكا التطبيقية من جامعة ليفربول في المملكة المتحدة عام 1975.
كرّس الدكتور حسين حياته للعمل الأكاديمي والبحثي والتأليف، فأسهم بمؤلفاته ودراساته في إثراء المكتبة الهندسية المصرية. ويُعد أبرز إنجازاته قيادته لمشروع نقل تمثال رمسيس الثاني الذي يبلغ وزنه 83 طنًا من ميدانه بوسط القاهرة إلى موقعه الجديد بالمتحف المصري الكبير عام 2006، وهو مشروع أظهر ابتكارًا هندسيًا استثنائيًا.
وقد تميز تصميمه العبقري الذي أبقى التمثال في وضع رأسي ثابت أثناء عملية النقل، ليصبح رمزًا للتفوّق الهندسي المصري الحديث. ورغم رحيله عام 2017، ما زال إرثه العلمي والمهني مصدر إلهام للأجيال الجديدة من المهندسين.