كشف فريق من العلماء عن أن الخلايا الجذعية في ديدان البلاناريا لا تعتمد على الاتصال المباشر مع جيرانها من الخلايا الأخرى لتجديد الأنسجة، بل تُدار بواسطة إشارات بعيدة المدى تصدرها أنسجة مثل الأمعاء.

وهذا الاكتشاف، المنشور في دراسة حديثة في دورية "سيل ريبورتس" العلمية، يفتح الباب أمام إعادة التفكير في الكيفية التي يمكن من خلالها دعم الخلايا الجذعية البشرية وتحفيزها على ترميم الأعضاء دون الحاجة إلى "بيئات ثابتة" أو هياكل معقدة من الخلايا المحيطة.

والخلايا الجذعية هي خلايا غير متخصصة، موجودة في معظم الكائنات الحية بما في ذلك البشر، وتمتلك قدرة فريدة على الانقسام والتجدد لتكوين أنواع مختلفة من خلايا الجسم.

ويمكن اعتبار الخلايا الجذعية "المادة الخام"، التي تبنى منها الأنسجة والأعضاء، إذ تستطيع أن تتحوّل إلى خلايا عضلية أو عصبية أو دموية أو حتى خلايا قلب.

يقول أليخاندرو سانشيز ألفارادو من معهد ستاورز للأبحاث الطبية في الولايات المتحدة، وأحد الباحثين المراسلين في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "من المدهش أن كائنا بسيطا مثل البلاناريا يقدّم لنا نموذجًا عن المرونة التنظيمية التي قد تكون موجودة في أصل الحياة المتعددة الخلايا".

ويضيف أن "فهم هذا النظام قد يغيّر الطريقة التي ننظر بها إلى التوازن بين البساطة والفعالية في تصميم الكائنات الحية".

وتعيش ديدان البلاناريا -وهي كائنات مسطّحة صغيرة- غالبا في المياه العذبة، يتراوح طولها عادة بين 3 إلى 15 مليمترا، وتعد من أبطال التجديد في الطبيعة، فإذا قُطِّعت البلاناريا إلى عشرات الأجزاء، يمكن لكل جزء منها أن يُعيد بناء كائن كامل جديد، بما في ذلك الرأس والدماغ والعينان.

ركز الفريق على التحقق من وظيفة الخلايا الهيكاتونوبلاست الجديدة المكتشفة (مؤسسة ستيوارت للأبحاث الطبية)الحيّ الذي تسكنه الخلايا الجذعية

في حديثه عن الدراسة، أوضح ألفارادو أن فريقه قرر دراسة "الحيّ" الذي تعيش فيه الخلايا الجذعية في دودة البلاناريا، ويقول إن "التحليلات أظهرت أن الخلايا الجذعية في البلاناريا تعيش في أحياء خلوية متنوعة عبر النسيج المتوسط، وغالبًا ما تكون بجوار خلايا إفرازية، خصوصًا نوع جديد اكتشفناه أطلقنا عليه اسم ‘الهيكاتونوبلاست’، بالإضافة إلى خلايا بلعمية، وأحيانًا بالقرب من خلايا الأمعاء في اتصال مباشر، وإن كان ذلك نادرا".

إعلان

ويعبر هذا التنوع في الجيرة الخلوية عن بيئة مفتوحة ومرنة، بعيدة كل البعد عن الصورة التقليدية لما تُعرف بـ"البيئة الحاضنة للخلايا الجذعية" في الكائنات الأخرى مثل الثدييات أو ذباب الفاكهة، حيث تكون تلك الخلايا عادة محاطة بخلايا داعمة على تماس مباشر ومستمر.

وركز الفريق على التحقق من وظيفة خلايا الهيكاتونوبلاست الجديدة المكتشفة، لمعرفة إذا ما كانت ضرورية لعملية التجدد، فأزالوا هذه الخلايا باستخدام تقنية التدخل الجيني لتعطيل جين (إي تي إس 2) الذي يحدد هويتها.

يعلق ألفارادو: "لم نلحظ أي تأثير كبير على تكاثر الخلايا الجذعية أو على تجدد الرأس بعد قطعه. بعبارة أخرى، واصلت الديدان التجدد بشكل طبيعي واستعادت بنيتها ووظائفها الحيوية، حتى بعد تعرضها للإشعاع الجزئي. هذا يعني أن الهيكاتونوبلاست ليست ضرورية لعملية التجدد".

بهذه التجربة، أثبت الباحثون أن مجرد القرب المكاني لا يعني بالضرورة وجود اعتماد وظيفي بين الخلايا الجذعية وما يحيطها، وأن هذه الخلايا المجاورة ليست هي التي تملي على الخلايا الجذعية قراراتها المصيرية. لكن المفاجأة الكبرى جاءت من جار آخر للخلايا الجذعية، وهو الأمعاء.

الخلايا الجذعية في البلاناريا لا تعيش ضمن مناطق محددة بل تنتشر في النسيج المتوسط الذي يملأ المسافات بين الأعضاء (مؤسسة ستيوارت للأبحاث الطبية)الجار الخلوي

رغم أن الأمعاء نادرا ما تتلامس مباشرة مع الخلايا الجذعية، فإنها تؤدي، حسب الباحثين، دورا محوريا في التحكم في سلوكها.

ويشرح ألفارادو أن "تجارب التدخل الجيني -التي استهدفت جينات محددة في الأمعاء- أظهرت أن الخلايا الجذعية فقدت قدرتها على التكاثر بعد الإصابة (أي استهداف جينات الأمعاء بتعطيل إشاراتها المُرسلة للخلايا الجذعية)، وتعطلت عمليات تجديد الأنسجة تماما".

ويضيف: "الأمعاء تتحكم في موضع الخلايا الجذعية ضمن النسيج، وتوجه زيادة انقسامها بعد الإصابة، وتؤثر في تكوين الأعضاء الجديدة مثل الدماغ والعيون بعد القطع. هذا يعني أن الأمعاء تبعث إشارات تنظيمية حيوية عبر مسافات طويلة داخل الجسم، تسمح للخلايا الجذعية بفهم مكانها ودورها في عملية الإصلاح".

هذه النتائج تشير إلى أن الإشارات الجزيئية المنبعثة من الأمعاء هي بمثابة "لغة تواصل" فعّالة تتحكم في توقيت انقسام الخلايا الجذعية واتجاه حركتها نحو مواقع الإصابة. أي أن الأمعاء هي العازف الأساسي في منظومة التجدد الخلوي وهي من يقود فريق من العازفين من الخلايا الجذعية.

كما أن من أبرز ما خرجت به الدراسة هو أن الخلايا الجذعية في البلاناريا لا تعيش ضمن مناطق محددة بل تنتشر في النسيج المتوسط الذي يملأ المسافات بين الأعضاء.

يقول ألفارادو: "نقترح أن النسيج المتوسط بأكمله يعمل كبيئة حاضنة ضخمة ومرنة"، ويضيف أن "ميزة هذا النظام أنه يجعل أي قطعة صغيرة من جسم الدودة قادرا على إعادة تكوين الكائن بالكامل، لأن كل جزء يحتوي على الخلايا الجذعية وعلى الإشارات اللازمة لتنشيطها".

من الأسفل للأعلى يظهر نمو دودة بلاناريا مقطوعة خلال 14 يوما (مؤسسة ستيوارت للأبحاث الطبية)تحد للمفهوم الكلاسيكي

لطالما افترض علماء الأحياء أن الخلايا الجذعية تحتاج إلى تماس مباشر ومستقر مع ما تُعرف بـ"الخلية الحاضنة" كي تحافظ على قدرتها على التجدد. لكن نتائج هذه الدراسة تُظهر أن البلاناريا تمثل استثناءً جذريًا.

إعلان

يقول ألفارادو موضحًا: "التعريف التقليدي للبيئة الحاضنة يقوم على فكرة أن الخلايا الجذعية تُنظم من خلال تماس جسدي مباشر مع خلايا متخصصة تحيط بها".

ويضيف "لكن في البلاناريا، وجدنا أن هذه الخلايا نادرا ما تشكل وصلات خلوية ثابتة، ومع ذلك فهي قادرة على التجدد الكامل. هذا يعني أن التنظيم يمكن أن يتم من خلال إشارات قابلة للانتشار من أنسجة بعيدة، وليس بالضرورة عبر تلامس مباشر".

ويرى أن هذا المفهوم الجديد المتمثل في التحكم عن بعد قد يغير الطريقة التي ينظر بها الباحثون إلى هندسة البيئات الداعمة للخلايا الجذعية في الطب التجديدي، حيث يمكن تصميم أنظمة مرنة تتيح للخلايا الجذعية العمل بحرية أكبر دون الحاجة إلى دعم هيكلي صلب.

ويرى ألفارادو أن هذا التصميم البيولوجي يمنح البلاناريا قوة تجدد خلوي فريدة، إذ لا تحتاج خلاياها الجذعية إلى العودة إلى "مقر ثابت" لاستقبال التعليمات، بل يمكنها التحرك بحرية والتفاعل مع الإشارات المنتشرة في البيئة الخلوية السائلة حولها.

الخطوة التالية هي التعرف على الجزيئات الدقيقة التي ترسلها الأمعاء كتعليمات للخلايا الجذعية. يقول ألفارادو: "سنجري فحوصات واسعة النطاق على الجينات المعبرة في الأمعاء ونحلل العلاقات بين المستقبلات والإشارات في النسيج المتوسط". ويضيف أن "فهم هذه الشبكة التنظيمية قد يمكّننا من التحكم في نمو الأنسجة وتجددها عن بُعد، ليس فقط في البلاناريا بل في الكائنات الأعلى، بما في ذلك البشر. في المستقبل، قد نتمكن من تطوير علاجات تعتمد على تحفيز الإشارات التنظيمية بدلاً من زرع خلايا جذعية جديدة".

يشير هذا إلى رؤية جديدة للطب التجديدي، حيث يمكن إعادة توجيه الخلايا الموجودة في الجسم للقيام بعمليات الإصلاح عبر تنشيط إشاراتها الطبيعية، دون الحاجة إلى عمليات زرع أو هندسة أنسجة معقدة. ويختتم ألفارادو بقوله: "في بساطة هذه الدودة الصغيرة، تكمن مفاتيح فهم أعقد العمليات التي تحافظ على الحياة وتعيد بناءها".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات الخلایا الجذعیة فی للخلایا الجذعیة للأبحاث الطبیة

إقرأ أيضاً:

6 وفيات في مجمع الشفاء الطبي بغزة بسبب نفاد الأدوية

#سواليف

قال مدير #مجمع_الشفاء_الطبي في #غزة، الدكتور محمد أبو سلمية، إن #الأوضاع_الصحية في القطاع تشهد #كارثة غير مسبوقة نتيجة #نفاد_الأدوية الأساسية ومنع الاحتلال إدخالها منذ أسابيع.

وأوضح أن المجمع سجل خلال الساعات الأخيرة 6 #وفيات بين #المرضى، كان من الممكن إنقاذ حياتهم لو توفرت الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة.

وأضاف أن نسبة وفيات الأطفال الخدج ارتفعت إلى 35%، بسبب نقص الرعاية الخاصة والأدوية والمحاليل الطبية، محذرا من تفاقم الأزمة مع استمرار الحصار.

مقالات ذات صلة ارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى 68,865 شهيدًا 2025/11/02

وأكد أبو سلمية أن العجز الحاد في الأدوات الطبية الأساسية يجعل من المستحيل التعامل مع الحالات الحرجة وإنقاذ الجرحى.

وشدد على أن الطواقم الطبية تمثل العمود الفقري لصمود المنظومة الصحية في غزة، رغم عملها في ظروف بالغة الصعوبة، داعيا إلى تدخل دولي عاجل لإنقاذ القطاع الصحي من الانهيار التام.

مقالات مشابهة

  • مركز أبوظبي للخلايا الجذعية يطلق علاجا مبتكرا للسرطان
  • 6 وفيات في مجمع الشفاء الطبي بغزة بسبب نفاد الأدوية
  • علاج ضوئي جديد يثبت فعاليته في تدمير الخلايا السرطانية
  • اكتشاف جزيء في سم عقرب الأمازون يحاكي تأثير العلاج الكيميائي في قتل خلايا سرطان الثدي
  • بن دودة تبحث مع المدير العام لليونيسكو حماية المعالم الأثرية والثقافية
  • الشركة الأردنية لضمان القروض توسع دعم المشاريع الصغيرة
  • تقلب أسعار الدولار في بغداد وأربيل مع افتتاح السوق ببداية الأسبوع
  • دراسة: الإنفلونزا ترفع خطر النوبات القلبية 4 أضعاف لأسابيع بعد الشفاء
  • الحملة الأردنية بغزة تواصل توزيع الوجبات