#مصطلحات_اسلامية: #العصمة
مقال الإثنين: 3 / 11 / 2025
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
العصمة إحدى المصطلحات الشرعية العديدة التي استغلها المغالون لتمرير معتقداتهم المتطرفة، لغويا تعني الحفظ والوقاية، وبهذه المعاني وردت مشتقاتها اللغوية في نصوص شرعية، بلغت ثلاثة عشر موضعا في القرآن الكريم، لكن واحدا فقط متعلق بموضوعنا وهو: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.
معنى العصمة هنا واضح لا لبس فيه، الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم إفرادا وتحديدا، وهو أن يبلغ الرسالة ولا يقلق أو يخشى من الناس، لأن الله يتعهد بحمايته فلن ينالوا منه.
إذاً لا يوجد في النص ما يدل على أنه يعني العصمة من الزلل، الذي هو نقيصة أوجدها الله تعالى في كل نفس بشرية، لكن ذلك لا يجوز أن ينتاب الأنبياء في تبليغ ما أوحي اليهم للناس، لأن قولهم وفعلهم تشريع، فلو حكمتهم الأهواء البشرية لما استقام الدين.
لم يشأ الله تعالى أن يكون رسله الذين يبلغون رسالاته من الملائكة، لأن الناس حينها لا يمكن أن يتخذوهم قدوة، وحجتهم في ذلك أنهم خلق مختلف منزهون عن نقائص البشر، لذلك اختار رسله من البشر، وأوحى إليهم ما أوحى عن طريق الملائكة (جبريل عليه السلام)، فانتقل العلم إليهم صحيحا بالوحي، لا يتدخل عقلهم به، فهو منزه من الخطأ والهوى، وصدر منهم صحيحا بالتبليغ الصادق، وحتى تكون المخرجات دقيقة كاملة صحيحة كما وردتهم، لذا فصل تعالى بين التبليغ وبين حياة الأنبياء البشرية، فأصبح مساراهما منفصلين: الرسول يعيش ويمارس حياته اليومية كالبشر فهو يجوع ويعطش، ويفرح ويحزن ويغفو ويصحو ويتزوج النساء وينجب منهن الأولاد، ويعيش حياته الأسرية كسائر البشر.
لكنه في أمور الرسالة محصن من الزيغ والضلال، فهو يبلغها كما توحى إليه، لا يضيف لها شيئا “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ .إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ” [النجم:3-4]، ولا ينسى أو يضل مما أوحي إليه فلا ينقص منه شيئا “سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى . إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ”[الأعلى:6].
هكذا فالعصمة هي حماية ربانية لرسوله ممن يكيدون له شرا من الناس بقصد وقف رسالته قبل إتمامها، وهذا الأمر منطقي، فلولا حماية الرسول من بطش المعادين وهم يمتلكون التفوق في موازين القوة والتحشيد، فكيف كانت ستستكمل الرسالة الختامية التي قدر الله زمنها ومكانها ومبتدؤها ومنتهاها في سابق علمه؟، مع العلم أن كثيرا من الأنبياء لم يعصمهم الله من الناس وقتلوا وهم يدعون الى الله ودينه، لكن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان مقدرا فيها إكمال الدين ولن ينزل رسل من بعده فكانت عصمته وحده، ومن أعدائه أمرا لازما.
لكننا هنا يجب أن ننتبه الى مسألة هامة، وهي أن الله حدد العصمة بأنها من الناس المحاربين للدعوة، حتى لا يُفهم أنها تعني ضمان حياته وعدم موته لأسباب أخرى: “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ” [آل عمران:144].
هكذا نخلص الى أن العصمة مقصورة على بعض الأنبياء، لا تورث ولا ينالها غيرهم من البشر، ومن ينيلها لغيرهم فهو كاذب متألٍّ على الله، وأما التنزيه عن الخطأ في فعل وقول الأنبياء فمقصور عليهم، ومحدد بما يتعلق بالرسالة فقط ، أي نقل (القرآن) كما أوحي، والتطبيق والتفصيل والتفسير(السنة)، ويتحدد بما ينزل عليه.
المغالون يذهبون الى تنزيه النبي في كل شيء لدرجة رفعه من بشريته، لكن ذلك خطأ، بدليل عدم نزول الرسالة إلا عند عمر الأربعين، كما أنه صلى الله عليه وسلم كان يجوع ويعرى، ونال منه غلمان الطائف، وآذوه في جسده، وآذاه عمه أبو لهب وأولاده وامرأته، وأغلظوا له في القول، واجتهد في أمور الدنيا فأصاب كثيرا وأخطأ قليلا (تأبير النخل)، واستشار (حفر الخندق)، وغير رأيه (نزول بدر).
لذلك فهو في غير ما أنزل إليه بشر، يناله ما ينالهم، ولو كان معصوما من الزلل بالمطلق، لما أوصاه ربه بالاستغفار: “فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا” [النصر:3]، فكان يستغفر الله في اليوم اكثر من مائة مرة.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: العصمة هاشم غرايبه من الناس
إقرأ أيضاً:
عمرو الليثي: عندما تعيش لتسعد الآخرين.. سيبعث الله لك من يسعدك
تحدث الإعلامي الدكتور عمرو الليثي في مقدمة حلقة جديدة من برنامجه «أبواب الخير» على راديو مصر، عن قيم العطاء والفهم والاحتواء والتقدير، مؤكدًا أن تلك المعاني الإنسانية الراقية هي أساس التعامل بين الناس، ومصدرها الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى.
وقال الليثي: «هناك أناس يعطون من حولهم، ولا يجدون بسهولة من يعطيهم، وهناك من يفهمون الآخرين، ولكن نادرًا ما يجدون من يفهمهم، وهناك من يطبطبون على من حولهم، ولا يجدون من يطبطب عليهم، وهناك من يقدّرون الناس، ولكن لا يجدون من يقدّرهم».
وأضاف أن العطاء والفهم والطبطبة والاحتواء والتقدير لا تكون بالضرورة من الناس، بل من الله وحده، مؤكدًا أن الله يجزي الإنسان بالخير ويمنحه الزيادة التي تمكّنه من التخفيف عن آلام وهموم الآخرين.
وفي حديثه عن الكرم والعطاء، أشار الليثي إلى أن «لا غِنى أغنى من القناعة، ولا عار أقبح من البخل، ولا فقر أضر من الجهل، ولا ذل أذل من الطمع، ولا عبادة أفضل من العطاء».
كما شدّد على أهمية التعامل مع الناس بطبيعتنا لا بطباعهم، قائلاً: «عامل الناس بطبعك أنت، لا بطبعهم هم. ومهما كانت تصرفاتهم التي تجرحك أو تؤلمك، لا تترك صفاتك الحسنة لمجرد أن الطرف الآخر لا يستحق تصرفك النبيل».
وختم الليثي حديثه برسالة إنسانية قائلاً:
«عندما تعيش لتسعد الآخرين، سيبعث الله لك من يعيش ليسعدك.. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟».
وفي ختام كلمته، تناول الإعلامي الكبير قيمة الرضا بالقضاء والقدر، موضحًا أن كل إنسان له نصيب من العطاء والحرمان في الدنيا، قائلاً:
«دى دنيا مش جنة، واستحالة هتاخد كل حاجة نفسك فيها.. أحسن الظن بالله وتمنَّ الخير للناس، وتأكد أن اللي مش مكتوب لك مش هتاخده بقوتك، واللي مكتوب لك مش هتتحرم منه بضعفك، لأن رحمة ربنا كلها خير».