عودة مؤقتة وهشّة للتعليم بمدارس يتقاسمها النازحون والطلبة بغزة
تاريخ النشر: 6th, November 2025 GMT
غزة- بعد عودتها جزئيا، تجري العملية التعليمية في مدارس قطاع غزة وسط ظروف قاسية ومعقدة تعكس حجم المأساة التي خلّفتها الحرب الإسرائيلية وتداعياتها المستمرة على الطلبة والمعلمين.
ورغم استمرار الدمار ونقص الموارد الأساسية، عادت بعض المدارس إلى العمل جزئيا، في محاولة رمزية للحفاظ على استمرارية التعليم، غير أن المشهد العام يوحي بواقع هشّ لا يمكن أن يستمر طويلا.
فمن بين مئات المدارس في غزة، تضرر عدد كبير كليا أو جزئيا، فيما تحوّل قسم آخر إلى إيواء للنازحين، واضطرت الوزارة إلى تقسيم المدارس بين التعليم والإيواء؛ فبعض الفصول خُصص للتدريس، بينما خُصص الجزء الأكبر منها لإيواء الأسر النازحة، وهناك مدارس تعمل صباحا للتعليم وتتحول مساء إلى مأوى لعشرات العائلات.
هذا النظام المؤقت يهدف إلى إنقاذ العام الدراسي، ولو جزئيا، لكنه يخلق بيئة مزدوجة تجمع بين معاناة الحرب ومتطلبات التعليم، ما يجعل الاستقرار التعليمي شبه مستحيل.
وتفتقر العملية التعليمية إلى أبسط المقومات؛ فالقاعات مكتظة بما يفوق طاقتها بأضعاف، والمقاعد شحيحة، والأبواب والنوافذ محطّمة، والكتب الدراسية غير متوفرة بالكامل.
ويقول مدير عام العلاقات العامة والإعلام بوزارة التربية والتعليم العالي في غزة، أحمد عايش النجار "تعمّد الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة استهداف العملية التعليمية بكل مكوناتها من مدارس وكوادر وطلبة ومقدرات، ما وضع الوزارة أمام تحدٍّ غير مسبوق للحفاظ على استمرارية التعليم وسط الدمار والنزوح وانقطاع الموارد".
ويوضح النجار للجزيرة نت، أن الوزارة ورغم الظروف القاسية استأنفت العملية التعليمية وفق 3 مسارات:
التعليم الوجاهي في بعض المناطق الآمنة داخل غرف أو خيام مؤقتة. التعليم المدمج الذي يجمع بين الحضور المحدود والتواصل الإلكتروني. التعليم عن بُعد عبر تطبيقات "الوايزسكول" و"التيمز". إعلانويضيف "سعت الوزارة بعد اتفاق وقف إطلاق النار لاستئناف التعليم الوجاهي الكامل عبر خطط طوارئ شملت الدعم النفسي والصحي للطلبة، لكنها واجهت عقبات كبيرة أبرزها تدمير مئات المدارس وتحويل عشرات منها إلى مراكز إيواء، إضافة لنقص الأثاث والكادر التعليمي وتدهور البنية التحتية".
وعملت الوزارة -وفق النجار- بالتنسيق مع الحكم المحلي والبلديات ومؤسسات المجتمع المدني على توفير خيام وأماكن بديلة لإيواء النازحين، بهدف تمكين الوزارة من استعادة مدارسها واستئناف العملية التعليمية فيها.
ووفق إحصاءات الوزارة، بلغ عدد الطلبة المحرومين من التعليم الوجاهي منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى يوليو/تموز 2025 نحو 674 ألف طالب، فيما استُشهد 17 ألفا و175 طالبا، وأُصيب 26 ألفا و264 آخرون، كما استُشهد 928 معلما وإداريا، وأُصيب أكثر من 4 آلاف و400، بينما دُمّرت 144 مدرسة كليا، وتضررت 165 أخرى جزئيا.
ورغم الجهود المبذولة، يؤكد خبراء التربية والتعليم أن عودة التعليم في ظل هذه الظروف مؤقتة وهشة، وأن استمرارها مرهون بتوافر الدعم الدولي وإعادة تأهيل المدارس المدمرة، فإعادة العملية التعليمية إلى مسارها الطبيعي لن تكون ممكنة قبل الإعمار وعودة النازحين إلى منازلهم.
كما أن غياب البيئة الآمنة وضعف الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه يجعل من التعليم الحالي أقرب إلى محاولة رمزية للحفاظ على الأمل أكثر منه عملية تعليمية متكاملة.
وفي السياق، أوضح مدير مدرسة مريم فرحات الثانوية، يحيى أبو مشايخ، أن العودة إلى التعليم كانت صعبة للغاية بسبب الدمار الكبير الذي لحق بالمدارس ومرافقها من أثاث ومختبرات ومكتبات وأبواب وشبابيك، وعدم صلاحية البيئة الصفية التي أصبحت خرابا.
وقال للجزيرة نت "لا نستطيع تقديم الحد الأدنى من التعليم بسبب اكتظاظ المدارس بالنازحين وعدم قدرتنا على الدوام الكامل، كما لا نملك القدرة الأخلاقية والوطنية على إخراج النازحين الذين فقدوا بيوتهم وكل ما يملكون".
وحول ذلك تنوعت آراء الطلبة، إذ اعتبر الطالب في الثانوية العامة إياد غزال، أن المدارس تفتقر إلى أبسط المقومات التي تساعدهم على الاستمرار والتفوق.
وقال للجزيرة نت "نأتي إلى المدرسة ونجلس في فصول يشاركنا فيها عشرات العائلات النازحة، ونحاول التركيز في دروسنا، لكن أصوات سيارات المياه وطوابير الطعام وصراخ الأطفال لا تفارقنا، فالبيئة ببساطة غير تعليمية".
أما الطالبة في مدرسة مسقط الثانوية، سهام عليوة، فترى أن وجود النازحين في المدارس، رغم معاناتهم القاسية، يشكّل تحديا كبيرا للعملية التعليمية، ويؤثّر بشكل مباشر على جودة التعليم وتركيز الطلبة.
وقالت للجزيرة نت "نبدأ الدروس بينما يتم توزيع الطعام والمياه في الساحة، أو نضطر للتوقف بسبب الضوضاء العالية في الغرف المجاورة التي تُستخدم للإيواء، ومع ذلك نحاول أن نتأقلم لأننا نؤمن أن التعليم لا يجب أن يتوقف".
إعلانويشرح ناهض أبو سنيدة، مدرس اللغة العربية، في مدرسة شهداء المغازي واقع العملية التعليمية للجزيرة نت قائلا "وجود النازحين داخل المدارس أحدث اكتظاظا غير مسبوق، إذ يجتمع أحيانا أكثر من 50 طالبا في غرفة واحدة، وبعضهم يضطر للجلوس على الأرض أو الوقوف طوال الحصة".
ويضيف أبو سنيدة "نحاول التدريس وسط الضجيج بسبب النازحين الذين اتخذوا جزءا من الفصول مراكز للإيواء، فخارج الصفوف هناك دخان النيران وأطفال يبكون وأمهات يجهزن الطعام، وكل ذلك يجعل التركيز مهمة شبه مستحيلة".
وأكد أن الحل الجذري لا يمكن أن يتحقق إلا بإخلاء المدارس من النازحين وإعادة ترميم البنية التعليمية، حتى تعود المدارس بيئة آمنة وصحية وصالحة للتعليم.
من جهته، أوضح النازح مروان الصيفي أن وجودهم في المدارس كنازحين ليس نزهة أو ترفا، وإنما بسبب الظروف القاهرة التي فرضتها الحرب بعدما هجرتهم قسرا من مساكنهم.
وقال للجزيرة نت "نحن مع التعليم وخصوصيته، وندرك تماما أن المدارس يجب أن تبقى مكانا للتعلم لا مأوى للنزوح، لكننا لم نختر هذا المصير بأيدينا. الحرب سلبت منا بيوتنا وأماننا، فوجدنا أنفسنا مضطرين للاحتماء بهذه الجدران التي كانت يوما تضج بأصوات الطلاب".
وأكد مدير التربية والتعليم في المحافظة الوسطى بقطاع غزة، محمد حمدان، أن إخلاء المدارس من النازحين أمر صعب في ظل استمرار الأزمة الإنسانية.
وقال للجزيرة نت إنهم يدركون حجم المعاناة التي يعيشها الطلبة والمعلمون، لكنهم بالمقابل لا يمكنهم مطالبة النازحين بمغادرة المدارس قبل إيجاد بدائل آمنة لهم.
وأضاف "لذلك نعمل على تنظيم العملية التعليمية ضمن المدارس المتاحة وتقسيم الفترات الزمنية بين التعليم والإيواء، إلى جانب استخدام الصفوف الافتراضية والتعليم عن بُعد لتعويض النقص".
وطالب المؤسسات المحلية والدولية، بتجهيز خيام ومدارس متنقلة في بعض المناطق لتخفيف الضغط عن المدارس المزدحمة، مشيرا إلى أن التعامل مع هذه المرحلة يتطلب حلولا واقعية تراعي الظروف الإنسانية والتعليمية معا، إلى أن تتوفر بيئة مناسبة لاستئناف التعليم بشكل طبيعي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات العملیة التعلیمیة وقال للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
مبعوث أممي للتعليم: 14 مليون طفل بالسودان خارج منظومة التعليم
يشهد السودان واحدة من أشد الأزمات التعليمية في العالم، حيث يعيش ملايين الأطفال والأسر النازحة ظروفا قاسية، حرمت جيلا كاملا من حقه في التعليم، وسط حرب أدت إلى انهيار المؤسسات التعليمية وتفاقم المعاناة الإنسانية في مختلف أنحاء البلاد.
وقال نسمي مانيغات، المبعوث السامي للشراكة العالمية من أجل التعليم، إن السودان يواجه "أحد أكثر الظروف العصيبة في العالم"، مشيرا إلى أن نحو 14 مليون طفل أصبحوا خارج المدرسة، في أكبر أزمة من نوعها على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأوضح في حديثه للجزيرة، أن هذه الأرقام "تفطر القلب"، وتعكس واقعا مأساويا لعائلات نازحة تكافح من أجل البقاء، بينما يفقد أطفالها فرص التعلم والحياة الطبيعية.
وأضاف مانيغات، أن المجتمع الدولي مطالب بأن يبذل أقصى جهده لمعالجة هذا الوضع الكارثي الذي يهدد مستقبل أمة بأكملها.
أزمة عالميةوأشار إلى أن الأزمة التعليمية في السودان لم تعد قضية محلية أو إقليمية فحسب، بل تحولت إلى أزمة عالمية تستدعي استجابة دولية منسقة، لافتا إلى أن مجلس إدارة الشراكة العالمية من أجل التعليم يضم ممثلين عن المجتمع الدولي والقطاع الخاص والحكومات، وجميعهم يعملون من أجل احتواء الموقف.
وأضاف أن الشراكة العالمية قدّمت للسودان تمويلا بـ60 مليون دولار قبل عامين، لكن الحل لا يقتصر على الدعم المالي وحده، بل يتطلب تعاونا وثيقا مع المجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية لضمان استمرار التعليم رغم التحديات.
وبيّن أن الأمل لا يزال قائما، إذ تظهر شجاعة أولياء الأمور والمعلمين الذين يواصلون أداء مهامهم في الميدان رغم أجواء الحرب، مؤكدا أن "الإيمان بقوة التعليم هو ما يمنعنا من الاستسلام"، داعيا إلى توحيد الجهود لضمان حصول كل طفل على حقه في التعلم.
قوة خارقةولفت إلى أن التعليم ليس ترفا في ظل النزاعات، بل هو "قوة خارقة" قادرة على إنهاء الحروب وبناء السلام الدائم، موضحا أن منظمات دولية، منها الشراكة العالمية من أجل التعليم، تعمل اليوم على حشد الشركاء الدوليين لاتخاذ خطوات عملية من أجل مستقبل أفضل للسودان.
إعلانوفي تقديره، فإن الاستثمار في التعليم يمثل حجر الزاوية لأي نهضة أو تعافٍ وطني، مضيفا أنه "كما في هايتي التي عانت أزمات متلاحقة، فإن الطريق نحو الحل يبدأ من التعليم".
وشدد على أن السودان بحاجة إلى استثمار عاجل وشامل في البنية التعليمية لضمان حماية الأطفال من دوامة الجهل والفقر والعنف، مؤكدا أن تجاهل هذا الملف سيقود إلى فقدان جيل كامل ويقوّض أي أمل في استقرار البلاد.
وعاود المبعوث الأممي التأكيد على أن العالم مدعو للوقوف إلى جانب الشعب السوداني في معركته من أجل التعليم، معتبرا أن دعم المدارس والمعلمين والطلاب ليس مجرد عمل إنساني، بل هو استثمار مباشر في مستقبل السودان والمنطقة بأسرها.