في حياة كل منّا رسائل، يتلقاها مصبحًا وممسيًا، رائحًا أو غاديًا، فلا تغرُب شمس ولا تُشرق ولا تمضي لحظة في عمر الزمن، إلاّ وكان هناك رسائل للإنسان تُذكّرهُ أو تُحفّزهُ، تعدهُ أوتُمنيه، سواء كانت هذه الرسائل مكتوبة أو شفهية، في شكل خاطرة أو هاتف أو إلهام أو عبرة أو حدث يحمل الطمأنينة أو الألم ؛ فالرسائل كثيرة ومتباينة بتنوع واختلاف الأشخاص ووعاء الأحداث والزمن، فقد تأتي في صورة ابتسامة صادقة تضيء في نفس من يراها ما قد يظن أنه انطفأ، أو في شكل كلمة حلوة تبدد ما تكاثف وتجعل من وجهت إليه أكثر خفة ومرونة، أو تأتي في شكل نصيحة تجعل من سمعها مقبلًا على الحياة بعد أن كان يظن أنها أدبرت وتوارت، وقد تأتي كطيف أو هاتف لتبعث روح صاحبها من جديد وتجعله يرى الأشياء بطريقة مغايرة لم يرها من قبل.

ومن الرسائل التي حملت الألم لصاحبها في ظاهرها، لكنها كانت دافعًا له لأن يسلك طريق النجاح، كانت رسالة أساتذة الفلسفة في الجامعة المغربية للكاتب والمفكر سعيد ناشيد الذي لم ينتابه اليأس ولم يذعن لقرارات أساتذته نحوه بأنه لا يصلح لمتابعة الدراسات البحثية، وراح يبحث في دخيلته عن مناطق النور والتي تلمسها باجتهاده ومثابرته، واستطاع أن يعثر على قدره، فأصبح باحثًا وكاتبًا ومفكرًا، وصاحب رؤية ومنهجية وأسلوب، وظهر ذلك في العديد من مؤلفاته، وأذكر منها مؤلفه القيم "التداوي بالفلسفة"، والذي لم ينس أن يرد على رسالة أساتذته في الجامعة المغربية بذكرهم في مقدمة الكتاب وأن يهديه إليهم بقوله "هذا الكتاب، لكي لا أنسى الإهداء" والإهداء في الأقربين أولى"، أهديه لأساتذة الفلاسفة بالجامعة المغربية ممن قرروا في سياق سابق أني لا أصلح لمتابعة الدراسات العليا، فأوصدوا الباب دوني وأحكموا الإغلاق، لكنهم أتاحوا لي فرصة أن أعثر على قدري الذي ينطلق من طبيعتي الأصلية، خارج الوعود التي يصنعها الآخرون، وخارج الحطام أيضًا"

كانت الرسالة تحمل الألم، لكنها كانت سببًا في أن يُبصر مواطن النور في دخيلته، حفزته في بناء نفسه وإعادة صوغها واستيعاب قدراته والارتقاء بنفسه.

ومن الرسائل التي انطوت على القتامة والسواد، لكنها كانت سببًا في أن يشق النور سدف الظلام، كانت رسالة أحد أساتذة الطفل "توماس أيدسون" الذي حملها وتوجه به إلى أمه والتي فضتها وقرأتها على ابنها بصوت عالٍ " ابنك عبقري هذه المدرسة متواضعة بالنسبة له وليس لديها معلمون جيدون بما يكفي لتعليمه من فضلك علميه في المنزل "، كانت تقرأ الرسالة وهي تتصنّعُ السعادة رغم فؤادها المتصدع المكلوم، والسبب أن ما قرأته على ابنها ليس هو فحوى الرسالة الحقيقي فهي اضطرت لأن تُخفي عنه ما ورد فيها وتختلق هي هذه الكلمات المحفزة والمشجعة، وشرعت بعدها في تعهد ابنها والسهر على تعليمه بنفسها وكانت النتيجة مثمرة يانعة أن صدرت للعالم أبرز المخترعين في التاريخ الحديث، صاحب أشهر اختراع " المصباح الكهربائي " والذي كان سببًا في غمر العالم بالنور.

لم تفت هذه الرسالة في عزيمة الأم ولم تصبها بالإحباط واليأس، بل كانت دافعًا لها لتتحسس مواطن النبوغ في ابنها وتجعله يسلك طريق النور والمعرفة، لقد أخفت عن ابنها الرسالة الحقيقية التي كان فحواها " ابنك متخلف عقليًا لا يمكننا السماح له بالذهاب إلى مدرستنا بعد الآن "

في مقتبل حياته كان يعاني من الفقر المدقع، هو طالب طب ويحتاج إلى أن يعيش الحياة ؛ من أجل ذلك اضطر لإعطاء دروس خصوصية، كان يجوب الشوارع بحذاء مهترىء، يرتدي معطفًا باليًا لا يستطيع أن يقيه من البرد، كانت رفاهيته يجدها في كوب الشاي المحلىّ بالسكر الذي كان يمنح له أثتاء إعطائه الدروس الخصوصية، كان فقره ظاهرًا ومؤثرًا عليه للحد الذي جعله أن يصفه بقوله " أنه مثل وجع ضرس لا ينقطع " أنه " أنطون تشيخوف " الذي عاني في حياته، وتحمل عبء أسرته في سن مبكرة، ولم يثنه هذا العناء من أن يدرس الطب، ويمارس الكتابة، وكان الحقلين المعرفين الذي اختارهما في حياته هما كل ما ينشده في حياته، فكان يصف مهنته كطبيب بأنها زوجته، والكتابة بأنها معشوقته، ولأنه كان يعاني من انعدام الثقة فيما يكتبه في بداياته في حقل الأدب، كان لا يظهر باسمه الحقيقي وكان يمهر كتاباته باسم مستعار ؛ لخوفه على اسمه واسم عائلته، فكان لديه شعور بأنه لو أظهر اسمه الحقيقي كان سيسيء إليهما، وقد لازمه هذا الشعور فترة ليست بالقصيرة، هذا الشعور بانعدام الثقة جعله عرضة للانفعالات الحزينة من يأس وإحباط وأفقده الأمل، ولقد ترجم ذلك بقوله لأحد أصدقائه ويدعى "بيلين" " أيامي على مسرح الأدب قليلة " يعني الكتابة الأدبية، لكنه وفي ظل هذا الشعور القاتم بانعدام الثقة تأتيه رسالة تبعث فيه الأمل، وتعيد له ابتسامته المفقودة، والشعور بالثقة والاعتداد بالذات، أنها رسالة من الأديب الروسي "جريجورفيتش " الأديب المرموق ذائع الصيت والشهرة، يقول فيها " لقد قرأت كل ما هو موقع باسم " تشيخونتي " وإن كنت أشعر بغيظ داخلي من إنسان يقلل من شأن نفسه بحيث يجد أن استعماله اسمًا مستعارًا هو أمر ضروري.. إن لديك موهبة حقيقية، موهبة ترفعك إلى موقع أعلى بكثير من الكتاب المعاصرين، وإذا كنت أتحدث عن موهبتك ؛ فإنما أتحدث باقتناع، لقد تجاوزت سن الخامسة والستين، ولكنني ما زلت شغوفًا بالأدب، أتابع تقدمه بحماسة كبيرة وأسعد بغبطة عارمة حين أكتشف شيئًا ينبض بالحياة والإلهام بحيث أنني لا أستطيع أن أمنع نفسي عن إبداء إعجابي وعن مدّ يديّ الاثنتين إليك..."

لقد قرأ أنطون الرسالة عشرات المرات، فقد انتشلته من قاع الأحزان واليأس وأعادت له نفسه المتشظية وفؤاده المكسور، والأهم أعادت له ثقته بنفسه. يتبع

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

"مصر مملكة النور" معرض تشكيل بصري في احتفالات المتحف المصرى الكبير

يبدأ الأسبوع المقبل يوم الأربعاء 12 نوفمبر، معرض جديد للفنانة التشكيلية الدكتورة وفاء ياديس فى سلسلة معارض متتالية طوال نوفمبر احتفالا بافتتاح المتحف المصرى الكبير، ويأتى المعرض تحت عنوان "مصر مملكة النور" وهو ايجيبتوسنتريك آرت فى تشكيل بصرى يجمع بين الفن التشكيلي والتصوير الفوتوجرافى وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
 

المعرض مستوحى من حفل افتتاح المتحف المصرى الكبير، حيث تأتى اللوحات بتشكيل بصرى بإضاءات لونية حديثة، تلقى إنارة على الرسوم المصرية القديمة لملوك وملكات لهم أجمل القطع فى المتحف، وشخصيات من الشعب المصرى منهم الفنانة نفسها، وامتزجت شخصيات الماضى مع الشعب المصرى، حيث أبهر العالم استخدام تقنيات حديثة متطورة ومزج بين الطابع المتحفى والتكنولوجيا للتصوير فى سماء الأهرامات، وشارك الشعب الاحتفال فى بهاء الفخر بالأجداد الأوائل.

 

وتضيف الفنانة التشكيلية الدكتورة وفاء ياديس، أن هذا المعرض هو الأول من حيث المزج بين عدة تقنيات فنية بصرية يربط بينهم الذكاء الاصطناعي لتكون النتيجة لوحات من النور القادم من عمق التاريخ، ليكون دليلا للحاضر إلى علوم المستقبل، يضم المعرض 25 لوحة ويتم العرض على منصة أرتمو العالمية للفنون المعاصرة، لمشاركة العالم الرؤية المصرية الفنية ومشاركة الفنون البصرية فى الاحتفال بحدث القرن الثقافي.

 

الفنانة التشكيلية الدكتورة وفاء ياديس هى عميد المعهد الدولى لعلوم الميتافيزيقا بأنقرة، وعضو المجلس الدولي لعلوم الميتافيزيقا بالولايات المتحدة الأمريكية، وعضو الجمعية الدولية للإستشارات السيكولوجية التابعة لجامعة سيدونا وعضو نقابة الفنانين التشكيليين بمصر.

ضبط 57 طن خامات سيارات مستعملة يعاد تعبئتها وبيعها من جديد ترامب يُمازح سفيرة السعودية بطُرفة الديك الرومي: ثرية للغاية التنمر وخطورته.. كيف تعرف إذا كان طفلك يتعرض له؟ البيان الختامي لاجتماع وزراء خارجية مصر والجزائر وتونس بشأن ليبيا ماتوا وهما نايمين.. مصرع أسرة كاملة فى حريق شقة بشبرا الخيمة محافظة الجيزة: قطع المياه ٨ ساعات عن عدة مناطق مساء الجمعة يلا شوت الآن.. مشاهدة مباراة الأهلي وسيراميكا بث مباشر في السوبر ضبط سائق ميكروباص لتقسيم خط السير لزيادة الأجرة في الجيزة البث المباشر لمشاهدة مباراة الأهلي وسيراميكا يلا شوت اليوم في السوبر المصري شجاعة لينا صوفيا تسقط المتحرش وتقوده للسجن في لينك رئيس الأكاديمية العربية يستقبل نائب رئيس جامعة روين الأمريكية بفرع العلمين الجديدة مشاجرة بالأسلحة البيضاء بسبب معاكسة فتاة بالإسكندرية جائزة الجمهور لفيلم المستعمرة بمهرجان أفريكالديا السينمائي بنها تفوز بكأس البطولة العربية لخماسيات كرة القدم المُقامة بجامعة قنا جيش الاحتلال: تسريح لواءين ونصف من قوات الاحتياط تجهيز 602 مدرسة بالبحيرة كلجان ومقار انتخابية

مقالات مشابهة

  • الشهداء.. مشاعل النور في دروب العزة والكرامة
  • ربنا هينزل العدالة | رسالة نارية من عمرو أديب للاعبي الزمالك في نهائي الكأس
  • كورتني كارداشيان تحتفل بعيد ميلاد ابنها روكي الثاني بصورة من غرفة الولادة
  • سيرين عبد النور..إطلالات تجمع بين الكلاسيكية والجرأة
  • "مصر مملكة النور" معرض تشكيل بصري في احتفالات المتحف المصرى الكبير
  • رسالة من حزب الله إلى رئاسات لبنان الثلاث: لا تنازل عن السلاح
  • بعد فيديو اعتداء سيدة على ابنها ببنى سويف.. هل يضع قانون الطفل الأم فى ورطة
  • العلي: كتاب "إلى ابنتي التي لم أنجبها رسالة إبداعية إلى كل البنات
  • من التشظي إلى الكينونة