علي جمعة: التلاعب بالألفاظ يبدل المفاهيم ويقود للضلال.. وعلى المسلمين العودة لمراد الله في اللغة
تاريخ النشر: 10th, November 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان التلاعب بالألفاظ ادى إلى أن المرأة التي تكشف عورتها تعتقد أن ما تفعله لا يخالف الدين الإسلامي، وأن الدين الإسلامي لم يأمرها بتغطية جسدها. فهذه المرأة الطيبة التي وقعت في المعصية بسبب الخلط، تؤمن بأن الدين الإسلامي أمر بكل جميل، وليس من المعقول أن يتعارض الإسلام مع الجمال، ومع أن تكون المرأة جميلة.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان التلاعب بمعنى كلمة "الجمال"، واستخدامها بمعنى كشف العورة المحرم، إلى ذلك الخلط عند نساء المسلمين. ولو كانت الأشياء تُسمّى بأسمائها لما تولد هذا الإيمان الفكري بذلك الذنب الذي تفشّى في المجتمعات الإسلامية. وكانت من تقع في تلك المعصية أو غيرها تعلم أنها مذنبة، وأنها مخالِفة لشرع الله، ويجب عليها أن تتوب. وهذا ما نريده: أن يعلم المخالف لشرع الله أنه على ذنب يخشى عليه، وأن يضع التوبة إلى الله ضمن أولويات مشاريع حياته اليومية. نسأل الله أن يتوب علينا وعلى جميع المسلمين.
وقد أشار القرآن الكريم إلى جريمة التلاعب بالألفاظ في كثير من آياته؛ فمرة يشير إليها بنفس العملية، وهي تسمية الأشياء بغير أسمائها. فذكر القرآن أن من سبب ضلال الناس عن منهج الله وعبادتهم غيره سبحانه أنهم صنعوا تماثيل من الحجارة وسمّوا تلك التماثيل آلهة، قال تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [يوسف: 40].
ومرة أخرى يشير القرآن الكريم لهذه الجريمة بلفظ "التلبيس"، وهو إدخال الحق في الباطل، وقد نهى الله عنه في كتابه في كثير من آياته، من ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42]. وذكر سبحانه أن ذلك التلبيس قد يصل لحدّ قتل الإنسان ولده وهو لا يرى أنه قد ارتكب إثمًا؛ وقد قال تعالى في ذلك الشأن: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} [الأنعام: 137].
فنشأ بين أهل الحق الذين تمسكوا بمعاني الألفاظ ورأوا ضرورة قيام اللغة بوظائفها الأساسية، وبين أهل الزيغ والضلال الذين سعَوا للتلاعب بالألفاظ ودَعَوا إلى عدم وجود معانٍ مُلزِمة، ورأوا النسبية المطلقة، نشأ بين الفريقين صراع فكري لعدم الاتفاق على قاعدة واحدة في النقاش، وبعد ذلك تحوّل إلى صراع اجتماعي ومن بعده سياسي، وبدأ الصراع العسكري في الظهور بين أبناء الحضارة الإسلامية والعربية وبين الغرب. كان كل ذلك من آثار التلاعب بالألفاظ، أو من آثار التأصيل الفكري للخروج عن اللغة وعن مراد الله.
والله أمرنا أن نفهم الألفاظ كما وضعها الواضع، فياليتنا نعود إلى مراد الله ونبتعد عن التلاعب باللغة وألفاظها.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: التلاعب بالألفاظ اللغة العربية علي جمعة التلاعب بالألفاظ
إقرأ أيضاً:
مرصد الأزهر لمكافحة التطرف: القرآن مدرسة متكاملة في ترشيد القوة وتحقيق العدل
قال الباحث محمود كامل، من مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، إن القوة ظاهرة إنسانية أصيلة لا يمكن الاستغناء عنها، فهي ضرورية لتنظيم المجتمعات، وحفظ الأمن، وحماية الحقوق، لكنها في الوقت ذاته سلاح ذو حدين، يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق العدل والأمان، أو تتحول إلى أداة ظلم وعدوان.
وأوضح كامل، خلال حلقة برنامج "فكر" المذاع على قناة “الناس”، أن الفلسفات القديمة والشرائع السماوية، وعلى رأسها الإسلام، أولت اهتمامًا بالغًا بأخلاقيات القوة، سواء على صعيد التنظير أو التقويم والضبط.
وأضاف: وقد برزت أهمية هذا الاهتمام أكثر في ظل الأحداث الراهنة، مثل الاعتداءات المتكررة والحروب، وعلى وجه الخصوص ما يحدث في غزة؛ ما يسلط الضوء على الحاجة إلى إعادة تأصيل مبدأ القوة وإعادة بناء نظام عالمي يضعها في خدمة الحق لا العكس.
القوة في الفلسفة القديمة: العدالة والفضيلةأشار الباحث إلى أن الفكر الفلسفي منذ العصور القديمة انشغل بمفهوم القوة وعلاقته بالعدل والسياسة والسلطة والحرية.موضحا:
أفلاطون: يرى أن القوة المشروعة هي التي يمارسها الحاكم الفيلسوف العارف بالخير المطلق؛ وذلك من أجل الصالح العام.
أرسطو: شدد على أن القوة تصبح فاضلة عندما تُمارس وفق مبدأ الوسط الذهبي، الذي يضمن التوازن ويجنب الإفراط أو التفريط، ويحقق الفضيلة المدنية.
القوة في الفلسفة الحديثة: البراجماتية والانحرافوواصل الباحث محمود كامل: انتقلت الفلسفة الحديثة إلى رؤية القوة بشكل مختلف، حيث اعتبر ميكافيلي أن بقاء الدولة قد يتطلب استخدام القوة بطرق براغماتية، حتى لو تعارضت مع القيم الأخلاقية.
ويشير كامل إلى أن مشاهد القوة المفرطة والانتهاكات الراهنة، مثل ما يحدث في غزة، تكشف انحراف مفهوم القوة عن معيار العدالة، وتحولها إلى أداة للقهر والسيطرة.
الإسلام والشرائع السماوية: ضبط القوة في خدمة العدالةأكد الباحث أن الشرائع السماوية، وعلى رأسها الإسلام، قدمت إطارًا عمليًا لضبط استخدام القوة.
وقال إن الوحي جاء؛ ليؤكد أن القوة ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لتحقيق مقاصد عليا مثل حفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض.
ولفت إلى أن القرآن الكريم يقدم مدرسة متكاملة لترشيد القوة، من خلال ربطها بالعدل في قوله تعالى:"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ"، كما أصّل مبدأ الإعداد للقوة في قوله- تعالى-: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ".
وأوضح أن الغاية من القوة هي الردع المشروع وصيانة المجتمع ورد العدوان، وليس الاعتداء أو الهيمنة، بما يتوافق مع المفهوم الحديث للردع كضمانة للسلام لا أداة للحرب.