عداء تاريخي سعودي متجذر ضد اليمن.. ما علاقة الملك المؤسس؟
تاريخ النشر: 12th, November 2025 GMT
وعمل أبناء الملك منذ سنوات طويلة على تنفيذ وصية والدهم، متبعين سياسة تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في اليمن، من خلال إثارة المشاكل الداخلية، وتحريك القبائل، وتسليح الجماعات، وخلق الاضطرابات، والتفجيرات، وافتعال الأزمات.
ومنذ حروب عبد العزيز آل سعود مع الإمام يحيى حميد الدين، مروراً بحرب الشمال والجنوب، ووصولاً إلى العدوان المباشر على الشعب اليمني في عام 2015م، ظل الثابت في السياسة السعودية هو منع اليمن من التحول إلى دولة مستقرة وقوية.
ويتساءل الكثيرون: لماذا تعادي السعودية اليمن مع أنه بإمكانها أن تتحول إلى حليف استراتيجي من خلال حسن الجوار؟ ويرى الباحث العراقي أنس التكريتي أن العداء السعودي لليمن غير مبرر، فلا توجد ذريعة لذلك، مؤكداً أن هذا نهج استراتيجي متأصل منذ عبد العزيز آل سعود، وهو ممتد عبر الأجيال للحيلولة دون نهوض اليمن واستقراره.
ويعبر الشاعر الكبير عبد الله البردوني في سبعينيات القرن الماضي، أي قبل أحداث غزة وطوفان الأقصى، عن رؤية نقدية عميقة لواقع اليمن وعلاقته بدول الخليج بعد حرب السبعينيات، فقد قال البردوني: "خرجنا من الثورة، فإذا بنا تحت رحمة صدقة أهل الثروة"، في إشارة إلى المفارقة بين تضحيات اليمنيين في سبيل التحرر، وبين وقوعهم لاحقًا تحت تبعية اقتصادية وسياسية.
وفي تلك المرحلة، كانت دول الخليج تعيش حالة من الثراء الفاحش إثر اكتشاف النفط، بينما ظل اليمن يعاني الفقر والتهميش، وقد وصف البردوني هذا الوضع قائلًا: "إن اليمن تحول إلى مكبٍّ لفضلات الثراء الخليجي، حيث كانت المساعدات تأتي على شكل مدارس ومساجد يشرف عليها “المطاوعة”، حتى أصبحت – كما قال – المساجد أكثر من المصلين، في حين لم يكن في صنعاء سوى أربعة مستشفيات فقط.
بهذا التصوير اللاذع، كشف البردوني مبكرًا خلل العلاقة بين الثروة النفطية الخليجية والفقر اليمني المزمن، منتقدًا استخدام “العمل الخيري” كأداة نفوذ بدل أن يكون وسيلة تنمية حقيقية.
ويبين شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني أن اهتمام السعودية ببناء المساجد والمدارس في اليمن لم يكن بدافع الحرص على صلاح اليمنيين أو نشر العلم والدين القويم، بل كان وسيلة لاستهداف الهوية اليمنية الأصيلة، ومحاولة لزرع الفكر الوهابي التكفيري الذي يفسد وعي الفرد ويقوّض استقرار المجتمع، وقد شرح البردوني ذلك عندما تحدث عن قصيدته “الخوف”، موضحًا الظروف التي دفعته إلى كتابتها، حيث تساءل في أبياتها بمرارة:
لكن لماذا يغدقون؟
أشمُّ رائحةَ المكيدة؟
وأرى مؤامرةً لها
شكلُ الأخوّةِ والعقيدة.
وبهذه الأبيات، يعبّر البردوني عن شكّه في نوايا الدعم الخليجي، ورأى فيه غلافًا دينيًا يخفي مشروعًا سياسيًا يهدف إلى طمس الوعي اليمني الأصيل تحت شعارات الأخوّة والدين.
وتتهم السعودية بأنها الرأس المدبر لاغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، كما أسهمت عبر عقود مضت في تدمير استقرار اليمن واعاقة نهضته، وهي تتعامل مع اليمن بدهاء وازدواجية، وتظهر وجهاً ناعماً مليئاً بالوعود والمساعدات، بينما تخفي في جوفها سمًّا سياسيًا قاتلًا، فهي كالثعبان الناعم الملمس، لكن في داخله السمّ الناقع.
وتذكر كتب التاريخ أن الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي توجه إلى السعودية ليشتكي من تصرفات السفير السعودي، كما التقى بالأمير سلطان بن عبد العزيز، رئيس اللجنة السعودية الخاصة، والذي وقع بينهما خلاف، إذ كان سلطان يتصرف بتعجرف وكأنه هو رئيس اليمن الحقيقي، متجاهلًا دور الحمدي كرئيس شرعي للبلاد، وكانت اللجنة السعودية الخاصة، التي كان يرأسها سلطان، المشرفة والمتحكمة بالكامل في اليمن، بما في ذلك صرف المرتبات للمشايخ والمسؤولين وشراء الذمم، وبموجب هذه المبالغ، كان يتم توجيه أعضاء اللجنة لتنفيذ ما تريده السعودية دون أي اعتراض من الحكومة اليمنية الرسمية.
وخلال هذه الزيارة التقى الحمدي، بالملك فيصل وقال له: "دعوني أجلس هنا في السعودية، وأرسلوا سلطان ليحكم اليمن مباشرة"، موضحًا أن وجود حكومة يمنية رسمية مجرد واجهة لا تنفذ إلا التوجيهات والسياسات السعودية، وأنه من الأفضل أن يكون الحكم المباشر من قبل اللجنة السعودية الخاصة بدلاً من تزيين الأمر بمسمى رئيس وحكومة يمنية بلا سيادة حقيقية.
ويتعامل آل سعود مع اليمني – أيًّا كان – وفق المنهج والرؤية التي وضعها من يسمّونه الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، وهي رؤية تعتبر اليمني خصمًا بالفطرة وعدوًا بالطبيعة، ويتضح هذا النهج بجلاء في واقع الخونة والعملاء الذين قدّموا الخدمات للسعودية؟ فأين الخونة هادي وعلي محسن الأحمر؟ كلّهم اليوم تحت الإقامة الجبرية، بعد أن استُخدموا وانتهى دورهم.
ومن هنا نفهم أن سياسة آل سعود تجاه اليمنيين لا تفرّق بين زيدي أو شمالي أو جنوبي؛ فوصية الملك المؤسس لم تستهدف طائفة بعينها، بل كل من يحمل الهوية اليمنية، فمجرد أنك يمني، يعني – في نظرهم – أنك خصمٌ وعدوّ، ويُتعامل معك كما يُتعامل مع الأعداء، مهما تغيّرت المظاهر أو تبدّلت الخطابات.
ويعد الشيخ المناضل علي الحريزي من محافظة المهرة، أحد رموز الرجولة والوطنية، ويقف موقفًا صلبًا ضد العدوان والاحتلال، فقد عبّر عن رفض أبناء المهرة، وبمساندة أبناء سقطرى وحضرموت، لما تقوم به دول ما يسمى التحالف [الاحتلال الإماراتي السعودي]، قائلاً لهم: "إذا كنتم جئتم لمواجهة الحوثيين في صنعاء، فلماذا تحتلون محافظاتنا التي لا يوجد فيها أحد من أنصار الله؟"
ويكشف هذا الموقف حقيقة أهداف السعودية والإمارات والأطماع الأمريكية وراء تدخلها، إذ يزعمون أنهم يدعمون ما يسمى [الشرعية]، لكن الواقع مختلفًا تمامًا، فالسعودية تحتل حضرموت، والإمارات تحتل سقطرى والمهرة، بينما صنعاء ظلت صامدة بأبطالها وأبنائها.
وفوق ذلك، استمر المعتدون في العبث بأمن واستقرار هذه المحافظات، فقاموا بطرد المحافظين المعينين من قبل الخائن هادي، وتغيير آخرين في المهرة، وممارسة سياسات التجويع عبر قطع الكهرباء والماء والمرتبات والخدمات، في الوقت الذي كانوا ينهبون فيه نفط هذه المحافظات وغيرها من المحافظات المحتلة.
وبهذا التصرف، يوضح الشيخ الحريزي وأهالي المحافظات الجنوبية الشرقية المحتلة أن العدوان والاحتلال السعودي الاماراتي لم يكن حماية "للشرعية"، بل استغلال ونهب وقمع للشعب اليمني.
وتقدر تكلفة العدوان السعودي على اليمن خلال السنوات العشر الماضية بحوالي 648 مليار دولار تقريباً، ويمكن القول إنه لولا التمويل السعودي والقرار السعودي ودعم المرتزقة لما كان هناك أصلاً جبهة مرتزقة مواجهة للشعب اليمني، فهؤلاء الخونة والعملاء سقطوا ورفضهم الشعب ورماهم إلى مزابل التاريخ بعد انتصار الثورة الشعبية في 21 سبتمبر 2014م، ومن أعادهم من جديد عبر حرب وجمع تحالف خمسة عشر دولة هي السعودية، ومن يمولهم الآن ويصرف الأموال الباهظة لتجنيد المزيد؟ هي السعودية مجددًا.
ويكشف السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- التخادم السعودي مع العدو الصهيوني في الأيام الأولى من العدوان على اليمن عام 2015م، أي قبل عملية طوفان الأقصى بنحو 8 سنوات، موضحاً أن النظام السعودي ما هو إلا أداة عميلة تنفذ أجندات وأهداف تابعة للعدو الإسرائيلي، وأن مهمته الأساسية تتمثل في إضعاف الشعوب العربية، وضرب أي مقومات للنهضة أو الاستقلال في البلدان التي يمكن أن تشكل خطرًا على مخططات العدو الصهيوني.
ويعد هذا أحد أهم أسرار وأسباب العدوان على اليمن؛ فلو لم يكن اليمن قد تحرر من الوصاية السعودية، ووقف في وجه الإغراءات والمشاريع التبعية، لما تكالبت عليه قوى العدوان، و بهذا الشكل، أرادوا إسقاط القوة اليمنية الصاعدة التي باتت تمثل عمودًا لاستقلال اليمن وكل أبنائه.
لقد خاضت السعودية حربها العدوانية على اليمن نيابةً عن كيان العدو الصهيوني، مستخدمةً واجهة عربية وإسلامية لخداع الشعوب، ولكن -بفضل الله سبحانه وتعالى- انكشفت الحقائق، وسقط نظام آل سعود أخلاقيًا وسياسيًا أمام اليمنيين جميعًا، كما مُني بالهزائم والانكسارات العسكرية على أيدي أبطال اليمن.
واليوم، بات واضحًا أمام الجميع من هو العدو الحقيقي، ومن يقف خلف معاناة الشعب اليمني، ومن يعرقل كل فرص الحوار والأخوة والتلاقي بين اليمنيين، ومن يتسبب في تجويع الناس في المناطق المحتلة، فالحكومة التي يزعمون أنها "شرعية" ليست سوى سلطة تابعة وذليلة للسعودي، تخضع لأوامره وتتحرك بإشارته.. إنها السعودية التي تضخ الأموال لتكريس الفقر والتبعية والجهل بين اليمنيين، لتبقيهم تحت إدارة السفارات الأجنبية، التي تختار أراذل المرتزقة ليكونوا حكامًا على واحدٍ من أشرف وأطهر وأشجع الشعوب العربية والإسلامية.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: عبد العزیز على الیمن آل سعود لم یکن
إقرأ أيضاً:
مكتبة المؤسس بالرياض: مقتنيات تراثية ضخمة تؤرخ لرحلات الحج والعمرة
من بين النطاقات المعرفية والثقافية التي جعلتها مكتبة الملك عبد العزيز العامة ضمن استراتيجيتها الثقافية، الحفاظ على التراث العربي والإسلامي، توثيقا، وأرشفة وفهرسة، وتقديم هذا التراث بمختلف عناصره إلى القراء والباحثين والدارسين، حيث يتسنى لهم الاطلاع على أبرز ما فيه، وإضافة ذلك ضمن مصادرهم ومراجعهم التراثية، ومنذ إنشاء المكتبة قبل أكثر من 40 عاما وهي تعمل على تقديم هذه المعرفة النوعية، فيما تعمل على تحديثها وتطويرها أولا بأول حسب برنامجها الثقافي في التزويد وتجديد مصادر البحث وتجديد المواد والمقتنيات التي تطور البحث العلمي في هذا المجال.
ولا تكتفي المكتبة بالقيام بهذا الدور، لكنها تعمل على عرض مقتنياتها التراثية النادرة أمام الجمهور، خاصة حين يتعلق الأمر بفريضة الحج، وإبراز اهتمامها الكبير بالتعريف بها، وبالحرمين الشريفين في مكة المكرمة التي يوجد بها أول بيت وضع للناس، وفي المدينة المنورة حيث مسجد خاتم الأنبياء والمرسلين المسجد النبوي الشريف.
وعبر هذا الاهتمام الكبير الذي يجسد رؤية ثقافية مميزة، تندرج ضمن رؤية المملكة 2030 والعناية بما تكنزه المملكة من آثار وتاريخ وتراث وسياحة ثقافية لا مثيل لها في العالم، أطلقت مكتبة الملك عبد العزيز العامة العرض الأول بالرياض لفيلم " أعظم الرحلات.. الحج إلى مكة: على خطى ابن بطوطة"، حيث حظي الفيلم الوثائقي التاريخي بإشادات كبيرة من المتابعين، والدارسين والباحثين، حيث كان الفيلم قد حقق أصداء عالمية مع عرضه بدور السينما ذات الشاشات الكبيرة في العالم.
وفيلم ابن بطوطة يربط بين الماضي والحاضر حيث يعرض مشاهد لشعائر الحج في العصر الحديث، فضلاً عن إبراز الجهود العظيمة التي تبذلها المملكة لعمارة الحرمين الشريفين، وتوفير جميع وسائل اليسر والراحة لحجاج بيت الله الحرام.
وقد شارك في هذا العمل أكثر من 2000 شخص من 24 دولة، حيث تم استلهام رحلة ابن بطوطة إلى مكة المكرمة خلال القرن 14 الميلادي كخلفية تاريخية للفيلم، وأبرزت مضامين الفيلم أبعاده كرسالة للسلام والتسامح.
و يتناول الفيلم فريضة الحج ومناسكه، وقامت على إنتاجه شركة عالمية متخصصة في مجال إنتاج الأفلام الوثائقية وتصويرها، ويتم عرضه بنظام عرض الشاشة العملاقة بدرجة فائقة الجودة للصوت والصورة، ( IMAX ) وقد تم تصوير مسيرة الحجاج ودخولهم لمكة المكرمة جوًّا وبحرًا وبرًّا، وتبلغ مدة الفيلم (45) دقيقة.
وكان الفيلم - وهو من إنتاج المكتبة - قد عرض من قبل في عدد من العواصم العالمية حيث عُرض في نيويورك وباريس ولندن وسنغافورة وجاكرتا ودبي، و حاز ثلاث جوائز في مهرجانات هيوستن وبوسطن وباريس، وتمت ترجمة الفيلم لعدد من اللغات العالمية منها الفرنسية والروسية والتركية إلى جانب اللغة الإنجليزية والعربية.
تحتفظ المكتبة بمجموعات من الصورالتاريخية التي لم يتم نشرها من قبل، من أبرزها: مجموعات عن المملكة والوطن العربي بشكل عام، من بينها أول وأشهر مجموعة قام بتصويرها اللواء محمد صادق باشا التي تضم صورة عالمية عن الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، والتي لا يوجد منها سوى ثلاث نسخ في العالم.
كما يتوافر لديها (365) صورة مع أصولها لم تنشر من قبل للحرمين الشريفين، قام بتصويرها المصور العالمي المصري أحمد باشا حلمي، الذي كُلف من قبل الملك فاروق بتصوير الحرمين الشريفين أثناء دخول الملك عبد العزيز ــ طيب الله ثراه ــ مكة والمدينة، بالإضافة إلى مجموعة ألبومات تصور خط سكك حديد الحجاز وبعض مناطق المملكة.
ويعد أحمد مرزا أول مصور محترف هندي قدم إلى الأراضي المقدسة للحج في 1325هـ/ 1907م حيث أصدرت المكتبة كتابه:"مشاهدة الحرمين الشريفين ومظاهر الحج من خلال عدسة الحاج أحمد مرزا".
ويتضمن الكتاب الواقع في 240 صفحة تمهيدا عن الحرمين الشريفين في الخرائط القديمة، والرسومات والمنمنمات القديمة، والصور الضوئية الأولية، والصور الضوئية في الهند.
وحصلت مكتبة الملك عبد العزيز العامة على مجموعة من الصور الضوئية، الأصلية القديمة الخاصة بالمصور البرازيلي العالمي همبرتو دا سلفيرا، يبلغ عددها (165) جمعها المصور الذي تنقل في أرجاء المملكة طيلة اثنتي عشرة سنة، فأنتج فيها مجموعة من الصور توثق أماكن تاريخية في المملكة قبل مرحلة التحديث المعاصرة، منها صور عن الحرمين الشريفين، وتكتسب هذه الصور أهمية في أنها تسهم في تعريف الأجيال المقبلة وتبصيرها بتاريخهم والعادات السائدة في المملكة في حينها، كما حظيت بعناية واهتمام دوليين كبيرين حينما اشترك بهما المصور عارضاً في كبرى المعارض الدولية: معرض معهد العالم العربي بباريس، والآخر في متحف الأليزيه بلوزان. وهكذا يبرز الدور الكبير لهذا المخزون المعرفي الذي تقتنيه مكتبة الملك عبد العزيز العامة والذي يعد أهم تراث وثائقي مصور ومخطوط لهذا الموسم الديني الكبير الذي يلتقي فيه المسلمون من جميع أنحاء العالم للتعارف وأداء مناسك الحج وإقامة شعائر الله.