محللون: مراوحة اتفاق غزة إستراتيجية إسرائيلية لفرض وقائع جديدة
تاريخ النشر: 13th, November 2025 GMT
رغم مرور أكثر من شهر على دخول اتفاق وقف الحرب في غزة حيّز التنفيذ، فإن المشهد الميداني لا يوحي بسلام يتكرّس، بل بمسرح تتحرك فيه إسرائيل وفق خطة مدروسة لإعادة رسم الوقائع على الأرض تحت غطاء الهدنة.
فالقصف المتواصل، وعمليات النسف الممنهجة، والتجريف داخل ما يُعرف بـ"الخط الأصفر"، تكشف جميعها عن نهج محسوب، لا عن خرقٍ عرضي لاتفاق هش.
إسرائيل -كما يرى محللون- لا تتعثر في تنفيذ الاتفاق، بل تتعمّد إبقاءه في حالة المراوحة، لتكسب الوقت وتفرض واقعا ميدانيا يصعب التراجع عنه لاحقا.
فبينما تنشغل واشنطن بمعالجة "أزمات جزئية" مثل ملف مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في رفح أو مشروع القوة الدولية، تعمل تل أبيب في صمت على حسم معركة السيطرة على الأرض، ميدانيا لا تفاوضيا.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور إياد القرة، الكاتب والمحلل السياسي من خان يونس، إن ما يحدث في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية هو "هندسة مقصودة لواقعٍ جديد"، فعمليات المسح والنسف لم تعد تقتصر على الرد العسكري، بل تهدف إلى تفريغ نحو نصف مساحة القطاع من سكانها، وتحويلها إلى نطاق أمني مغلق.
ويضيف في حديثه لبرنامج "مسار الأحداث" أن إسرائيل "تريد عندما تنتهي المراحل السياسية للاتفاق أن تكون قد سبقت الجميع بخطوات على الأرض"، بحيث يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام أرضٍ محروقة لا عودة إليها، ولا بنية تحتية تؤهلها للحياة.
هذا التصور يتقاطع مع تحليل الدكتور مهند مصطفى، الأكاديمي والخبير في الشأن الإسرائيلي، الذي يرى أن تل أبيب تدير الاتفاق بوصفه "أداة تحكم لا خطة سلام".
الجمود الموجّهفنتنياهو -كما يوضح- يدرك أن تفجير الاتفاق محظور أميركيا، وأن العودة إلى الحرب ستُفقده الغطاء الدولي، لذلك يتبنى نهج "الجمود الموجّه"، أي الإبقاء على الوضع القائم دون تقدم نحو المرحلة الثانية التي تتضمن انسحابا أوسع أو ترتيبات دولية جديدة.
إعلانويضيف مصطفى أن هذا الجمود يخدم هدفا إستراتيجيا، وهو ترسيخ تقسيم فعلي لغزة إلى منطقتين، واحدة تحت سيطرة إسرائيلية كاملة، وأخرى تديرها حماس شكليا، لتبدو الهدنة طويلة الأمد وكأنها تسوية أمرٍ واقع، لا اتفاق سلام.
من جهته، يرى الدكتور إبراهيم فريحات، أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، أن واشنطن ليست مراقبا بريئا لهذه المراوحة، بل طرف مندمج في منطقها.
فالإدارة الأميركية -كما يقول- تعرف تماما أن الخروقات الإسرائيلية ممنهجة وليست دفاعا عن النفس، لكنها تتعامل معها كأمرٍ يمكن احتواؤه ما دام لا يهدد جوهر خطتها السياسية.
ويضيف أن إسرائيل تنتهج سياسة "استنزاف متدرّج" للجهود الدبلوماسية الأميركية، تدفعها إلى الانخراط في تفاصيل ثانوية كقضية المقاتلين، وتبعدها عن القضايا الجوهرية كالانسحاب وإعادة الإعمار، وهي إستراتيجية خبرتها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عهد أوباما حتى اليوم.
ويؤكد القرة من جانبه، أن ملف المقاتلين في رفح تحوّل إلى "ذريعة جاهزة" لتأجيل الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، فإسرائيل –بحسب تقديره– افتعلت الأزمة لتبرير استمرارها في العمليات الميدانية، واستثمار الوقت في إحكام قبضتها على المناطق الحدودية والأنفاق.
ويشير إلى أن واشنطن، رغم وعيها بذلك، تميل إلى إدارة الأزمة لا حلّها، لأن أي ضغط جاد على إسرائيل قد يهدد استقرار الاتفاق الذي تعتبره إنجازا دبلوماسيا للإدارة الأميركية.
وفي الوقت الذي تواصل فيه واشنطن دفع مشروع "قوة الاستقرار الدولية"، تبدو ملامح القوة المقترحة أقرب إلى صيغة ترضي تل أبيب أكثر مما تلبي احتياجات الفلسطينيين.
رفض أوروبي عربيفبحسب فريحات، تواجه الخطة الأميركية رفضا أوروبيا وعربيا واسعا لمفهوم "القوة التنفيذية" التي تنزع سلاح غزة، في حين تصر هذه الدول على دورٍ يقتصر على حفظ السلام، هذا الانقسام يمنح إسرائيل مزيدا من الوقت لتكريس واقعها على الأرض، وتثبيت حدودٍ جديدة تحت مسمى "مناطق آمنة".
ويرى مصطفى أن إسرائيل تستخدم هذا التأخير لمصلحتها، إذ تدرك أن أي فشل في تشكيل القوة الدولية سيبقي السيطرة الفعلية بيدها، ويحول غزة إلى منطقة منقسمة فعليا بين شرقٍ تهيمن عليه إسرائيل وغرب محاصر تديره حماس.
ويضيف أن هذه النتيجة، وإن بدت مؤقتة، تمثل بالنسبة لنتنياهو "أفضل صيغة لإدارة الصراع دون تحمل تكلفة الحسم أو إعادة الإعمار".
أما في واشنطن، فيحاول المسؤولون الأميركيون، وعلى رأسهم المبعوث جاريد كوشنر، إنقاذ الاتفاق بتعديلات شكلية على مسودة قرار مجلس الأمن، لكن الخلافات العميقة حول طبيعة القوة الدولية ودورها تبقي السيناريو غامضا.
ويشير فريحات إلى أن فشل واشنطن في تمرير القرار سيجعلها في مأزق حقيقي: إما القبول بالأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل، أو المخاطرة بصدامٍ دبلوماسيّ مع حليفتها الأبرز في المنطقة.
في المحصلة، لا تبدو مراوحة الاتفاق فشلا تفاوضيا بقدر ما هي سياسة مقصودة، توظّفها إسرائيل لتقنين ما حققته بالقوة. فكل يومٍ يمر دون انتقال إلى المرحلة التالية يعني تثبيت خرائط جديدة، وتآكل فرص إعادة الإعمار، وشرعنة تقسيمٍ ميداني يتغذى على الصمت الدولي.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات على الأرض
إقرأ أيضاً:
خلال لقائه منظمات سورية في واشنطن.. الشرع: نعمل على اتفاق مع إسرائيل
من المقرر أن يناقش الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره السوري أحمد الشرع المفاوضات المباشرة بين السلطات السورية والاحتلال، بعد أن حضّ ترامب في أيار/مايو الرئيس السوري على الانضمام إلى اتفاقيات التطبيع.
وفي أول زيارة لرئيس سوري منذ نحو 80 عاما، وصل الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن في زيارة رسمية، من المقرر أن يلتقي خلالها نظيره الأمريكي دونالد ترامب بعد يوم من شطب أمريكا اسمه من قائمة الإرهاب، وقالت وكالة الأخبار السورية إن: "الشرع التقى منظمات سورية في واشنطن، بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني"، ودعا الشرع، المنظمات إلى استثمار "الفرصة النادرة" والمساهمة في إعادة إعمار البلاد.
من لقاء الرئيس أحمد الشرع مع وفد من أبناء الجالية السورية في واشنطن، بحضور وزير الخارجية والمغتربين أسعد حسن الشيباني، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك. pic.twitter.com/KIxGqr32VU — الوكالة العربية السورية للأنباء - سانا (@Sana__gov) November 9, 2025
بدورها، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أن الشرع أبلغ قادة المنظمات السورية خلال الاجتماع بالعمل على اتفاقية أمنية جديدة مع دولة الاحتلال، ووفقاً للشرع، طالبت دمشق إسرائيل بالعودة إلى حدودها التي كانت قائمة قبل سقوط الأسد.
في أيلول/سبتمبر الماضي، قال الشرع إن المفاوضات مع دولة الاحتلال تهدف إلى التوصل لاتفاق أمني تنسحب بموجبه من مناطق في جنوب سوريا تقدّمت إليها بعد سقوط الأسد وأن توقف غاراتها، ومنذ كانون الأول/ديسمبر الماضي تعرّضت سوريا للعديد من غارات جيش الاحتلال الإسرائيلي والتوغلات في جنوب البلاد، بدون أن تردّ عليها.
وقال الشرع حينها، إنه رغم عدم ثقته بإسرائيل لكن لا مفر من اتفاق قريب معها، وأشار إلى أن المفاوضات الأمنية الجارية مع تل أبيب قد تؤدي إلى نتائج خلال الفترة المقبلة، مؤكدا أن أي اتفاق يجب أن يضمن احترام المجال الجوي السوري ووحدة أراضي البلاد، ويخضع لمراقبة الأمم المتحدة، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن "السلام والتطبيع ليسا مطروحين على الطاولة الآن"، موضحا أن الولايات المتحدة لا تمارس ضغوطا مباشرة على دمشق للتوصل إلى اتفاق، لكنها تؤدي دور الوسيط في المحادثات.
وفي وقت سابق، أفاد مصدر في الحكومة السورية أن لقاء عُقد في لندن بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، جرى خلاله بحث ترتيبات لوقف التصعيد استنادا إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974.
وقال المصدر إن المقترح السوري يشترط انسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها بعد الثامن من كانون الأول الماضي/ديسمبر، وإعادة انتشار قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في المنطقة العازلة، مشددا على أن وحدة الأراضي السورية غير قابلة للتجزئة أو المساومة.
وأشار المصدر إلى أن دمشق تعتبر أن أي سلام مستدام في المنطقة يجب أن يرتبط بمعالجة جذور التوتر وعلى رأسها استمرار الاحتلال الإسرائيلي، في غضون ذلك أفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن لقاء الشيباني وديرمرر في لندن شارك فيه المبعوث الأميركي توم براك.
ويقول مايكل هانا مدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، "غير الرئيس ترامب بشكل غير متوقع السياسة الأمريكية الراسخة تجاه سوريا في أيار/مايو، وواصل دعم الحكومة الجديدة في دمشق، على الرغم من حالات عدم الاستقرار والعنف التي قوضت الثقة في القيادة الجديدة للبلاد"، وأكدت مصادر مطلعة لرويترز في وقت سابق أن واشنطن تستعد لنشر قوات في قاعدة جوية في دمشق للمساعدة في إتاحة تنفيذ اتفاق أمني تتوسط فيه الولايات المتحدة بين سوريا وإسرائيل.
وصرح المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم باراك، في وقت سابق من هذا الشهر بأن الشرع سيوقع اتفاقية للانضمام إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد "تنظيم الدولة الإسلامية"، كما صرح مصدر دبلوماسي في سوريا لوكالة فرانس برس بأن الولايات المتحدة تخطط لإنشاء قاعدة عسكرية قرب دمشق "لتنسيق المساعدات الإنسانية ومراقبة التطورات بين سوريا وإسرائيل".