فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي
تاريخ النشر: 13th, November 2025 GMT
ما الدليل على قول الإمام السالمي رحمه الله: «وكل من أكثر منه ماجدُ... أقله في اليوم جزءٌ واحد»؟
أشهر دليل على أن الحد الأدنى لما يقرأه المسلم من كتاب الله عز وجل جزءٌ واحد في اليوم، هو حديث عبدالله بن عمرو بن العاص، الرواية طويلة، لكن فـــيها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «اقرأ القرآن في شهر»، فقال: «إني أطــــيق أكثر من ذلك»، وفي رواية عند مسلم قال: «فـــــاقرأه في عشرين ليلة»، فقال: «إني أطيق ذلك»، قال: «فاقرأه في سبعٍ ولا تزدْ على ذلك»، فهذا التــــوجــــيه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو للإرشاد والاستحباب، ولهذا فإن أهل العلم ينصّون على أن ذلك إنما يكون بحسب القدرة والتمكن.
فمن كان له عذر، من اشتغالٍ بجهادٍ في سبيل الله، أو دعوةٍ إلى الله عز وجل، أو التماس علومٍ نافعة، فهو بحسب عذره، ولكن اختلفوا في كم يُوسَّع له؛ فبعض الروايات فيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اقرأ القرآن في أربعين»، فأخذ بعضهم أن الحد الأدنى هو أن يختم المسلم القرآن الكريم في أربعين يومًا.
ومنهم من وسّع، وقال: يُجزئه أن يختم القرآن مرتين في العام، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في آخر سنةٍ قد استعرض القرآن مع جبريل مرتين، صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا القول ذكره الإمام أبو حنيفة، ونجد أن بعض أهل العلم التفت إلى معنى آخر غير ما يتصل بالقدرة والاستطاعة أو بالعذر في المقابل، وهو معنى الاستنباط والفهم.
فالإمام النووي على سبيل المثال ذكر أن من كان يقوى على استنباط اللطائف من المعاني والدقائق من كتاب الله عز وجل، مما لا ينتبه إليه غيره، فحسبه ذلك، على ألا يُفرِّط في ختم القرآن، لكن هذا هو المستند الذي يذكره أهل العلم في أن الحد الأدنى الذي لا ينبغي للمسلم أن يقل عنه في ختم كتاب الله عز وجل هو هذه الرواية: رواية عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد وردت عند الصحيحين، ووردت عند الشيخين في الصحيحين، ولها ألفاظ كثيرة، ووردت عند غيرهما من أصحاب السنن والمسانيد،
ولكن كما تقدّم، فإن الذي يُؤخذ منها إنما هو على سبيل الإرشاد والندب.
ولا ينبغي للمسلم أن يهجر كتاب الله عز وجل، كما لا ينبغي له أن يكلّف نفسه فوق طاقتها، فمما يُروى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه لما كبر سنه، لأنه ما أراد أن يترك أمرًا فارق عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فوجد مشقة من بعد، فقال: «ليتني أخذت بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».
والحال فيها سعة، ما لم يكن هناك كما تقدّم هجرٌ لكتاب الله عز وجل أو إعراضٌ عنه، أو اشتغالٌ بتوافه وصوارف دون كتاب الله عز وجل، فيجد المسلم لكل ما سوى القرآن وقتًا يتجه إليه ويصرف فيه جهده ووقته، إلا حينما يأتي إلى كتاب الله عز وجل،
فإنه يتعلل بالصوارف والأشغال والأعمال وقلة الوقت، وهذا مما لا يليق بمسلم، نعم، والله تعالى المستعان.
يلجأ بعض الناس الآن إلى التسقيف، ووضع جدار يحيط بحدود القبر، هل مثل هذا التصرف جائز شرعًا؟
اللحد يكون في جانب جهة جدار القبلة، في الأسفل، حيث يلتقي جدار القبر بأرضه، فيميل عن الوسط، ولذلك هو لحد؛ لأنه من الميل، فيكون في جهة القبلة في الأسفل، ويوضع فيه جثمان الميت مستقبلًا القبلة، ثم يُلحد له بالطوب أو بالصخور، فإن وُجدت فجوات فإنه يُستعمل لها الطين، ثم يُهال التراب، هذا هو المعتاد، هذا هو اللحد.
أمّا الشق، الذي كما هو في الصورة، فيكون في جوف القبر، ذلك يكون في جانبه في جهة القبلة، وهذا يكون في جوفه في وسطه،
لماذا يُلجأ إلى الشق دون اللحد؟ لأن طبيعة التربة هي التي تحدد؛ فقد لا تسمح طبيعة التربة لكونها رملية باستحداث لحدٍ في جانب جدار القبر، فيلجؤون إلى الشق في وسطه، ثم بعد ذلك أيضًا يُسقّف إما بالصخور أو بالألواح، واليـــــوم تُسقّف بالألـــــواح الأسمنتية أو بشيءٍ من الخرسانة، التي أيضًا لا يشقّ على من يتولى أمر الميت، الدفــــــن يشقّ عليه أن يحملها وأن يضعها، لكنها تمنع وصول التراب والحجارة حينما يُهال على ذلك القبر، فإذًا، اللحد هو الأولى.
إذا كانت طبيعة الأرض تسمح باللحد فلا ينبغي العدول عنه إلى الشق، والشق يُرخَّص فيه إذا كانت الأرض لا تتماسك، فيُخشى أن ينهار جدار القبر على الميت، هذا هو الوضع الطبيعي الآن، لجأوا إلى الشق، الحادث هنا في هذا السؤال هو استعمال الطابوق، في جوف الشق نفسه، قبل أن يُسقّف بالألواح الصخرية أو بالألواح الأسمنتية الأصل فيه عدم الجواز، لا ينبغي أن يُضاف شيء إلى القبر إلا مادة القبر نفسه، مادة التربة التي يُدفن فيها، الأرض التي يُدفن فيها الميت، فلا يُبنى فيها ولا يُستحدث شيء.
لكن انعدمت الألواح الصخرية، لجؤوا إلى شيءٍ من الرخام أو الألواح الأسمنتية الخرسانية هذه، لكن أن يُستحدث جدار من طابوق على جانبي الشق في القبر، فهذا الأصل فيه المنع، إلا إذا كانت طبيعة الأرض كأن تكون رخوة، أو أن تكون رملية شديدة حتى لو أُحدث الشق فإنها ترجع وتلتئم، فاضطروا إلى شيءٍ من السواتر، إلى استعمال شيءٍ من الطوب أو الطابوق، فهذا استثناء،، استثناء خاص بحالةٍ أن تكون طبيعة الأرض في ذلك القبر أو في تلك المقبرة لا تسمح بالشق، فينهار، ويلتئم، ففي هذه الحالة يمكن أن يُرخص لهم.
أما في استعمال الحجارة، إذا كان ذلك لا يشقّ عليهم، فالأولى استعمال الحجارة، فإن لم يتيسر لهم، وحصل أيضًا الانهيار أو خافوا من الانهيار، ففي هذه الحالة فقط يُرخص لهم في استعمال الطابوق، نعم، والله تعالى أعلم.
الدعاء بعد الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأخير من الصلاة، هل يُقيَّد بما ورد في الكتاب العزيز والسنة النبوية الصحيحة، أم يجوز للمصلي أن يدعو بما يشاء؟
نعم، يجوز له أن يدعو بما يشاء، لكن الأولى أن يحرص على أن يأخذ من كتاب الله عز وجل ما ورد فيه من أدعيةٍ على لسان الأنبياء والرسل الكرام، عليهم صلوات ربي وسلامه، ومما أرشدنا إليه ربنا جل وعلا من دعاء الأتقياء والصالحين في هذه الأمة، وفي الأمم التي آمنت بالله تبارك وتعالى قبلنا، فهذا أولى وأفضل.
وأن يأخذ مما ورد وثبت صحيحًا في سُنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أوتي عليه الصلاة والسلام جوامع الكلم، فأيُّ تعبيرٍ يمكن أن يكون أوفى وأوسع وأشمل للمعاني التي يبتغيها المسلم من خيري الدنيا والآخرة، مما ثبت في سُنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما عليه أن يبحث عما يناسب مقاصده التي يبتغيها في دعائه، فسيجد بمشيئة الله تعالى غُنيةً وكفايةً فيما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في باب الدعاء.
لكن هذا لا يعني أنه يُمنع من أن يأتي بما صحَّ معناه، مما يطلبه من ربه جل وعلا من خيري الدنيا والآخرة في صلاته بعد تشهده وقبل تسليمه، لا مانع من ذلك على الصحيح.
في قوله تعالى: « الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ» على ماذا يدلّ تقديم (علَّمَ القرآن) على (خلق الإنسان) في سورة الرحمن؟
يدلّ على بالغ أهمية هذه النعمة العظيمة، وأن الإنسان دون هداية القرآن يكون تائهًا حائرًا، يفقد مع هذا الضلال عن نعمة القرآن كلَّ معنى لوجوده، وكلَّ معنى لما أنعم الله عز وجل به عليه. فلا يعرف معنى التوحيد، ولا العبودية الخالصة لله تبارك وتعالى، ولا يهتدي إلى تعظيم خالقه كما ينبغي.
ولذلك فإن البدء بنعمة القرآن، بتعليم الله عز وجل عباده القرآن، دليلٌ على عِظَم هذه النعمة، وأنها هي أُسُّ النِّعَم جميعًا، فهي أساس الهداية، وهي أصل الرشد، ومنبع الخير والتقوى، وهي السبب الموصل إلى السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، ولذلك امتنَّ الله عز وجل بها في هذه السورة الكريمة سورة الرحمن قبل الامتنان على الإنسان بخلقه وتعليمه البيان.
وذكر بعض المفسرين معنى لطيفًا، حينما قارن بين بداية سورة الرحمن وبداية سورة العلق؛ فمعلوم أن سورة العلق هي أول ما نزل أو من أوائل ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والجمهور على أنها أول ما نزل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، لأنه لم يكن لهم عهدٌ بالقرآن بعدُ، فامتنَّ الله عليهم بخلقهم وببعض الآيات التي يشهدونها.
لكن في سورة الرحمن، كان القرآن قد تنزّل، وبدأ الناس يؤمنون به أو يعرضون عنه، فأصبح معلومًا عندهم، فذُكرت لهم نعمة القرآن لأنه أصبح معهودًا معروفًا لديهم، وهذا معنى لطيفٌ حسنٌ ذكره عِزّ الدين ابن جماعة في كشف المعاني، والله تعالى أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم سورة الرحمن الله تعالى إلى الشق لا ینبغی إذا کان یکون فی فی هذه هذا هو التی ی على أن
إقرأ أيضاً:
نهى الله تعالى عنها.. ما هى المعاجزة؟
المعاجزة.. قال الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن المعاجزة في اللغة هي المُعانَدَة والمُحارَبَة، وفي الشرع: محاولةُ تعجيزِ رُسُلِ الله وشرعه ومراده في الكون.
مفهوم المعاجزة:وأوضح أن المعاجز صاحبُ عقليةِ مُصارَعَة، ونفسٍ خبيثة، لا يُسلِّم لله، فيخرج من أمره الشرعي، ويتحدّى آياتَ الله وأوامره، لا مَهالَ الله له. وقد توعّده الله بسوء الخاتمة إذا استمرّ على ذلك الحال، فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [الحج: 51].
المعاجزة:
والمُعاجِز يحاول الخروج عن أمر الله الكَوْني كذلك؛ فيسعى لتغيير جنسه، ولإطالة عُمُره، ولتغيير خَلقِ الله، وكأنّه يمتثل امتثالًا شديدًا لأمر الشيطان له بذلك، كما حكى ربُّنا ذلك في كتابه فقال تعالى: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: 117–119].
مشروعية المعاجزة:
وقد نهى الله عن المُعاجَزَة في آياته؛ فالمُعاجَز نقيضُ المؤمن الذي سلّم بآيات الله، فالمُعاجِز لا يصدّق، ولا يُسلِّم، ولا يرضخ لحكم الله وأمره، قال تعالى:﴿وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ ۚ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأحقاف: 32].
وقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾ [سبأ: 5].
وقال جل شأنه: ﴿وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ [سبأ: 38].
وأضاف جمعة أن الناس فريقان:
الناس فريقان:
فريقٌ "فهم عن الله وطبَّق"، وفريقٌ "رفض أن يفهم وعاجَز"، فصار مُفسدًا في آيات الله التي خلقها من حولنا في كونه الفسيح.
فوصفهم الله بأنهم: ﴿أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾، وذلك لاستمرارهم ودوامهم على ذلك الحال؛ فمن داوم على شيء كان صاحبه.
مفهوم المعاجزة بالإسلام
فالإنسان ضعيف، ويلجأ إلى الله في الشرق والغرب على ما يَدَّعيه من إلحاد، ومن موت الإله، ومن خرافة الأديان، ويظهر ذلك اللجوء عند الفزع والخوف والضرر، قال تعالى:
﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ﴾ [الزمر: 8].