20 نوفمبر.. محطة تعيد رسم الوعي الوطني العُماني
تاريخ النشر: 13th, November 2025 GMT
أنور الخنجري
alkhanjarianwar@gmail.com
يُمثِّل اعتماد يوم العشرين من نوفمبر يومًا وطنيًا لسلطنة عُمان خطوة محورية في إعادة صياغة الوعي الوطني وتوجيه سرديته نحو تأصيل أعمق للجذور التاريخية للدولة؛ فقد أعلن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في 11 يناير 2025 هذا التوجه، خلال خطابه بمناسبة الذكرى الخامسة لتولي جلالته مقاليد الحكم، مُقدِّمًا رؤية متكاملة تستند إلى فهم واع لطبيعة الدولة العُمانية ومكانتها في التاريخ الإقليمي والدولي.
لقد جاء هذا التوجه بمثابة إعادة ترتيب للبنية الرمزية للمناسبة الوطنية الكبرى، بما يتجاوز البعد الاحتفالي إلى ترسيخ رؤية تاريخية أكثر عمقًا لمسيرة الدولة العُمانية. وهو توجه حكيم يأتي في سياق تعزيز الهوية الوطنية، وإتاحة الفرصة للأجيال الحالية للتعرف على جذورها التاريخية الممتدة، والمتجسدة في مسيرة الدولة البوسعيدية التي حكمت عُمان منذ أكثر من 281 عامًا؛ حيث يستمد هذا اليوم رمزيته من بداية عهد الدولة البوسعيدية عام 1744، وهي اللحظة التي تمكن فيها الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي من توحيد البلاد وإرساء أسس سيادتها بعد فترة من التحديات الداخلية والخارجية. وقد شكّل هذا التحول نقطة انطلاق لدولة ذات حضور سياسي وتجاري وبحري واسع امتد تأثيره إلى سواحل شرق أفريقيا والمحيط الهندي.
واعتماد هذا التاريخ يعكس رغبة جادة في إعادة ربط الهوية الوطنية بسياق تاريخي طويل، يسبق النهضة الحديثة بقرون، ويبرز الاستمرارية التي ميزت الدولة العُمانية عبر العصور. وهذا الربط يعزز شعور المواطنين بأنهم جزء من إرث جمعي ممتد، لا يرتبط بمرحلة زمنية واحدة؛ بل بتاريخ وطني مشترك يُضم أجيالًا متعاقبة؛ مما يعكس تحولًا واعيًا في طبيعة الخطاب الوطني.
وبينما ارتبط العيد الوطني سابقًا بذكرى شخصية لها مكانتها في تاريخ النهضة الحديثة، يتجه هذا القرار نحو ترسيخ هوية وطنية تستند إلى الدولة نفسها وإلى مسارها التاريخي، بحيث يضع هذا التحول المؤسسات الوطنية في موقع أكثر مركزية، ويؤكد فكرة استمرار الدولة فوق الأفراد، مهما كانت رمزية الأجيال الحاكمة ومكانتها.
ويحمل هذا التوجه في مضمونه أيضًا رسائل واضحة تؤكد حرص القيادة على صون الإرث التاريخي للدولة وتعزيز هويتها الجامعة. كما يعكس ثقة السلطنة في قدرتها على استثمار هذا الإرث وتوظيفه لتعزيز الاستقرار الداخلي وترسيخ مفاهيم الدولة الحديثة القائمة على الانسجام الوطني والوعي بالمصير المشترك. ويشير في الوقت ذاته إلى رؤية متماسكة تعترف بتاريخ الدولة الطويل وترى فيه أساسًا للتماسك الوطني ومصدرًا للقوة في مواجهة التحديات المستقبلية.
إنَّ اعتماد يوم العشرين من نوفمبر يومًا وطنيًا لعُمان هو محطة تعزز استمرارية الدولة عبر تاريخها، غير أن قيمة هذا القرار لا تكتمل إلّا بارتباطه الوثيق بالحاضر وبما تسعى إليه السلطنة في مستقبلها؛ إذ لا بُد أن يستند هذا التحول إلى رؤية واضحة ترى في التاريخ ركيزة للثقة الوطنية، وفي الحاضر مساحة لاستثمار هذا الإرث في بناء دولة قادرة على مواجهة تحديات العصر. كما يمتد أثر هذا القرار إلى المستقبل بوصفه دعوة لاستشراف ما هو أبعد من الاحتفال الرمزي؛ فهو يضع الأساس لمرحلة جديدة يتعزز فيها الوعي الوطني، ويتسع فيها نطاق المشاركة المجتمعية، ويتأكد فيها دور الدولة في صياغة مستقبل قائم على المعرفة والابتكار والقدرة على الاندماج في التحولات العالمية.
وهذا اليوم الوطني الجديد يمثل جسرًا يصل بين إرث 3 قرون ومسار دولة عصرية تتطلع بثقة إلى مكانة تليق بتاريخها، وتستثمر إمكاناتها من أجل أجيال قادمة قادرة على مواصلة البناء على قاعدة قوية من الهوية والوعي والمسؤولية.
وفي الختام.. إنَّ اعتماد يوم العشرين من نوفمبر يومًا وطنيًا لعُمان ليس مجرد تغيير في تاريخ الاحتفال أو مناسبة لتذكر الإنجازات التنموية؛ بل خطوة عميقة تعيد قراءة الهوية الوطنية وترسخ جذورها التاريخية، ويقدم فرصة لبناء وعي وطني يتسم بالشمولية والنضج، ويُعبِّر عن دولة تمتلك تاريخًا عريقًا ورؤية واضحة لمستقبلها. ومع اقتراب أول احتفال بهذا التاريخ، تستعد السلطنة لمرحلة جديدة من تعزيز مكانتها التاريخية وترسيخ حضورها الوطني على أسس أكثر عمقًا ووضوحًا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: وطنی ا
إقرأ أيضاً:
رئيس الدولة يكرم المساهمين والداعمين لمبادرة «وقف الحياة» تقديراً لدورهم في ترسيخ نموذج وطني للوقف الصحي المستدام
كرم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، اليوم، المساهمين والداعمين لمبادرة «وقف الحياة» من أفراد ومؤسسات، وذلك تقديراً لعطائهم وإسهاماتهم في ترسيخ نموذج وطني للوقف الصحي المستدام والذي يجسد قيم البذل والعطاء الراسخة في مجتمع الإمارات، ويعزز منظومة الرعاية الصحية الداعمة للمرضى من ذوي الأمراض المزمنة وأصحاب الهمم والفئات الأكثر احتياجاً.
وأعرب صاحب السمو رئيس الدولة ــ خلال مراسم التكريم التي أقيمت في مجلس قصر البحر في أبوظبي ــ عن شكره وتقديره لكل من أسهم في إنجاح مبادرة «وقف الحياة» وتحويلها إلى رافد يعزز دور القطاع الصحي في أبوظبي، ويرسخ نهجها في تحقيق التنمية المجتمعية المستدامة بجانب دعم منظومة العمل الوقفي الوطني بما يجسد روح المسؤولية المجتمعية وقيم العطاء في مجتمع الإمارات.
وأكد سموه أن ثقافة الوقف والعطاء تمثل ركناً أصيلاً في مسيرة الدولة وتجسد القيم النبيلة التي أرساها الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، والتي نواصل اليوم تعزيزها عبر مبادرات نوعية تحقق أثراً تنموياً وإنسانياً مستداماً.
كما كرم صاحب السمو رئيس الدولة الجهات المانحة لحملة «وقف الحياة» من أفراد ومؤسسات وشركات من القطاعين العام والخاص، تقديراً لدورهم في دعم الحملة وتحقيق أهدافها بوصفها نموذجاً إماراتياً في العمل الوقفي والصحي، حيث أسهمت مبادراتهم النوعية والمالية والعينية الكبيرة، في توسيع نطاق المبادرة، وصياغة رؤيتها، وتطوير منظومتها المؤسسية والاستثمارية، وإرساء أطر الحوكمة والاستدامة لضمان إدارة فاعلة للأصول والموارد الوقفية، بما يجسد الثقة المجتمعية الواسعة برسالة المبادرة ورؤيتها النبيلة في دعم الخدمات الصحية النوعية.
وكرم سموه أيضا فريق هيئة الأوقاف وإدارة أموال القصر في أبوظبي «أوقاف أبوظبي»، تقديراً لجهودهم في تنفيذ المبادرة، ونشر القيم الوقفية، وترسيخ مفهوم الوقف بوصفه أداة تنموية تدعم التكافل الاجتماعي بجانب إبراز الدور الريادي لدولة الإمارات في دعم المبادرات الخيرية والإنسانية، وتعزيز الاستثمار الاجتماعي لخدمة الفئات الأكثر احتياجاً.
وقال معالي عبد الحميد محمد سعيد رئيس هيئة الأوقاف وإدارة أموال القصر «أوقاف أبوظبي»: «إن تكريم صاحب السمو رئيس الدولة المساهمين في وقف الحياة يعد وسام ثقة ترسيخاً لقيمة العطاء الإنساني التي تكرس مكانة الوقف شريكاً محورياً في دعم المنظومتين الصحية والاجتماعية في الدولة، ومحفزاً على توسيع ميادين الخير لتشمل مبادرات نوعية تُعلي من شأن الإنسان وكرامته».
من جانبه قال سعادة فهد عبد القادر القاسم مدير عام أوقاف أبوظبي: «إن وقف الحياة يعد نموذجاً في العمل الوقفي المستدام، يقوم على استثمار الأصول وتنمية عوائدها لخدمة المرضى والفئات الأكثر حاجة، في إطار من الحوكمة والشفافية التي تضمن استمرارية الأثر، بما ينسجم مع رؤية القيادة الرشيدة لبناء مجتمع معافى ينعم بجودة الحياة.. مشيراً إلى أن الهيئة تمضي في هذا الإطار بتطوير شراكاتها مع المؤسسات الوطنية والقطاع الخاص، بما يسهم في تعظيم أثر الوقف وتوسيع قاعدة المستفيدين، انسجاماً مع أولويات الدولة في بناء مجتمع صحي ومستدام».
ويجسد هذا التكريم النهج الإنساني الراسخ لدولة الإمارات وقيادتها الرشيدة في دعم مبادرات الخير والعطاء، وترسيخ ثقافة الوقف منظومةً تنمويةً مستدامةً تسهم في تعزيز جودة الحياة، وتوفير مقومات العيش الكريم لأفراد المجتمع، وترسيخ قيم التضامن والتكافل الإنساني داخل الدولة وخارجها بجانب تجسيده رؤية دولة الإمارات في تحويل المبادرات المجتمعية إلى مشاريع تنموية مؤسسية تسهم في بناء مستقبل أكثر ازدهاراً ورفاهيةً.
حضر المراسم كل من سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون التنموية وأسر الشهداء، وسمو الشيخ حمدان بن محمد بن زايد آل نهيان نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون الخاصة، وسمو الشيخ زايد بن محمد بن زايد آل نهيان، ومعالي الشيخ محمد بن حمد بن طحنون آل نهيان مستشار صاحب السمو رئيس الدولة، وعدد من الشيوخ وكبار المسؤولين.