إنعام كجه جي تستعيد سيرة الكلمة بين بغداد وباريس وتكشف طبقات الذاكرة والمنفى
تاريخ النشر: 14th, November 2025 GMT
في جلسة ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب، التقت الروائية الإماراتية صالحة عبيد بالكاتبة العراقية إنعام كجه جي في حوار امتد لساعة كاملة، بدا خلالها أن الكلام عن الكتابة أشبه باستعادة للحياة نفسها، حيث افتتحت صالحة عبير اللقاء بالقول إن مشروع إنعام كجه جي لا يمكن اختزاله في حدود رواياته المعروفة، فهو امتداد لرحلة كاملة من الصحافة إلى الأدب، ومن بغداد إلى باريس، ومن الذاكرة الشخصية إلى الذاكرة الجماعية للعراقيين في المنفى.
بدأت "كجه جي" حديثها عن المدن التي تشكلها قائلة: إن بغداد التي تعرفها لم تعد موجودة، وإنها حين تزورها في الذاكرة تشعر أنها تتحدث عن مدينة أخرى، مضيفة أن بغداد التي تركتها كانت مدينة متسامحة، مثقفة، مدنية، وفيها احترام للمرأة واختلاف الأديان... قالت: ما أرويه عن بغداد ليس حنينا فقط، بل محاولة لإبقاء ذاكرتها حية كي يعرف أبناؤها والجيل الجديد أي بلد كان هذا قبل أن يغرق في الفوضى. وعن باريس التي تعيش فيها منذ أكثر من أربعين عاما قالت إنها لم تشعر يوما بالانتماء الكامل إليها، وإنها ما تزال غريبة رغم السنوات الطويلة، تتابع الحياة الثقافية الفرنسية من بعيد، لكنها لا تندمج اجتماعيا، موضحة أنها لم ترتبط بجيرانها إلا مرة واحدة حين منحها أحدهم مفتاح بيته في الريف أثناء غزو العراق خوفا من أن تتعرض هي وأسرتها لأي خطر، وقالت إنها تضع ذلك الجار على رأسها، فهو المثال الوحيد للاختراق الإنساني الحقيقي في الغربة.
ثم تطرقت إلى ذكريات الطفولة التي صنعت فيها الصحافة أول خيوطها، حين كان والدها يقرأ بصوت عال لوالدتها من الصحف، وكانت هي تصغي بدهشة إلى نبرة اللغة وتتابع تفاصيل النصوص، وقالت إن أمها رغم بساطة تعليمها كانت وراء شغفها بالقراءة، فقد كانت تصطحبها إلى مكتبة في شارع السعدون وتشتري لها كتب الأطفال والمكتبة الخضراء، ثم المنفلوطي وأجاثا كريستي وأرسين لوبين، وأنها من هناك بدأت تعي أن الكتابة ليست هواية بل حياة. أضافت أن دخولها كلية الآداب في جامعة بغداد، قسم الصحافة، كان خطوة حاسمة، فاختارت أن تكون صحافية لتتعرف على الناس من داخل حياتهم لا من بعيد.
وعن العلاقة بين الصحافة والرواية، أجابت إن الصحافة منحتها الصرامة والتركيز، وإن الرواية منحتها الحرية والعمق، وإنها لا تفصل بين العالمين لأنهما يتغذيان من الواقع نفسه، مضيفة أن شخصيات رواياتها نساء ورجال حقيقيون التقت بهم في حياتها وكتبت عنهم بصدق.
تحدثت "كجه جي" عن العراق كموضوع لا يمكن الانفكاك عنه، وقالت إن ما يفعله العراقيون اليوم بالكتابة هو شكل من أشكال البقاء، فبعد 2003 صدرت مئات الروايات لأن لكل عراقي قصة يود أن يرويها، مؤكدة أن الواقع العراقي أغنى من أي خيال، وأن المأساة أكبر من أن تختصر. وعند حديثها عن الفيلم الوثائقي الذي أعدته عن نزيهة الدليمي قالت إنها سافرت إليها في قرية صغيرة بألمانيا وسجلت معها أياما عدة، ووجدت فيها بساطة عراقية خالصة رغم مكانتها الكبيرة، وأنها كانت تجلس في مطبخها بثوب نومها الأبيض تتحدث وتضحك كأنها جدة عادية، لكنها امرأة صنعت قوانين لحماية النساء والأطفال، وبعد هذه التجربة أحبّت التوثيق، لكنها لم تصبح مخرجة سينمائية، بل ظل شغفها بالكلمة هو الأساس.
وعند سؤالها عن روايتها "الحفيدة الأمريكية" قالت إنها كتبتها لتفهم كيف يمكن لعراقي أو عراقية أن يعمل مترجما مع جيش يحتل بلده، وأنها حاولت نقل وجهتي النظر، الجدة التي تشعر بالعار والحفيدة التي تعتقد أنها جاءت بالديمقراطية، وأنها لم تكن محايدة ولكنها لم تدن أحدا، وتركت الحكم للقارئ الذكي.
تحدثت "كجه جي" أيضا عن تجربة الكتابة في المنفى، قائلة إنها تكتب عن أناس يعيشون حر بغداد بينما هي تجلس أمام نافذة يغمرها الثلج، وإن المسافة الجغرافية لا تعني انفصالا عن الجذور، فالمسقط يسكنها ولا يغادرها، وإن المهاجر يحمل دائما شعورا بالذنب لأنه ترك وطنه يعاني، لكنه يكتب ليبقى على صلة به. وعن الجوائز قالت إن جائزة العويس أسعدتها لأنها تحمل اسم شاعر، وإنها لا ترى الجوائز مقياسا للأدب بل إضاءة على الكتب، وأضافت أن أجمل ما تسمعه حين تقول لها قارئة إن أمها كانت تقرأ لها وهي الآن تواصل القراءة، معتبرة أن هذا الامتداد بين الأجيال هو أعمق من أي تكريم.
تطرقت "كجه جي" إلى علاقتها بوسائل التواصل الاجتماعي فقالت إنها مدمنة فيسبوك لأنها تجد فيه أصدقاء حقيقيين أكثر من الحياة الواقعية، وإنها أحيانا تعلن فيه رحيل شخصيات رواياتها الواقعية فيتحول الفضاء الإلكتروني إلى مجلس عزاء كبير، كما حدث حين توفيت بطلتها تاج الملوك، فتلقت مئات التعازي من القراء. وقالت إن هذه المفارقة جعلتها تتأمل كيف يمكن أن يأخذ الفضاء الرقمي مكان الواقع. وعند سؤالها عن الترجمة ورؤية الغرب للرواية العربية قالت إن القارئ الغربي يحب الروايات التي تروي مآسي المرأة العربية وتكرس صورة الاضطهاد، أما هي فتكتب عن نساء متعلمات مستقلات لم يحتجن إلى منقذ، وترى أن هذه الصورة أكثر صدقا وعدلا. تحدثت أيضا عن طريقة عملها فقالت إنها تبدأ الكتابة حين يخطر لها عنوان الرواية، وإن العنوان بالنسبة لها هو المفتاح الأول، فإذا عجزت عن إيجاده مزقت النص كما كانت تفعل في الصحافة، وإنها تميل إلى إنهاء الروايات بموت الأبطال لكنها تحاول أحيانا أن تترك لهم بصيص أمل. وقالت إن سعادتها كانت كبيرة حين ترجمت روايتها إلى الفرنسية لأن أبناءها الذين لا يجيدون العربية أخيرا عرفوا ماذا تكتب.
وفي ردها على سؤال عن تأثير وسائل التواصل في الرواية قالت إنها ترى هذا التطور طبيعيا، وإن لكل زمن كتابه وأدواته، وإنها لا ترفض الكتابة الجديدة القصيرة أو السريعة، فكلها أشكال تعبير. كما أجابت على أسئلة حول النقد والحرية الشخصية، فقالت إنها تخاف النقاد ولا تدخل في معاركهم، وإن خطها الأحمر كان والدها الذي كانت تخجل أن يقرأ بعض ما تكتب، ومع وفاته امتلكت حريتها. وعندما سئلت عن الاستلاب الثقافي قالت إنها لا تؤمن به، وإن من يملك جذورا قوية لا يخاف من أي ثقافة أخرى، بل العكس، فهي ترى أن الغربيين هم من يجب أن يشعروا بالاستلاب أمام حضارة بهذا العمق.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قالت إنها وقالت إن قالت إن إنها لا
إقرأ أيضاً:
قناة السويس تستعيد ريادتها.. أكتوبر يسجل أعلى معدل لعبور السفن منذ بداية الأزمة
في مؤشر إيجابي يعكس استقراراً تدريجياً في حركة التجارة العالمية، أعلنت هيئة قناة السويس عن تحقيق طفرة في عدد السفن العائدة للعبور خلال شهر أكتوبر الماضي، حيث سجلت القناة مرور 229 سفينة مجدداً، وهو أعلى معدل شهري للسفن العائدة منذ بداية الأزمة التي أثرت على الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب.
اجتماع موسّع لبحث تحديات البحر الأحمرعقد الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، اجتماعاً مهماً ضم ممثلي 20 جهة من الخطوط والتوكيلات الملاحية العالمية، لبحث تطورات الأوضاع في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، ومدى انعكاسها على حركة التجارة العالمية وسوق النقل البحري.
وأكد ربيع خلال الاجتماع حرص الهيئة على تعزيز قنوات التواصل المباشر مع عملائها من الخطوط الملاحية، مشدداً على أهمية التنسيق المستمر لتحقيق المصالح المشتركة وخدمة المجتمع الملاحي الدولي في ظل الظروف المتغيرة.
وأشار رئيس الهيئة إلى أن الأشهر الأخيرة شهدت تحسناً نسبياً في مؤشرات الملاحة، سواء من حيث أعداد السفن أو إجمالي الحمولات العابرة.
سجلت القناة خلال الفترة من يوليو إلى أكتوبر 2025 عبور 4405 سفن بحمولات بلغت 185 مليون طن، مقارنةً بـ 4332 سفينة بحمولات قدرها 167.6 مليون طن خلال نفس الفترة من العام الماضي، ما يعكس زيادة واضحة في حجم التجارة المارة عبر القناة.
وأوضح ربيع، أن قناة السويس تواصل تنفيذ خططها الاستراتيجية لرفع معدلات الأمان والكفاءة التشغيلية، مشيراً إلى الانتهاء من مشروع تطوير القطاع الجنوبي وتعميق التفريعة الغربية لبورسعيد بطول 17 كيلومتراً، مما يسهم في خدمة ميناء غرب بورسعيد ويوفر مساراً بديلاً آمناً للتفريعة الشرقية في حالات الطوارئ.
رسائل طمأنة للخطوط الملاحيةدعا رئيس الهيئة التوكيلات الملاحية إلى إرسال رسائل طمأنة للعملاء العالميين، مؤكداً جاهزية القناة لاستقبال جميع أنواع السفن بكفاءة وأمان.
كما ثمّن ربيع مبادرة الخط الملاحي الفرنسي "CMA CGM" لعودة سفينتين عملاقتين للعبور عبر القناة، بحمولات تجاوزت 170 ألف طن لكل سفينة، معتبراً هذه الخطوة دليلاً على ثقة الشركات العالمية في قدرة قناة السويس على تأمين الملاحة الدولية.
تؤكد المؤشرات الأخيرة أن قناة السويس تسير بخطى ثابتة نحو استعادة مكانتها كأهم شريان ملاحي في العالم، بفضل جهود تطوير مستمرة وتعاون فعال مع كبرى الشركات الملاحية. ومع تزايد عودة السفن للعبور، تبدو القناة مستعدة لمواصلة دورها المحوري في دعم الاقتصاد العالمي وتعزيز حركة التجارة الدولية.