تشهد محافظة الحديدة الواقعة على ساحل البحر الأحمر تحركات حوثية مكثفة لإعادة تأهيل وتشغيل موانئها الحيوية، في مسعى واضح من الجماعة لاستعادة أهم مورد اقتصادي يمد خزائنها بالعملات الأجنبية، بعد أن تعرضت منشآتها البحرية خلال الأشهر الماضية لغارات جوية أميركية وإسرائيلية ألحقت بها أضراراً بالغة.

ووفق مصادر ملاحية وتجارية متعددة، كثفت الميليشيات الحوثية خلال الأسابيع الأخيرة أعمال الإنشاء والصيانة والتوسعة في موانئ الحديدة ورأس عيسى والصليف، في محاولة لتعويض الخسائر التشغيلية والاقتصادية الناجمة عن تلك الضربات، ولتمكين الموانئ من استقبال السفن التجارية والنفطية مجدداً بعد أشهر من التوقف الجزئي.

وتأتي هذه التحركات في ظل ضائقة مالية غير مسبوقة تواجهها الميليشيات الحوثية نتيجة تراجع مواردها التقليدية، والحصار المفروض على شبكات التمويل المرتبطة بإيران والحرس الثوري الإيراني. وبحسب مصادر في صنعاء، دفعت هذه الأزمة الحوثيين إلى فرض جبايات مالية جديدة على الشركات والبيوت التجارية والمستوردين تحت ذرائع مختلفة، أبرزها "المساهمة في مواجهة تبعات المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة" وتمويل مشاريع إعادة الإعمار في موانئ الحديدة.

وذكرت المصادر بحسب صحيفة "الشرق الأوسط" أن الجماعة ألزمت التجار بدفع مبالغ كبيرة لصالح صندوق أُنشئ خصيصاً لإصلاح ما تصفه بـ"أضرار العدوان"، مهددة في الوقت نفسه بعرقلة دخول البضائع عبر المنافذ البحرية والبرية لمن يرفض الدفع أو يتأخر عن الاستجابة لتلك المطالب.

وتظهر صور الأقمار الصناعية التي نشرتها منصة "ذا ماري تايم إكزكيوتيف" الأميركية أن الحوثيين يجرون توسعات واسعة في ميناء رأس عيسى شمال مدينة الحديدة، تمكّنه من استقبال السفن الكبيرة وتحويله من منصة تصدير نفط إلى ميناء استيراد متعدد الاستخدامات. كما أظهرت الصور إنشاء أرصفة جديدة وجزيرة صناعية موسعة إلى جانب رصد أكثر من 17 سفينة تنتظر الرسو في المياه المقابلة للميناءين.

وكشفت المنصة عن أن الجماعة الحوثية تستخدم بقايا السفينة "غالاكسي ليدر" – التي تعرضت لغارة إسرائيلية بعد استيلائهم عليها العام الماضي – في إعادة تأهيل ميناء الصليف شمال الحديدة وتحويلها إلى رصيف عائم بديل. وبيّنت أن الميناء عاد إلى العمل بشكل شبه كامل بعد أن تضرر ميناء الحديدة الرئيسي بشكل أكبر بفعل الغارات الجوية.

ومنذ سيطرة الحوثيين على الحديدة عام 2014، تحوّل الميناء – الذي كان يعد شريان الحياة لملايين اليمنيين – إلى مركز عسكري واقتصادي مغلق يخدم أجندة الميليشيا، حيث استخدمته لاستقبال شحنات الأسلحة الإيرانية والخبراء العسكريين، إلى جانب تهريب الوقود والمواد المحظورة.

وبحسب تقارير أممية ودولية، فإن الحوثيين يخفون الأسلحة والذخائر داخل شحنات الإغاثة، ويحوّلون عائدات الميناء إلى خزائن الجماعة بدلاً من صرفها كرواتب للموظفين أو تمويل الخدمات العامة، ما فاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية في البلاد.

كما مثّل الميناء تهديداً للأمن البحري وخطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر، إذ استخدم الحوثيون الزوارق المفخخة والألغام البحرية لاستهداف السفن التجارية وناقلات النفط، ما جعل المنطقة إحدى أكثر النقاط حساسية في العالم.

ورصدت تقارير ملاحية دولية خلال الأسابيع الأخيرة وصول سفن بضائع وسفن نفطية جديدة إلى موانئ الصليف ورأس عيسى دون المرور عبر آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM) في جيبوتي، في مخالفة صريحة لقرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي يلزم السفن التجارية بالمرور بعملية تفتيش دولية قبل دخولها الموانئ اليمنية.

وتشير المعلومات إلى أن الحوثيين باتوا يعتمدون على الرافعات المحمولة على السفن لتفريغ الشحنات، في ظل عجزهم عن شراء أو تركيب رافعات ثابتة خشية استهدافها مجدداً بالغارات الجوية.

ويرى مراقبون أن التحركات الحوثية الأخيرة تعكس محاولة استعجالية لإنعاش موارد الجماعة المالية بعد أن تلقت ضربات موجعة في البحر الأحمر وتعرضت شبكاتها التمويلية لعقوبات دولية. في المقابل، تؤكد أطراف يمنية أن استمرار سيطرة الحوثيين على موانئ الحديدة يشكّل خطراً مزدوجاً على الاقتصاد اليمني والأمن البحري الإقليمي، داعين إلى إشراف دولي فعّال يضمن بقاء الميناء ممرًّا إنسانيًّا آمنًا لا منفذاً لتهريب السلاح وتمويل الحرب.


المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: موانئ الحدیدة

إقرأ أيضاً:

''واعي'' تواصل اسكات الحوثيين على منصات التواصل الإجتماعي.. أين وصلت ''حملة التفاح'' وكم عدد الحسابات المحذوفة حتى الآن؟

تمكنت حملة إلكترونية يمنية قادتها منصة "واعي" من إغلاق عشرات الحسابات التابعة لقيادات وناشطين من جماعة الحوثي على منصات التواصل الاجتماعي، خلال ثلاثة أسابيع من انطلاقها.

ووفقاً للبيانات التي نشرتها الصفحة، تمكن القائمون عليها منذ بدء الحملة وحتى 13 نوفمبر الجاري، من إغلاق أو تعطيل 87 حساباً على فيسبوك وتيك توك، بعضها يحظى بمتابعة كبيرة تصل إلى مئات الآلاف، في خطوة اعتبرها ناشطون تقويضا ملموسًا لأدوات الدعاية الحوثية على المنصات الرقمية.

واستهدفت الحملة مئات الحسابات التي تنشر محتوى محرض على العنف والطائفية، وتروّج للأفكار المتطرفة المعادية لقيم التعايش والسلم الاجتماعي.

وشملت عمليات الرصد والمتابعة حسابات تعود إلى قيادات بارزة في الجماعة، وصفحات تابعة لوسائل إعلامها الرسمية والأمنية، وأخرى وهمية أنشأها "الذباب" الإلكتروني الحوثي لتضليل المتابعين والتأثير على الرأي العام.

الحملة فجرت موجة تفاعل واسعة، وارتفع عدد متابعي الصفحة بصورة لافتة خلال أيام، ما جعل "واعي" ضمن أكثر الصفحات تداولًا ومتابعة في اليمن، وسط ترحيب مستخدمين رأوا فيها مبادرة شعبية مباشرة لمواجهة خطاب الجماعة وآلتها التحريضية.

وأكد القائمون على الصفحة أن الحملة ستستمر، مع خطط لاستهداف حسابات إضافية يصفونها بأنها "تُمجد الحوثيين وتبث التحريض ضد اليمنيين المخالفين للجماعة"، ما يضع المنصة في قلب معركة محتدمة على هوية الخطاب العام.

ولاقت الحملة صدىً واسعاً في الأوساط اليمنية، حيث عبّر ناشطون وإعلاميون عن دعمهم الكبير لهذا الجهد الشعبي المنظم، معتبرين أنه خطوة مهمة في "تحرير الفضاء الإلكتروني من الخطاب الإرهابي". 

ودعا كثيرون إلى مواصلة الجهود لمحاصرة الدعاية الحوثية وعدم السماح بتحويل منصات التواصل إلى أدوات لخدمة الكيانات الإرهابية.

وأكد عدد من النشطاء اليمنيين أن الحملة الرقمية التي تقودها منصة "واعي" ضد الحسابات والصفحات التابعة لميليشيا الحوثي، تمثل تحولاً نوعياً في موازين الصراع الإعلامي، بعدما كشفت زيف الادعاءات الحوثية بشأن قدراتهم السيبرانية المزعومة، والتي لطالما روّجت لقدرتها على "اختراق الأنظمة العالمية"، بينما عجزت عن حماية أدواتها الإعلامية من الإغلاق المتتابع على مواقع التواصل.

وأوضح النشطاء أن ما تقوم به منصة "واعي" من حذف لصفحات وحسابات قيادات ونشطاء حوثيين على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك وإكس، فضح آلة التضليل التي استخدمتها الجماعة على مدى سنوات لنشر الأكاذيب وبث الكراهية، مشيرين إلى أن المعركة الرقمية التي تخوضها المنصة تمثل شكلاً جديدًا من أشكال المقاومة الوطنية، عنوانها "الوعي في مواجهة الزيف".

ورغم الشعبية الكبيرة التي حصدتها الصفحة، ما يزال القائمون على "واعي" مجهولي الهوية، إذ لم تُعلن أي جهة أو شخصية تبني المشروع، غير أن العديد من المتابعين وصفوا هذا الغموض بأنه "جزء من قوة المبادرة" و"ضمان لاستمرارها بعيداً عن الاستهداف".

وخلال سنوات الحرب، اعتمدت جماعة الحوثي على جيشٍ رقمي ضخم يُدار بإشراف مباشر من دائرة التوجيه المعنوي وجهاز الأمن والمخابرات الحوثي، هدفه اختراق الوعي الشعبي عبر حملات موجهة وممولة تروج لمزاعم الجماعة وتشوّه خصومها السياسيين والعسكريين.

وتأسست "واعي" في عام 2022 لرصد المخالفات السلوكية في الحياة اليومية، بما في ذلك التجاوزات المرورية والحمولات الزائدة والمخالفات التجارية، قبل أن توسع نطاق عملها مؤخرًا نحو مواجهة المحتوى الدعائي المرتبط بالحوثيين على مواقع التواصل الاجتماعي.

مقالات مشابهة

  • ''واعي'' تواصل اسكات الحوثيين على منصات التواصل الإجتماعي.. أين وصلت ''حملة التفاح'' وكم عدد الحسابات المحذوفة حتى الآن؟
  • دعوات الحوثيين للسلام.. مناورة جديدة للابتزاز والضغط السياسي
  • موانئ دبي العالمية تبدأ عملياتها في ميناء طرطوس السوري
  • إغلاق ميناء العريش البحري بسبب الظروف الجوية
  • معهد أمريكي: استمرار تهديدات الحوثيين في البحر الأحمر سيؤثر بالدرجة الأولى على رؤية الرياض 2030 (ترجمة خاصة)
  • قيادة مؤسسة موانئ البحر الأحمر تزور أسر شهدائها في الحديدة
  • «موانئ دبي العالمية» تبدأ رسمياً عملياتها التشغيلية في ميناء طرطوس
  • الشلفي: تصعيد الحوثيين ضد السعودية أداة ضغط تفاوضي أكثر منها استعدادًا لحرب شاملة
  • صنعاء تغرق في الفوضى.. سياسة حوثية لتفكيك القبائل وتأمين السيطرة