طهران تحت تهديد العطش.. هل تصبح غير صالحة للسكن؟
تاريخ النشر: 15th, November 2025 GMT
تواجه إيران أسوأ أزمة مياه منذ عقود، حيث حذر مسؤولون من أن العاصمة طهران، التي يزيد عدد سكانها على 10 ملايين نسمة، ربما تصبح غير صالحة للسكن قريبا إذا استمر الجفاف الذي يجتاح البلاد، في حين يحمّل إيرانيون السلطات مسؤولية الأزمة جراء سوء إدارة الموارد المائية لعقود.
وكان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قد حذر من أنه في حال عدم هطول الأمطار بحلول شهر ديسمبر/كانون الأول، فإن الحكومة يجب أن تبدأ بترشيد المياه في طهران.
وقال بزشكيان في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري: "حتى لو طبقنا نظام الحصص ولم تهطل الأمطار، فلن يكون لدينا ماء على الإطلاق. سيتعين على المواطنين إخلاء طهران".
وتشير تقارير وسائل الإعلام المحلية إلى تفاقم وطأة أزمة المياه في طهران وعموم البلاد، والتي تضاف إلى الواقع الاقتصادي الصعب. ففي مختلف أنحاء إيران، من الشقق الواقعة في أبراج العاصمة إلى المدن والبلدات الصغيرة، بدأت أزمة المياه تستفحل.
عندما جفت صنابير المياه في شقتها بشرق طهران الأسبوع الماضي، لم تتلق مهناز (التي رفضت ذكر لقبها العائلي) أي تحذير بانقطاع المياه، حيث تقول لوكالة رويترز: "كانت الساعة حوالي العاشرة مساءً، ولم تعد المياه إلا في السادسة صباحًا". ومع عدم وجود مضخة أو خزان، اضطرت هي وطفلاها للانتظار، ينظفون أسنانهم ويغسلون أيديهم بالمياه المعبأة، كما تقول.
وتنفي الشركة الوطنية للمياه والصرف الصحي في إيران التقارير التي تحدثت عن تقنين رسمي للمياه في طهران، لكنها أكدت تطبيق تخفيضات ليلية في ضغط المياه في العاصمة، وقد تنخفض إلى الصفر في بعض المناطق، بحسب ما ذكرته وسائل إعلام رسمية.
وفي يوليو/تموز، حذّر الرئيس بزشكيان أيضا من الإفراط في الاستهلاك، حيث ذكرت هيئة المياه آنذاك أن 70% من سكان طهران يستهلكون أكثر من الكمية القياسية البالغة 130 لترا يوميا.
إعلانوعانى الإيرانيون من نقص متكرر في الكهرباء والغاز والمياه خلال أشهر الذروة في السنوات الماضية. وقالت شهلا (41 عاما)، وهي مُعلمة وأم لـ3 أطفال، لوكالة رويترز عبر الهاتف من طهران: "إنها معاناة تلو الأخرى، يوما ما لا توجد مياه، وفي اليوم التالي لا توجد كهرباء. ليس لدينا حتى ما يكفي من المال للعيش. هذا بسبب سوء الإدارة".
وتعتمد العاصمة طهران بشكل كلي على 5 خزانات تغذيها أنهار من خارج المدينة، لكن تدفق المياه انخفض بشدة. وصرّح بهزاد بارسا، رئيس شركة مياه طهران الإقليمية، -الأسبوع الماضي- بأن منسوب المياه انخفض بنسبة 43% عن العام الماضي، مما جعل سد "أمير كبير" يستوعب 14 مليون متر مكعب فقط، أي ما يعادل 8% من سعته الإجمالية.
وأضاف أن خزانات طهران التي كانت تتسع في السابق لما يقرب من 500 مليون متر مكعب، تحتوي الآن بالكاد على 250 مليون متر مكعب، وهو انخفاض بنحو النصف، والتي قد تنضب في غضون أسبوعين بمعدلات الاستهلاك الحالية.
وفي الأسبوع الماضي، نقلت وسائل إعلام رسمية عن محمد رضا كافيبور، رئيس معهد أبحاث المياه في إيران، قوله إن هطول الأمطار في العام الماضي كان أقل بنسبة 40% من المتوسط على مدى 57 عاما في إيران، فيما تشير التوقعات إلى استمرار حالة الجفاف بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول.
وتشير التقارير إلى أن الأزمة تمتد إلى ما هو أبعد من طهران، فقد جف فعليا 19 سدا رئيسيا. كما جفّت 9 بحيرات وأهوار رئيسية في إيران بشكل كامل أو جزئي، منها بحيرات أرومية، وبختغان، وبريشان، وفق وكالة تسنيم الإيرانية.
وفي مدينة مشهد، ثاني أكبر مدينة في إيران، والتي يبلغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة، انخفضت احتياطيات المياه بشكل خطير. ولم يبقَ سوى 3% من إجمالي سعة سدود مشهد الأربعة المُزوّدة بالمياه، وهي سد تورغ، وسد كارده، وسد دوستي، وسد أردك.
ويقول رضا (53 عاما) أحد سكان مدينة مشهد -والذي رفض الإفصاح عن اسم عائلته- لوكالة رويترز "ضغط المياه منخفض جدا لدرجة أننا لا نحصل على الماء خلال النهار. لقد ركّبتُ خزانات مياه، ولكن إلى متى سنستمر على هذا الحال؟ كل هذا بسبب سوء الإدارة". وأضاف أن هذا يؤثر أيضا على عمله في تنظيف السجاد.
وتأتي هذه الأزمة في أعقاب درجات حرارة قياسية وانقطاعات متكررة للتيار الكهربائي. وفي يوليو/تموز وأغسطس/آب، أعلنت الحكومة عطلات رسمية طارئة لتقليل استهلاك المياه والطاقة، مما أدى إلى إغلاق بعض المباني العامة والبنوك مع تجاوز درجات الحرارة 50 درجة مئوية في بعض المناطق.
وتشهد إيران، التي تبلغ مساحتها نحو 1.6 مليون كيلومتر مربع ويتجاوز عدد سكانها 80 مليون نسمة، من آثار التغير المناخي، ارتفاعا في درجات الحرارة وأزمة جفاف غير مسبوقة منذ 60 عاما، إذ انحسرت المياه في جميع أنحاء البلاد، وبدأت الثلوج في قمم الجبال بالاختفاء، في حين وصل هطول الأمطار إلى أدنى مستوياته.
ومنذ بداية سبتمبر/أيلول، سجلت البلاد ما يزيد قليلا عن مليمترين من الأمطار، أي أقل بنسبة 75% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، في حين لم تشهد 21 محافظة أي أمطار على الإطلاق.
إعلانوحسب وزارة الطاقة والهيئة الوطنية للأرصاد الجوية في إيران، لم تتلقَّ طهران سوى 156 مليمترا من الأمطار بين بداية شهر سبتمبر/أيلول 2024 ونهاية شهر يونيو/حزيران 2025، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 31% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وانخفاضا بنسبة 42% مقارنة بالمتوسط طويل الأمد.
وتقول السلطات الإيرانية إن تغير المناخ أدى إلى تفاقم المشكلة، إذ تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تسريع التبخر وفقدان المياه الجوفية، لكنها تواجه انتقادات تحملها مسؤولية ما يوصف بسوء الإدارة.
وحسب الخبراء لا ترجع أزمة المياه في إيران بعد صيف شديد الحرارة إلى قلة هطول الأمطارفحسب، حيث أكد العديد منهم لوسائل الإعلام الرسمية في الأيام الماضية، أن عقودا من سوء الإدارة، بما في ذلك الإفراط في بناء السدود، وحفر الآبار بشكل غير قانوني، والممارسات الزراعية غير الفعالة، أدت إلى استنزاف الاحتياطيات.
وفي تقرير لها، قالت وكالة أنباء فارس الرسمية إن "الخبراء يعتقدون أن الحكومة كان بإمكانها منع البلاد من الوصول إلى هذه المرحلة من خلال سلسلة من القرارات التنفيذية والمنسقة خلال العام الماضي.
وأشارت إلى أن "هذه القرارات ليست استثمارات بمليارات الدولارات أو تغييرات هيكلية معقدة، بل تطلبت ببساطة قوة إرادة في إدارة الاستهلاك، وتنسيقًا مؤسسيا، وإصلاحا لنموذج تخصيص موارد المياه".
من جهتها، أشارت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية إلى أن تعيين "مديرين غير مؤهلين في مؤسسات رئيسية" هو السبب الرئيسي للأزمة، حسب ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية، ومن جهتها قالت صحيفة "شرق" الإصلاحية إنه "يتم التضحية بالمناخ من أجل السياسة".
وتُظهر الدراسات أن حملة بناء السدود الطموحة في البلاد، والتي تهدف إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي من الغذاء والطاقة، قد أضرت بالنظم البيئية الطبيعية، وساهمت في جفاف الأراضي الرطبة والبحيرات الرئيسية.
كما أدى التنظيم المحدود لاستخراج المياه الجوفية، بما في ذلك حفر نحو مليون بئر على نطاق واسع، نصفها غير قانوني إلى استنزاف حاد لطبقات المياه الجوفية في جميع أنحاء البلاد.
وقد أدى سوء إدارة المياه بالإضافة إلى الجفاف وتغيّر المناخ إلى معاناة البلاد أسوأ هبوط أرضي في العالم، بحسب تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وتُعدّ الزراعة أكبر مُستهلك للمياه في البلاد، حيث تُمثّل أكثر من 80% من الاستهلاك، في حين يُستخدم نحو 7 إلى 8% من مياه البلاد للشرب، حسب تقرير لوكالة الطلبة الإيرانية.
وحذّر رئيس اتحاد الصناعات المائية الإيراني من الوضع الحرج لموارد المياه في البلاد، قائلا إن " إيران تستهلك أكثر من ضعف قدرتها المائية الفعلية سنويا، وللتغلب على الأزمة، علينا خفض استهلاك القطاع الزراعي إلى النصف على الأقل".
من جانبها، ألقت حكومة بزشكيان باللوم في الأزمة على عوامل مختلفة مثل العقوبات الاقتصادية سياسات الحكومات السابقة، وتغير المناخ، والإفراط في الاستهلاك.
وفيما تتخذ السلطات تدابير مؤقتة للحفاظ على ما تبقى من الموارد المائية المتاحة، بما في ذلك خفض ضغط المياه في بعض المناطق ونقل المياه إلى طهران من خزانات أخرى، تعد هذه التدابير هي مجرد إجراءات مؤقتة، حسب المتابعين.
كما حثت المواطنين على تركيب خزانات تخزين ومضخات وأجهزة أخرى لتجنب حدوث اضطرابات كبيرة، لكن ذلك "قليلٌ جدًا ومتأخرٌ جدًا. إنهم يكتفون بالوعود، لكننا لا نرى أيَّ تطبيق. معظم هذه الأفكار غير قابلة للتنفيذ"، كما يقول أستاذ جامعي في مدينة أصفهان، طلب عدم ذكر اسمه لوكالة رويترز.
إعلانوفيما ينتظر الإيرانيون نزول المطر لتخفيف مشكلة الجفاف ونقص المياه الراهنة. يطرح معظمهم سؤال ما إذا كان بالإمكان اتخاذ إجراءات جذرية لمعالجة جوانب الأزمة.
ويعتمد الخروج من الأزمة والتعافي طويل الأمد، حسب الدراسات والخبراء، على توفر الموارد والإمكانيات اللازمة التي تعيقها العقوبات حتى الآن، وخصوصا على التنظيم الإداري وحوكمة الموارد، وتوحيد أهداف الطاقة والزراعة والبيئة حول مبدأ الاستدامة، وتنويع الاقتصاد بعيدا عن المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات تغي ر المناخ المیاه فی طهران لوکالة رویترز هطول الأمطار العام الماضی أزمة المیاه سوء الإدارة یولیو تموز فی إیران فی حین
إقرأ أيضاً:
تقرير عبري يكشف: أزمة عميقة تضرب الجيش والجنود يتركون الخدمة
كشفت القناة 12 العبرية، في تقرير جديد، عن أزمة داخلية عميقة تضرب جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد أكثر من عامين على اندلاع حرب غزة، إذ يسعى آلاف العسكريين إلى ترك الخدمة والتقاعد المبكر، في ظاهرة وصفتها بأنها "الأخطر منذ سنوات طويلة".
وقالت القناة إن الجيش "يواجه واحدة من أخطر الأزمات التي شهدها في تاريخه الحديث"، موضحة أن آلاف العسكريين الدائمين قدموا طلبات رسمية للتسريح السريع، ولا يرغبون في مواصلة الخدمة العسكرية، مضيفة أن الظاهرة تشمل مختلف الرتب والمستويات داخل المؤسسة العسكرية.
أسباب الأزمة، وأرجعت القناة أسباب هذه الموجة إلى مجموعة من العوامل، أبرزها: " الاستنزاف الشديد الناتج عن استمرار الحرب على غزة، ظروف الخدمة الصعبة وطول فترات الانتشار في الجبهات، التجاذبات السياسية التي أثرت على وحدة الجيش، الطريقة المثيرة للجدل في بعض التعيينات العسكرية الأخيرة".
وأشارت القناة إلى أن رئيس الأركان إيال زامير يتعامل مع الأزمة باهتمام بالغ ويتابعها شخصيًا، مدركًا حجم التهديد الذي تمثله على جاهزية الجيش واستقراره، كما تعمل هيئة الأركان العامة على إعداد خطة شاملة لمعالجة أوضاع العسكريين وتحسين ظروفهم، في محاولة لوقف موجة الاستقالات المتزايدة، إضافة إلى السعي لمنع أي تشريعات جديدة قد تؤثر سلبًا على امتيازاتهم.
وفي خطوة تعكس حجم القلق داخل المؤسسة العسكرية، وافقت حكومة نتنياهو، على حزمة حوافز مالية ضخمة للعسكريين الدائمين تبلغ 3.25 مليار شيكل (حوالي مليار دولار)، تشمل دعمًا في مجالات السكن والتعليم والمزايا الخاصة للأسر، وقال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عقب الموافقة على القرار: "تقف الحكومة إلى جانب أفراد الخدمة الدائمة، الذين يشكلون العمود الفقري للجيش الإسرائيلي ويكرسون حياتهم لأمن الدولة."، وأضاف أن القرار "سيسهم في تعزيز الدعم المادي والمعنوي للعسكريين الذين تحملوا عبء الحرب الطويلة".
ويرى محللون إسرائيليون أن هذه الأزمة قد تمثل تحديًا استراتيجيًا خطيرًا للجيش في ظل تصاعد التوترات الإقليمية على جبهات غزة ولبنان والضفة الغربية، مشيرين إلى أن انخفاض الروح المعنوية والرغبة في البقاء داخل المؤسسة العسكرية يهددان بتقويض قدرة الجيش على الاستمرار في العمليات طويلة الأمد.
وفي تقرير سابق لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، حذر من أن نهج الاستنزاف في غزة سيسحق الجنود ويقود إلى الانهيار، منتقدا إعفاء عشرات آلاف الحريديم من المشاركة في الحرب، مبينا أن ذلك "يزيد العبء على الجنود من العلمانيين".
كما وسلط تقرير إيطالي الضوء على المعاناة النفسية العميقة التي يعيشها الجنود الإسرائيليون بعد مشاركتهم في الحرب على قطاع غزة ولبنان، معتبرا أن ارتفاع حالات الانتحار يكشف حجم الكارثة في ظل تجاهل رسمي للإحصاءات المفزعة.