الاتحاد الأوروبي بين مخاوف التفكك ومطامح التوسع
تاريخ النشر: 17th, November 2025 GMT
يشهد الاتحاد الأوروبي تحولا عميقا في فلسفة التوسّع، إذ لم يعد يسعى إلى العضوية الكاملة والفورية كما كان في السابق، بل تبنّى رؤية أكثر تدرّجا تُعرف بـ"الاندماج المرحلي" أو "العضوية على مراحل".
ويشير تقرير نشرته صحيفة لوموند إلى أن هذا التوجه يطرح اليوم كخيار عملي ومتوازن، يهدف إلى التوفيق بين ضغوط العواصم في أوروبا الشرقية المطالبة بتوسعة سريعة، وبين هواجس مؤسسات الاتحاد التي تخشى أن يؤدي انضمام متسرّع لدول جديدة إلى زعزعة التماسك الاقتصادي والمؤسسي داخل المنظومة الأوروبية.
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، اكتسب ملف التوسّع الأوروبي طابعا أكثر إلحاحا، إذ بات يُنظر إلى الدول المرشحة، مثل ألبانيا والجبل الأسود، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من المنظومة الأمنية والجيوسياسية لأوروبا، غير أن طريق الانضمام الكامل لا يزال مليئا بالتعقيدات والشروط بعيدة المدى.
وفي هذا الإطار، تشير لوموند إلى أن الاتحاد الأوروبي يتجه إلى اعتماد نهج أكثر مرونة من خلال فتح فصول انتقالية تتيح لتلك الدول الاستفادة المبدئية من السوق الداخلية قبل استكمال جميع المعايير التقليدية للعضوية، بما يمنحها اندماجا تدريجيا دون انتظار اكتمال الشروط النهائية.
وستُترجم هذه المقاربة عمليا -وفقا للتقرير- في عدة مقترحات، منها وضع مراحل للعضوية، أو اشتراطات أقل صرامة، أو مشاركة مباشرة في برامج السوق الداخلية أو التمويل الأوروبي بشرط إنجاز إصلاحات مؤسّسية.
وبشكل أوضح يمكن للدول المرشّحة أن تبدأ بالمشاركة في سوق الاتحاد الاقتصادي أو بعض آليات الاتحاد السياسي، قبل أن تُصبح عضوا كاملا يتمتع بحق التصويت الكامل والتمثيل في مؤسسات الاتحاد.
وعلى صعيد القوى الداخلية للاتحاد، يُنظر إلى هذا النهج كطريقة لاحتواء التوسّع ضمن حدود تحكم، إذ يسمح للأعضاء الحاليين بتخفيف المخاطر المرتبطة بالتوسع السريع، مثل هشاشة مفاجئة في القرار أو زيادة الضغط على الميزانيات المشتركة أو تدهور المعايير المؤسّسية.
إعلانومن جهة أخرى، يُشير التقرير إلى أن هذا التوجّه يعكس تغييرا في الرؤية الأوروبية التي كانت تعتبر التوسّع وسيلة لتقوية وحدتها وتوسيع قيمها. ولكن اليوم، يُنظر إلى التوسّع أيضًا باعتباره اختباراً لقدرة الاتحاد على الامتصاص والتكيّف، أكثر من مجرد ضمّ عددٍ أكبر من الدول.
فعندما تطرح فكرة العضوية على مراحل، فإن ذلك يعني الاعتراف بأن العضوية الكاملة قد لا تكون قابلة للتطبيق لكل دولة في وقت قصير، وبالتالي ينبغي البحث عن صيغة وسطية تمكّن من استغلال فوائد التوسّع مع الحفاظ على معايير وممارسات الاتحاد.
ومن الناحية التقنية، يوضح التقرير أن هذه المقاربة تتطلب إعادة هيكلة قواعد العضوية والمعايير، وإيجاد آليات مرنة لتقييم التقدّم وإحداث آليات مشاركة قبل العضوية الكاملة.
ويُشير إلى أن بعض الدول المرشّحة، رغم إحرازها تقدماً ملموسا في الإصلاحات، قد تنتظر سنوات طويلة قبل أن تُمنح العضوية، لذا يُنظر إلى المراحل الانتقالية كطريقة للتمكين من البدء بالتكامل وتحفيز الإصلاحات، وخفض مناخ الإحباط لدى البلدان المرشّحة.
وفضلاً عن ذلك، يُبيّن التقرير أن هذه الإستراتيجية تُستخدم أداة جيوسياسية، إذ من خلال إشراك الدول المرشّحة في مؤسسات أو برامج الاتحاد دون عضوية كاملة، يبعث الاتحاد رسائل ضمنية إلى القوى الإقليمية، وخصوصاً روسيا، مفادها أن دائرة النفوذ الأوروبي تتوسّع.
ولكن هذه الرسائل تُستحضَر مع إنذار داخلي أن التوسّع لا ينبغي أن يكون على حساب كفاءة القرار الأوروبي أو قدرة المؤسسات على العمل.
يعيش الاتحاد الأوروبي لحظة انقسام داخلي حادة حول مبدأ التوسعة وآلياتها، حسب تقرير لصحيفة غارديان البريطانية، تعكس في جوهرها صراع رؤى بين تيارين متناقضين:
تيار يرى في "العضوية على مراحل" خيارا واقعيا لإعادة بناء المشروع الأوروبي وتوسيع نفوذه في مواجهة التحديات الجيوسياسية. وآخر يحذر من أن هذا التوسع السريع قد يهدد وحدة القرار ويقوض ركائز الاتحاد نفسه.ويظهر هذا الانقسام جليا بين الدول الأوروبية الكبرى، حيث تقود فرنسا خطا حذرا يدعو إلى إصلاحات داخلية عميقة قبل أي توسعة جديدة، في حين تدفع بولندا ودول البلطيق باتجاه تسريع انضمام أوكرانيا ودول البلقان لتعزيز الأمن الأوروبي وردع النفوذ الروسي.
وتكشف غارديان أن وراء النقاش المؤسسي حول التوسعة صراعا أعمق حول طبيعة الاتحاد الأوروبي ذاته وهل سيبقى كيانًا متماسكا قائما على الإجماع، أم سيتحول إلى اتحاد متعدد المستويات يسمح بمرونة أكبر في العضوية والمشاركة؟
فبينما تميل المفوضية الأوروبية وبعض الدول الطموحة إلى دعم نموذج "الاتحاد المتعدد الطبقات" الذي يمنح الدول المرشحة إمكانية الاندماج الجزئي في قطاعات محددة كالطاقة أو الأمن أو السوق الموحدة قبل العضوية الكاملة، ترى قوى أخرى أن هذا النموذج سيخلف طبقية سياسية داخل الاتحاد ويقسمه إلى نواة غربية قوية وهامش شرقي ضعيف.
إعلانويخشى بعض الدبلوماسيين الأوروبيين أن يتحول هذا التوجه إلى "حل وسط دائم" يحرم الدول المرشحة من العضوية الحقيقية بحجة الاستعداد التدريجي.
ومن جهة أخرى، يعكس الانقسام حول التوسعة تباينا أيديولوجيا أعمق بين رؤية جيوسياسية تسعى إلى جعل الاتحاد لاعبا عالميا قادرا على مواجهة القوى الكبرى، ورؤية بيروقراطية تعتبر أن استقرار المؤسسات أولى من المغامرات الجغرافية.
فبينما تصف بولندا والتشيك وسلوفينيا توسيع الاتحاد بأنه "درع أوروبي" ضد روسيا، تعتبر فرنسا أن الاتحاد بحاجة أولا إلى القوة الكافية والمستقلة في مجالات الدفاع والاقتصاد قبل الانفتاح الخارجي.
ويفسر هذا الصدام -بين فلسفتي الأمن مقابل الاستدامة المؤسسية- حالة الشلل النسبي التي يعيشها الاتحاد في وضع إستراتيجي يتطلب سرعة الحسم.
يُبرز تقرير حديث لصحيفة دير شبيغل الألمانية بعنوان "الاتحاد الأوروبي يحث على تسريع وتيرة الإصلاحات في أوكرانيا" أن ملف التوسّع الأوروبي لم يعد مجرّد مسألة بيروقراطية تتعلق باستيفاء معايير كوبنهاغن، وإنما أصبحت ساحة صراع بين اعتبارات جيوسياسية ضاغطة ومصالح اقتصادية متباينة داخل الاتحاد.
ففي حين تندفع بعض الدول، وعلى رأسها ألمانيا وبولندا ودول البلطيق، نحو تسريع انضمام أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا كحاجز إستراتيجي ضد النفوذ الروسي، فإن دولا أخرى كفرنسا وهولندا والنمسا تلوّح بمخاوف اقتصادية وبنيوية من أن يؤدي التوسع غير المحسوب إلى تكرار أخطاء الماضي، حين التهمت سرعة الإدماج الموارد وعمّقت التفاوتات داخل الاتحاد نفسه.
ويرصد التقرير أن الاندفاع نحو أوكرانيا، رغم طابعه الأخلاقي والسياسي، يكشف تناقضًا هيكليا بين من ينظر إلى الاتحاد ككتلة سياسية ذات بعد أمني، ومن يراه كاتحاد اقتصادي متماسك يقوم على قواعد الانضباط المالي والمساءلة.
ففي حين تصر المفوضية الأوروبية على دعم أوكرانيا في حربها وإعادة إعمارها، فإنها في الوقت ذاته تضع معايير إصلاح قاسية، تشمل مكافحة الفساد، واستقلال القضاء، ومواءمة التشريعات مع منظومة الاتحاد. وبذلك يتحول الدعم إلى شروط دقيقة، هدفها حماية تماسك السوق الأوروبية الموحدة، وتجنّب تفريغ العضوية من مضمونها الإصلاحي.
ومن زاوية أخرى، يوضح التقرير أن البعد الاقتصادي لهذا الجدل لا يقل تعقيدًا عن السياسي، إذ إن أوكرانيا، باقتصادها الزراعي الواسع وقاعدتها الصناعية المتهالكة، تمثل تحديا مزدوجا:
فهي من جهة مصدر محتمل للطاقة والغذاء والمواد الخام، لكنها من جهة أخرى تحتاج إلى استثمارات ضخمة لإعادة بناء البنية التحتية والمؤسسات، وقد يرهق دخولها السريع إلى الاتحاد الصناديق الأوروبية التي تعاني أصلًا من ضغط متزايد على ميزانية السياسة الزراعية المشتركة وبرامج التماسك الإقليمي.
ولذلك تميل بعض الدول الغنية شمال وغرب أوروبا إلى دعم فكرة العضوية على مراحل بشكل قوي، أي فتح فصول محدودة من التعاون دون العضوية الكاملة، ريثما تتهيأ الظروف الاقتصادية والمؤسسية لأوكرانيا. فخلف المواقف الاقتصادية الظاهرة تكمن رهانات جيوسياسية أعمق، إذ ترى ألمانيا في انضمام كييف أداة إستراتيجية لإعادة هندسة الأمن الأوروبي بعد الحرب الروسية.
في حين تخشى فرنسا من أن يؤدي توسع الاتحاد شرقا إلى إضعاف مركز الثقل الغربي وإعادة توزيع السلطة داخل مؤسساته.
ولا يعكس هذا التوتر بين المحورين الجيوسياسي والاقتصادي اختلاف المصالح الوطنية، وإنما يعيد أيضا إلى الواجهة سؤالا جوهريًا حول طبيعة الاتحاد نفسه: هل هو مشروع توسع نفوذ أم اندماج قيم؟
إعلانومن الناحية الاقتصادية، يثير احتمال انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي تساؤلات مهمة حول قدرة الاتحاد على تمويل هذا التوسّع وإعادة توزيع المساعدات.
فبحسب تقديرات المفوضية الأوروبية، فإن دمج اقتصاد أوكرانيا، رغم تأثره الكبير بالحرب، سيؤدي إلى تغييرات في نظام الدعم الزراعي والإنمائي، وقد يفرض تعديل أولويات الميزانية الأوروبية بشكل شامل.
وتخشى بعض الدول الأعضاء أن يتسبب ذلك في تقليص حصتها من الدعم، مما يزيد من التحفظ السياسي تجاه التوسّع.
وفي المقابل، ترى دول أوروبا الشرقية أن ضمّ كييف خطوة ضرورية لاستكمال مشروع أوروبا الموحّدة والحرة، كما وصفها الرئيس البولندي الأسبق ألكسندر كفاشنيفسكي في التقرير.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات الاتحاد الأوروبی العضویة الکاملة انضمام أوکرانیا الدول المرشحة داخل الاتحاد التقریر أن بعض الدول ی نظر إلى التوس ع فی حین من جهة إلى أن أن هذا
إقرأ أيضاً:
الاتحاد الأوروبي يبحث تدريب 3 آلاف شرطي فلسطيني
يبحث الاتحاد الأوروبي، الأسبوع المقبل، خطة لتدريب ثلاثة آلاف شرطي فلسطيني تمهيدًا لنشرهم في قطاع غزة ، في وقت أعلنت فيه إندونيسيا أنها جهّزت ما يصل إلى 20 ألف جندي ضمن القوة الدولية المزمع نشرها في القطاع، بينما لا يزال توقيت نشر هذه القوة وطبيعة تفويضها غير واضحة.
وبحسب ما أفادت به وكالة "رويترز"، فإن وثيقة داخلية للاتحاد الأوروبي، أعدتها الذراع الدبلوماسية للتكتل قبل اجتماع وزراء الخارجية في 20 تشرين الثاني/نوفمبر، تقترح توسيع مهام بعثات الاتحاد المدنية في المنطقة. ويشمل ذلك تدريب شرطة غزة كجزء من الخطة المكوّنة من 20 بندًا التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وتشير الوثيقة إلى أن بعثة دعم الشرطة التابعة للاتحاد يمكن أن "تتولى زمام الأمور في تدريب قوة الشرطة الفلسطينية في غزة"، عبر تدريب مباشر لثلاثة آلاف شرطي مسجّلين على قوائم السلطة الفلسطينية، مع هدف بعيد المدى يشمل تأهيل قوة كاملة قوامها 13 ألف عنصر.
وتأتي هذه الخطوة فيما لا تزال المراحل اللاحقة من خطة ترامب غير واضحة، رغم اكتمال وشيك لتنفيذ بنود المرحلة الأولى التي دخلت حيّز التنفيذ في 11 تشرين الأول/أكتوبر. وتؤكد الوثيقة الأوروبية ضرورة تعزيز عمل بعثات الاتحاد في مجالي الشرطة والقضاء واستمرار دعم إدارة الحدود.
وتطرح الوثيقة الأوروبية خيار توسيع نطاق مهمة مراقبة الحدود المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي في رفح، ليشمل معابر حدودية أخرى. ولكن احتمالات مضي الاتحاد الأوروبي قدما في هذه المبادرات يكتنفها الغموض، وفقا لـ"رويترز".
وفي السياق نفسه، قال وزير الدفاع الإندونيسي، اليوم، إن بلاده درّبت نحو 20 ألف جندي "كحد أقصى"، موضحًا أن المهام الموكلة لهم ستتركز على "الصحة والإعمار". وأضاف: "نحن في انتظار المزيد من القرارات بشأن إجراءات السلام في غزة".
وأشار إلى أن الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو سيبحث المبادرة الأميركية خلال لقائه الملك الأردني عبد الله الثاني، الذي يبدأ زيارة رسمية إلى جاكرتا. وأكدت إندونيسيا أنه لم يُتخذ بعد أي قرار بشأن حجم القوة أو موعد نشرها، وأن مشاركتها تحتاج إلى تفويض من مجلس الأمن الدولي.
وأعدت واشنطن مسودة لتشكيل قوة متعددة الجنسيات تُمنح تفويضًا "باستخدام جميع التدابير اللازمة" لنزع السلاح في غزة وتأمين الحدود وإيصال المساعدات، إلى جانب دعم شرطة فلسطينية جديدة يتم تدريبها لنشرها في القطاع.
وكان الرئيس الإندونيسي قد صرّح أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر بأن بلاده مستعدة لنشر "20 ألف جندي أو أكثر" للمساعدة في تأمين السلام إذا صدر قرار دولي. فيما شدد وزير الخارجية الإندونيسي على الحاجة إلى قرار من مجلس الأمن قبل الانخراط في أي قوة دولية.
وتظل جاكرتا من أبرز الداعمين لحل الدولتين ومن المنتقدين لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، رغم أن محللين يشيرون إلى تغيّر نسبي في خطاب برابوو، الذي كرر دعوته إلى إقامة دولة فلسطينية بالتوازي مع "ضمان سلامة وأمن إسرائيل".
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار العربية والدولية جنوب إفريقيا تسمح بدخول 130 فلسطينيا بعد رفضها في البداية غوتيريش يدعو للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة صورة: تقرير استخباراتي جديد يفتح ملف “الدروع البشرية” مجددًا في الحرب على غزة الأكثر قراءة محدث: القسام والسرايا تسلمان جثة أحد أسرى الاحتلال في جنوب قطاع غزة حماس تطالب بعدم الانخراط في أي مشاريع تطبيعية مع إسرائيل مصرع طالبين من الداخل وغزة جراء تعرضهما للاختناق في تركيا الرئيس عباس يفتتح معرض "بيت لحم: ميلاد جديد" في الفاتيكان عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025