لا تتركوا السودان يصبح أفغانستان في أفريقيا
تاريخ النشر: 17th, November 2025 GMT
برغم أن العاصمة السودانية الخرطوم تقع الآن تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية (SAF) التابعة للفريق أول عبد الفتاح البرهان؛ فإن قوات الدعم السريع RSF المنافسة لها والتابعة للفريق محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي تسيطر على الأجزاء الغربية من السودان. وقد استعادت قوات الدعم السريع السيطرة على مدينة الفاشر عاصمة دارفور الشمالية خلال الشهر الماضي وسط مزاعم بارتكاب مجرزة للمدنيين.
ومن دون وقف لإطلاق النار ومفاوضات مدعومة دولية من أجل تشكيل حكومة عريضة القاعدة يمكن أن يبقى السودان غارقا في مستنقع صراع طويل الأمد. وفي حين يحظى البرهان بدعم المقاتلين الإسلاميين المنتمين إلى الإخوان المسلمين فمن المتوقع أن يواصل حميدتي طلب الدعم من القبائل المحالفة والسودانيين المناهضين للإسلاميين ومن داعمين خارجيين.
وهذا الوضع مماثل لغفلة العالم عن أفغانستان بعد الانسحاب السوفييتي سنة 1989 الذي أثمر عن صعود طالبان وتوفيرهم ملاذًا آمنا لتنظيم للقاعدة بما مهد الطريق لهجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد حروب مطولة يبدو الآن أن تنظيم القاعدة وفرعه العدمي، أي: داعش قد تراجعا من حيث القوة، لكن القوات المتطرفة في العالم الإسلامي لها تاريخ في تجديد أنفسها في أشكال أخرى وعلى مسارح مختلفة.
وتظل الإسلامية المتطرفة هاجسا أمنيا عالميًا، ولا شك أن ترك السودان ليصبح معقلًا جهاديًا جديدًا يمثل خطأ استراتيجيا. فثمة فرع لتنظيم القاعدة متأهب بالفعل لتحقيق مكتسبات إقليمية وسيطرة محتملة على مالي في غرب أفريقيا.
وليس من قبيل المصادفة أن القاعدة حاولت أن تقيم نفسها أول الأمر في السودان في أوائل تسعينيات القرن الماضي قبل أن تجد ملاذا لها في أفغانستان.
ولقد مر كل من السودان والمنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان بجهاد ضد قوى أوروبية بما أسفر عن دول إسلامية قصيرة الأعمار في الأزمنة الحديثة نسبيا.
ترجع جذور إخفاقات السودان الداخلية ـ عبر سنوات من الخلل السياسي والحكم العاجز والتناحر العسكري ـ التي أضرمت الصراع القائم بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى الانقلاب العسكري الذي دبره منظِّر الإخوان المسلمين حسن الترابي وجاء إلى السلطة بعمر حسن البشير.
خسر الترابي صراع السلطة الداخلي أمام الفريق البشير الذي أطيح به من السلطة بعد مظاهرات شعبية في عام 2019، لكن يظل المتطرفون الإسلاميون عنصرا مهما في صراع السودان.
ومن أجل الإطاحة بقوات الدعم السريع من الخرطوم سعت القوات المسلحة السودانية إلى دعم آلاف من عناصر المخابرات السابقين الذين كانوا يعملون في ظل حكم الفريق عمر البشير.
فذلك تحالف شبيه بالذي شكله ذات يوم الفريق البشير مع الترابي. وفي لقاء في إسلام أباد سنة 1994 قال لي الترابي: إن الجنرالات الطموحين الساعين إلى السلطة يكونون شركاء مثاليين للإسلاميين؛ ذلك أن «طموحهم يحتاج إلى غطاء أيديولوجي، ولأننا نحن الإسلاميين نحتاج إلى طريق مختصر إلى السلطة لتحقيق حلم الدولة الإسلامية» حسبما قال لي الترابي.
وقد دفع السودان ثمنا غاليا للتحالف بين الإسلاميين والجنرال الطموح قبل عقود من الزمن. وقد يتكرر الأمر من جديد.
قد يكون في شراكة القوات المسلحة السودانية مع الإسلاميين خطر يتمثل في تحويل السودان إلى قاعدة عمليات للشبكات المتطرفة التي تستهدف شمال أفريقيا والممرات التجارية البحرية الحيوية في البحر الأحمر، وقد تخرب أيضا طريق السودان نحو التطبيع بموجب الاتفاقات الإبراهيمية.
فقد تعرض الفريق البرهان ـ الذي وقّع على الاتفاقيات ـ لعقوبات من الولايات المتحدة، كما وجهت الاتهامات لكل من قوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بتنفيذ هجمات عشوائية، واستهداف المدنيين، ومنع المساعدات الإنسانية، والتورط في انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان.
لقد كان نجاح الفريق البرهان في استعادة الخرطوم إغراء له بالسعي إلى تحقيق نصر عسكري.
وألقت حكومته اللوم على الإمارات العربية المتحدة في إدامة الحرب الأهلية بسبب دعمها لمنافسه، لكن هذا وحده لا يفسر الإخفاقات الداخلية في السودان بقدر ما يصرف الانتباه عن تحالف البرهان مع الإسلاميين.
لقد أظهرت الحرب الأهلية المستمرة منذ سنتين وتباين حظوظ الجانبين أن الصراع في السودان لن ينتهي عبر الطريق العسكري وحده.
فالسودان ذو تركيبة عرقية وجغرافية معقدة، وحربه الأهلية يمكن أن تستمر سنين تشهد استمرار الفصيلين الكبيرين في الاستيلاء على أجزاء مختلفة من البلد. وقد تحيل حرب أهلية مطولة السودان إلى بلد فاشل ـ شأن اليمن ـ خاضع لسيطرة فصائل راديكالية، أو تتركه منقسما شأن ليبيا المنقسمة عمليا إلى حكومتين منذ حربها الأهلية.
ومن شأن أي انهيار آخر للسودان أو تفكك له أن يؤثر تأثيرا كبيرا على إثيوبيا، وتشاد، وجنوب السودان، والقرن الأفريقي.
ومن شأنه أن يؤثر على أفريقيا والشرق الأوسط، وقد تكون له عواقب غير مقصودة شبيهة بعواقب صعود طالبان في أفغانستان التي أدت إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
فلا بد للأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكذلك البلاد العربية والأفريقية أن تمد يد المساعدة للحيلولة دون وقوع هذه الكارثة.
يجب على المجتمع الدولي أن يدعو إلى وقف فوري غير مشروط لإطلاق النار في السودان لمنع الانهيار التام للدولة. ويجب إثر ذلك أن تبدأ محادثات من أجل تشكيل حكومة عريضة القاعدة في الخرطوم.
فلن يؤدي استمرار العداوة إلا إلى زيادة في التكلفة البشرية، وخلق فراغ في السلطة من المحتوم أن الجماعات المتطرفة سوف تستغله.
وفي ظل تمركز القوات المسلحة السودانية في العاصمة وسيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر؛ فإن من الممكن تشجيع الفصائل المتنافسة على الانخراط في مفاوضات سياسية.
وقد تكون هذه لحظة جيدة لأن يستعمل الرئيس دونالد ترامب نفوذه، ويفسح المجال للدبلوماسية لا الصراع غير النهائي كي تقرر مستقبل السودان.
حسين حقاني سفير سابق لباكستان لدى الولايات المتحدة
الترجمة عن ذي ناشونال إنتريست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القوات المسلحة السودانیة قوات المسلحة السودانیة قوات الدعم السریع فی السودان
إقرأ أيضاً:
تصاعد الأزمة الإنسانية بالسودان والبرهان يدعو لحمل السلاح.. «الأمم المتحدة» في دائرة الاتهام!
استعاد الجيش السوداني السيطرة على محلية أم دم حاج أحمد ومنطقة كازقيل في ولاية شمال كردفان، عقب مواجهات عنيفة مع قوات الدعم السريع، وفقًا لما ذكرته وسائل إعلام سودانية.
وأكدت المصادر العسكرية أن الجيش نفذ عمليات واسعة، شملت ضربات مدفعية مكثفة وغارات جوية باستخدام الطائرات المسيرة على مواقع قوات الدعم السريع في عدة مناطق بإقليم كردفان، ما أجبر القوات على التراجع نحو منطقة الحمادي القريبة من الدبيبات جنوب الولاية.
في السياق، رحّبت حكومة محمد حمدان دقلو بزيارة لجنة تقصّي الحقائق إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها، معتبرة أن الاتهامات المرتبطة بوقائع الفاشر تستند إلى معلومات مضللة.
وأوضحت الحكومة في بيان أن الإفادات الواردة في جلسة مجلس حقوق الإنسان حول الفاشر والمناطق المحيطة بها تعتمد على أخبار كاذبة وفيديوهات مضللة، مؤكدة أن المدينة كانت تحت سيطرة جماعات الإسلام السياسي وميليشيات متحالفة معها قبل تحريرها.
وأضاف البيان أن من يقوّض الهدن الإنسانية ويرفض وقف إطلاق النار هو نفسه من أشعل الحرب، وأن الحكومة ستواصل مد الأيدي للسلام “بأياد قوية”.
على المستوى الدولي، أكدت الإمارات وواشنطن أن السودان يعيش أسوأ أزمة إنسانية، وأن الحل لا يمكن أن يكون عسكريًا، مشددتين على ضرورة دفع الطرفين نحو هدنة إنسانية مؤدية إلى وقف دائم لإطلاق النار وانتقال إلى حكومة مدنية مستقلة.
ودعا مندوب الإمارات في مجلس حقوق الإنسان، جمال المشرخ، القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى الوقف الفوري لجميع الهجمات ضد المدنيين، محذرًا من أنها تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي.
من جانبه، دعا مسعد بولس، مبعوث الرئيس الأمريكي إلى إفريقيا، أطراف النزاع في السودان إلى الموافقة فورًا على هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، واصفًا الوضع الحالي بأنه “أكبر أزمة إنسانية في العالم”.
وقال بولس في تصريح لوكالة فرانس برس يوم السبت إن الحرب في السودان أدت إلى فظائع غير مقبولة، لا سيما في مدينة الفاشر خلال الأسابيع الأخيرة، داعيًا إلى وقف هذه الانتهاكات بسرعة.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة وشركاؤها في الوساطة يسعون إلى تنفيذ الهدنة الإنسانية فورًا، ضمن خطة أوسع تشمل وقف إطلاق النار الدائم والانتقال إلى حكم مدني، مع التأكيد على عدم مشاركة أي من الأطراف المتحاربة في المرحلة الانتقالية.
وأكد بولس أن الأولوية القصوى حاليا تبقى للجانب الإنساني ونجاح الهدنة، مع أمل إحراز تقدم ملموس خلال الأسابيع المقبلة في خطة الانتقال السياسي.
البرهان يدعو السودانيين لحمل السلاح ويشترط تسليم الدعم السريع قبل أي تفاوض
دعا القائد العام للجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، المواطنين القادرين على حمل السلاح للانضمام إلى القتال ضد قوات الدعم السريع، مؤكداً أنه لا مكان لهذه القوات ومن تعاون معها داخل السودان.
وألقى البرهان خطابه أمام تجمع في قرية السريحة بولاية الجزيرة، مشيراً إلى أن المنطقة شهدت مقتل عشرات المدنيين خلال سيطرة الدعم السريع عليها، وفق تقارير صحفية.
وشدد البرهان على عدم وجود أي هدنة أو حديث للتفاوض مع الدعم السريع، وربط أي حوار محتمل بتجميع عناصرهم في مكان واحد وتسليم السلاح بالكامل، مؤكداً أن الجيش سيواصل العمليات العسكرية حتى تحقيق ما وصفه بالاقتصاص والقضاء على التمرد.
وأشار البرهان إلى أن الحرب أضرت بالسودانيين، وأن التمرد تسبب في نهب وقتل، معتبراً أن المواطنين يفرّون من مناطق سيطرة الدعم السريع نحو مناطق الجيش.
تحالف “تأسيس” يتهم مجلس حقوق الإنسان الأممي بتقديم معلومات مضللة حول الفاشر
اتهم تحالف السودان التأسيسي “تأسيس” مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالاعتماد على معلومات مضللة وصور غير دقيقة خلال جلسة عقدت الجمعة لمناقشة الأوضاع في مدينة الفاشر بإقليم دارفور.
وأوضح التحالف، في بيان أصدره السبت المتحدث الرسمي علاء الدين نقد، أن التقارير المقدمة تجاهلت الحقائق الميدانية التي تشير إلى تحسن الأوضاع بعد تحرير المدينة واستعادة الأمن فيها.
وأشار البيان إلى أن الإفادات المقدمة خلال الجلسة استندت إلى “أخبار كاذبة وصور مصطنعة بتقنيات الذكاء الاصطناعي”، متجاهلة عودة المستشفيات للعمل، وصول المساعدات الإنسانية، وجهود الفرق الهندسية في إزالة الألغام، إضافة إلى زيارة وفد “حكومة السلام” للفاشر ومبادرة الجماعات المحلية لتسهيل عودة السكان بعد انسحابها.
وأكد التحالف أن الجلسة لم تتطرق إلى الجهود الحكومية مثل تشكيل لجنة قانونية مستقلة للتحقيق في الانتهاكات واعتقال المتورطين في مخالفات فردية.
وجدد التحالف ترحيبه بزيارة لجنة تقصي الحقائق الأممية، داعياً إلى تقييم ميداني قائم على الوقائع، مؤكداً التزامه بدعم مسار السلام وأهداف ثورة ديسمبر المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة.
وكانت رحبت وزارة الخارجية السودانية بقرار مجلس حقوق الإنسان الذي أدان الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها “قوات الدعم السريع” والمجموعات المتحالفة معها في الفاشر، مؤكدة احترام سيادة السودان ووحدته، ودعت جميع الأطراف إلى التعاون مع آليات حقوق الإنسان القائمة لتعزيز الرصد وتحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب.
يذكر أن “قوات الدعم السريع” سيطرت على الفاشر في 26 أكتوبر الماضي، عقب معارك مع الجيش السوداني، فيما يشير مراقبون إلى أن انسحاب الجيش جاء بعد تكبد خسائر عسكرية، بينما نفت حركة “جيش تحرير السودان” صحة بعض الادعاءات حول استعادة القوات السيطرة على مدن استراتيجية أخرى.