العروض السينمائية تطرق قضايا الذات والمجتمع
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
هيمنت الأفلام السعودية والكويتية على شاشة العروض في المهرجان، وتم عرض أفلام روائية طويلة وقصيرة ووثائقية، وشهد اليوم الأول عرض فيلم "همم" وثائقي عُماني، و"فتاة عيد الميلاد" روائي قصير إماراتي، و"بقشة سعد" وثائقي كويتي، و"تشظي" روائي قصير كويتي، و"وهم" روائي قصير عُماني، و"الجانب المظلم من اليابان" وثائقي بحريني.
أما عروض المساء، فيفتح الفيلم الإماراتي الروائي القصير "زمجرة" نقاشا حول الأخطاء الطبية وتأثيرها النفسي، ويعيد النظر في كيفية تعامل المجتمع مع المرض، ومع فكرة أن الإنسان قد يحمل شعورا بالخطر حتى بعد زوال الخطر نفسه، ويروي قصة مذيع يقف عند نقطة فاصلة في حياته، لحظة تخبره فيها كلمات طبيب واحد بأن السرطان ينهش جسده. تلك العبارة لم تكن مجرد خبر طبي، بل كانت بداية انهيار داخلي أعاد ترتيب كل ما كان يعرفه عن نفسه والعالم. يدخل البطل في رحلة علاج تتوالى فيها لحظات الألم الجسدي والارتباك النفسي. ومع مرور الأيام تتغير نظرته إلى الحياة، فيصبح منعزلا، ويراقب الأشياء بحدة وقلق، وكأن العالم لم يعد مكانه الطبيعي.
تنعكس هذه التغيرات على برنامجه الإذاعي، حيث يتحول من مذيع هادئ إلى رجل يواجه المتصلين بلا مجاملة، يقاطعهم، ويذكرهم بأن خلافاتهم اليومية ليست سوى شيء تافه أمام الحياة. وتبلغ القصة ذروتها حين يجلس في جلسة علاج نفسي، محاولا أن يسرد ما ظل يتحمله بصمت. يعترف بخوفه وانهياراته، وبينما ينحدر في اعترافاته، تتكشف الصدمة في أن الطبيب الذي أخبره بالمرض أخطأ في قراءة ملفاته، والتشخيص لم يكن صحيحا من الأساس. كل ذلك الألم، كل تلك الأشهر من الخوف والانعزال، كانت نتيجة خطأ طبي. وتأتي نهاية الفيلم بأن يظهر الطبيب ذاته في مكتب الأخصائي النفسي يطلب المساعدة. لا يصرح الفيلم بأن هناك عقابا رسميا أو صداما بينه وبين المريض، لكنه يترك المشهد مفتوحا على فكرة العدالة الشعورية.
وبعده تم عرض الفيلم البحريني الروائي القصير "المقعد"، ويقدم رؤية فلسفية حول طبيعة الإنسان وصراعه مع ذاته، وتكشف أن أكثر المعارك شراسة هي تلك التي تدور داخل النفس، فالأحداث التي تبدو غريبة، والأماكن التي تتبدل بلا منطق، والشخصيات التي تظهر برجل يعيش معاناة وهو عالق في صراع مع ذاته أكثر من كونه هاربا من خطر خارجي. يبدأ بالمتاهة تتسع فيها الممرات وتتشابك الطرق مع غياب المخرج. بعدها تظهر شخصية تهاجمه وكأنها تمثيل للصراع الداخلي الذي يتجنبه. وعندما يسقط هذا الرجل داخل المتاهة تبدأ الجدران بالتحطم والانهيار. يهرب بسيارته عبر الطريق الممتد وسط الغابة، فيظهر الرجل ذاته أمام السيارة مرة أخرى، وكأن الماضي مهما دفن سيعود في لحظة ما. ويعرض الفيلم رسالة خاصة أن الإنسان لا يمكن أن يهرب من نفسه. فالأخطاء، والمخاوف، والذكريات، والندم، جميعها تعود لتفرض وجودها، سواء حاول الإنسان تجاهلها أو إقناع نفسه بأنه تخلص منها.
وجاء بعدها الفيلم الوثائقي العُماني "القلاد"، الذي يتناول صناعة الحبال من ليف الأشجار، وهي صورة حية لإحدى الحرف التقليدية العريقة في المجتمع العُماني، موثقا مراحل العمل وأصوات الحرفيين وذاكرة المكان.
يحمل الفيلم رسائل ثقافية واضحة، أبرزها أن الحرف التقليدية جزء من الهُوية العُمانية، وتبدأ القصة بالتعرف على أحد الحرفيين المخضرمين، رجل قضى سنوات عمره في استخراج ليف الأشجار ثم تنظيفه وتفكيكه يدويا حتى يصبح صالحا للفتل. يظهر الرجل في بيته محاطا بأدواته القديمة، يحدث المشاهد عن تاريخ المهنة التي ورثها عن آبائه. بحضور ابنه الذي يرافقه لتعلم الحرفة.
ويتم عرض مراحل صناعة الحبال، بدءا من استخراج الليف من جذوع الأشجار وتجفيفه في الشمس وضربه بالأدوات اليدوية لتفكيك أليافه، ثم جمعه وفتله تدريجيا حتى يتشكل الحبل المتماسك، موضحا كيف يختبر الحرفي صلابة الحبل وكيف تختلف أنواعه بحسب الاستخدامات بين الحبال البحرية والزراعية والمنزلية. كما يستضيف الفيلم أحد الباحثين المهتمين بتاريخ الحرف العُمانية ليقدم خلفية معرفية عن أصول هذه المهنة ودورها في حياة المجتمع التقليدي وكيف اعتمد عليها أهل البحر والبر لعقود طويلة قبل ظهور البدائل الصناعية، مؤكدا على علاقة الإنسان العُماني بالأشجار التي تشكل رابطا بين البيئة والناس.
بعد ذلك تم عرض الفيلم الكويتي الروائي القصير «ونعم» الذي يقدم قصة ساخرة تعكس تناقضات التعاملات الإدارية في المجتمع. يحمل الفيلم رسالة اجتماعية واضحة عن الوجاهة الوهمية والطريقة التي تتم التعامل بها المؤسسات وفق المظهر أو الانطباع الاجتماعي لا وفق الحق أو القانون، وتدور أحداثه حول مهندس ميكانيكي قرر التوجه إلى الوزارة لمعادلة شهادته الجامعية التي حصل عليها من سنغافورة، وعند وصوله إلى المبنى، استلم تذكرة برقم 118 في حين كان الرقم الجاري خدمته هو 78، ما اضطره إلى الانتظار لفترة طويلة قبل أن يحين دوره. خلال فترة الانتظار، لاحظ أن بعض المراجعين يتمتعون بمعاملة خاصة، حيث يستقبلون بعبارات ترحيب دافئة مثل "ونعم"، "تفضل"، "حياك الله"، فتساءل عن سبب هذا التمييز لكنه لم يجد تفسيرا واضحا. وعندما وصل دوره أخيرا، قدم أوراقه بثقة، إلا أن الموظف رفض معاملته بسبب تعميم جديد ينص على عدم قبول الشهادات الصادرة من سنغافورة، فخرج الرجل محبطا وعاد إلى ورشته ليعمل في إصلاح السيارات وكأنه عاد إلى نقطة الصفر.
مع مرور الوقت، سمع الرجل عن مسابقة تمنح الفائز فيها وساما أو مبلغا ماليا، وعلى الرغم من أنه لم يكن يؤمن عادة بمثل هذه المسابقات، قرر المشاركة دون أن يخبر أصدقاءه، وفاز بالجائزة بشكل غير متوقع. وعندما ذهب ليستلمها، سأله مدير المسابقة عن رغبته بالجائزة نقدا أم بالوسام، وكان الوسام يحمل كلمة "ونعم"، فاختار الرجل الوسام بدافع الفضول والأمل، وعلقه على صدره، ثم عاد إلى الوزارة مجددا لتقديم أوراقه مرة أخرى. وما إن رآه الموظفون وهو يحمل الوسام، حتى تبدلت معاملتهم تماما، إذ استقبل بترحيب بالغ، وتمت معاملته بسرعة، بل وتم قبول شهادته التي رفضت سابقا، فقط بسبب هذا الشعار الذي أصبح رمزا للهيبة والوجاهة في نظر الموظفين، ليكشف الفيلم بأسلوب ساخر كيف يمكن أن تتحول المعاملة من الرفض إلى القبول بمجرد امتلاك "وسام" يوحي بالمكانة الاجتماعية.
واختتمت العروض المسائية بالفيلم السعودي الروائي الطويل "سلمى وقمر"، الذي يعود إلى فترة التسعينيات من القرن الماضي، باستعمال أدوات مثل الأشرطة والكاسيت والأقراص المدمجة، ويمثل صورة للعلاقة الإنسانية عابرة الحدود. حيث يعرض حياة طفلة صغيرة تنشأ في أسرة سعودية تستقدم سائقا سودانيا يكون معها علاقة إنسانية عميقة قائمة على الحنان والحماية، إذ يرى فيها صورة ابنته التي تركها في وطنه، بينما يجد فيه الأبوان شخصا أمينا يعتمدون عليه في رعاية صغيرتهم. تحمل الأم الفلسطينية هموم وطنها وتزرع في ابنتها قيم الكرامة والانتماء، في حين يظل الأب رجل أعمال مشغولا، لكنه محب وداعم لطموحات ابنته.
تكبر الفتاة تدريجيا وتبدأ في اختبار العالم من حولها، فتتعلم قيادة السيارة رغم القيود في ذلك الزمن، وتدخل في علاقة عاطفية مع شاب، في وقت يظل فيه السائق السوداني حاضرا بحكمته وحنانه، متابعا لها ويحاول حمايتها، موزعا بين احترامه لحدود دوره وإحساسه الأبوي العميق. تتسم حياة الفتاة بالتمرد أحيانا، مما يؤدي إلى تصادمها مع الأسرة والسائق، وتمر بظروف صعبة، أبرزها وفاة الأب ما يترك أثرا بالغا في نفس الفتاة. وتقرر لاحقا السفر للدراسة ودعم والدتها التي بقيت وحدها، بينما يعود السائق السوداني إلى وطنه ليكون إلى جانب أسرته، تاركا أثرا معنويا في ذاكرة الفتاة.
وعرضت اليوم أفلام : "مملكة الليفو" روائي طويل عُماني، و"سوار" روائي طويل سعودي، و"شريط مكس" روائي قصير بحريني، و"العيد عيدين" روائي طويل إماراتي، و"عثمان في الفاتيكان" وثائقي سعودي، و"سلندر" روائي قصير عُماني، و"حوبة" روائي طويل إماراتي، و"ميرا ميرا ميرا" روائي قصير سعودي، و"الجميع يشهد" وثائقي كويتي، و"دينمو السوق" وثائقي سعودي، "وإزعاج" روائي قصير كويتي، و"المجهول" روائي قصير عُماني، و"انصراف" روائي قصير سعودي.
في حين يعرض اليوم الفيلم الكويتي الروائي الطويل "أخ"، والفيلم القطري الروائي القصير "قرابة".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الروائی القصیر روائی قصیر روائی طویل الع مانی ع مانی
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد العُماني والأجانب
خلفان الطوقي
كتبتُ عدة مقالات حول موضوع الاقتصاد العُماني والأجانب، وكلما تطرقت إلى هذا الموضوع أجد نفسي مُلزمًا بأن اتطرق إليه مرة أخرى من زاوية مختلفة، والسبب حجم التفاعل بعد كل مقالة، وأهمية هذا الموضوع الذي يمس مُعظم أفراد المجتمع عُمانيين ومُقيمين بشكل مباشر أو غير مباشر، عليه؛ فالموضوع مُتجدِّد، ويحتاج إلى مزيد من تسليط الضوء والدراسة الميدانية العميقة، وتطويره وتحسينه باستمرار.
قانون الإقامة والهجرة نابض بالحياة عند متخذي القرارات، وهناك مبادرات عديدة قامت بها الحكومة لجذب مزيد من البشر إلى عُمان، وآخر هاتين المبادرتين هما: الإقامة الذهبية، والإقامة الثقافية، إضافة إلى مبادرات أخرى، والسؤال الواجب طرحه: هل على يجب أن تستحدث مثل هذه المبادرات؟ أو أن تتوقف تمامًا؟
الجواب الذي أجده مناسبًا هو أن تستحدث مبادرات نوعية أخرى لجذب مزيدٍ من السكان إلى عُمان؛ فالجذب ليس بالضرورة أصحاب رؤوس الأموال فقط؛ بل المكسب يكون في التعددية والتنوع الذي يؤدي إلى تلاقح الثقافات والأفكار التقدمية التي تستطيع استشراف المستقبل بفرصه وتحدياته، وكيفية الاستفادة القصوى منهما.
حان بعد 55 عامًا من مسيرة عُمان الحديثة، أن نجيب على السؤال الجوهري من نُريد من غير العُمانيين أن يأتي إلى عُمان؟ ولماذا نُريدهم؟ وأن نجيب بكل شفافية وصراحة: لماذا التوجس والتخوف من البعض من الأجانب؟ وهل هذا التوجس من المواطنين البسطاء أو من المشرعين ومتخذي القرار؟
حان الوقت أن تكون خارطة من نسعى إلى قدومهم واضحة من أصحاب المهن والمهارات والأفكار والملاءة المالية، فأي أجنبي ذو قيمة مضافة، تكون عوائده أضعاف مخاوفنا منه، ومُعظم هذه الهواجس أن تم تفتيتها وتفنيدها ستجد أن الهواجس في أحيانٍ كثيرة مبالغا فيه وغير مبررة، ولها مُعالجات سهلة وعديدة.
لا يمكن للاقتصاد العُماني أن ينمو مع المعطيات والظروف الحالية؛ فهو يحتاج إلى عوامل إضافية منها توفر عوامل عديدة منها أرقام إضافية من البشر تتناسب مع الخدمات والسلع المتوفرة في السوق المحلي، ومضاعفة رؤوس أموال، وأفكار ومبادرات نوعية مبتكرة، ولن تتوافر هذه العوامل إلا من خلال مزيد من استقطاب وتسهيل دخول الفئات المختارة من الأجانب، بترويج إضافي، وبدون شروط تعجيزية.
هناك استحقاقات عديدة ومعقدة في انتظار عُمان خلال الخطة الخمسية الحادية عشرة، وهو الربع الثاني من رؤية "عُمان 2040"، وسوف تكون تحديا حقيقيا، وما علينا إلّا أن نحدد من نريد من الأجانب دون هواجس مبالغة، أو تنمر من البعض، أو قرارات ارتجالية بناء على رِدَّات فعل لحظية دون دراسات علمية دقيقة، أضف إلى ذلك أن عُمان دولة قانون وقوية وعليها أن لا تخشى من أحد، كما أن عليها أن تؤمن بأنَّها دولة سلام وتسامح، والتعددية الفكرية سوف يجعلها أقوى وأسرع في ديمومة التنمية المستهدفة، دون قلق أو أوهام البعض، ودروس التاريخ قدمت لنا الدروس والعِبر.
رابط مختصر